3
003. نحنُ أصدِقاء، أليسَ كذلِك؟
“…….”
رمقني إدريس بنظرة معقّدة.
“شكرًا.”
ثم قال ليّ فجأةً.
“……ماذا؟”
“شكرًا لمساعدتي.”
ارتبكتُ وفقدتُ النطق للحظة.
في الحقيقة، لم أرَ إدريس يقول مثل هذا الكلام في الرواية أبدًا. أن يكون بهذا الوداعة واللطف قبل أن يتحول إلى شخصية شريرة، أمر مدهش حقًا.
‘هل يمكن، أن أنجو بسهولة إن أحسنتُ التصرّف؟’
“إن كنتَ ممتنًا، فهيا نلعب سويًّا.”
اغتنمتُ الفرصة وقلتُ الكلام الذي كررته اليوم مرات لا أحصيها. أخذ إدريس يتبسّم بوجه بدا وكأنه بين الجديّة والمزاح.
“حسنًا.”
ما هذا الوجه؟ بدا غريبًا للغاية. لو رآه الكاتب، لأصابه الهلع.
“لا تقلق بشأن حاجاتك، سأجلب لك القليل من هذا وذاك خلسةً. بيتنا غنيّ، لذا لن يُلاحظ أحد الفرق.”
“……أليس هذا كثيرًا؟”
“نحن أصدقاء الآن، أليس كذلك؟”
نظرتُ إليه نظرة تحمل إصرارًا، كأنني أطالب بتصديقه.
بادلني النظر بعينين يصعب تفسيرهما. كان لحظةً مشحونة بالتوتّر.
“حسنًا.”
حين نطق بالموافقة، ابتهجتُ في داخلي.
في ذلك اليوم، صرتُ صديقة لـ إدريس، لا لشرير.
المرحلة الأولى من خطّتي نجحت.
* * *
مرّت عدّة أيام بعد لقائي بـ إدريس. وفي أحدها، جمعتنا والدتي، أنا والعائلة، وقالت.
“بما أننا نوسّع أعمالنا هذه المرة، قرّر والدكِ وأنا البقاء في العاصمة. لن نطيل الغياب، فابقي هنا ولا تغامري بالعيش في المدينة المليئة بالمخاطر. سنترك لكِ الكثير من الخدم ليعتنوا بكِ.”
ما عنته كلماتها هو أنني سأتمكن من التحرّك كما أشاء في الوقت القريب!
“حسنًا، سأبقى بخير وسأتصرف بهدوء. عودًا حميدًا.”
أومأتُ برأسي وأنا أكتم ابتسامةً وديعة.
أنا حرّة!
* * *
في اليوم التالي لمغادرة والديّ، بدأتُ أدعو إدريس إلى حديقة منزلنا بكل أريحيّة.
والداي لم يتركا خلفهما سوى الخدم المقربين ليّ، أما الباقون فقد رحلوا معهما إلى العاصمة. أما إقناع الخدم بالكتمان، فكان أمرًا هيّنًا بالنسبة ليّ.
لكن الخدم اشترطوا ألا يدخل إدريس إلى داخل المنزل. اتفقنا جميعًا على احترام هذا الشرط.
كان إدريس متوتّرًا في البداية، لكنه ما لبث أن اعتاد عليّ وعلى ليرييل مع مرور الوقت.
كنّا نجلس في الحديقة نتناول الحلوى ونتبادل الأحاديث. نبحث عن أزهار برية بين الأعشاب، ونلعب الغمّيضة بين الأشجار العالية. أمور بسيطة كهذه أصبحت مألوفةً له.
وبقدوم الخريف بعد صيف طويل، بات لعبنا نحن الثلاثة أمرًا طبيعيًّا.
‘عندما أفكر في الأمر، نحن تركيبة غريبة فعلًا. البطلة والشرير والشخصية الثانوية!’
شخصية بيان أستاهيلت لا تظهر أصلًا في رواية <إنه وخيمٌ، انفرِي!>.
الأرجح أنني كنتُ واحدة من الشخصيات الثانوية التي لقيت حتفها في المشهد الذي يقضي فيه إدريس على أهل القرية.
من هذه الناحية، كنتُ قد تدخلتُ فجأةً إلى علاقات الشخصيات الرئيسية. لكن هذا كان مجرد بداية، فأنا أنوي تغيير ماضي الشرير بالكامل.
‘عذرًا، أيها الكاتب. مع ذلك، لقد أحببتُ روايتك كثيرًا.’
“بيان.”
في ظهيرة يوم خريفي لطيف، مدّت ليّ ليرييل شيئًا كانت تعبث به طيلة الوقت. كان خاتمًا مصنوعًا من الأعشاب، بدا متقنًا للغاية.
ابتسمتُ بفرح وارتديتُه في إصبعي.
“إنه جميل!”
“بيان.”
ناداني إدريس هذه المرة. في يده، كان يحمل تاجًا من الزهور والأعشاب.
“عجبًا.”
بصراحةٍ، ما صنعه إدريس كان أجمل بكثير. يملك يدين ماهرتين.
اقترب مني ووضع التاج على رأسي بنفسه.
“لم تشترِ هذا من السوق، صحيح؟”
سألته مازحة، فأطلق ضحكةً خافتة.
“رأيتِني وأنا أصنعه، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح. على كل حال، شكرًا لكما.”
ضحكتُ بسعادة. إن وُجد شخصٌ آخر نال هديّة من البطلة والشرير معًا، فليظهر الآن!
“لكن، لماذا أنا فقط؟ جربوا أن تُهدوا شيئًا لبعضكما أيضًا.”
قلتُ ذلك بنبرة مبتهجة، مدفوعةً برغبةٍ دفينة في تحسين العلاقة بينهما منذُ الآن، حتى لا يتحوّلا إلى أعداء في المستقبل.
لكن كلامي هذا أثار ردود فعل غير متوقعة.
“يا إلهي، هذا ليس بفكرة جيدة.”
“أظن أنني أحب الفكرة.”
‘……هل تشاجر الاثنان من ورائي؟’
مرّت الفصول، لكن هذين الاثنين لم يقتربا قيد أنملة. لقد بات ذلك همّي الأكبر مؤخرًا.
كنتُ أظن أنّ صداقتي لـ إدريس أزالت نصف أعلام الموت التي كانت ترفرف فوق رؤوس الجميع. لكن هيهات، لا أزال أشعر بالقلق.
“يا رفاق، ماذا بكم؟ نحن أصدقاء، أليس كذلك؟”
“ليس بالضرورة.”
قالت ليرييل ذلك بحدة، ثم تشبثت بي فجأةً. على الفور، تغيّر وجه إدريس وتجمّد.
“ابتعدي عن بيان.”
“إن وافقت بيان على أن أنزعه عنها التاج، سأفكّر في الأمر.”
“تظنين أنني سأسمح بذلك؟”
“آه، يا رفاق؟ أعتقد أن الشرر يتطاير من عيونكم….…”
حاولتُ التدخل بصوت خافت. من الواضح أن كليهما يملكان شخصيّاتٍ لا يُستهان بها، كما هو متوقّع من شخصيتين رئيسيتين.
“ما مشكلتكما بالضبط؟”
هززتُ رأسي بيأس، فردّت ليرييل بسرعة.
“المشكلة في إدريس!”
“أنا؟”
قالها إدريس بدهشة وكأنها تهمة باطلة.
“نعم! أنتَ تغار سرًا من علاقتي بـ بيان.”
“لا تتحدثي بترهات.”
“هذه ليست ترهات، بل الحقيقة!”
“……لِمَ لا تتوقفين الآن؟”
فجأةً، انقلبت نظرات إدريس وصارت حادّة.
‘ما الذي يحدث هنا بحق السماء؟ هل كانا يتشاجران بسببي طوال هذا الوقت؟ لماذا؟’
كنتُ أحدّق مذهولةً حين مد إدريس يده نحونا، ليّ وليرييل.
في تلك اللحظة، تذكّرتُ شيئًا من الرواية.
تلك الصورة القاسية لـ إدريس ساينديل وهو يهمّ بقتل البطلة ليرييل، تخيّلتها دون وعي…….
ثم، ودون تفكير، دفعتُ ليرييل خلفي لأحميها.
“……بيان.”
وقفتُ في مكاني مذهولة من تصرفي، حين سمعتُ صوته المرتجف.
كارثة. ما حدث الآن يبدو وكأنني أحمي ليرييل منه.
لقد عاملته كتهديد.
“إدريس، أنا.”
حاولتُ أن أشرح، ونظرتُ في عينيه. ثم ندمتُ أشد الندم.
كانت عيناه مليئتين بالخذلان.
“هل كنتِ تظنين أنني سأؤذيها؟”
“لا. لا، فقط رأيتُكما تتشاجران، ففزعتُ….…”
“أترينني مثل باقي الجيران؟”
“….…”
‘يا إلهي، لقد أخطأتُ. كيف أصلح هذا؟’
بينما كنتُ أحاول التفكير، استدار دون أن يسمع ردّي.
مددتُ يديّ لأمسكه، لكن فات الأوان.
لقد غادر، متّجهًا نحو منزله.
سادت لحظة من البرود الشديد. نظرت ليرييل نحو بيته بوجه يحمل أثر الصدمة.
“ما أردتُ أن ينتهي الأمر هكذا. أظنّ أنني المخطئة.”
“وأنا أيضًا ارتكبتُ خطأ. لم تكن يده مرفوعة ليؤذي أحدًا، لكنني تذكّرتُ أمرًا سخيفًا في اللحظة الخطأ….…”
“بيان، ماذا نفعل الآن؟”
“سأذهب إليه لاحقًا وأعتذر. أما أنتما، فحلا مشكلتكما بعد ذلك.”
آه، حسنًا. كنتُ أعلم أن الأمور كانت تسير بسلاسة أكثر من اللازم.
* * *
أعدتُ ليرييل إلى بيتها، وتناولتُ عشاءًا مبكرًا.
وحين بدأت الشمس بالمغيب، خرجتُ مجددًا. أخبرتُ الخدم أنني ذاهبة لتمشية قصيرة في الحديقة الخلفية.
ثم سلكتُ الطريق نحو الزاوية، وعبرتُ من خلال فتحة صغيرة في السور.
كان منزل إدريس هادئًا ومعتمًا للغاية. لدرجة أن صرير الحشرات بدا صاخبًا.
رغم أنه بات يلعب معنا كثيرًا، فلا بد أن العيش هنا وحده أمر موحش ومخيف.
شعرتُ فجأةً بالذنب. ما كان ينبغي أن أتهاون. في هذه الحياة، لا مجال لتراخي الحذر.
“إدريس؟ هلّا خرجت قليلًا؟”
بدأتُ أبحث في حديقته أولًا. بما أنه يملك حسًّا قويًا، فسيعلم أنني هنا من مكاني هذا.
“أنا المخطئة. آسفة.”
لكنه لم يظهر.
تقدّمتُ بخطى حذرة داخل المنزل بحثًا عنه.
كان الداخل أشدّ ظلمةً من الخارج. كل الأنوار كانت مطفأة.
تردّدتُ للحظة، ثم استجمعتُ شجاعتي وتقدّمتُ.
“ما زال لديّ سرّ لم أُخبرك به. جعلني هذا السر أرى فيك شخصًا آخر، لذلك أسأتُ الفهم. لم أقصد أبدًا أن أراك إنسانًا سيئًا.”
كان البهو باردًا. شعرتُ كما لو أن نسمةً باردة هبّت من مكان مجهول.
على أي حال، لم يكن في الطابق الأول أحد. وضعتُ قدمي على الدرج المؤدي إلى الطابق الثاني.
كـلاك.
انبعث صوت مزعج من الدرج البالي في سكون المكان. في الحقيقة، شعرتُ ببعض الخوف.
‘ما بال إدريس؟ حتى الضوء لم يشعل في البيت، ماذا يفعل؟’
“إدريس. ليرييل لم تكن تقصد أنها لا تريد أن تكون صديقتك. فقط قالت إن طباعكما قد لا تتوافق، هذا كل ما في الأمر.”
بدأ صوتي يختنق شيئًا فشيئًا. كان قلبي يخفق بعنف. لو كنتُ أعلم أن الأمور ستكون هكذا، لأحضرتُ شمعة على الأقل.
“لكن، ألا تظن أننا سنكون بخير إن مرّ بعض الوقت؟ أنا أعتقد ذلك.”
كان المكان يوحي بظهور شبح. تجمدتُ مكاني وبدأتُ أنظر حولي بقلق.
ممر الطابق الثاني. كان ممتدًا طويلًا، ونهايته مظلمة تمامًا. وكأن شيئًا ما كان يترقّبني هناك.
“إدريس، ألا يمكنك الخروج قليلًا والتحدث معي؟ أنا أشعر بالخوف…….”
لم يكن صوتي يهدف إلى إقناعه بالخروج، بل كنتُ خائفة حقًا.
أطلقتُ أنينًا من الضيق وخطوتُ خطوة أخرى إلى الأمام.
حينها حدث ذلك. شيء شاحب مرّ خلفي كأنه ريح.
“آه!”
قشعريرة سرت في كامل جسدي.
‘هل هو شبح؟’
ارتعبتُ بشدة وسقطتُ على الأرض. دار رأسي فجأةً وانحبس نَفَسي للحظة.
ما هذا؟ لم أستطع التحكم بجسدي.
“……بيان! تنفّسي!”
استعدتُ وعيي بالكاد على صوت يناديني. كان صدري يؤلمني كما لو أنه انكمش.
“بيان!”
يا إلهي، كان الألم حقيقيًّا. شعرتُ وكأن أحدهم يمسكني بالكامل ويعصرني. كان قلبي ينبض بقوة مؤلمة.
بلهفة أخذتُ أزحف على الأرض، أحاول أن أتنفس. لم أكن أستطيع. وبعد معاناة كادت تدمع لها عيني، عاد إليّ نَفَسي شيئًا فشيئًا. يبدو أنني لستُ قوية القلب، لذا كان التأثير عليّ كبيرًا.
“كـ، كدتُ أموت فعلًا……آوه.”
كنتُ ألهث كجرو صغير جرى ساعة في ظهيرة صيف، حين شعرتُ فجأةً بارتعاشٍ من مكان ما.
‘ارتعاش……؟’
نظرتُ إلى مصدر الارتعاش الذي شعرتُ به على كتفي وذراعي. كانت يد طفل. رفعتُ رأسي لأنظر إلى صاحب اليد.
كان إدريس. كان جسده يرتجف، وكان ينظر إليّ بعينين مذعورتين.
يُتبع….
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 3 - نحنُ أصدِقاء، أليسَ كذلِك؟ 2025-05-28
- 2 - أنا أعيشُ بِجوار الشرير (2) 2025-05-28
- 1 - أنا أعيشُ بِجوار الشرير (1) 2025-05-28
التعليقات لهذا الفصل " 3"