“ماذا؟ عن ماذا؟”
“قلتِ إنّ كارهيل ليس مرشّحًا للزواج، فماذا عنّي؟”
تساءلتُ عما يتحدّث، فطرق إينوك الطاولة بإصبعه وتمتم بجديّة.
“على الأقل، يبدو أنّ مظهري مقبول.”
“… جلالتك، يبدو أنّك أكثر ثقة بمظهرك ممّا توقّعت.”
“بفضل من مدحني للتو.”
‘هم، يظنّ أنّني سأقع في فخه مجدّدًا؟’
بالتأكيد يمزح.
بعد أن أوقعني كلامه “اشتقت إليكِ”، هززتُ رأسي متظاهرة بالهدوء.
“لا، كما قلتُ، لا أنظر إلى المظهر فقط.”
“الشخصيّة، الأذواق، يبدو أنّ الكثير يناسبنا، أليس كذلك؟”
“هم… نعم، يناسبنا نوعًا ما…؟”
“ألم تقولي من قبل إنّكِ تشعرين بالراحة معي؟”
“هل… قلتُ ذلك؟”
“وأنّه ممتع أيضًا.”
“نعم، قلتُ ذلك.”
لأنّه الحقيقة. ابتسم إينوك كالقمر الهلالي وهو ينظر إليّ وأنا أنجرف مع كلامه.
“إذن، ألستُ جيّدًا جدًا؟”
“جيّد؟ ما الجيّد في ذلك؟ توقّف عن المزاح واذهب الآن.”
“لستُ أمزح.”
دفعته للنهوض وهو يبدو غير راغب في الحركة، وسلمته عباءته الجافة.
“كفى. لن أنخدع بعد الآن، اذهب بسرعة.”
لوّحتُ له وهو يقف كتمثال في وسط الغرفة، فاستدار فجأة.
بدا عابسًا نوعًا ما…
لا، ربّما أخطأتُ الرؤية.
“كن حذرًا في طريقك.”
مددتُ ذراعيّ وأنا أودّعه، لكن خطواته كانت تتّجه في اتّجاه خاطئ.
“الباب ليس هناك، بل هناك! مهلاً؟ لمَ تستلقي هناك؟”
ركضتُ نحوه وهو يستلقي على السرير بجانب النافذة المضاءة بالقمر، كأنّه سريره.
“إينوك، ماذا تفعل؟”
“أنا متعب جدًا، لا أستطيع خطوة واحدة.”
“… لكنّك كنتَ تمشي بخطوات واسعة للتو.”
“بسبب الحليب الذي أعطيتنيه، أشعر بالنعاس فجأة ولا أستطيع فتح عينيّ.”
“… لكنّك سألتني عن دليل لذلك.” “…”
فتح إينوك عينيه ببطء عندما رددتُ على كلامه.
“ألا يمكنني النوم هنا؟”
نظرتُ إلى عينيه الرماديّتين التي صارت فضيّة تحت ضوء القمر، وتنهّدتُ وجلستُ على السرير.
“تريد النوم هنا؟”
“نعم. ألم يمرّ وقت طويل منذ رأيتكِ؟ ولم نتواصل كثيرًا.”
“هم…”
“قلتِ إنّكِ ستكونين علاجي، أليس كذلك؟ يجب أن تعالجيني.”
“أوغ، هل تعلم أنّك خبيث؟ كيف أرفض عندما تذكر ذلك؟”
“أنا؟ أنا فقط أتبع نصيحة الشيوخ بالتلامس المتكرّر.”
نظرتُ إليه بانزعاج عند كلامه المؤثّر، ورفعتُ رأسه برفق لوضع وسادة تحته.
“هيا، ارفع رأسك. النوم على ذراعك سيؤذيها.”
“شكرًا للسماح لي بالبقاء.”
“… هل تعلم أنّك مزعج قليلاً اليوم؟”
“… هذا وهم.”
“على أيّ حال، نم جيدًا. وجهك يبدو كمن لم ينم ثلاث ليالٍ.”
أطفأتُ النور وانزلقتُ تحت الغطاء، لكن يدًا ظهرت فجأة، فأغمضتُ عينيّ.
“؟ تريد منّي أن أمسك يدك؟”
“نعم، سأنام ممسكًا يدك فقط.”
“… من أين تعلّمتَ هذا الكلام؟”
ضحكتُ واستلقيتُ مائلة، ممسكة يده الكبيرة.
“سأمسكها طوال الليل، فانم الآن.”
* * * “…”
استيقظتُ قبل إينوك، ونظرتُ إلى أيدينا المتشابكة.
كانت أصابعه الطويلة متشابكة بإحكام بين أصابعي.
‘ليست المرة الأولى التي أمسك يده فيها، فلمَ أشعر هكذا؟’
ربّما لأنّني أمسكتها طويلاً، أحسستُ بتشنّج.
شعور غريب يتسلّل من أطراف أصابعي جعل وجهي جديًا.
“ريانا…؟ إن استيقظتِ، أيقظيني… لمَ هذا التعبير؟”
“ما الخطب بتعبيري؟”
“يبدو… خطيرًا نوعًا ما.”
عبس إينوك، كأنّه لا يجد الكلمات بعد استيقاظه. “أجل، خطير. هل تشاجرتِ مع أحد أثناء نومي؟” “… لا، لم أفعل. انهض بسرعة.”
رددتُ بعشوائية وهربتُ من السرير، وأنا أربت على صدري.
“لمَ قلبي يخفق هكذا؟ هل أكلتُ شيئًا ثقيلًا بالأمس؟”
* * * “ريانا، هل لا يزال الصداع يزعجكِ؟”
“ماذا؟”
لاحظ إينوك تردّدي غير المعتاد، فوضع سكينه جانبًا.
هززتُ رأسي وأنا أربت على صدري المضطرب.
“لا، مجرّد شعور بالغثيان قليلاً، لكن…”
عضضتُ على فراولة لأتجنّب عينيه الرماديّتين القلقتين، ونقلتُ نظري.
“متى وصلتم؟”
كنتُ أعني الشيخين الجالسين بطبيعيّة عند طاولة الإفطار في الحديقة بدلاً من النزهة.
غمض الشيخ بالرداء الأبيض عينًا وهو يقطّع فطيرة.
“رأينا أنّ جلالته ليس في القصر هذا الصباح، فجئنا.”
“وماذا لو لم يكن هنا؟”
“هه، إن لم يكن في القصر، فهو عند السيّدة الماركيزة بالتأكيد.”
عدّل الشيخ جلسته متظاهرًا بعدم رؤية نظرة إينوك الحادة.
“بالمناسبة، قائمة طعام صغيرتنا غنيّة جدًا.”
بدت عيناه مندهشتين من طبق أرييل المليء بأنواع اللحوم منذ الصباح.
“هل من الجيّد أن تأكل هكذا؟ أسنانها لم تنمو بالكامل بعد.”
“رييلي لديها أسنان!”
فتحت أرييل فمها عند صوته القلق، فبرقت أسنانها اللبنيّة الصغيرة.
“حقًا؟ يبدو أنّها توقّفت عن طعام الأطفال بالأمس، متى نما هذا؟”
“أرييل سريعة قليلاً، أليس كذلك؟ لا تأكل إلّا اللحم، فصار هكذا.”
شعرتُ بالحرج من طبق أرييل الخالي من الخضروات، وفركتُ شفتيّ.
“حاولتُ إطعامها طعامًا متوازنًا خوفًا على صحّتها، لكنّ الأمر ليس سهلاً.”
“السيّدة الماركيزة.”
“نعم؟”
“اتركي الأمر لي.”
ابتسم الشيخ بالرداء الأبيض بثقة، مدّعيًا أنّه أصلح عادات أحفاده الغذائيّة، وبدأ يتحدّث إلى أرييل.
“هيا، صغيرتي. يجب أن تأكلي الجزر والبازلاء أيضًا.”
“لا أريد!”
“إن لم تأكلي، سيصبح هؤلاء الأصدقاء حزينين.”
“هم؟ حزين؟”
“نعم. ولتصبحي بالغة قويّة، يجب أن تأكلي طعامًا متوازنًا. فهل تجربين قضمة؟”
“هم… لا أريد…”
عبست أرييل وهي تفرك قطعة اللحم في يدها، ثم هزّت ساقيها كأنّها تذكّرت شيئًا.
“إذن، يأكلها جدّي!”
“ماذا؟”
“هكذا، هكذا. رييلي تأكل اللحم!”
أدخلت الطفلة قطعة دجاج في فمها، ووضعت جزرة مقطّعة في فم الشيخ.
“إذا أكل جدّي الجزر، لن يحزن أحد! ورييلي تكون قويّة حتّى لو أكلت اللحم فقط!”
“آه، لا، هذا…”
ارتبك الشيخ بالرداء الأبيض، يرمش بعينيه وفمه مملوء بالجزر.
ضحك الشيخ بالرداء الأسود، مضربًا الشوكة بالسكين.
“كفى، الطفلة لا تريد أن تأكل.”
“مهلاً، ألا تعرف أهميّة الطعام المتوازن للأطفال؟” “هم، عنيد!”
“عنيد؟ هل قلتَ عنيدًا؟”
“هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟ صغيرتي، كلي الكثير من اللحم.”
“نعم!”
هززتُ رأسي يمنة ويسرة وأنا أنظر إلى الشيخين يتجادلان وأرييل تأكل اللحم بسلام بينهما.
“علاقتكما وديّة جدًا.”
“أليس كذلك؟ كانا هكذا منذ القديم.”
“نعم، لكن… لمَ تنظر إليّ هكذا، إينوك؟”
“ماذا فعلتُ؟”
“لا، فقط…”
لم أجد التعبير المناسب، فأشرتُ إلى عينيه، فضحك إينوك وطرق طبقي برفق.
“ريانا، أصدقاء الخضروات حزينون. يجب أن تأكلي متوازنًا لتنموي قويّة.”
لقد أخفيتُ الخضروات تحت السمك جيدًا، فكيف وجدها؟
أضيقتُ عينيّ لتوبيخه المرح.
“أنا لستُ طفلة.”
“من الذي عاملني كطفل بالحليب بالأمس؟”
“وأنا كبرتُ بالفعل.”
“حقًا؟”
عبستُ عند سؤاله المغرض، وجمعتُ الخضروات من طبقي.
“إذن، يمكن لأصدقاء الخضروات أن يأكلهم إينوك. كل الكثير وانمو طويلاً كشجرة.”
“هل هذا ممكن؟”
… مهلاً؟ لمَ أشعر هكذا مجدّدًا؟
كنتُ أفكّك السمكة بعبوس، وضربتُ صدري عند ضحكة إينوك الصافية.
شعرتُ باضطراب في معدتي، كأنّ فراشات ترفرف بداخلها.
أدرتُ رأسي قبل أن تلتقي عينيّ بإينوك، وغيّرتُ الموضوع بسرعة.
“ذلك، ذلك!”
“؟”
“الشيخ، ما هذا؟”
نظر الشيخ بالرداء الأسود إليّ بدهشة عند صرختي، ثم سلّم إينوك لفافة كانت تبرز من صدره.
“تلقّيتها في القصر هذا الصباح. رسالة من الأمير كارهيل إلى جلالتك.”
“من كارهيل إليّ؟”
حرّك إينوك حاجبه قليلاً، وفتح اللفافة وقرأها بسرعة.
“ما محتواها؟ هل يريد تغيير شيء في العقد السابق؟”
“لا، ليس ذلك.”
رفع إينوك عينيه بعد قراءة الرسالة، وأعاد لفّها وسلّمها للشيخ.
“الأمير يطلب لقاءً لتناول الشاي معي.”
“هل ستوافق؟”
“هم.”
حرّك إينوك حاجبه قليلاً.
“بما أنّ العقود انتهت، لا داعي للموافقة. اكتب ردّ رفض مناسب.”
“حسنًا، صحيح.”
أومأ الشيخ بالرداء الأسود برفق، ثم فتح عينيه كأنّه تذكّر شيئًا.
“آه، بالمناسبة، هل صحيح أنّ الأمير كارهيل تقدّم للسيّدة الماركيزة؟”
“ماذا؟ كيف عرفتَ؟”
“سمعتُ حديث الرسل الذين جلبوا الرسالة.”
“آه…”
بالتأكيد لم ينشر الشائعة بنفسه، لكن ربّما انتشرت من مرافقيه.
تذكّرتُ الخادم الشاب الذي كان يقف خلف كارهيل في غرفة الاستقبال، ووضعتُ يدي على جبهتي.
‘حتّى لو كان كذلك، لمَ يتركون الشائعة تنتشر؟’
عبستُ ولوّحتُ بيدي.
“أيّ اقتراح زواج؟ مجرّد هراء.”
“صحيح، من غير المعقول أن يتقدّم لعشيقة الإمبراطور إلّا إذا كان مجنونًا.”
داعب الشيخ لحيته المجعّدة، وسعى لإعادة اللفافة إلى جيبه.
“على أيّ حال، سأرسل ردّ رفض إلى الأمير كارهيل… جلالتك، ما الخطب؟”
لكن إينوك أمسك بطرف اللفافة.
رمش الشيخ بدهشة عند هذا الصراع المفاجئ.
“جلالتك، أفل… أفلت يدك كي اذهب ”
“الشيخ، غيّر محتوى الرد.”
“ماذا؟”
انتزع إينوك اللفافة، ورفع شفتيه بمكر.
“قل إنّني أوافق على طلب الأمير.”
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 40"