“ما هذا فجأة…”
في لحظة وجيزة، أمسك إينوك القاطع المتهاوي بيد واحدة، بينما لفّني بذراعه الأخرى.
لم يكن قد أغلق أزرار قميصه بعد، فكان صدره مكشوفًا بحرية.
دفء جسده، عضلاته المشدودة المنسّقة بعناية، وأصابعه الطويلة البارزة التي شعرتُ بها عبر نسيج فستاني الرقيق.
رفعتُ عينيّ قليلاً من حضنه الذي بدأتُ أعتاده بعد عدة مرات، فالتقيتُ بعينيه الرماديتين المعبّستين مباشرة.
“هل أنتَ بخير؟”
“… لا، يبدو أنّ شيئًا ما قد انخلع.”
بدت تجاعيد جبينه، الأكثر وضوحًا منذ لقائنا، وكأنّه يعاني حقًا.
بينما كنتُ أنطق بكلمات القلق تجاهه بعد سقوطه لأجلي، كانت غريزتي نحو صدره العاري تحاول التغلّب على عقلي.
مهما اعتدتُ على هذا الحضن الواسع، فذلك كان عندما يكون مرتديًا ملابسه كاملة.
أمّا هذا الجسد الطبيعي المكشوف، فلم أكن محصّنة ضده، فكانت عيناي ويديّ تتسلّلان دون إرادة نحو صدره المشدود.
وجهه المحمّر قليلاً المعبّس، وعضلاته التي تتحرّك مع كل حركة، كانت ساحرة.
ابتلعتُ ريقي وأنا أشعر بجفاف فمي، فصدمتني صوت البلع الواضح الذي اخترق أذنيّ.
‘آه! لابد أنّني جننتُ. ما الذي أفكّر فيه الآن؟’
بينما أضرب رأسي لأطرد الأفكار التي تناسب قصص البالغين، رفع إينوك جسده نصف قائمة، ناظرًا إليّ بعينين كأنّه يرى شيئًا غريبًا.
“ما الذي تفعلينه؟”
مع حركته، أصبحت عضلاته المتناسقة أكثر وضوحًا.
كان المشهد مغريًا حتى لو حاولتُ التفكير ببراءة، فأغلقتُ قميصه بقوة كما لو أسدل ستارًا، وانفعلتُ غاضبة.
“ارتدِ ملابسكَ جيدًا! ما هذا السلوك غير المحتشم؟”
تجمّد إينوك في وضعية محرجة، لا هو قائم ولا مستلقٍ، ونظر إليّ بتعجّب.
“لقد كنتِ على وشك السقوط، ف…”
“تتعرّى هكذا في أي مكان، وكأنّك تدعو للمسك! هذا لا يجوز!”
“… هل يُعقل أن أُوبّخ هكذا فجأة؟”
أعلم أنّه فعل ذلك خوفًا عليّ من السقوط، لكن رأسي المشتعل دفع لساني ليتحرّك بحرية.
بدا على وجه إينوك الدهشة في البداية، لكن سرعان ما ظهرت عليه نبرة مرح.
“ريانا، ما الذي تفكّرين به الآن؟”
“ماذا؟ لا أفكّر بشيء! أنا لستُ ممن يغرقون في الأفكار!”
“حقًا؟ فلماذا لا تستطيع عيناكِ مفارقة هذا المكان؟”
“ليس صحيحًا! أنا أنظر إلى الأرض!”
أشار مباشرة إلى صدره، ففتحتُ فمي مذهولة، وحاولتُ جاهدة إدارة رأسي بعيدًا.
لكن قبل أن أنجح، عاد رأسي إلى مكانه، مأخوذًا بوميض أزرق ساحر.
ومضت أضواء خافتة كمصباح متآكل، فوضعتُ يدي على صدره بدهشة خالصة.
“مهلاً! ما هذا؟”
عندما بدأتُ أتحسّس صدره بعد أن كنتُ ألوّح بيدي محمرّة الوجه، تجمّد وجه إينوك.
“ريانا؟”
“غريب جدًا. هل يمكنكَ فتح قميصكَ أكثر؟”
“… ألم تطلبي مني إغلاقه للتو؟”
لم أنتبه إلى الحيرة المتزايدة في عينيه الرماديتين المرحتين، وكنتُ منشغلة بتأمّل النقش المتوهّج على صدره المشدود.
كان رمزًا يشبه زهرة الثلج، يتوهّج بالأزرق على الجانب الأيسر من صدره.
“أنا… لن أمازحكَ بعد الآن، فهل ترفع يدكَ الآن؟”
بدأ لون أحمر يتسلّل إلى بشرته الباهتة، وشعرتُ بدقات قلبه تحت كفّي، لكن النقش الذي يخفت عند لمسه كان أكثر إثارة للاهتمام.
“جلالتك، انظر إلى هذا، إنّه مذهل!”
كنتُ مفتونة، أضع يدي وأرفعها مرارًا، فتنهّد إينوك طويلًا وهو ينظر إلى السماء، كأنّه يكبح شيئًا.
عضّ أسنانه مرة، ثم تنهّد مجدّدًا.
بعد عدة مرات، أمسك معصمي بيد كبيرة بدت ساخنة بشكل غير معتاد.
“هذا لأنّ قوتي تتلاشى عندما تلامسينني، فيخفت النقش.”
“آه، فهمتُ.”
أومأتُ بحماس وحاولتُ اللمس مجدّدًا، لكن قوة ذراعه منعتني.
“مذهل! هل يمكنني لمسه مرة أخرى؟”
“لا، لا يمكن.”
نظرتُ إلى يدي الفارغة بأسف، ثم نهضتُ، لكنّني لاحظتُ إينوك لا يزال جالسًا، فمالت رأسي.
“لمَ لا تنهض؟”
“… يجب أن أنهض.”
نظرتُ إليه، ثم جلستُ أمامه مجدّدًا.
“هل أصبتَ عند السقوط؟ هل أساعدكَ على النهوض؟”
“لا، لا، ليس ذلك…”
مددتُ يدي ظنًا أنّه قد أصيب، لكنّه هزّ رأسه وأشاح بعينيه. كانت زوايا عينيه وأذنيه محمّرتين، كأنّني سأفترسه.
كان يمسك ملابسه المفتوحة بقوة بيده الأخرى.
‘لو رآنا أحد، لظنّ أنّني أضايقه.’
في هذا المشهد المثالي لسوء الفهم، رفعتُ يديّ إلى أذنيّ لأوضح أنّني لن ألمسه مجدّدًا، لكن ضجيجًا قام خارج الباب.
وبعد لحظات، فُتح الباب دون طرق، ودخل شخص ما.
“الأميرة! لا يمكنكِ الدخول هكذا…”
“اتركني!”
اندفعت امرأة ذات شعر بلاتيني وعينين خضراوين، جميلة الملامح.
“إليشا؟”
“أختي…؟”
كانت عيناها مملوءتين بالدموع، لكنّها اتّسعتا عندما رأتنا.
“ما الذي تفعلانه الآن؟”
—
رنّ صوت وضع فنجان الشاي على الطاولة بقوة وسط الأجواء المحرجة.
‘يجب أن أخبرها عن أرييل، أليس كذلك؟’
“أنا…”
بدأتُ الحديث، لكن الكلمات لم تخرج بسهولة.
تذكّرتُ تحذير دوق هيرينغتون الشديد بعدم إخبار إليشا عن أرييل، فشعرتُ أنّ السكوت قد يكون الأصوب.
لكن من جهة أخرى، بدا من الطبيعي أن تعلم إليشا بوجود ابنتها هنا.
في ظل غياب معلومات واضحة، مال قلبي تدريجيًا نحو إخبارها.
بعد أن عرفتُ علاقتها بأرييل، كان من الصعب على ضميري تجاهل ذلك.
بعد صراع داخلي عميق، قرّرتُ، وفتحتُ شفتيّ نصف المغلقتين.
“إليشا، الحقيقة أنّ في منزلنا…”
لكن في تلك اللحظة، مسحت إليشا دموعها بمنديل، وأصدرت صوت نشيج.
“أختي، لقد نجحتِ أخيرًا.”
“ماذا؟”
“كنتِ دائمًا تقولين إنّكِ تريدين البقاء إلى جانب جلالته. كرّرتِ ذلك حتى…”
نظرت عيناها الشفّافتان الحزينتان إلينا بالتناوب، كأنّها تسترجع المشهد السابق.
“مهلاً.”
تنهّدتُ، مدركة سوء الفهم الواضح.
قرّرتُ تأجيل موضوع أرييل لتوضيح هذا اللبس أولًا.
“إليشا، يبدو أنّكِ أسأتِ الفهم. جلالته وأنا فقط تعثّرنا.”
“لا تكذبي!”
للأسف، لم تبدُ إليشا مستعدة لسماع توضيحي.
هزّت رأسها بعنف، وقبضت يدها البيضاء، وهي تبدو مضطربة.
“أنا أعرف كلّ شيء!”
ماذا؟ ماذا تعرفين؟ شاركيني المعرفة!
رمشنا أنا وإينوك بدهشة أمام صرختها الممزوجة بالبكاء.
“سمعتُ كلّ شيء. لقد جُرّد والدي من كلّ سلطاته على عائلة دافني!”
“نعم… هذا صحيح، لكن…”
هل يُعدّ ذلك تجريدًا؟ أليس من الأصح القول إنّه استرداد لسلطات كانت لريانا أصلًا؟
تردّدتُ في تصحيح اختيارها للكلمات القاسية.
“ووالدي… ذلك الرجل الضعيف، أُلقي في بوّابة تؤدّي إلى ساحة المعركة دون حتى سيف!”
ضعيف؟
تذكّرتُ دوق هيرينغتون، الذي هزّني كثور غاضب ليلة أمس، فهززتُ رأسي بحزم.
كان هذا بحاجة إلى تصحيح.
“إليشا، أعتقد أنّه ليس ضعيفًا. والدكِ مليء بالقوة.”
لكن إليشا لم تستجب لكلامي، ونظرت إليّ بعينين مليئتين باللوم.
“عندما جُرّد والدي من سلطاته، وقبل أن يختفي في البوّابة، كنتِ بجانبه، أليس كذلك؟”
“وماذا في ذلك؟ ما الذي تريدين قوله؟”
لابد أنّها لا تعيد سرد الحقائق فقط للتذكير.
سألتُ عن نواياها، فتقلّص جسدها الهشّ كأنّها تتألم.
كأنّني ارتكبتُ جريمة عظيمة.
‘لو رآنا أحد، لظنّ أنّني أضايقها.’
بينما ترتجف إليشا كضحية مضطهدة، فتحت فمها.
“أختي… هل كرهتِ أن يصبح والدي دوقًا بدلًا من والدكِ لهذه الدرجة؟”
“ماذا؟”
“لذلك تفعلين هذا الآن؟ مهما كان، هذا كثير جدًا!”
“تقصدين أنّني أنتقم؟”
“أليس كذلك؟ سمعتُ أنّكِ دخلتِ غرفة نوم جلالته منذ فترة. لقد اقتربتِ منه عمدًا…”
“مهلاً، مهلاً.”
أوقفتُ إليشا التي كادت تعبر الحدود، ووضعتُ يدي على صدغي.
“لنرتب الأمور. تقولين إنّني اقتربتُ من جلالته عمدًا للانتقام وتسبّبتُ في هذه الأحداث؟”
“نعم.”
“أيتها الأميرة.”
رفع إينوك شفتيه عن فنجان الشاي، بعد أن استمع بهدوء إلى إليشا التي أجابت بدموع متلألئة.
“يبدو أنّني في عينيكِ إمبراطور يُساق بعواطفه ويُحرّك كما تُحرّك الدمية.”
“جلالتك، لم أقصد ذلك…”
“أم أنّكِ ورثتِ موهبة والدكِ في اختلاق الافتراءات؟”
لم يبالِ إينوك بدموعها التي تساقطت على خدّيها كزهرة الخوخ، وأضاف تعليقًا باردًا، ثم عاد لشرب الشاي بهدوء.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 12"