في تلك اللحظة، سرت موجةٌ من السحر في أرجاء الغرفة. فاستدارت إيفيريا نحو مصدر الطاقة المألوفة التي شعرت بها، وكذلك فعل إيرميت. 

 

ثم توقفت حركة السحر، وظهر شخصٌ مألوف. لوانيس هيستيرون.

 

كان هو سيد برج السحر الذي طالما انتظرته إيفيريا. 

 

أرادت أن تقول شيئًا آخر لإيرميت، لكنها لم تستطع. فظهور سيد البرج جعل الموقف ينتهي بطريقةٍ مبهمة.

 

وكأن سيد البرج قد شعر بجوٍ غير عادي بين إيفيريا وإيرميت، فحيّاهم بتحيةٍ مترددة.

 

“…..مرحبًا؟”

 

“مرحبًا، سيدي سيد البرج.”

 

أشعل الأنوار بهدوء وجلس مقابل إيفيريا وإيرميت. 

 

في الأيام العادية، لكان وجه إيرميت مشرقًا لكونه جالسًا بجوار إيفيريا، لكن الجو اليوم كان متوترًا.

 

فسأل سيد البرج بحذر،

 

“هل تشاجرتما..…؟”

 

تنقل بصره بين وجهي إيفيريا وإيرميت. و أومأت إيفيريا برأسها قليلاً، ووجهها محمَرّ من الحرج، فلم تستطع الاعتراف بصراحة.

 

وحين تأكد سيد البرج من ردها، سأل مرة أخرى،

 

“…..هل كانت مشاجرة عاشقين؟”

 

“لا أظن ذلك.”

 

“نعم.”

 

أجاب الاثنان في الوقت نفسه. فنظرت إيفيريا نحو إيرميت بعد إجابته، وكأنها تطالبه بتفسيرٍ واضح عن أي وجهٍ من وجوه شجارهما يمكن أن يُعدّ مشاجرة حب.

 

تجنّب إيرميت النظر إليها، وبعد أن حدّقت به لوهلة، حوّلت إيفيريا نظرها نحو سيد البرج مجددًا.

 

مهما كان الأمر، بدا أنهما تشاجرا بشدة. فابتسم سيد البرج بخفة. و بعد لحظات، ركز نظره على وجه إيفيريا.

 

“لكن، إيفيريا…..لماذا يبدو وجهكِ بهذا السوء؟”

 

“آه…..”

 

ابتسمت إيفيريا بخجل من دون أن تجيب بوضوح. حتى هي كانت تدرك أن مظهرها يرثى له، إذ لم تفارقها آلام الرأس حتى الآن.

 

قرأ سيد البرج في طاقتها السحرية آثار اضطرابٍ عقلي لم يكن موجودًا من قبل، ثم خفف بصره نحو أصابعها.  و كان الخاتم الأسود الذي يجب أن يكون هناك مفقودًا.

 

فسأل لوانيس بنبرة متعجبة،

 

“أين اختفى الخاتم هذه المرة؟”

 

“سأُحضِر لكَ الجريدة.”

 

قاطع إيرميت محاولة إيفيريا لشرح الأمر ببطء، بصوته الحادّ. كانت طريقته اللاذعة تعني ضمنًا: “هل عشتَ من دون أن تقرأ الأخبار؟” فابتسم سيد البرج بسخرية خفيفة.

 

“أنظروا إليه، ما إن نال ما يريد حتى صار وقحًا!”

 

كانت نبرته تحمل المرح أكثر من الانزعاج. ثم مال قليلًا برأسه نحو إيرميت وأضاف،

 

“لكنكَ ما زلت مدينًا لي ببعض الأمور يا إيرميت نيسبيروس.”

 

“صحيح.”

 

أجاب إيرميت بلا خجل، ولم يأبه بردّ سيد البرج، الذي عاد يتأمل وجه إيفيريا محاولًا قراءة حالتها السحرية. 

 

كانت حالتها سيئةً للغاية. و تساءل في نفسه كيف خطرت له فكرة الشجار مع شخص في مثل هذا الوضع.  فرمق إيرميت بنظرة جانبية.

 

ربما شعر إيرميت ببعض الذنب، فلم يستطع النظر مباشرةً إلى إيفيريا، واكتفى بين حين وآخر بنظرات سريعة نحوها. 

 

لكن إن كان سيتصرف هكذا، فلماذا تشاجرا أصلًا؟

 

تجاهل سيد البرج فضوله الغريزي ومد يده نحوها.

 

“إيفيريا، هلّا تعطيني يدكِ قليلًا؟”

 

“نعم.”

 

مدّت يدها دون تردد أو سؤال. فأمسك سيد البرج بيدها برفق، وضخّ فيها قليلًا من طاقته السحرية، ليُهدّئ مؤقتًا اضطرابها العقلي.

 

وأثناء تركيزه على تدفق السحر، تحدّث موضحًا،

 

“حالُكِ الآن غير مستقر، وإن استمريتِ بفتح عقلك الروحي هكذا، فقد تفقدين وعيكِ وتسقطين.”

 

“آه..…”

 

في الحقيقة، كانت قد فكرت سابقًا بأنها إن استمرت على هذا النحو، فإما ستنهار قريبًا أو تموت. فأومأت برأسها موافقة.

 

ثم تركت يد سيد البرج، ونظرت نحو إيرميت.

 

“قد تفقدين ذاكرتكِ أيضًا. لم أتابع الأخبار مؤخرًا، لكن يبدو أن حالتكِ كانت أسوأ مما توقعت.”

 

ارتجف إيرميت عند سماعه جملة “قد تفقد ذاكرتها”. كانت بصوت خافت، كأنها حديث نفس، لكنه سمعها بوضوح، لأنها قيلت عن قصدٍ ليسمعها.

 

فتحت إيفيريا فمها لتجيب على سؤال سيد البرج السابق.

 

“أعطيتهم الخاتم للتحقيق. سأستعيده قريبًا.”

 

“حسنًا، إن وصل طلب الفحص إلى البرج فسأتولى الأمر بنفسي.”

 

قال ذلك بنبرة مازحة خفيفة.

 

ثم ألقى سيد البرج على جسدها عدة تعاويذ إضافية لاستعادة الحيوية. و شعرت إيفيريا بتحسنٍ فوري يتسلل في جسدها.

 

وبينما كان لوانيس يضبط تدفق السحر بدقة ممسكًا بمعصمها، تابع كلامه،

 

“لكنني كنت أظن أنكِ قد تعمدتِ تضخيم الأمور.”

 

“….…”

 

حدّقت إيفيريا به في ذهول. 

 

أن تتعمد تضخيم الأمور يعني أن لديها ما يكفي من القوة لحلّها بنفسها.

 

كانت الفرضية مختلفة من الأساس. لم تكن لدى إيفيريا القدرة الكافية على حلّ هذه الحادثة وحدها بوضوح. 

 

و كان إيرميت إلى جوارها يحمل ملامح مشابهة، لكنه سرعان ما رفع زاوية فمه بابتسامة جانبية، وكأنه قد فهم الأمر أخيرًا. 

 

بينما بقي على وجه إيفيريا نظرة حيرة، وظهرت في عيني سيد البرج لمحةٌ من الارتباك.

 

“لكنّها كانت مسألةً يمكن حلّها بمجرد قول الحقيقة كما هي.”

 

حدّقت به إيفيريا بذهول.

 

حالها الآن، بفضل سحر سيد البرج، هو الأفضل منذ أيام. و رأسها صافٍ ولا أثر للصداع.

 

هل كانت آثار المرض السابق ما زالت تؤثر عليها؟ أم أن عقلها تبلّد؟

 

نظر سيد البرج إلى وجهها المترنح، ثم تذكّر أنها لم تكن بعدُ منتميةً رسميًا إلى برج السحر.

 

كان خطأه أنه أحاط نفسه دومًا بسحرة البرج الذين لا يعرفون الخجل، ولا يهتمون إلا بأنفسهم، ويفتقرون إلى أي حس اجتماعي. 

 

أولئك السحرة اعتادوا، كلما وقع أمرٌ يتعلق بالسحر، أن يلقوا اللوم على لوانيس دون تردد.

 

وكان ذلك من صميم واجبات سيد البرج. فهو بحكم منصبه معتادٌ على حلّ الحوادث والمشاكل المرتبطة بالسحرة، ولهذا افترض دون تفكير أن ما حدث لإيفيريا من النوع نفسه.

 

وفوق ذلك، كان سبب ما جرى لإيفيريا يعود إليه هو نفسه. بل إنه قال لها بنفسه ذات مرة أنه سيساعدها إن ازدادت قواها السحرية ووصلت إلى حد الخطر.

 

لو أنها بعد الحادث مباشرةً ذكرت اسمه وأكدت براءتها، لكان هرع إليها فورًا وأنهى الموقف بنفسه.

 

لقد كان دائمًا يوبخ سحرة البرج على غبائهم، وها هو يرتكب الخطأ ذاته.

 

ضحك لوانيس ساخرًا من نفسه. ربما اعتاد تحمّل المسؤولية عن معظم أمور حياته لدرجة جعلته يتصرف على هذا النحو دون وعي.

 

فنظرت إليه إيفيريا بابتسامة مترددة و تحدّثت بما كان بالنسبة لها أمرًا بديهيًا،

 

“الأمر…..بسبب العائلة الإمبراطورية.”

 

“لذلك لم تستطيعي إرسال رسالةٍ ولا المجيء إلى البرج؟”

 

“نعم..…”

 

اتخذ وجه سيد البرج تعبيرًا يصعب وصفه بالكلمات.

 

كانت قضية تورّط العائلة الإمبراطورية قد تحولت منذ فترة إلى شيءٍ تافه نسبيًا، لكن البرج أخفى ذلك متعمدًا ليبدو وكأنه في أزمة.

 

حتى لو كانت أوضاع البرج حينها خطيرةً فعلًا، فإن ما حدث كان يستحق أن تُزَجّ باسمه لحلّ الأزمة.

 

لقد كانت حياة ومستقبل شخص واحد على وشك الانتهاء، وهذا الشخص هو إيفيريا ديل، ساحرة العقل الروحي.

 

فردّ ببطء،

 

“سيد البرج يجب أن يتحمّل المسؤولية.”

 

“….…”

 

“حتى لو ساءت أوضاع البرج أكثر من ذي قبل، فكل ما يصيبكِ من مشاكل تتعلق بالسحر، يعود مسؤوليته إليّ أنا، وإلى برج السحر ككيان.”

 

رمشت إيفيريا عدة مرات. و فهمت كلامه بعقلها، لكنها لم تستطع استيعابه بقلبها.

 

أما إيرميت، فبدت عليه علامات الاقتناع الكامل.

 

ابتسم سيد البرج بسخرية وهو يرمق إيرميت، الذي لطالما استطاع تسوية مشاكله بفضل نفوذ عائلة الدوق نيسبيروس.

 

بالطبع، لم يكن البرج ليتدخل في كل شيء، بل فقط فيما له صلة مباشرة بالسحر.

 

ثم عاد سيد البرج ليسأل إيفيريا،

 

“بعد المهرجان ستتقدّمين مباشرةً للتدريب الميداني، أليس كذلك؟ وسيكون طلبكِ موجّهًا إلى البرج؟”

 

“نعم.”

 

“إذاً من تلك اللحظة، يمكننا اعتباركِ رسميًا فردًا تابعًا لبرج السحر.”

 

في الحقيقة، كان المقصود أنه سيتمكّن من الادعاء بذلك رسميًا، وسيصبح لديه مبررٌ قوي لحمايتها. لكنه لم يدخل في هذه التفاصيل الدقيقة.

 

فأومأت إيفيريا برأسها بإصغاءٍ تام لكلامه.

 

“حينها سيكون من الأسهل عليّ حمايتكِ، وستتمكنين أنتِ من طلب المساعدة بحريةٍ أكبر، أليس كذلك؟”

 

ابتسم سيد البرج بعدما أنهى شرحه. و شعر ببعض الأسف لأنه لم يوضّح لها كل ذلك منذ البداية، فهي موهبةٌ عظيمة كان عليه أن يرعاها جيدًا.

 

ظلّت إيفيريا تتأمل ما قاله بعمق، بينما كان إيرميت يراقبها بصمتٍ مفعم بالتفكير.

 

و راح سيد البرج يتفكر في ما يمكنه فعله أكثر من أجلها، ثم خطر له أمرٌ ما مناسب. و تحدّث بنبرةٍ خفيفة تحمل شيئًا من المزاح،

 

“لكن…..لماذا لا نضخّم الشائعة قليلًا هذه المرة؟ لنضخّمها، ثم نقلبها لصالحنا في النهاية.”

 

“يبدو أن سيد البرج قد عاش طويلًا حتى بدأت روحه تتناسخ من تلقاء نفسها.”

 

كانت إجابة إيرميت السريعة واللاذعة بدلًا من إيفيريا. فرمقه سيد البرج بنظرةٍ جانبية حادة.

 

أما إيفيريا، فلم تكن أقل ارتباكًا، وإن لم تكن قاسيةً في ردّها مثله. 

 

تضخيم الشائعات فجأة؟ بعد كل ما مرت به؟ بدا الأمر عبثيًا.

 

ثم ابتسم سيد البرج ابتسامةً مشرقة كأن شيئًا لم يكن، رغم علامات الحيرة على وجهها.

 

“حين تكونين مشهورة، كل ما تفعلينه يصبح حدثًا. حتى لو تم القبض عليكِ، سيكون الأمر صاخبًا ومثيرًا.”

 

تذكرت إيفيريا حياة إيرميت، فوجدت في كلامه شيئًا من الصحة. فقد كانت هي أيضًا معروفة، لكن أفعالها لم تكن مثيرةً للجدل مثله.

 

مرّر سيد البرج أصابعه خلال شعره وتحدّث مبتسمًا،

 

“هذه الشهرة لا يمكن اكتسابها بسهولة حتى لو حاولتِ.”

 

“..…”

 

“ويبدو أن الفرصة جاءت بنفسها هذه المرة.”

 

بدأت إيفيريا تدرك ملامح الخطة التي تدور في ذهنه. 

 

أما إيرميت، فبقي وجهه متجهمًا، لكنه لم يستطع توجيه أي اعتراضٍ نحوه.

 

_______________________

 

شفتوا يوم جا كل شي انحل تقريباً حتى هواشهم شكلهم نسوه 

 

ياخي كان جيت من زمان تعبت وسلون ماكان يدري وش صار بالضبط ولا وش؟ اهههخخ

 

المهم احس الحين ارتحت كنت شايله همهم😂

 

Dana