الفصل 26
“هل… عضّيتني الآن؟”
“نعم، عضّيتك. لماذا؟”
اتّسعت عينا إينوك بدهشة وهو يعبث في البوّابة كأنّه يبحث عن شيء.
“إذا كنتَ تشكّ في شيء، يجب أن تتحرّى! هيا، استجوبني! كيف تثق بي هكذا دون أن أخبرك بشيء؟”
“… ههه.”
نظر إينوك إلى يده المعضوضة بدهشة، ثمّ انفجر ضاحكًا.
“لا تضحك! لا يجب أن تثق بالناس بهذه السهولة. ماذا لو كان لديّ نوايا خفيّة؟”
“وهل لديكِ؟”
“ماذا؟”
ابتسم إينوك بجاذبيّة، ووضع يدي على رقبته.
كأنّه يقول إنّه لا بأس إذا أردتُ الضغط.
“أقصد، هل لديكِ نوايا خفيّة؟ لماذا، هل تخطّطين لكسر رقبتي بهذه اليد النحيفة؟”
“ما هذا الكلام المروّع؟ كيف أؤذي إينوك؟”
عند رؤيتي مذهولة، اختفى شعور الرهبة من إينوك دون أثر.
“لهذا أثق بكِ، لأنّني أعلم أنّكِ لن تؤذيني.”
“لكن…”
“وأنا لا أثق بالناس بسهولة. أثق بكِ أنتِ فقط.”
قال إينوك ذلك بلهجة خفيفة كأنّه يدعوني للتنزّه، ثمّ سحب يده من البوّابة، فخرج شيء، أو بالأحرى شخص ما.
“لنكتشف أولاً ما هو هذا القفّاز، وسنتحدّث بالتفصيل لاحقًا، عندما تشعرين بالرغبة في الكلام.”
تبعتُ نظرة إينوك، فظهر شعر فضي مألوف.
من كان ينظر حوله بشعره الفضي الشفّاف فتح عينيه بدهشة.
“ما هذا؟”
ربّما كان يتناول الطعام، فقد كان فمه ممتلئًا بالخبز، ممّا جعل نطقه مشوّشًا.
“هاه… لم أكن أريد أن نلتقي مجدّدًا.”
أنزل إينوك الشخص أمامي، وهو يعبث بشعره بنزق.
“ريانا، لقد التقيتِ به من قبل، أليس كذلك؟ هذا الشخص سيعرف عن القفّاز.”
“أم… أعني… سيد البرج؟”
لماذا هو هنا؟
لم أكن الوحيدة المذهولة. عند سماع اسمه، فتح أرون فمه الممتلئ بالخبز، فتساقط فتات الخبز، فغطّيتُ عينيّ بسرعة.
“آه، هل يمكنكَ إغلاق فمك؟”
“ماذا؟ آه، حسنًا!”
ابتلع أرون الطعام غريزيًا، ثمّ عبس بنزق.
“حقًا، حتّى الكلاب لا تُزعج أثناء الأكل. كيف تسحبني هكذا فجأة؟”
طق.
رفع إينوك يده المغطّاة بالقفّاز النظيف ونقر جبهة أرون.
“اعتذر أولاً.”
“… تذمر. دائمًا تتذمّر منّي.”
“لا تريد؟ إذن، الوعد بعدم تدمير البرج السحري-”
“آه! حسنًا! من قال إنّني لا أريد؟ سأفعل، سأفعل!”
لا أعرف ما حدث بينهما، لكن أرون خفض رأسه بسرعة عند كلمة إينوك، واقترب منّي بحذر.
“أمم… أعتذر عن عضّة الرقبة سابقًا. أنا كذلك أحيانًا. عندما أرى شيئًا لذيذًا، تتقلبّ عيناي.”
“حسنًا… لا بأس. طالما لن تفعلها مجدّدًا.”
عند ردّي المحرج، أومأ أرون بحماس.
“أنتِ لطيفة، أليس كذلك؟ لن أفعل! لن أفعل ذلك أبدًا مجدّدًا! عندما أفكّر في الضربة التي تلقّيتها من الإمبراطور لعضّتي لرقبتكِ… أوه! أوف!”
“لا تستمعي إليه، إنّه هراء.”
“هراء؟ لا زلتُ أشعر بالألم حيث-”
بدت علاقة أرون المتشنّج وإينوك الذي يسكته وديّة بشكل غريب.
بينما كنتُ أراقب شجارهما وأرمش، رفعتُ يدي قليلاً.
“أيّها السادة، لديّ سؤال.”
“ماذا؟”
“ما الخطب؟”
استدار الاثنان اللذان كانا يتجادلان نحوي في نفس الوقت.
شعرتُ بثقل عينيهما المركّزتين عليّ، فخفضتُ يدي بحرج وميّلتُ رأسي.
“هل أنتما صديقان؟”
“لا!”
“لسنا كذلك.”
… لا يبدو أنّهما ليسا كذلك؟
“هم… حقًا؟ ظننتُ أنّكما مقربّان لأنّ سيد البرج لا يستخدم الألقاب الرسميّة مع إينوك.”
“آه.”
هل كان سؤالي مزعجًا لهذه الدرجة؟ توقّف إينوك عن التحديق بأرون ونظر إليّ، وهو يفرك عينيه.
“ذلك لأنّ هذا الرجل لا يعرف آداب التواصل البشري. علّمته مرات عديدة، لكنّه لا ينوي التعلّم.”
“ماذا؟”
بينما كنتُ أنظر بين إينوك وأرون بحيرة، أمسك إينوك القفّاز ومده إلى أرون.
“بالمناسبة، ربّما لا تعرفين، ريانا. سيد البرج متغيّر.”
“متغيّر؟”
“نعم. يبدو كإنسان، لكن جوهره ثعلب.”
“ثعلب؟ هذا… الشخص؟”
بينما كان أرون يشمّ القفّاز الممدود إليه، رفع رأسه فجأة عند حديثنا، وأضاءت عيناه.
“لماذا؟ هل أنتِ فضوليّة؟ هل أريكِ؟”
“لا، لستُ فضوليّة حقًا.”
لم أكن أريد رؤيته حقًا.
لكن، لسبب ما، قفز أرون المتحمّس في الهواء، ومع صوت “بوف”، اختفى دون أثر.
“ما رأيكِ؟”
بدلاً منه، هبط ثعلب ضخم يملأ الشرفة الواسعة.
ثعلب بفراء فضي لامع يشبه ضوء القمر وعينين حمراء كالياقوت.
كان مظهرًا ساحرًا، لكن لم يكن لديّ وقت للإعجاب، إذ اخترق صوته المرح الهواء الليلي.
“ما رأيكِ؟ رائع، أليس كذلك؟”
“نعم، رائع، واو.”
دفعته بعيدًا وأنا أمدحه بلا روح، فبدأ الثعلب الضخم يقفز حولي.
“عادةً لا أظهر هيئتي هذه لأيّ شخص، لكن بما أنّكِ الإنسانة التي يعزّها الإمبراطور، أظهرها لكِ خصيصًا.”
“نعم، شرف كبير. آه! ماذا تفعل؟”
“بالمناسبة، رائحتكِ لذيذة حقًا في هيئتي الأصليّة.”
وضع أرون، الذي كان يقفز، قدميه الأماميّتين على كتفيّ، ودفن أنفه في رقبتي يشمّ.
“لكن لماذا لم ألاحظ هذا من قبل؟ هل أعرتِ قوتكِ لأحدهم؟ لا، لو فعلتِ، لكان الشخص الذي أخذها مفتونًا وفقد نصف عقله.”
“لم أعرها لأحد، ولا أعرف، فابتعد قليلاً. لماذا أنتَ ثقيل هكذا!”
لم أتحمّل وزن أرون وأسئلته المتواصلة، فتراجعتُ، فدعمني إينوك بيده القويّة على خصري.
دفع أرون بعيدًا، ونفخ بلطف الفراء الأبيض على رقبتي، وقال:
“قد يكون وقحًا بعض الشيء لأنّ غرائزه الحيوانيّة أقوى من البشريّة، لكن في السحر، لا أحد يضاهي سيد البرج.”
ثمّ ألقى القفّاز في الهواء، فالتقطه أرون بمهارة وبدأ يمضغ حجر المانا بصوت طقطقة.
نظرتُ إلى إينوك بدهشة.
“إينوك؟ هل يمكننا فعل ذلك مع هديّة؟ مضغها وتمزيقها؟”
“لا مانع. أليس تصرّف الهديّة متروكًا لمن تلقّاها؟”
واو… هل يمكنه فعل تعبير شرير كهذا؟
بينما كنتُ أحدّق في إينوك بدهشة وهو يبدو سيئ الطباع، أنهى أرون طعامه وبصق القفّاز بدقّة.
“ما هذا؟”
نقر قدمه الأماميّة المكسوّة بالفراء على القفّاز الآخر المتبقّي في العلبة.
اتّكأ إينوك على درابزين الشرفة بكسل.
“هديّة من أمير غاميل رمزًا للصداقة.”
“حقًا؟ لقد بذلوا جهدًا. أحجار مانا بهذه الجودة نادرة.”
“هل هناك شيء غريب؟”
“غريب؟ لا شيء، إلّا رائحة كريهة.”
“رائحة كريهة؟”
“نعم، رائحة تشبه رائحة ساحر.”
“ساحر؟ هل تعني أنّ القفّاز مسحور؟”
“لا، ليس كذلك. القفّاز نفسه نظيف. الرائحة خفيفة جدًا، لستُ متأكّدًا. لا، ربّما لا. لقد انقرض السحرة منذ زمن.”
فرك أرون وجهه بقدمه الأماميّة، يجيب بلا مبالاة، فنظرتُ إلى القفّاز الآخر.
“نظيف؟ لا يمكن أن يكون كذلك.”
“أقسم، لا شيء غريب فيه.”
* * *
“هاه، كدتُ أن أُكتشف.”
في ممرّ مظلم خالٍ من الناس.
ابتسم كارهيل، ممسكًا قفّازًا مشابهًا للذي قدّمه لإينوك، بمرح.
“كنتُ آمل أن أرى شيئًا ممتعًا بعد لقائي الأول منذ زمن.”
نقر بلسانه وهزّ رأسه، فتحوّل شعره البني الدافئ إلى اللون الوردي بسرعة.
ثمّ، كأنّ ثعبانًا يزحف، ظهر عباءة سوداء على جسده، وعندما سحبها على وجهه، تألّقت عينان زرقاوان في الظلام.
“هم… كيف عرف؟ لقد سحرتُ القفّاز بعناية بحيث لا يلاحظ الإمبراطور.”
[أختي غريبة. هناك شيء مختلف عنها.]
كلمات دوقة هيرينغتون عندما التقينا مجدّدًا.
ووجه ريانا دافني المليء بالحيويّة في قاعة الحدث، كأنّها شخص آخر.
بل، كأنّها تعرف كلّ شيء، حاولت فصل هديّتي عن الإمبراطور.
“بالتأكيد أصبحت غريبة. كانت تحتضر، والآن حيّة، بل تفعل أشياء ممتعة.”
لحسن الحظ، استبدلتُ القفّاز عندما كانت الأنظار متّجهة إلى الإمبراطور وريانا، وإلّا لكان الأمر مزعجًا.
تذكّر الرجل عيني ريانا الخضراوين المحدّقتين به بشك، فميّل رأسه، فصدح صوت غريب في الممرّ الخالي.
“هم، لماذا تغيّرت فجأة؟”
طق.
عاد رأسه المائل كأنّه يجمع قطع أحجية.
“حسنًا، سأكتشف السبب تدريجيًا. الوقت كثير.”
تمتم الرجل بمرح، كأنّه وجد لعبة ممتعة، ثمّ ذاب جسده في الظلام دون أثر.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 26"