5
استمتعوا
لم يبقَ في الطابق الأول من المطعم سوى شخصين، بعد أن عادت ميليارا إلى غرفتها.
ورغم أن التوتّر الحادّ لا يزال يخيّم على الأجواء، نهض ليخت وكأن الأمر لا يعنيه في شيء.
وما إن أدار ظهره وهمّ بالخروج دون أن ينبس بكلمة، حتى هتف أحد الفرسان الواقفين إلى جواره محتجًّا:
“ألا يجدر بك أن تُبدي مزيدًا من الاحترام لسموّ الأمير؟!”
“يكفي.”
لكنّ ليندن رفع يده مشيرًا له بالصمت.
ثمّ رمق ليخت بنظرة حذرة، وسأله بتردّد.
“لم أتوقّع أن أراك في مكانٍ كهذا، الدوق الأكبر أرفيس.”
توقّف ليخت في مكانه عند سماع صوت الفارس، وأدار رأسه نحو ليندن.
كانت تصرّفاته غامضة لا توحي بإجلالٍ صريح، لكنها لم تكن أيضًا مهينة.
ومع ذلك، قال شيئًا لا يمتّ للسياق بصلة.
“كوني الدوق الاكبر أرفيس.”
ارتعش ليندن لا إراديًّا تحت تلك النظرة الحادّة التي بدت كأنها تخترق جسده.
“من الأفضل ألّا تُعلِمها بذلك.”
“…ولِمَ لا؟”
“ليس من شأنك أن تعلم.”
قال ذلك، ثم ألقى ليخت نظرة سريعة على الفرسان الواقفِين إلى جانب ليندن.
“الأفضل أن تُلجِم ألسنة فرسانك، إذ لا مجال لأن يتسرّب هذا الأمر من ناحيتي.”
توجّهت نظرات ليندن إلى تانما، كبير الخدم الواقف خلف ليخت.
ورغم ابتسامته، كانت برودة تلك الابتسامة لا تقلّ عن الجليد الذي في عيني ليخت.
ثم غادر ليخت المطعم دون أن يلتفت خلفه، وبكثيرٍ من اللا مبالاة.
“يا له من رجلٍ فظّ!”
“كفى. لا تتفوّه بشيءٍ أحمق.”
أسكت ليندن فرسانه الغاضبين، وزفر ببطء، ثم مسح العرق الذي تجمع عند حاجبيه المتغضّنين.
‘أظنّني بدأت أفهم لماذا قال جلالته ذلك.’
حين كان صغيرًا، سمع صدفةً حديثًا دار بين الإمبراطور وشقيقه وليّ العهد.
وكان مما سمعه، وقد بدت الكلمات في حينها بعيدة عن التصديق، إلا أنه لم ينسَها قط:
“ومهما حصل، لا تُعادي الدوق الاكبر أرفيس.”
“وهل سأحظى أصلًا بفرصة لرؤية هذا الرجل الذي لا يخرج من دوقيته؟”
“أقول لك ذلك لأنه لا يظهر كثيرًا. ومهما بدا الأمر مجحفًا أو عبثيًّا، لا تجرؤ على الوقوف ضده.”
“لِمَ كلّ هذا التحذير؟”
“ذاك الرجل هو السبب في وجود الإمبراطورية حتى اليوم.”
“أعلم أنه من نسل مؤسّس البلاد، لكن…”
“ليس الأمر كما تظن! ذاك الشخص…”
لم يكن هناك شكّ في أن الشعور الذي ارتسم على وجه الإمبراطور، وهو يطلق تنهيدة ثقيلة، لم يكن إلا الخوف.
كان يدرك جيدًا ما يتمتّع به الدوق الاكبر أرفيس من قوّة، بل إلى درجة أنه كان يشعر براحة أكبر إن أوكل إلى فرسان الدوق الاكبر مهمة إخضاع البرابرة أو غزو الدول الأخرى، بدلًا من إرسال جيش القصر الإمبراطوري.
لكن هل كان الإمبراطور يمتلك كل تلك الحكمة حقًا؟
“السبب الوحيد الذي يجعله يتركنا وشأننا، ويجعلنا نمارس دور العائلة الإمبراطورية، هو أنه لا يحبّ مغادرة أراضيه.”
“تركنا وشأننا؟ أبي، كيف يمكن أن يكون دوق أرفيس خفيًّا إلى هذه الدرجة؟”
“زيكين.”
رغم أنّه لم يكن حاضرًا، فإن الإمبراطور تحدّث عنه بحذرٍ شديد.
“ما لم تكن الإمبراطورية على شفا كارثة، دعوه يحيى بسلام في دوقيته. لأنه في اللحظة التي يقرّر فيها أن يوجّه سيفه إلينا، ستتحوّل هذه البلاد إلى ارض قاحلة.”
“ما الذي تعنيه بذلك…؟”
“إن لم تكن ترغب في أن ترى الإمبراطورية في ذلك المصير، فلا تُثِر غضبه.”
ربما لم ينتبه زيكين إلى الأمر، لكنّ ليندن أدركه.
فالمسألة تتجاوز مجرّد امتلاك الدوق الاكبر ورقة ضغط على الإمبراطور.
كان هناك شيءٌ أعمق… شيءٌ حتى الإمبراطور ذاته كان يخفيه.
ومنذ أن التقى ليندن بالدوق الأكبر أرفيس، ازداد ارتباكه.
ذلك التصرّف المتهاون الذي يتسرّب من بين حركاته بسلاسة.
وتلك الهالة التي لا تُقاوَم، والتي كانت قوية بما يكفي لإخضاع الآخرين، لكنها لم تكن متعجرفة بل طبيعية… وكأن السيادة ولدت معه منذ لحظة مجيئه إلى هذا العالم.
حين أفصح عن هيبته الطاغية، لم يستطع ليندن إلا أن يتذكّر تلك اللوحة الوحيدة التي تصوّر الدوق الأكبر أرفيس والمعلّقة في غرفة الإمبراطور. وحينها فقط، بدّل موقفه في الحال.
فإن كان الرجل الذي يحترس منه الإمبراطور نفسه، فالخيار الأذكى هو الحذر، لا الانتظار حتى تقع الكارثة.
توجّه ليندن نحو السلالم المؤدية للطابق الثاني.
‘ما الذي تخفيه ميليارا يا تُرى؟’
ما السرّ الذي دفع الدوق الاكبر أرفيس شخصيًّا للتحرّك؟
صحيح أنه تطوّع لمرافقتهم في رحلتهم لمعرفة ذلك، إلا أن الأمر بات يبدو وكأنه سيكون أكثر تعقيدًا ممّا توقّعه.
“هاه، أحتاج إلى شراب.”
شعر ليندن بالاختناق من العطر المنعش الذي خلّفه ليخت وراءه، فحرّك الهواء حوله بسحر الرياح لينقّي الأجواء، ثم مضى يبحث عن بعض الشراب، ولأول مرة منذ زمنٍ طويل.
***
كان صباحًا جميلًا بينما كنت أغسل جسدي وأنزل السلالم وأنا أُدندن، والحماس يملؤني.
وعندما وصلت إلى الطابق الأول، كان طفلٌ ما ينتظرني هناك بالفعل لاستقبالي.
“ووف!”
“كيلبر! هل نِمتَ جيّدًا؟”
وبينما كنت أربّت على رأس هذا الصغير الذي كان يهزّ ذيله بسرور، لمحت وجهًا مألوفًا آخر.
“كبير الخدم. نلتقي مجددًا.”
بدت عليه علامات الهيبة والوقار، وكأنه رجلٌ شاخَ بأناقة.
“نعم، إنه لشرفٌ لي أن أراكِ مجددًا، آنسة.”
“من فضلك، نادِني ميليارا فقط.”
“نعم، آنسة ميليارا.”
لا، لم أقصد أن تُبقِي على لفظ آنسة، أردت فقط أن تناديني باسمي مجردًا.
لكن يبدو أن مناداتي بـآنسة كانت أكثر راحة له، فابتسمت ببساطة وتجاوزت الأمر.
“وما اسمك؟”
“تانما.”
“يا له من اسمٍ رائع! إذًا، تانما؟ أم كبير الخدم؟ أم كبير الخدم تانما؟”
“ناديني كما يحلو لكِ.”
ابتسمت بسعادة، وأنا أختار الاسم الذي سأناديه به لاحقًا كي لا يبدو الوضع غريبًا.
كبير الخدم ابتسم بدوره، وكانت ابتسامته تفيض وقارًا.
“تمّ تحضير الفطور مسبقًا. هل ترغبين في تناوله؟”
قادني إلى أحد أطراف المطعم في الطابق الأول.
كان ليخت وليندن بانتظاري هناك.
“هل نِمتُما جيّدًا؟”
“نعم. وأنتِ، هل نِمتِ جيّدًا أيضًا؟”
أومأ ليخت برأسه إيماءة مقتضبة، فيما أجابني ليندن بلطف، ثم قام بسحب الكرسي لأجلس عليه.
ولأنها كانت المرّة الأولى في حياتي التي يسحب فيها رجلٌ كُرسيًّا لأجلي، جلستُ وعلى شفتيّ ابتسامة خفيفة.
وما إن استقرّيت في مكاني، حتى دفع ليندن أمامي طبقًا كبيرًا على الفور.
“هذا هو الفطور الأكثر مبيعًا هنا.”
“ما كلّ هذا؟ نقانق، لحم مقدد، وبيض على فطائر… بل وحتى سلطة؟”
كانت الكمية هائلة لدرجة أنني لم أعد أفرّق بين الفطور والعشاء الدسم.
ورغم أن شكل الطعام كان شهيًّا، لم أستطع إلا أن أرتدي تعبيرًا محرجًا.
‘أنا لا أتناول هذا القدر صباحًا…’
عادةً، أتناول فقط قطعة توست وكوبًا من مشروب الحبوب المتعددة.
لم أكن أمتلك وقتًا كافيًا بسبب العمل الدائم، ومع الزمن، أصبحت أشعر بالانتفاخ إن تناولت أكثر صباحًا.
حينما امتلكت هذا الجسد لأول مرة، حاولت تغيير عادتي وتناولت فطورًا أكبر، متسائلة إن كانت شهية جسدي قد تغيّرت… لكن بدا أن السبب ليس الجسد بل عقلي.
ولكن، لم أجد خيارًا سوى أن أتناول السكين والشوكة على استحياء، خاصّة بعد أن رأيت نظرة ليندن المتلألئة بعدما حضّر لي كلّ ذلك.
“شكرًا لك. سأستمتع بالطعام، هاها.”
مددت شوكتي نحو الفطيرة، وأنا أُمنّي نفسي بأن أتظاهر بتناول الطعام، حتى لو سبّب لي ذلك عسر الهضم لاحقًا.
وهنا، بدأ الطبق يبتعد عني ببطء. بخفّة، كما لو أن شوكتي والطبق مغناطيسان متنافران.
تابعتُ الطبق بنظري وأنا في حيرة، ثم رأيت اليد التي دفعته.
“ليخت…؟”
كان هو.
“ما الذي تفعله الآن؟”
جاء صوت ليندن معترضًا من الخلف، لكن ليخت تجاهله تمامًا، ووضع أمامي طبقًا أصغر بدلًا من الكبير.
وُضِعت على الطبق الصغير قطعتا توست مقطّعتان بشكل مثلث.
تمامًا كما اعتدت أن أتناول كل صباح على مدى السنوات الماضية.
“هذا…؟”
“إن أكلتِ كثيرًا صباحًا، ستشعرين بعدم الراحة أثناء التنقّل.”
“آه…”
إذًا كان قلقه من تأثير ذلك على الرحلة، وليس لأنه لاحظ حيرتي أمام كمية الفطور.
ابتسمت بسخرية لنفسي، التي تملّكها أملٌ بلا مبرّر، وأمسكت بالشوكة لأغرسها في التوست.
وما إن نظرت إليه، حتى أضاف بهدوء.
“…مربّى الفراولة.”
انفجرت ضاحكة.
“كيف عرفت أنني أحب مربّى الفراولة؟”
رغم أنه حتمًا لا يعرف، وربّما اختاره لأنه النوع الأكثر شيوعًا، إلا أنّني شعرت بسعادةٍ غامرة وأنا أبتسم وأتذوّق التوست.
وكانت قرمشته لذيذة إلى درجة أنني شعرت أنني لن أملّ من تناوله كل صباح.
كان كوب من مشروب الحبوب المتعددة هو كلّ ما ينقصه.
لكن لا فرصة لوجود مسحوق الحبوب هنا، فتجرّعت مرارة الحنين وتناولت كوب ماء… أو هكذا كنت سأفعل، لولا أن الكوب اختفى فجأة.
وفي مكانه، وُضِع أمامي مشروب بلونٍ بني فاتح.
كان الشراب نفسه الذي كنت أفكّر فيه قبل قليل، فتوسّعت عيناي في دهشة.
لا يعقل…
“ما هذا؟”
“تذوّقيه. سيعجبك.”
ولم يجب عن سؤالي، بل حثّني على تذوّقه.
فعلت ذلك بقلق، وإذا بالطعم الحلو والمحمّص ينساب في فمي، ويغمر حلقي برفق.
‘أيمكن أن يكون هذا… مشروب الحبوب المتعددة؟’
أصابني الحيرة.
رغم أن لا قانون يمنع الناس في الإمبراطورية من تناول بودرة فول الصويا أو الأرز الدبق ومزجها بالحليب، فإن مشروب الحبوب المتعددة كان بالنسبة لي شيئًا كوريًّا بحتًا، لذا لم أتوقّع أبدًا أن أجده هنا.
‘لا شيء مستحيل ما دامت المكوّنات موجودة.’
لكن رغم أنني فهمت ذلك منطقيًّا، فإن قلبي لم يستوعبه.
وعندما نظرت إليه مجددًا، كان ليشت يراقبني وهو يسند ذقنه على يده، مائلًا نحو الطاولة.
وبدا من ملامحه المتراخية ونظرته الثابتة أنه كان يحدّق بي منذ اللحظة التي أعطاني فيها التوست.
وعندما التقت نظراتنا، أضاف وكأنه كان ينتظر تلك اللحظة.
“يبدو أنه يصبح ألذّ حين يُضاف إليه العسل بدلًا من السكّر.”
بدأ قلبي يخفق بسرعة لتلك الكلمات العفوية التي لا تحمل معنى ظاهرًا.
“آه، نعم… هذا صحيح، سيكون ألذ بالعسل.”
لماذا ينبض قلبي بهذا الاضطراب لأجل تعليقٍ عابر لا يحمِل مغزى؟
هل لأن مشروب الحبوب ذاك كان ملائمًا تمامًا لذوقي؟ أم لأنني لاحظت أنه يراقبني وأنا آكل؟ أم… لأن وجه ليخت كان وسيمًا إلى حدٍّ لا يُحتمل؟
نعم، بوجهٍ كهذا، حتى لو قال. “سيّدتي، هذه الحصيرة الساخنة من اليشم منتجٌ فاخر من الدرجة الممتازة”، فإنني سأشعر بالحماس وأشتريها كلها!
إذًا، هذا الخفقان ليس سوى نتيجةٍ لذلك الفكّ الحاد، وتلك السمات الداكنة التي تُضفي عليه سحرًا وجاذبية حتى في الصباح الباكر.
حاولت أن أهدّئ نفسي وأنا ألوك التوست، وأشرب مشروب الحبوب حتى آخر قطرة، مُقنعة نفسي بمنطقٍ يَحول بيني وبين الانجراف.
“شكرًا على الوجبة.”
“هل يكفيك هذا؟”
سألني ليندن ما إن وضعت الكوب جانبًا، وقد ارتسمت على وجهه ملامح القلق.
“أنا بخير. لا آكل كثيرًا في الصباح عادة.”
“فهمت…”
“هل تناولتَ طعامك؟ شعرتُ كأنني الوحيدة التي كانت تأكل.”
“نعم. أنهيت طعامي بالفعل.”
“هذا مطمئن. وليخت، هل تناولت… هاه؟ أين ذهب؟”
وحين التفتُّ، لم يكن ليخت في أي مكان. وكان صوت الجرس عند الباب ورجفة الخشب يشيران إلى أنه غادر للتو.
“لقد غادر بسرعة، حتى إنني لم أسمع خطواته…”
“ميليارا.”
ناداني ليندن، وأنا لا أزال في حالة من الذهول، ثم سألني وهو يضع على وجهه تعبيرًا جادًا للغاية.
“كيف تعرفين ذلك الشخص؟”
“لا يمكن القول إننا نعرف بعضنا… هل رأيتَ ذلك الكلب؟ كيلبر؟ التقيتُ به بالأمس، ثم صادف أنني التقيت بليخت حينها لأول مرة.”
رغم أن ليخت تحدّث وكأن بيننا ماضٍ، إلا أنني لم ألتقه من قبل.
“كانت المرة الثانية التي أراه فيها الليلة الماضية عندما كنت معك.”
“لكن لماذا…”
توقّف عن الكلام في منتصف الجملة.
لكنني شعرت أنني أعرف ما كان يريد قوله.
لماذا كان عدائيًا نحو ليندن، لكنه لم يُظهر نحوي شيئًا من ذلك؟ كان يُعاملني بطريقة مغايرة تمامًا، حتى إنني لاحظتُ الفارق بنفسي.
“ربما هو أحد أتباع صاحب السمو ولي العهد؟ قد لا يكون على علمٍ بأن خطوبتنا قد فُسِخت.”
كان هذا أفضل تفسير استطعتُ التفكير به.
“ليس الأمر كذلك.”
“وكيف لك أن تكون واثقًا؟”
“الحقيقة هي…”
كان يبدو شديد الحذر في كلماته، ونظر بسرعة نحو تانما، كبير الخدم، الذي كان ينتظرنا بابتسامة ودودة.
“لأنه أحد المقرّبين من جلالة الإمبراطور.”
“أوووه.”
أمير النحس الذي نبذه الإمبراطور. قوة مباشرة ذات صلة وثيقة بعرش الإمبراطورية. كان من المفهوم تمامًا أن يتّخذ ليندن موقفًا متحفظًا أمامه.
‘لكن، انتظر… كيف تكون من رجال الإمبراطور، ومع ذلك لا يعرف أنني أميرة داركيز؟’
يا له من رجلٍ غامض.
“هل سيُريحك الأمر إن أقسمتُ على بحيرة ضوء القمر أنني سأحميكِ؟”
لكن، وعلى الرغم من كل شيء، لم أكره الأمر.
“تذوّقيه. سيعجبكِ.”
قد يكون قد فعل كل تلك الأشياء ببساطة ودون نيّة مسبقة، إلا أنني لم أستطع التوقف عن التفكير بها، ولم أتمكن من كبح ابتسامتي.
وما عساني أن أفعل إن كان ذلك لطيفًا؟ ليس من جريمةٍ أن يخفق القلب، أليس كذلك؟
وبعد أن اختبرتُ السحر العفوي الذي يتسرّب في كلّ ما يقوله رجل وسيم، بدأت أشعر بأن رحلتي القادمة ستكون واعدة.
***
عندما خرجتُ بحقيبتي في ذلك اليوم، استقبلني مركب فخم للغاية.
على عكس العربات اللامعة في دوقية داركيز، كانت هذه العربة تُشعّ هيبة، مصنوعة من خشبٍ داكنٍ مصقول، وزُيّنت ببساطةٍ أنيقة تزيد من رقيّها.
“اصعدي.”
“لا بأس! يمكنني استقلال إحدى العربات العامة.”
“هل من المنطقي أن نسلك نفس الطريق لكن في عربتين مختلفتين؟”
“آه…”
هذا صحيح. سيكون من الغريب أن أدفع لاستئجار عربة بينما توجد أخرى بالفعل بانتظاري.
“إذًا، لن أرفضك! شكرًا لك.”
“هذا هو الطبيعي.”
يا إلهي… حتى جوابه مثالي.
“يبدو أنني وجدتُ رفيق سفر ممتازًا.”
بعيدًا عن المال الذي وفّرته من استئجار عربة، فإن مشاركة العربة معه تعني كذلك مسؤوليته عن أمني.
ابتسمت بسعادة ودخلت العربة التي فتحها لي ليخت.
وكان داخلها بقدر جمال خارجها. ورغم فخامتها، كانت دافئة، تفوح منها رائحة الفاوانيا*.
*صورتها بنهاية التشابتر
“حتى المقاعد فسيحة.”
هل هكذا يشعر المرء عند ركوب سيارة ليموزين باهظة الثمن؟
ضحكتُ بلا سبب وأنا أعيش هذا الرفاه للمرة الأولى.
‘لكن ما الذي يفعلانه بالخارج؟ لما لا يصعدان؟’
ظننتُ أنني رأيت كفاية من داخل العربة، لكن لم أسمع صوت خطوات. فأطليت برأسي من الباب المفتوح.
وبالفعل، وجدت الرجلين واقفين، يتبادلان نظرات باردة وسط نسيمٍ عابر.
“بالطبع، من الطبيعي أن نركب كلنا العربة نفسها، أليس كذلك؟”
“لستُ متأكدًا من أين جئتَ بهذه الفكرة.”
“يا لك من بارد. أليس بإمكاننا أن نتشارك عربة واحدة؟”
“ما هو الغريب هو تصرّفك وكأن الجميل من الناس دَينٌ لك.”
“أنا لا أطالب، بل أتحدث عن البديهيات في هذه الحالة!”
ومن فحوى جدالهما، بدا لي أن ليندن كان يقول: “أليس من المنطقي أن نركب جميعًا في نفس العربة ما دمنا ذاهبين إلى نفس الوجهة؟”، بينما كان ليخت يردّ: “إنها عربتي، فلماذا يجب أن تصعد عليها؟”
“هاه…”
وفجأة سمعتُ صوت ليندن يناديني، وأنا أتنهد حائرة فيمن يجب أن أُقنع.
“ميليارا، ألا يمكنني أن أركب العربة أيضًا؟”
“هاه…؟ لكن هذه العربة ليست لي، لذا…”
وبمجرد أن قلت ذلك، بان على وجه ليندن تعبيرٌ أقرب إلى البكاء.
“هل يُفترض بي أن أتبعكم وحدي على ظهر حصان…؟”
“لـ، لا، ليس هذا ما أقصده، لكن…”
أنت شخص غني، فكان بإمكانك استئجار عربة أخرى…
لكن كما قال ليندن، ما دمنا ذاهبين إلى نفس المكان، فهل من المنطقي أن ننفصل؟ كان من الطبيعي أن يصعد في العربة نفسها، بنفس المنطق الذي استخدمتهُ أنا.
“ميليارا. خذيني معكِ… أرجوكِ؟”
اقترب مني بسرعة دون أن أشعر، وراح ينظر إليّ بنظرة مكسورة. نظرة طفل بريء، مزيج من كلب صغير وأرنب.
“حـ، حسنًا.”
ولأنني لم أشأ أن أبدو كبلطجية تُرهب طفلًا، أجبتُ بسرعة. وفورًا، أشرق وجه ليندن كزهرة متفتحة.
“شكرًا!”
ثم قفز إلى داخل العربة.
آه… لقد أصبتُ مجددًا بضربة قاضية من جماله.
وفي تلك اللحظة، التقيتُ بنظرات ليخت خلفه.
“أنا آسفة. أعني… هذه ليست عربتي، ومع ذلك…”
“لا بأس.”
أجابني قبل حتى أن أكمل جملتي.
“إن كان هذا يُريحكِ، فافعليه.”
رجلٌ قال قبل قليل إنه لن يسمح لـليندن بالصعود معنا أبدًا… لكن حينما حصل ذلك، بدا وكأن الأمر لا يعنيه.
‘هل تحاول فقط مضايقة ليندن؟’
كأحد رجالات الإمبراطور، هل تكرهه لأنه “وصمة في القصر الإمبراطوري”؟ أم أن الإمبراطور أرسلك لتختبره؟
ورغم أن رأسي امتلأ بالتساؤلات، إلا أنني تجاوزتها جميعًا، فأنا فقط سعيدة لرؤية هذين الرجلين الوسيمين في آنٍ واحد.
فصحتُ بحماس.
“لننطلق إذًا دون توقف حتى نصل إلى قرية تشيبان!”
…لكنني لم أكن أعلم حينها.
أن رحلتنا إلى المعبد ستكون بهذه الصعوبة…
صورة زهرة الفاوانيا
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 11 - إن كان الأمرُ صعباً، فلا بأسَ أن تتذمّري منذ يومين
- 10 - هل يمكنني لمسها؟ 2025-07-17
- 9 - القدرة على أن تصبح قديسة 2025-07-17
- 8 - مشهد محفور في العيون إلى الأبد 2025-07-17
- 7 - لا يمكنك احتكارها لنفسك 2025-07-17
- 6 - بالتأكيد انها هي 2025-06-26
- 5 - جربيه. سيعجبك 2025-06-26
- 4 - زهور بكلتا يديك 2025-06-26
- 3 - البطل الثاني الذي يشبه شقيق الأمة الأصغر 2025-06-26
- 2 - 2- رجل يُوافق ذوقي في المظهر 2025-06-17
- 1- شريرة الرواية التي كنت اقرأها 2025-05-07
التعليقات لهذا الفصل " 5"