مرت أيام منذ أن أصبحتُ، عن غير قصد، علاجًا لإينوك ثمّ عاشقة زائفة له.
أكثر من محاولات الشيخين المستمرّة لإبقائي مع إينوك في كلّ وقت، وأكثر من أرييل التي تناديني وإينوك بـ”أمّا” و”أبّا”، كان هناك همّ يشغلني أكثر من أيّ شيء آخر، فأطلقتُ تنهيدة عميقة.
‘ما المشكلة بحقّ خالق السماء؟’
بينما كنتُ أحدّق طويلاً في مصدر همّي الذي يتحرّك أمامي، لوّحتُ بيدي.
“جلالتك، اقترب قليلاً.”
“… أظنّني قريب بما فيه الكفاية.”
“هكذا؟ يبدو أنّ بإمكاننا إقامة سباق بيننا!”
إذن، ما هو الهمّ الأكبر الذي أصبح محور اهتمامي مؤخرًا؟
إنّه أنّ إينوك لا يقترب منّي أبدًا!
حتّى وقت قريب، كان يطاردني كلّما سنحت الفرصة طالبًا منّي أن ألمسه، وكأنّ يدي هي يده، لا يريد الانفصال عنها.
لكن منذ أن قبلنا بعضنا، أصبح يبقى بعيدًا هكذا، يمدّ إصبعًا واحدة على مضض…
إذا اقتربتُ منه أولاً بدافع الإحباط، يتهرّب فجأة بحجّة أنّ لديه أمرًا طارئًا، وإذا حالفني الحظ ولمسته، يتحوّل جلده الأبيض إلى أحمر كأنّه يتلوّن ببقع الزهور عند كلّ لمسة، فلا أستطيع فعل شيء.
“هيو. ما فائدة عزمي على أن أكون علاجًا له؟ الشخص الذي يحتاج العلاج لا يقترب منّي أصلاً.”
قلتُ ذلك بصوت عالٍ عمدًا ليسمعه، فاقترب إينوك قليلاً كأنّه يتفضّل عليّ، لكنّه تجنّب النظر إليّ تمامًا، وكأنّه غاضب… أو ربّما لا.
لم أفهم سبب تصرّفه هذا، فوضعتُ يديّ على ذقني وحدّقتُ به بتركيز.
‘هم. هل أزعجته القبلة إلى هذا الحدّ؟’
لا يوجد سبب آخر لتغيّر سلوكه المفاجئ سوى ذلك…
لا، لكنني لم أفعل ذلك بدافع أيّ نية خفيّة!
كلّ ذلك كان من أجل قلقي عليه، أليس هذا مبالغًا فيه؟
انظر، حتّى الآن هو كذلك.
كلّ ما أحاول فعله هو اتباع نصيحة الشيخين بأن نتلامس كثيرًا لفكّ لعنة القدرة في قلبه، لكن يبدو أنّني أنا من يهتمّ أكثر من إينوك نفسه.
شعرتُ بالاستياء وأنا أحدّق بعنق إينوك الأحمر أكثر من المعتاد، فدخل الشيخان الغرفة وهما يبتسمان بسعادة.
“أوه، الماركيزة الصغيرة، لقد أتيتِ؟”
كعادتهما، فتح الشيخان ذراعيهما معبّرين عن ترحيبهما بكلّ جسديهما، لكنّهما لاحظا الجوّ الغريب بيننا وتبادلا النظرات بسرعة.
لكن ذلك لم يدم طويلاً. بدا وكأنّهما يتآمران، يغمزان بعضهما بأكواعهما ويقتربان بابتسامات ماكرة.
“ما هذا؟ ما الذي ستتحدّثان عنه وأنتما تضحكان هكذا؟”
بعد أن وقعتُ ضحيّة تلك الابتسامات عدّة مرّات خلال الأيام الماضية، نظرتُ إليهما بحذر، وكما توقّعتُ، خرج من فم الشيخ ذي الرداء الأبيض كلام مزعج.
“الماركيزة الصغيرة، بعد أيام قليلة سيقام حدث خيري.”
“وماذا في ذلك؟”
“هيا، أنتِ تعرفين.”
غمز.
غمز الشيخ ذي الرداء الأبيض بعين واحدة وهو يدفع كتفي.
ما هذا؟ لماذا يتصرّف هكذا؟
لم أعرف كيف أردّ على دلال مفاجئ من رجل مسنّ، فهززتُ عينيّ باضطراب، فانضمّ الشيخ ذو الرداء الأسود إليه.
“شاركي في الحدث كمرافقة لجلالتك.”
“ماذا؟ لماذا أنا؟”
الوضع محرج بما فيه الكفاية، فماذا يريدان منّي أن أفعل؟
“إذا لم تذهبي، الماركيزة الصغيرة، فسيتجوّل جلالته بمفرده بائسًا…”
“نعم، ثمّ سيتسبّب في مشاكل مع أزواج آخرين دون داعٍ كعادته. هيو.”
“متى فعلتُ ذلك…؟”
حاول إينوك، الذي كان ينظر إلى الهواء متجنّبًا عينيّ، الاحتجاج وكأنّه مندهش من حديثهما عنه أمامه، لكن فمي الشيخين لم يتوقّفا.
“ثمّ سيتعامل بلا مبالاة، يلمس شيئًا غريبًا وينفلت مرّة أخرى…”
“ونحن من سيتعيّن عليهما حمله إلى القصر وهو متجمّد كرجل ثلج، ومعالجة من يراه. إذا لم ترغبي، الماركيزة الصغيرة، فلا بأس، سيتحمّل هذان العجوزان بعض المشقّة.”
نظرتُ إليهما وهما يتنهّدان بعمق ويطرقان على ظهريهما وركبتيهما، فرفعتُ يديّ كأنّني أستسلم.
“حسنًا، سأذهب! سأذهب!”
كأنّهما كانا ينتظران ردّي، استقام الشيخان، اللذان كانا منحنيين ويتأوّهان، فجأة وبدآ يصفقان بسرعة محاولين إجباري أنا وإينوك على الوقوف.
“أوه! إذن يجب أن تستعدا للحفل بسرعة، ماذا تفعلان هنا؟”
“ماذا؟”
“هيا، انهضا بسرعة! جلالتك أيضًا!”
كان الشيخ ذو الرداء الأبيض يحاول رفع إينوك، الذي لم يتحرّك من كرسيه، بجهد،
بينما كان الشيخ ذو الرداء الأسود يدفعني خارج الباب وأنا غافلة.
“مهلاً، إلى أين؟”
“لاختيار فستان واكسسوارات. كم لديكما من الأمور لتفعلاها! هيا، تحرّكا!”
“ألا يمكننا فعل ذلك هنا في الغرفة؟”
في الروايات، عادةً ما يأتي الخيّاطون إلى البيت، فلماذا يطلبون منّي الذهاب واختيار الأشياء بنفسي؟
عبّرتُ عن انزعاجي وأنا أقاوم عند عتبة الباب، فضربني يدٌ متجعّدة برفق على ظهري.
“الشباب يبقون محبوسين في الداخل طوال الوقت، ما هذا؟ يجب أن تخرجا في مثل هذه المناسبات.”
أشرتُ إلى أرييل وأنا أستمع إلى وعظ الشيخ.
“لكن أرييل هنا.”
“لا تقلقي بشأن الطفلة، سنلعب معها وسنعيدها في الوقت المناسب.”
“لكنّها ستبحث عني. أرييل لا تنام بدوني.”
عند كلامي، لوّحت أرييل، التي كانت تلعب في ركن مخصّص للأطفال، بفرح.
التعليقات لهذا الفصل " 18"