4
استمتعوا
الرجل الذي دخل المطعم لتوّه، مسح المكان بنظره، ثم توقّف حين التقت عيناه بعيني.
ولم أستطع الحركة أنا الأخرى، وقد أسرتني نظراته العميقة تمامًا.
‘لم أكن أعلم أننا سنلتقي مجددًا.’
دقّات قلبي تسارعت فجأة، في خفقانٍ أحمق.
“وووف!”
نبح الجرو بحماس لرؤيتي، وكأن فرحته كانت مكافأة إضافية وسط هذه اللحظة.
كاسرًا صمت اللحظة، هرول كيلبر نحوي وقفز ليضع قائمتيه الأماميتين على فخذيّ.
وحين حاول لعق وجهي، انفجرتُ ضاحكةً وأنا أمسح رأسه.
“أنا أيضًا، سعيدٌ بلقائك مجددًا!”
جاء الرجل الذي أراد أن يُنهي هذا الترحيب المفرط، وجذب مقود كيلبر. وحين شدّ مقود رأسه الأوسط، انشدّت رؤوسه الثلاثة دفعة واحدة.
“اجلس، كيلبر.”
بضع كلمات فقط، لكنها كانت كافية ليطيع الكلب بهدوء ويجلس أرضًا.
أطلقتُ همسة إعجابٍ صغيرة؛ كان مطيعًا بشكلٍ مذهل. حتى تدريبه للكلاب بدا كاريزماتيًا مثل شخصيته.
كان صوته يجمع بين القوة والنعومة.
“إذاً، التقينا مجددًا.”
ابتسمتُ له ابتسامةً رقيقة، وقد غمرتني السعادة بلقائه من جديد.
لكن بدلًا من أن يردّ التحيّة، اكتفى بالتحديق بي، ثم قال شيئًا بدا لي سخيفًا.
“قصّة شعركِ تغيّرت.”
“آه.”
دفعتُ خصلات الشعر القصيرة التي انسدلت على أذنيّ.
“ربطتُ شعري لأنه كان يزعجني.”
حين التقيتُ به نهارًا، كان شعري منسدلًا، أما الآن فقد ربطته.
“هل يبدو غريبًا؟”
سألتُ بخفة، أتراه سيئًا لدرجة أنك علّقت عليه منذ اللحظة الأولى؟
“بل يعجبني. إنه منعش.”
“حقًا؟ إذًا هذا يطمئنني.”
أرجعتُ شعري خلف أذنيّ وابتسمتُ بخجل. لا أنكر أنّ الإطراء دائمًا ما يكون لطيفًا.
“هل ستبيت هنا أيضًا الليلة؟”
“في الوقت الحالي…”
صوته خفت في نهايته، وكان يرمقني أنا وكيلبر بنظرات متبادلة.
“يبدو أنّ الأمر كذلك.”
“سمعتُ أن في الطابق العلوي غرفًا فردية ممتازة لا تزال شاغرة. أوه، ولحم الخنزير البري هنا لذيذ جدًا أيضًا.”
“سأضع ذلك في الحسبان.”
وأنا أُحدّثه، جذب ليندن كمي بلطف.
“ميليارا. من يكون هذا الرجل؟”
كان يبدو كطفلٍ صغير يحذر الغرباء، وهو يسألني.
“آه، التقيتُ به صدفةً خلال النهار. إنه مالك كيلبر هذا.”
فكرت فجأة، بما أنه من النبلاء، فهل يعرف ليندن؟
تذكرت أنه تم جره من قبل كبير خدم يبدو أنه ربّاه. ورغم أن العامة لا يميزون وجه ليندن، فإن النبلاء الكبار يفعلون ذلك حتمًا.
وفجأة، راودني خيطٌ من الشك.
‘إذًا بهذا المنطق، فأنا أيضًا ابنة أحد الدوقات الثلاثة العظام.’
رغم أنني الآن… منبوذة.
ورغم أن هذا لم يُشع بعد، إلا أن هذا الرجل لم ينادني بـ’الأميرة’ أيضًا. وكان من الطبيعي أن يفعل ذلك.
‘ألا تعرف وجهي؟’
خطر ببالي أنه قد لا يكون من النبلاء رفيعي المقام.
فهل سيفاجأ إذن إن عرف أن ليندن أمير؟
“تشرفتُ بلقائك. أنا ليندن إزارسون فون باكارتا.”
“هيوك.”
حين قدّم ليندن نفسه، وخزني شعور بالذنب لا أعلم له سببًا.
‘لو صدحت بصوتٍ كهذا، سيُصدم جميع من في المطعم…!’
وحين نظرتُ حولي بقلق، اكتشفت ما هو أدهى.
فقد خيّم الصمت على الأرجاء، وكانت جميع الأنظار موجّهة نحونا. لكنّ هذا التوتر كان مختلفًا؛ لم يكن ناتجًا عن صدمة لرؤية الأمير.
‘لا تخبرني… أن من ظننتهم مجرد مرتزقة ومسافرين، كانوا في الحقيقة فرسان الحراسة الخاصين بـليندن؟’
ظننتُ أنه يتجول بحرية لكون العامة لا يعرفونه، لكن يبدو أن الفرسان راقبوه من مواقعهم طيلة الوقت!
‘حسنًا… من الطبيعي أن لا يتجول أمير دون حماية، خاصةً في ظل خطر السهام المسمومة.’
سرعان ما نظرتُ إلى مالك كيلبر.
كم تراه صُدم؟ وبينما كنتُ أهمّ بطمأنته، إذا به ببساطة يُومئ برأسه ويجلس بجانبي.
انعقد جبين ليندن، الذي تَجاهله الآخر تمامًا، قليلًا.
لكنه تمالك نفسه سريعًا وابتسم.
“أليست من أبسط قواعد الأدب أن تردّ التحية إن وُجّهت إليك؟”
ضحكته بدت وكأنها تسخر منه قائلة، “ما بك، أيها الوقح؟”
لكنّ مالك كيلبر، بعيدًا عن الحرج أو الغضب، أجاب بهدوء.
“ولِمَ أفعل؟”
“ماذا…؟”
“قد يبدو لقاؤك بي لطيفًا بالنسبة لك، لكنه ليس كذلك لي. لذا لا أرى حاجةً لردّ التحية.”
كانت نبرته تحمل صدقًا لا يُنكر، ولهذا لم يتسع عينا ليندن فحسب، بل حتى أنا صُدمت.
يا للدهشة… لأول مرة في حياتي، أرى شخصًا من نوع طريقي أنا، الذي لا يهتم بآراء أحد.
وشعرتُ أن الفرسان من حولنا قد اضطربوا، ربما لأنهم رأوا أن وقاحته تخطّت الحدّ.
رفع ليندن إصبعه قليلًا ليمنعهم من التدخل.
ثم قال وهو لا يزال يبتسم.
“يبدو أنك على علاقة وطيدة بأخي الأكبر. ربما لهذا لا تُسر بلقائي.”
رغم الخلاف بينهما، لم أتوقع أن تُهدم المجاملات بهذا الشكل السريع.
“لكن، حتى مع ذلك، أليس من الواجب أن تُعرّفنا باسمك على الأقل؟”
كان يحاول جاهدًا تهدئة الوضع.
لكنّ الرجل لم يُبدِ أي نيّة للتعاون.
“ولمَ أفعل؟”
قالها بنفس النبرة.
هذه المرة، ارتجفت ابتسامة ليندن بوضوح. حتى شفتاه المرتفعتان بالكاد حافظتا على تماسكهما.
نهض الفرسان من مقاعدهم، وسيوفهم بدأت تُستَلّ من أغمادها.
“غرررر…”
كيلبر زمجر، وقد انتفش فراؤه. وبثلاثة رؤوس، بدا زمجره أكثر رعبًا من أي كلب آخر.
نقل ليندن بصره بين كيلبر، فرسانه، ثم الرجل.
“ما الذي تظنه سيحدث الآن؟”
رغم ابتسامته، كان في نبرته تهديدٌ جليّ.
ولم أكن الوحيدة التي شعرت بهذا التوتر، لكنّ وجه مالك كيلبر لم يتغيّر على الإطلاق.
‘هل عليّ التدخل؟’
حتى إن كنت لا أملك ما يُقال، فتحتُ فمي لكسر التوتر.
لكن قبل أن أنطق بكلمة، اجتاحت المكان هالة عظيمة ضاغطة.
“هذا ما كنتُ سأقوله.”
“أورك…”
“هيوك.”
بكلماته المنخفضة، خرّ عدة فرسان خلفه على ركبهم، قابضين على صدورهم ويرتجفون.
حتى أنا شعرتُ وكأن شيئًا ثقيلًا جثم فوق معدتي، لكن التأثير على الفرسان كان أفظع بكثير.
‘ما الذي يجري؟’
لم أفهم السبب.
كانت طاقة سوداء قد اندفعت فجأة من الرجل الجالس بجانبي، وتسللت إلى أجساد الفرسان. لكنني تجنّبتها بمهارة.
‘طاقة سوداء؟ هالة؟ ما هذه؟’
لم أعرف، لكن ما تيقنت منه هو أن هذا الرجل قويّ بشكلٍ لا يُصدق.
حتى ليندن، الساحر المتفوّق في الرواية الأصلية بصفته البطل الثاني، بدا وكأنه يقبض على يده متضايقًا من تلك الطاقة.
“أنت…”
اهتزّ صوته قليلًا.
“لا يُعقل…”
لكن الرجل لم يرد، بل التفت إليّ.
ورغم أن ذلك يُعدّ قلة احترام للأمير، إلا أن ليندن، وقد شهد قوته، لم يعترض.
ربما لأنه أدرك أن خسائره ستكون أعظم من مكاسبه إن افتعل شجارًا علنيًا.
“ليخت.”
نظر في عينيّ وقال.
“اسمي ليخت.”
“أوه… اسمي ميليارا.”
أجبتُه مرتبكة، فمبادرته لم تناسب الجو المتوتر.
وكان ينظر إليّ بنظرة خافتة، وهمس.
“…آرا؟”
ارتعشت كتفي.
‘صحيح، من اسم ميليارا قد تُستخرج آرا.’
صُدمت حين سمعت اسمي من حياتي السابقة.
“إن أردتَ مناداتي بذلك، فلا بأس. هاها…”
حاولتُ الضحك لأخفف وقع اللحظة، لكنه قال فجأة:
“ألا تعرفينني؟”
“المعذرة؟”
لم يكن يقصد لقاءنا في النهار.
‘كيف لي أن أعرفك؟’
حدقتُ فيه مرتبكة، فتابع بنبرة مترددة.
“ألم… تلتقيني من قبل؟”
انحنى صوته بلين، ورقّت نظراته، فانطفأت الحِدّة من عينيه تمامًا.
أهذا نفسه الرجل الذي كاد يلتهم الفرسان بنظراته منذ قليل؟
كأنني لمحت جانبه الحنون، نسمةً دافئة تمرّ في قلبي.
“لا أظن.”
ابتسمتُ، مدّعيةً الهدوء.
“أظنّ أنّ هذا أول يومٍ أراك فيه.”
لو كنتُ قد رأيتُ هذا الوجه الجميل سابقًا، لما نسيته أبدًا.
‘أيمكن أنه التقى بصاحبة هذا الجسد سابقًا؟’
إن كان كذلك، فأنا آسفة، لأن ذاكرتي لا تحوي ذلك. فليس أمامي سوى التظاهر بالجهل.
“…أو ربما لا.”
قالها، ونظراته خفتت.
شعرتُ بالذنب لسببٍ لا أعرفه.
“رغم أنني لا أتذكرك، لكن… أليس من الجيّد أن نتعارف من جديد؟”
ابتسمتُ بأقصى ما استطعت.
لا أدري ما كان بينه وبين ميليارا السابقة، لكن لا قانون يمنع أن نبدأ علاقة جديدة.
والعلاقات مع رجالٍ وسيمين… دائمًا ما تكون مُرحّبًا بها.
“…”
لكنه لم يجب.
‘هيه… هذا مُحرج، على الأقل قل نعم أو لا…’
ضحكتُ بخفة وقلت.
“رغم ما قلت، إلا أنني سأكون مشغولة قريبًا، هاها…”
رغم رغبتي بالتعرف إليه، إلا أن أمامي مهمة كبرى.
العثور على الروح، ثم اللجوء إلى مكانٍ آمن.
الرجل الوسيم مغرٍ، لكن نجاة الإمبراطورية أسبق.
“أمرٌ ما؟”
“نعم، أنوي الذهاب إلى قرية تشيبان في الشرق.”
تقع القرية قرب دوقية آرفيس، وهي الأقرب إلى المعبد المهجور لحاكم القمر.
“إذاً، في المرة القادمة التي نلتقي فيها…”
“سأرافقك.”
“…هاه؟”
تفاجأتُ، فقد قاطعني قبل أن أُكمل كلامي.
لم تكن هذه المحادثة التي توقعتها.
كنتُ سأقول: “حين نلتقي مجددًا، لنشرب الشاي معًا”، فيجيبني “بكل سرور”.
كان فراق رجلٍ وسيم أمرًا مؤسفًا، لكن النجاة أولى.
لكن… ما معنى أن نذهب معًا؟ ألم نلتقِ اليوم فقط؟
رأى دهشتي، فقال.
“كنتُ أنوي الذهاب شرقًا أيضًا.”
“آه، حقًا؟”
“ثم إن الأمن خارج العاصمة ليس جيدًا، سيكون من الأفضل أن تتحركي برفقتي.”
هذا… منطقي، نوعًا ما.
فأنا لا أعرف الدفاع عن نفسي، والمعبد المهجور ليس مكانًا آمنًا.
‘من هذه الزاوية، مرافقته قد تكون أضمن لي…’
قوته كانت واضحة، لا سيما تلك الهالة السوداء.
لكن… لم أكن لأوافق بلا تردد.
رغم وسامته، إلا أن مرافقة غريب لأيام مسألة مختلفة.
رأى ترددي، فقال.
“هل ستشعرين بأمان أكثر إن أقسمتُ على بحيرة ضوء القمر أن أحميكِ؟”
“ماذا…؟”
وقبل أن أرد، أخرج خنجرًا.
“أقسم أنني، أينما كنتِ ذاهبة، سأكون مسؤولًا عن حمايتك حتى تصلي بأمان.”
ومدّ يده ليقطع طرف إصبعه.
“انتظر!”
أمسكتُ يده بكلتا يديّ.
“لا داعي لكل هذا!”
القسم على “بحيرة ضوء القمر” هو أقدس قسمٍ لمن يؤمنون بحاكم القمر.
ويقال إن من ينقضه، ينال لعنة أبدية.
لكنه كان مستعدًا له! وبكل هذه السهولة!
اختفى أي قلق بقي في داخلي.
“فلنذهب معًا!”
الطريق إلى المعبد يستغرق أسبوعًا.
ولا أظنّ أن جدول أعماله يشمل المعبد، لذا سنفترق حتمًا قبل ذلك.
ومع هذا، أنا ممتنة لرغبته الصادقة.
خفق قلبي دون سبب.
“كنتُ حائرة من فكرة الذهاب بمفردي، لكن برفقتك، أشعر بالطمأنينة.”
ابتسمتُ، فوضع خنجره جانبًا وأومأ برأسه.
“نعم.”
صوته العميق، مع عينيه الذهبيتين المنخفضتين، جعلاني أذوب.
نظرتُ إلى وجهه الوسيم، مبتسمةً لحلمي بيوميات أسبوعٍ من الجمال… حتى جذب ليندن كمّي مجددًا.
“سأذهب أيضًا!”
“أنتَ أيضًا؟”
“لدي… أمرٌ في الشرق كذلك.”
حقًا؟ لقد تلعثمتَ للتو!
“خذيني معكما، أرجوكِ!”
كان ينظر إليّ بعينين متوسلتين، كأرنبٍ صغير.
كيف أرفض وجهًا كهذا؟
“افعل ما تشاء.”
في الواقع، ما كان بوسعي منعه.
رغم لقبه بـ’أمير النحس، فهو أمير على كل حال. من ذا الذي يمنعه؟
أوه.
نظرتُ إلى ليخت. إن كان أحد يستطيع صدّ طريق أمير، فهو هو.
“لا بأس، أليس كذلك؟”
“أنا فقط أرافقكِ.”
لحسن الحظ، لم يُصعّب الأمور هذه المرة.
“إذاً، ننطلق صباح الغد.”
قلت وأنا أنظر إليهما.
ليخت عن يميني. ليندن عن يساري.
يا إلهي… زهورٌ في كلتا يديّ.
رغم أنها ليست زهورًا لي، لكنها كانت ليلةً جميلة على أي حال.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 - بالتأكيد انها هي 2025-06-26
- 5 - جربيه. سيعجبك 2025-06-26
- 4 - زهور بكلتا يديك 2025-06-26
- 3 - البطل الثاني الذي يشبه شقيق الأمة الأصغر 2025-06-26
- 2 - 2- رجل يُوافق ذوقي في المظهر 2025-06-17
- 1- شريرة الرواية التي كنت اقرأها 2025-05-07
التعليقات لهذا الفصل " 4"