سرعان ما أخذت نفسًا عميقًا، ثم حبسته طويلًا قبل أن تزفره دفعةً واحدة. ثم شقّت عيناها الزرقاوان الفراغ بارتباك.
بسبب العرق البارد الذي سال أثناء نومها، التصقت خصلات شعرها بوجهها ورقبتها. فرفعت إيفيريا يدًا مرتجفة ودفنت وجهها فيها.
لقد رأت حلمًا…..أو ربما كانت هلوسة.
كان مشهدًا لعالمها الذهني وهو يمحوها ويمحو من حولها. وكالعادة، مهما حاولت كبحه، لم تستطع السيطرة عليه. و قبل أن تستيقظ بلحظات، شعرت بعددٍ لا يُحصى من النظرات تتجه نحوها، وكلها مشحونةٌ باللوم.
منذ أن سلّمت خاتمها من أجل الفحص، وهي على هذه الحال. لم تذق نومًا عميقًا قط.
“ما الذي يحدث لي..…؟”
رفعت ركبتيها وضمت جسدها الصغير، ودفنت وجهها بين ركبتيها. ثم لامست بسبّابة يدها اليسرى بخفة على عادتها، لكنها لم تجد الخاتم.
وكأنها مصابةٌ بهوسٍ ما، أخذت تفرك بشدة مكان الخاتم الذي ترك أثرًا خفيفًا على جلدها.
ماذا لو أن عالمها الذهني لم يستجب لها كما في الحلم؟ ماذا لو خرج عن السيطرة؟
غمرها قلقٌ قاتم، فأعادت فحص عالمها الذهني بدقة.
لحسن الحظ، كان هادئًا هذه المرة. و كان يدور في داخلها برفق، كأنه يهمس لها بالطمأنينة.
مر وقتٌ طويل قبل أن تستعيد إيفيريا توازنها أخيرًا.
ضغطت بعينيها بكلتا يديها، ثم وجهت نظرتها إلى النافذة التي لا يزال الظلام يلفها.
“كم الساعة الآن..…؟”
لم يكن المشهد مختلفًا عن السماء التي رأتها قبل أن تغفو. فأدارت رأسها نحو الساعة، وكانت الثالثة والنصف.
وبما أنها لم تنم إلا قبيل الثانية، فقد بدا الوقت سخيفًا حقًا.
كان بإمكانها أن تحاول النوم مجددًا، لكن إيفيريا نزلت من السرير ورتبت فراشها. فقد كانت تشعر أن النوم لن يعودها الآن. الإرهاق بلغ ذروته، لكن النوم ظل بعيدًا عنها.
جلست القرفصاء مستندةً إلى طرف السرير.
من حسن الحظ أن سينثيا كانت منشغلةً هذه الأيام. لو كانت في سكنها، لكانت أقلقت راحتها أكثر.
كم كان مطمئنًا أن لا يتضرر أحدٌ من حالتها هذه. وأن تكون مشكلتها شأنًا يخصها وحدها.
فدفنت وجهها في ذراعيها اللتين احتضنتا ركبتيها بإحكام.
***
كعادته، كان إيرميت قد سبقها إلى مكان اللقاء.
وقد كانت خصلات شعره الفضية تلألأت تحت الضوء، واستقطبت نحوه كثيرًا من الأنظار.
منذ الحادثة التي وقعت عندما حاول بعضهم مضايقتها في طريقها إلى المطعم، صار إيرميت يرافقها إلى هناك كل يوم.
في البداية، رفضت إيفيريا بشدة خوفًا من أن تتورط هي أو هو بمشاكل إضافية. غير أن إيرميت أصرّ قائلًا إنه إن لم يستطع حتى هذا القدر البسيط من المساندة، فسيبدو كإنسانٍ عديم الجدوى.
وفي النهاية، لم يسعها سوى أن تستسلم.
اقتربت منه بخطواتٍ بطيئة قدر الإمكان. وما إن وقفت إلى جانبه، حتى تحولت جميع الأنظار التي كانت عليه إليها أيضًا.
وكالعادة، لم تكن تلك النظرات ودّية. وما إن أحست بها حتى بدأ عالمها الذهني بالتحرك بعنف. غير أنها قمعت اضطرابه بمهارةٍ مألوفة.
ثم ابتسم لها إيرميت بتحيته المعتادة.
“مرحبًا.”
“…..مرحبًا.”
لحسن الحظ، بدا إيرميت أفضل بكثير مقارنةً بالأيام الماضية حين كان متعبًا. فحدقت إيفيريا في وجهه خلسة وشعرت بالراحة.
توجه بصر إيرميت إلى ظلٍّ غامق تحت عينيها، لكنها، المشغولة بأفكارها، لم تلاحظ ذلك.
كانت تشعر أن كل لحظة من يومها أشبه بالمشي على حبل مشدود فوق هاوية.
و لم يكن عالمها الذهني يمكن التنبؤ به. هادئًا كالحمل حينًا، ثم هائجًا كالعاصفة حينًا آخر. لهذا كانت تعيش دومًا في توترٍ دائم.
الخاتم الذي أعطاها إياه سيد برج السحر كان يكبح اضطراب عالمها الذهني ويحذّرها عند اللزوم، لكنه لم يعد في حوزتها.
وكأن الإشاعات التي تطالها لم تكن كافية، حتى أصبحت هي نفسها مشكلةً إضافية.
الأرق والإرهاق جعلا أعصابها أكثر حساسية، مما جعل عالمها الذهني أكثر انفلاتًا، واستمرّت الدائرة المفرغة بلا توقف.
تنهدت إيفيريا بعمق، وعبثت بعادتها في سبابتها اليسرى. و كما توقعت، لم يلمس أصبعها شيئًا.
عندها التقت عيناها بعين رجل ذي شعر رمادي قاتم. باتريك فارما. فأومأت له بتحيةٍ مقتضبة ثم صرفت بصرها.
في الحقيقة، لم يكن لديها ما تقوله له أصلًا. لم تكن لتتفوه أمامه باعترافٍ بشيء لم ترتكبه، ولا كانت تنوي أن تحمل ضغينةً على اعتراضٍ تقدمت به بحقّ.
لم يكن لدى إيفيريا أي شعورٍ تجاه باتريك فارما. أقصى ما راودها نحوه هو انطباعٌ عابر عن كونها استطاعت أن تلتقط، ولو لمحةً تجريدية، ارتعاشةً طفيفة من طاقتها الذهنية.
لذلك كانت كلما التقت به تكتفي بإيماءة تحيةٍ بسيطة وتمضي. لكن بدا أن لدى باتريك ما يودّ قوله لها. أهو الإحساس بالذنب؟
في الواقع، ما كانت تمرّ به إيفيريا سببه الأكبر هو عالمها الذهني. لذا تخلّت عن التفكير في باتريك فارما. فلم ترغب في إهدار طاقتها على أفكارٍ بلا فائدة.
ثم مررت يدها على وجهها بحركةٍ تلقائية، فراقبها إيرميت وهمس بهدوء،
“وجهكِ يبدو متعبًا جدًا.”
“صحيح، حتى أنا أرى أن حالتي صارت سيئةً فعلًا..…”
تأملها إيرميت بعينين لا تزالان تحملان بقايا حزن.
“عائلة الدوق أقوى مما تظنين.”
“سيد نيسبيروس.”
نادته إيفيريا بصوتٍ حازم يدل على أنها تريد إنهاء الحديث. فنظر إليها بعينين غامضتين ثم صرف بصره.
خلال جلوسهما واختيار الطعام، لم يتبادلا سوى ما هو ضروريٌ من الكلمات.
فشدّت قبضتها محاولةً إعادة الدفء إلى أصابعها الباردة……لكن هل هذا يُعدّ طبيعيًا حقًا؟
اجتاحتها رغبةٌ عارمة في أن تتخلى عن كل شيء. لقد سئمت من الصداع الذي صار مزمنًا خلال أيامٍ معدودة، ومن التوتر الذي صار جزءًا من حياتها، ومن حسّها المرهف الذي سببه قلة النوم.
سئمت من النظرات التي تنهال عليها كلما خرجت من مسكنها، ومن الهمسات من حولها، ومن المقالات الخبيثة التي تملأ الصحف يومًا بعد يوم.
فكونها قادرةً على التحمل لا يعني أنها لا تتألم.
كيف يمكن لجودة الحياة أن تنحدر إلى هذا الحد؟
أخذت نفسًا عميقًا مراتٍ عدة لتُسكّن الغضب الذي غلا في صدرها فجأة. وبعد جهدٍ كبير، استعادت هدوءها المعتاد. و دفعت بالطعام إلى جوفها قسرًا، فقط لتبقى على قيد الحياة.
في الأيام الأخيرة، كانت تهمل فطورها وغداءها، وتكتفي بالعشاء بالكاد. وإن لم تواصل الأكل، فسينتهي بها الأمر بالإغماء من سوء التغذية.
راقبها إيرميت بعينين تملؤهما الحزن، ثم سأل فجأة،
“ما رأيكِ أن نرتبط رسميًا؟”
‘رسميًا؟’
تساءلت في نفسها عما يقصده بالضبط. هل يعني خطوبة؟ لم تكن واثقة.
لكن لمجرد تفكيرها في الأمر، عاد الصداع يدق رأسها.
وجهت نظرتها إليه، فابتسم وأكمل موضحًا،
“أعني خطوبةً أو زواجًا.”
يا للدهشة…..لقد كان يعني ذلك فعلًا.
لم يمضِ وقتٌ طويل منذ تعارفهما، والحديث عن الارتباط مدى الحياة بدا سابقًا لأوانه. لماذا يقول هذا الآن؟
ارتسمت على وجهها ملامح حيرةٍ ظاهرة.
في الأحوال العادية، كان إيرميت يلاحظ مثل هذا التعبير ويسارع إلى طمأنتها بأنه يمزح فقط، لكنه ظل صامتًا هذه المرة.
فأزاحت نظرات المتطفلين من خلفها وأمالت جسدها قليلًا نحو إيرميت. و أحست فجأة بانقباضٍ في صدرها.
ربما لأن لقب نيسبيروس وحده كافٍ لإخافة الآخرين، لم يكن حولهما أحد.
ثم همست بصوتٍ منخفض وسألت بخجل،
“هل أنتَ بخير حيال ذلك يا سيد؟”
“نعم، أنا مسرورٌ جدًا.”
أجاب من فوره، وارتسمت على وجهه ابتسامةٌ هادئة تغمرها السعادة. و أدركت إيفيريا أن النظرات التي كانت تتجه إليها أصبحت الآن مصوّبةً نحوه.
مررت أصابعها بين خصلات شعرها محاولةً ترتيبها.
كان رأسها ينبض بالألم، وكل ما فيها كان يجهد ليبدو طبيعيًا كما في السابق.
“…..أنا أيضًا لا أمانع، لكن أعتقد أن الوقت ما زال مبكرًا لذلك.”
لم يظهر على وجه إيرميت أي أثرٍ للخيبة، بل بدا وكأنه توقّع تمامًا أن تجيبه بهذا الشكل.
فأعادت بصرها إلى الطبق وتابعت تناول طعامها. و ساد بينهما صمتٌ طويل، حتى رفع إيرميت رأسه مجددًا وسأل،
“وماذا عن الانفصال إذًا؟”
“…….”
كان تساؤلاً غريباً جعلها تتجمد لوهلة.
خرج من بين شفتيها زفيرٌ خافت، بينما ارتسمت على فمه ابتسامةٌ خفيفة تحمل عبق مزاحٍ قديم.
مع تلك الابتسامة، فاضت في صدرها موجةٌ مفاجئة من الانفعال، وارتجّ عالمها الذهني للحظة. فأغمضت عينيها ببطء، ثم فتحتهما مجددًا. و لحسن الحظ، عاد الهدوء سريعًا.
وضعت الشوكة من يدها، وأسندت ذقنها إلى ظاهر كفها، وسألت بأقصى ما استطاعت من برود،
“هل ترغب بالانفصال عني إذًا؟”
“لا، كنتُ فقط أتساءل.”
تلألأت عيناه البنفسجيتان تحت الضوء، بينما ألقت رموشه الفضية المنحنية ظلًا ناعمًا فوق وجهه.
_________________________
حالتها حاله وذاه جاي يمزح بالانفصال؟😭 ياخي تكفى شف لك حل سو شي من تحت التريلات وماتدري انك مسويها
بعدين وين سيد البرج تكفى تعاااااااااااااااال ايفيريا حالتها منتهيه خلاص
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 96"