3
استمتعوا
بعد أن نجحت في استبدال مجوهراتي بالمال، سارعت إلى تغيير ملابسي أولًا.
وذلك لأن أبسط الثياب التي كنت أملكها من الدوقية كانت لا تزال مبهرجةً أكثر مما ينبغي، وتجذب الأنظار بشدة. فضلًا عن أن التنانير الطويلة الفضفاضة كانت مزعجة للغاية.
لطالما ارتديتُ البنطال، إذ لم أكن أرتاح حتى في التنانير الرسمية، ناهيك عن تلك التي يُفترض بالآنسة النبيلة أن ترتديها.
بعدها، اشتريت خريطة ووجدت نُزلًا قريبًا من أسوار المدينة، وكان هذا الموقع هو الأنسب للانطلاق بدءًا من الغد.
فتحت حقيبتي على عجل داخل غرفةٍ مفردة، ثم نزلت إلى المطعم في الطابق الأول.
“ها هو لحم خنزير بري المقلي بالثوم وبيرة كريمية~”
طلبت طبقًا لطالما رغبت في تجربته أثناء قراءتي لرواية <العقاب الإلهي>، وها هو الآن أمامي حقًا.
“شكرًا على الطعام~!”
أن يكون هذا لحم خنزير بري…! أليس هذا طبقًا نادرًا يصعب تذوقه في كوريا؟
“أوه، إنه لذيذ فعلًا؟!”
رغم أنها كانت المرة الأولى لي في تذوق لحم الخنزير البري، إلا أنه لم يكن سيئًا على الإطلاق! إنه يشبه لحم الخنزير، لكن يمكنني القول إنه ألذّ منه.
وبما أن هذا الطبق لذيذ إلى هذا الحد، فقد وددتُ لو أجرّب جميع الأطعمة الأخرى التي في القائمة، مثل لسان الدب البني المشوي الذي رأيته سابقًا.
كنت جائعة للغاية فالتهمت الطعام دون تردد.
ولمّا أنهيت طبقي، ورويت حلقي بجرعة من البيرة الكريمية، فتحت الخريطة التي اشتريتها.
كانت خريطة تفصيلية لإمبراطورية باكارتا والمناطق المحيطة بها.
“حسنًا، إلى أين عليّ أن أذهب؟”
دفتر ملاحظاتي المفتوح بجانب الخريطة كان يحتوي على خططي المستقبلية.
1 اللجوء (إلى أين أهرب؟ – إلى أبعد نقطة ممكنة عن الإمبراطورية!)
2 الحصول على الروح!! (تلك الموجودة في معبد حاكم القمر المهجور!)
الهدف النهائي بعد اللجوء لم يكن سوى العثور على الروح.
فحتى لو قررتُ أن أعيش مختفية، فلا بد من وسيلة أحمي بها نفسي إن حصل أمر غير متوقّع.
وهنا خطرت لي فكرة الروح.
الروح التي ورد ذكرها عرضًا في الرواية، كانت نائمة في معبد حاكم القمر المهجور، وكانت تُعرف بأنها روح دفاعية.
ورغم أنها لا تملك قوة تكفي لإيقاف من يريد قتلي عمدًا، إلا أنها ستكفيني لأتفادى سهامًا طائشة على الأقل.
ولم يكن معلومًا إن كان ملك الشياطين سيتوقف عند تدمير الإمبراطورية فقط، أم سيمحو القارة بأكملها.
فإذا تحوّل العالم فجأة إلى ساحة حرب، فوجود الروح سيزيد من فرص بقائي على قيد الحياة.
لكن المشكلة كانت…
‘لماذا يقع المعبد المهجور هناك؟!’
معبد حاكم القمر المهجور، حيث ترقد الروح، يقع بمحاذاة أراضي الدوق الأكبر آرفيس!.
الدوق الأكبر آرفيس، صاحب ثاني أوسع أراضٍ بعد العاصمة، كان من أصعب الأماكن دخولًا.
وهو لا يغادر أرضه إلا نادرًا، ولا أحد يعرف ملامحه سوى الإمبراطور نفسه.
وقد انتشرت إشاعات تزعم بأنه رجل مشوه الوجهه، بل وهناك من يشكّ في أنه موجود أصلًا.
لكنني كنت أعلم السبب الحقيقي وراء غموضه وعدم خروجه من دوقيته.
‘لأنه هو من يدمر الإمبراطورية!’
فالدوق الأكبر آرفيس هو في الحقيقة ملك الشياطين المتخفي! بعد أن ظل هادئًا لما يقارب المئة عام، ما الذي جعله يستدعي جيشه الشيطاني بأكمله ليُفني الإمبراطورية فجأة؟
‘هل أساء له الإمبراطور؟ لا، هذا غير معقول.’
فملك الشياطين كان من المؤسسين الذين ساعدوا الإمبراطور الأول على تأسيس الإمبراطورية.
ولأن أحدًا غيره لم يعش مئة عام، فإن النبلاء وسكان الإمبراطورية يظنون أن آرفيس الحالي مجرد حفيد للمؤسس.
لكن الإمبراطور وحده يعلم أنه هو نفسه من أسّس الإمبراطورية قبل قرن.
‘أعني، يعرف أنه ملك الشياطين، فهل كان ليتجرأ على استفزازه؟’
إذًا، ما السبب الحقيقي؟
حين أسّس الإمبراطورية، رفع إنسانًا إلى العرش، فهل ضاق ذرعًا بذلك؟
أم أنه، بدافع الملل، قال في نفسه: “ما رأيك أن ألتهم الإمبراطورية اليوم؟”
ولماذا، أصلًا، يعيش حاكم عالم الشياطين كدوق أكبر في عالم البشر؟
“هوووه، لنهدأ قليلًا.”
أخذتُ نفسًا عميقًا لأهدئ نفسي.
‘لا بأس. لا يزال أمامي ثلاثة أشهر حتى يبدأ الغزو.’
نعم، ما يهم الآن ليس سبب عيشه كدوق أكبر، بل كيف أصل إلى المعبد المهجور المجاور لأرضه.
‘سأتسلل خفية، أسرق الروح، وأفرّ دون أن يشعر بي أحد.’
لن تكون هناك فرصة لمواجهته، فهو لا يغادر الدوقية أبدًا كما يُقال.
سأدخل بهدوء وأخرج بهدوء.
‘رجاءً، لا تدَعوا أمورًا غريبة تحدث فجأة، فقط لأنني في جسد الشريرة…’
أمسكتُ بالخريطة والدفتر، متمنية أن تمضي الأمور على خير.
وبينما كنتُ أفكّر أن النوم باكرًا سيكون الأنسب لأنني سأسافر بعربة في الصباح، اقترب أحدهم من طاولتي أثناء استعدادي للمغادرة.
“ميليارا؟”
رفعت رأسي فرأيت رجلًا يقترب مني وهو يزيل غطاء رأسه.
“إنها أنتِ فعلًا!”
اقترب مني مبتسمًا وكأنه سعيد بلقائي، وجلس إلى طاولتي بلا تردد.
“أعتقد أنها المرة الأولى التي أراك فيها مرتديةً بنطالًا. ظننت أنني أتوهم.”
من طريقة حديثه الودودة، لم أستطع حتى التلعثم ردًا عليه.
من هذا…؟
شعر وردي داكن مربوط لأعلى، عينان زرقاوان كسماء الصيف، وبشرة ناصعة كالمرمر.
‘ما بال هؤلاء الشخصيات، جميعهم جميلون بهذا الشكل؟’
الرجل الذي التقيته في الظهيرة كان وسيمًا إلى حد يجعله يغزو العالم بجماله فقط، لكن هذا الذي أمامي لم يكن أقل شأنًا.
بل يُمكنني القول إنه ضمن ‘أكثر خمسة رجال وسامة رأيتهم في حياتي’.
لكن… من يكون؟
‘يبدو أنه يعرفني، بما أنه ناداني باسمي… لكن هل سبق أن كان لي صديق يرحب بي بهذه الحرارة؟’
لم يكن وجهه مألوفًا لي لدرجة أنني أقول في نفسي: “آه، إنه أنت!”
“نـ، نعم، كيف حالك؟”
حاولت أن أحييه من دون أن أبدو متوترة.
لكن عينيه اتسعتا بدهشة.
“ما الأمر؟”
“لا، فقط تفاجأت لأنك تخاطبيني بهذه الأريحية.”
تبًا. هل لم نكن نفعل ذلك سابقًا؟! لقد فعلت لأنك أنت بدأت بالكلام المريح!
“آه هاها، لقد مرّ وقت طويل على آخر لقاء، فنسيت…”
“لا بأس! تابعي هكذا.”
أسند ذقنه بيده وابتسم لي بود.
“كنتُ أطلب منك سابقًا أن تخاطبيني ببعض الأريحية، لكنك كنتِ ترفضين دائمًا، فشعرت أن بيننا جدارًا لا يُكسر.”
حين ابتسم بتلك البراءة الطفولية، مع طابع النجم المحبوب، شعرت بغريزة أمومة لم أعرفها من قبل.
“بما أنكِ غيرتِ أسلوب حديثك، هل يمكنك تغيير طريقة مناداتك لي أيضًا؟”
“مناداتك؟”
“نعم. ‘سموّك’ رسمي جدًا.”
سموّك…؟
شهقت من الدهشة.
‘سموّك؟!’
“ناديني ليندن.”
“آهم!”
حاولت كبح شهقة خرجت من حلقي.
كنتُ أعلم أنه لا يمكن أن يكون شخصية ثانوية بذلك الوجه!
شعر وردي وعيون زرقاء…
‘إنه الأمير الثاني للإمبراطورية!’
إنه الأمير الثاني لإمبراطورية باكارتا، واسمه الكامل ليندن إيزارسون فون باكارتا، والبطل الثاني في الرواية الأصلية.
بعكس ولي العهد، الذي وُلد من الإمبراطورة وينتمي إلى السلالة الرئيسية، كان ليندن ابنًا لمحظية.
أمه، الابنة الوحيدة لرئيس نقابة إيزارسون الملياردير، جذبت انتباه الإمبراطور حين قدمت إلى القصر لمساعدة والدها، فأصبحت محظية له.
ورغم ثروتها، لم تملك نفوذًا كافيًا لتُنافس الإمبراطورة، التي دعمتها الطبقة الأرستقراطية، وماتت ميتة غامضة حين كان ليندن في السابعة.
فتولى جده رعايته خارج القصر، خشية أن يتورط في صراع العرش.
‘كنت أعلم أن ملامحه غير معروفة كولي العهد، لكن لم أتخيل أن الأمر بهذا السوء.’
الأمير يجلس في نُزل على أطراف العاصمة، ومع ذلك لا ينتبه إليه أحد.
‘لكن فقط لأنهم لا يعرفونه، لا يعني أنني لا أعرفه!’
بل ويُعرف أيضًا بـ’المخطّط’! عليّ أن أكون حذرة حتى لا أُثيره.
“أوه هو هو، لكن كيف لي أن أنطق اسم سموّك، نور الإمبراطورية، بهذا التسرّع؟”
حاولت التملّق بأقصى ما أستطيع. لكنه تمتم بوجه متيبّس.
“النور هو أخي الأكبر.”
تبًا. ضغطتُ على الزر الخطأ.
‘نسيتُ أنه يعاني من عقدة نقص تجاه أخيه، ولي العهد.’
لقد كان يكره أن يُقال إن ولي العهد هو ‘مستقبل’ و’نور’ الإمبراطورية، بينما يُنادى هو بـ’الظل’ و’العار’.
“بالنسبة لي، أنت النور. هوهو.”
لا خير في إثارة المخطّطين، لذا لوّحت له بذيل المديح.
لكنه نظر إليّ بريبة وقال.
“…هل قررتِ أن تغيّري وجهتك نحوي بعد أن فُسخت خطوبتكِ من أخي؟”
“مستحيل. لا علاقة لي بالقصر بعد الآن.”
حقًا، لا شأن لي به أبدًا.
همّي الوحيد الآن هو. ‘كيف أسرق الروح وأهرب إلى قارة بعيدة’ .
“لكن ألم تقولي سابقًا إنه أملكِ الوحيد؟”
“آه، هل يُعقل أن يكون هذا أملي الوحيد بينما العالم بهذا الاتساع؟”
القصر الإمبراطوري أشبه بسهم خاسر. فحين يبدأ ملك الشياطين بالجنوح، سيعود كله إلى تراب.
“…يبدو أن طريقة تفكيرك تغيّرت بعد فسخ الخطوبة.”
“…”
هل يمكنك التوقف عن ترديد عبارة ‘لقد تغيّرتِ’؟ إنها تُشعرني بالذنب…
بالطبع، لا سبيل له ليعرف أن الروح التي تسكن هذا الجسد قد تغيرت، لكنني أحاول فقط تبديد أي شكوك لا داعي لها.
“فقط غيرتُ رأيي بعد أن انفسخت الخطبة. لا داعي للقلق.”
“كيف لا أقلق؟”
أمال وجهه نحوي قائلًا.
“إنه أمركِ أنتِ، فكيف لي ألا أهتم؟”
ثم بدأ يُحدّق بي بنظرة متأنّية.
وكنت أشعر بالتوتر، إذ لا أعرف أين أُوجّه عينيّ بينما هو يرمقني بتلك العيون الزرقاء.
فتجنبت نظرته خلسة ومسحتُ العرق البارد عن جبيني.
“هاهاها، يا لك من لطيف.”
ضحكةٌ مصطنعة خرجت رغمًا عني.
وبينما كنت أحاول إيجاد مخرج من هذا الموقف، همس لي بصوت دافئ.
“أنا لا أفعل ذلك بدافع اللطف. بل لأجلكِ أنتِ فقط.”
كانت ملامحه حزينة إلى درجة جعلت قلبي ينقبض دون سبب.
ما يجعل ليندن خطيرًا هو أن مظهره الطفولي البريء، الذي يخدع القلوب، يتناقض تمامًا مع عقله الداهية الذي يسعى للإطاحة بولي العهد وسرقة البطلة منه.
ويعرف جيدًا كيف يستغل وسامته في ذلك.
أنا أعلم تمامًا أنه يُمثّل. أعلم أنه ماكر، ومع ذلك…!
“أتعلمين؟ تمامًا كما أنني صديقكِ الوحيد، أنتِ صديقتي الوحيدة كذلك.”
هااا… لقد ذبت، ذبت تمامًا.
“شكرًا لاهتمامك بي، من المريح حقًا سماع ذلك.”
كنت أعلم أن كلماته لم تكن بدافع المواساة، بل لمراقبتي، إذ من الخسارة أن يتخلّى عن ورقة “أميرة الإمبراطورية الوحيدة” بهذه البساطة.
“إذا احتجتَ يومًا إلى من يُواسيك، تعال إليّ. لا أملك كلماتٍ عظيمة، لكنني أملك أذنين تصغيان.”
إذا لم تخنّي ذاكرتي، فهذا هو الوقت الذي يتوفى فيه جده أخيرًا.
أن يفقد آخر شخص وقف إلى جانبه دون شرط لا بد أنه كان قاسيًا عليه للغاية.
على أي حال، لن يكون لي موضع قدم، فالبطلة الأصلية ستواسيه حينها.
‘لكن مواساة من يحتاج الدعم، أليس ذلك من أبسط واجبات البشر؟’
غير أنه طلب طلبًا غريبًا آخر حين قلت ذلك.
“إذًا، ناديني ليندن.”
“آه، بالطبع، هذا…”
مهما رغبتَ بذلك، فأنت أمير وأنا أميرة… أو بالأحرى، سأنفى قريبًا، لذا أنا مجرد عامية الآن.
“إذًا، على الأقل خاطبيني بشكل غير رسمي.”
“هااا…”
يا له من عنيد. من الواضح أننا لن ننتهي إن واصلنا الجدال.
“حسنًا، ليندن.”
في النهاية، خسرت المعركة أمام وسامته الفاتنة، إذ ليس لي طاقة تقاوم جمالًا كهذا.
فقد بدا سخيفًا أن أناديه بـ’سموك’ بينما أتحدث معه بحديثٍ غير رسمي، فاستسلمت.
حينها، بدا ليندن، الذي كان محبطًا، متفاجئًا قليلًا، ثم أشرق وجهه فجأة.
“كما توقعت، لا أحد يشبهكِ، ميليارا.”
“…صحيح.”
ابتسامته كانت ساحرة وخطيرة. أنظروا إلى قلبي، كيف يرتجف!
في خضمّ تأمّلي بأنّ لقاء شابّ وسيم لم يكن بالأمر العسير كما تخيّلت، دوّى رنين الجرس المُعلّق على باب المطعم مُعلِنًا دخول شخصٍ جديد.
فما إن انفتح الباب، حتى التفتُّ تلقائيًّا نحو مصدر الصوت، لتنفلت منّي شهقة حادّة حين وقعت عيناي على القادم.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 6 - بالتأكيد انها هي 2025-06-26
- 5 - جربيه. سيعجبك 2025-06-26
- 4 - زهور بكلتا يديك 2025-06-26
- 3 - البطل الثاني الذي يشبه شقيق الأمة الأصغر 2025-06-26
- 2 - 2- رجل يُوافق ذوقي في المظهر 2025-06-17
- 1- شريرة الرواية التي كنت اقرأها 2025-05-07
التعليقات لهذا الفصل " 3"