“آه.”
“السيّدة الماركيزة؟ هل هناك ما يقلقكِ؟”
“لا، لا شيء.”
هززتُ رأسي لصوت الطاهي الودود، وانحنيتُ على الطاولة.
“آه…”
على الرغم من قولي إنّه لا شيء، خرج تنهّد أطول.
عندما أمَلتُ رأسي قليلاً، تدفّق ضوء الشمس المبهج من النافذة الكبيرة.
“اتّفقنا على الذهاب للنزهة عندما يتحسّن الطقس.”
لكن في ذلك اليوم، أفسد المطر الغزير خطط النزهة، وكذلك الألعاب النارية. [“عندما يصفو الطقس، يمكننا الذهاب للنزهة مرة أخرى، فلا تحزني كثيرًا.”]
هكذا قال،
لكن لم نذهب للنزهة، بل لم أرَ وجه إينوك منذ ما يقرب عشرة أيام.
“يبدو مشغولاً جدًا.”
“ماذا؟ من؟”
“جلالته.”
انخفض صوتي بحزن، فتراجعت لحية الطاهي البنيّة المجعّدة بتكاسل.
“صحيح. جلالته مشغول جدًا هذه الأيام، لا يتناول وجباته بانتظام، آه…”
تنهّد الطاهي بقلق حتّى بدا بطنه الممتلئ وكأنّه سيصبح نحيفًا.
سحبتُ يدي التي كانت تمتدّ نحو صينيّة الوجبات الخفيفة، وتدلى حاجباي بحزن.
“لو علمتُ، لما قلتُ شيئًا. لم يكن الأمر مؤكّدًا…”
مشغول لدرجة إهمال وجباته.
‘صحيح، بدا وجه إينوك جديًا جدًا حينها.’
عبثتُ بمنديل أبيض يشبه الرسائل الفارغة، وتذكّرتُ حديثنا ذلك اليوم.
[“تلك الشائعة قد لا تكون كاذبة بالكامل.”]
[ “ماذا تعنين؟” ]
[“القوّة الخارقة التي تستخدمها إليشا قد تكون قوتي. قالت إنّها تستردّ ما سرقته منها.”]
[“… إذن، يجب أن نتحقّق أولاً إن كنتِ أظهرتِ قوّة خارقة فعلاً.”]
قال إينوك إنّ المعبد يسجّل ويحفظ سجلّات قوى الخارقة لجميع مواطني الإمبراطورية. لذا، يمكن التحقّق من ذلك.
لكن، المعبد الذي يحدّ من سلطة الإمبراطور لن يسلّم تلك السجلّات بسهولة…
“يبدو أنّ الأمر أصعب ممّا توقّعتُ.”
بينما كان إينوك يتجادل مع المعبد ليكون مفيدًا، حاولتُ كشف سرّ الرسائل الفارغة، لكن…
لم يكن ذلك سهلاً أيضًا.
ظننتُ أنّ الرسائل التي كتبتها ريانا ستحتوي على دليل، لكن حتّى بعد قلب القصر رأسًا على عقب، لم أجد شيئًا.
‘كأنّها توقّعت هذا وأزالت كل شيء.’
تذكّرتُ غرفة ريانا وقصرها المنظّمين بشكل غريب، وذابتُ كحلوى الأرز اللزجة. “أووه، أريد أن أكون مفيدة بطريقة ما…”
“يجب أن تأكلي شيئًا…”
تنهّد الطاهي أمامي، ثم لمعت عيناه فجأة.
“السيّدة الماركيزة! قلتي إنّكِ تريدين مساعدة جلالته، صحيح؟”
“نعم؟ نعم، قلتُ ذلك، لكن…؟”
أجبته بدهشة لصوته المرتفع فجأة، فضرب الطاهي يديه السميكتين معًا.
“لمَ لا تحضّرين وجبة غداء خفيفة لجلالته؟”
“وجبة غداء؟”
“نعم! شيء بسيط يمكنه تناوله أثناء العمل!”
رفعتُ جسدي المنهار بإغراء الفكرة، لكنني هززتُ رأسي للضجيج القادم من غرفة الطهي.
“لا، لا. لا يمكنني أن أزيد من إزعاجكم.”
منذ أن استمتعت أرييل بصنع الكعكة ذلك اليوم، كانت تُصرّ أحيانًا على زيارة المطبخ.
قال الطاهي الودود إنّنا مرحّب بنا دائمًا،
لكنني شعرتُ بالحرج من فعل المزيد هنا.
لوّحتُ بيدي، لكن الطاهي رفعني من حالتي المترهّلة كحلوى الأرز.
“إزعاج؟ هيا، قومي. لدينا الكثير لنفعله!”
* * * كانغ، كانغ، كانغ.
تردّد صوت الكرة تضرب الأرض بصخب، وتطاير الطحين الأبيض في الهواء.
“واه! ثلج! ماما، انظري! رييلي مثل الثلج!”
نظرتُ إلى أرييل، التي تتمايل لئلّا يسقط الطحين من رأسها، وشعرتُ برغبة في البكاء.
“آسفة. لهذا قلتُ إنّني لن أفعل…”
ارتجفت عيناي وأنا أنظر إلى المطبخ المتّسخ، لكن الطاهي ضحك بحماس عند صوتي المحبط.
“هاها! لا، لا بأس. يمكننا تنظيفه!”
“آسفة حقًا. سأنظّف كلّ شيء قبل أن أغادر.”
لوّح الطاهي بيده مؤكّدًا أنّه لا بأس وأنا أعتذر مغطّاة بالطحين، ثم داعب ذقنه بجديّة.
“هم. السيّدة الماركيزة، هل نغيّر قائمتنا؟”
“… مرة أخرى؟”
“هاها! فكّرتُ أنّ جلالته قد لا يحبّ الخبز، فماذا عن الكعك؟ نعم، الكعك!”
“لكن جلالته يحبّ الخبز؟”
“هاها! هيا، اجلسي هنا.”
تجاهل كلامي، وأجلسني مع أرييل، ثم استدار ليحضر قوالب الكعك.
“القائمة تصبح أبسط تدريجيًا.”
كانت هذه المرة الرابعة التي نغيّر فيها القائمة.
بدأنا بخطط طموحة، ثم انتقلنا من الساندويتشات إلى الخبز، وأخيرًا تحوّلنا إلى الكعك.
“لن يكون صعبًا، لا تقلقي! فقط اضغطي بقالب الكعك على العجين.”
عاد الطاهي بصوت مدوٍّ، حاملاً كومة من القوالب.
“يا إلهي. هل كلّ هذه قوالب كعك؟”
“واه! دب، دب!”
نظر الطاهي بفخر إلى أرييل التي التقطت قالبًا على شكل دب، وأومأ.
“نعم. ما رأيك؟ إنّها كنوزي التي جمعتها على مدى عقود.”
“بطّة هنا، كلب هنا، شمس هنا، الكثير جدًا!”
“واه… كثيرة حقًا.”
نظرتُ بدهشة إلى كومة قوالب الكعك، ثم رفعتُ عينيّ، فمسح الطاهي أنفه بفخر.
“هل هناك شكل معيّن تريدينه؟ فقط قولي، وسأجده!”
يبدو أنّ هذه ليست كلّ القوالب.
رأيته يداعب صندوقًا كبيرًا خلفه بيده الممتلئة.
“مهلاً… هل كلّ هذا قوالب كعك أيضًا؟”
“نعم، بالطبع!”
“لكن، لا يوجد أطفال في القصر، فلمَ كلّ هذا؟”
“ظننتُ أنّني سأستخدمها يومًا ما – آه! انظري إلى هذا!”
فتح الطاهي غطاء الصندوق بابتسامة، وقدّم لي شيئًا.
“ما رأيك؟”
“هم…”
ما هذا؟
بما أنّه من ذلك الصندوق، يجب أن يكون قالب كعك، صحيح؟
تفاحة؟ نسر؟ أم سفينة؟
نظرتُ بعناية إلى الشكل المجرّد، ورفعتُ إبهامي بحذر.
“رائع…؟”
لحسن الحظ، أعجبت إجابتي الطاهي، فلمعت عيناه أكثر.
“أليس كذلك؟ صنعته بنفسي. كنتُ أخبز الكعك لجلالته عندما كان صغيرًا بهذا.”
“حقًا؟ لكن، ما هذا الشكل؟”
“آه، إنّه فراشة!”
“… فراشة؟ آه، فراشة. نعم، فهمت.”
إذن، الجزء الذي يشبه منقار النسر هو قرون الفراشة؟ مالتُ رأسي قليلاً.
“مهلاً؟”
“ما الخطب، السيّدة الماركيزة؟”
“لا، لا شيء…”
بينما كنتُ أحدّق في القالب الذي يُزعم أنّه فراشة، تحرّكت جفني ببطء.
“يشعرني بشيء مألوف.”
“هذا؟” خدش الطاهي شعره المجعّد القصير بدهشة.
“صنعته بناءً على رسمة فراشة رسمها جلالته لي، لذا هو الوحيد في الإمبراطورية.”
“بالضبط.”
لا يمكن أن يكون هناك قالب كعك آخر بهذا الشكل الغريب.
هززتُ رأسي.
“ربّما أخطأتُ.”
لا أملك أيّ ذكريات، فكيف يمكن أن يبدو هذا القالب مألوفًا؟
هزّ الطاهي كتفيه معي، ثم صفق بيديه.
“هيا! هل نبدأ بصنع الكعك؟ آه، لا، السيّدة الماركيزة! هذا ملح، وليس سكّر!”
* * *
“السيّدة الماركيزة، الآنسة أرييل، انظروا إلى هذا. الكعك نضج بشكل رائع- أوه.” أغلق الطاهي فمه فجأة وهو يخرج الكعك برائحته اللذيذة.
“يبدو أنّهما متعبتان بعد التنظيف.”
نظر الطاهي بفخر إلى ريانا وأرييل، النائمتين متكئتان على بعضهما، وتحرّك بحذر.
وضع صينيّة الكعك بأمان على أطراف أصابعه، وهمهم بنشوة.
“فراشة واحدة، فراشتان، هم هم هم.”
بينما كان يعبّئ الكعك متناغمًا مع بطنه الممتلئ، استدار فجأة لشعور بارد. “جلالتك؟ كيف وصلتَ إلى هنا-”
“شش.”
وضع إينوك، الذي لا أعرف متى وصل، إصبعه على شفتيه وهو يدعم رأس ريانا المائل.
رسم شفتاه الحمراوان قوسًا ناعمًا تحت أصابعه وهو ينظر إلى ريانا النائمة بعمق.
أسند رأس ريانا على الحائط، واقترب ببطء من الطاولة.
“جئتُ لأنّ ريانا وأرييل هنا، لكن ما هذا؟”
“آه، جلالتك، هذا…”
نشر الطاهي كتفيه بفخر كأنّه يعرض طبقًا خاصًا به.
“صنعتهما السيّدة الماركيزة والآنسة لتقديمهما لك.”
“لي؟”
“نعم. كانتا قلقتان جدًا لأنّك تُهمل وجباتك من كثرة انشغالك.”
“ريانا قلقة عليّ؟”
ضحك الطاهي بصوت منخفض، ففرك أذنيه كأنّه أخطأ السمع.
ثم فرك عينيه عندما رأى عيني إينوك المنحنيتين بسعادة. هل رأى خطأً؟
“جلالتك، هذه أول مرة منذ زمن أراك تضحك هكذا.”
“حقًا؟”
داعب إينوك وجهه كأنّه غريب، ثم مدّ يده نحو الكعك.
توقّف لحظة، متردّدًا أمام الألوان الغريبة، وتردّدت يده في الهواء.
“هم. الألوان…”
هل هناك نكهات مختلفة؟
مالت رأسه، ثم قضم واحدًا، فتردّد صوت مقرمش.
“…” “جلالتك، كيف المذاق؟ هل هو لذيذ؟”
تطلّع الشيخ بالرداء الأسود بفضول، لكن إينوك مضغ الكعك ببطء دون كلام، واحمرّ وجهه قليلاً.
“… كح.”
كح، كح.
استمرّ بالسعال، ونظر إلى الكعك بعيون متفاجئة، مقلّبًا إيّاه.
“ما الذي وضعوه ليكون هذا المذاق…”
لم يعد الشيخ يتحمّل الفضول، فمدّ يده.
“ما المذاق الذي جعلك هكذا؟”
“أوه.”
على الرغم من أنّ إينوك منعه قبل أن يقترب من الكعك.
“قطعة واحدة فقط، فقط للتذوّق.”
“لا.”
“آه، هذا بخل!”
“أنا بخيل دائمًا. ألم تعلم؟”
خرج ردّ وقح من فم إينوك وهو يضع الكعك المعبّأ بعناية من الطاهي في جيبه.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 36"