إيفيريا كانت تحدق في الصحيفة التي أحضرتها من أمام المكتبة.
كانت في العادة تقرأ الجريدة هناك ولو على عجل، لكن بعد أن تحدث إليها غرباءٌ عدة مرات، صارت تذهب مباشرةً إلى السكن دون أن تتوقف.
في الصفحة الأولى كان هناك مقالٌ يتعلق بالمهرجان. أو بالأحرى، مقالٌ يشكك في نزاهتها ويتهمها بالغش.
عنوان المقال كان: «سقوط المتفوقة في إحدى الأكاديميات». فصُدمت أولًا بالعنوان، ثم ازدادت صدمتها حين قرأت ما يحمله من نوايا خبيثة.
<يا إلهي، يقولون أنها استخدمت السحر الأسود المحظور! وأن كل قراءاتها الكثيرة لم تكن حبًا في المعرفة، بل بحثًا عن طريقة لزيادة طاقتها السحرية!>
بدأت تتساءل كيف يمكن لصحيفةٍ تُعد رسميةً أن توافق على نشر كلام لا يليق حتى بمجلةٍ رخيصة.
كان المقال مليئًا بالاتهامات، لكنه يفتقر لأي دليل واضح. وحتى لو عُدّت الشبهات والظروف أدلة، فكانت ضعيفةً لا تكاد تُذكر.
فكرت إيفيريا في أفضل طريقة للتعامل مع الموقف، لكنها لم تجد حلًا واضحًا. فزاد ذلك من إحساسها بالعجز.
تنهدت بعمق، وكمّشت زاوية الصحيفة بقبضتها.
و في وقت لاحق من بعد الظهر، أمرت إدارة لاكانيل بسحب الصحف، لكن الأقاويل كانت قد انتشرت بين طلاب الأكاديمية بالفعل.
لم تفهم لِمَ أصبحت في الآونة الأخيرة هدفًا لأحاديث الناس بهذه الكثرة. وقد تراكمت الأحداث فصارت أعصابها أكثر توترًا، ففركت عينيها في تعب.
ومع ذلك، كانت قدماها تمضيان بخطواتٍ ثابتة نحو قاعة الطعام، فقد حان وقت العشاء.
بسبب تأجيل نهائيات بطولة السحر، تأخر المهرجان أيضًا. وبما أن من المعتاد أن تُقام نهائيات بطولة المبارزة في اليوم نفسه، فقد أُجلت هي الأخرى.
نتيجةً لذلك، بقي بعض الزوّار في الأكاديمية بانتظار استئناف النهائيات، بينما غادر آخرون. وقد وفرت إدارة لاكانيل الطعام والمأوى للذين قرروا البقاء.
لذا، عندما يحين وقت الوجبة، كانت المنطقة المحيطة بقاعة الطعام تزدحم بالناس.
كان الجو العام مضطربًا، فسارت إيفيريا بوجهٍ جامد وخطى سريعة، وكأنها تقول بصمت: رجاءً، لا يقترب مني أحد.
لكن في كل مكان يوجد شخصٌ يفتقر إلى اللباقة.
“إيفيريا ديل؟ كيف تشعرين الآن؟”
وجّهت نظراتها الزرقاء نحو من ناداها.
راودها خاطرٌ أن تمطره بكل الشتائم التي تعرفها، لكنها كتمت ذلك، فالعالم وحده يعلم ماذا سيُكتب عنها غدًا إن فعلت. ثم إنها لم تكن تعرف الكثير من الشتائم أصلًا.
كان الأمر مجرد مضيعةٍ للطاقة، فتنهدت بعمق وحاولت تجاوزه دون رد، غير أن صوته لحقها من جديد.
“سكوتكِ يعني أنكِ تشعرين بالذنب، أليس كذلك؟”
فتقلصت عيناها في ضيق. لماذا يأتي الناس دومًا ليستفزوها هكذا؟
“هل تصدق حقًا أنني استخدمت وسائل غير مشروعة؟”
“وإلا فلماذا نُشر المقال؟ فكري قليلًا—”
“وإن كنت قد استخدمت فعلًا تلك الوسائل غير المشروعة والمؤذية، ماذا كنتَ ستفعل حينها؟”
قاطعت كلماته ببرودٍ قاطع، فتجمد مكانه كمن لم يتوقع منها هذا الرد.
لو كان ما في المقال صحيحًا فعلًا، لو أنها استخدمت سحرًا خطرًا ومحرمًا بحق، ولو أن فيه ذرةٌ من الصدق،
لما تجرأ أحد على مواجهتها مباشرة. و كان الناس سيكتفون بالهمس من خلف ظهرها.
فالخوف، في النهاية، من أقوى ما يقيّد تصرفات البشر.
ارتفعت غصّةٌ في صدرها، لكنها قمعتها وهي تتحكم في اضطراب طاقتها الذهنية المعتادة في مثل هذه المواقف.
ثم أطلقت تنهيدةً طويلة، و تحدّثت ببرودٍ حاد،
“وإلا، فأنتم الآن تتهمون طالبةً بريئة ظلمًا. بالمناسبة، ما اسمكَ؟ ربما نلتقي في المحكمة عندما تُعلن النتائج رسميًا.”
نظرت إليه من رأسه حتى قدميه. لكنه لم يكن يضع شارة اسمه، وكان يرتدي ملابس مدنية.
فاحتقن وجهه تدريجيًا وهو يسمع كلماتها غير المتوقعة.
“كيف تجرؤين، وأنتِ مجرد عامية، على—”
“ولو لم تكن عامية، فماذا كنتَ ستفعل؟”
جاء هذا الصوت الحاد من شخص آخر، لا من إيفيريا. كان صوتًا مألوفًا بطريقةٍ غريبة.
استدارت لتتحقق من صاحبه، فرأت امرأةً ذات شعر أحمر نحاسي مألوف، تقف على بعد بضع خطوات منها.
ريبيكا ريسفين. كانت هي.
رمشت عينا إيفيريا مراتٍ عدة، فيما اقتربت ريبيكا منها قليلًا، و حاجباها منقبضان بخفة.
“إيفيريا ديل، فكرتُ في الأمر قليلًا…..وأظن أنكِ طيبةٌ أكثر مما ينبغي.”
لم تسمع إيفيريا أحدًا يصفها بالطيبة من قبل. فهي لم تكن ودودةً بطبعها، بل فقط تكافح للبقاء على قيد الحياة.
ابتسمت ابتسامةً غامضة، ثم أعادت نظرها إلى المكان الذي كان يقف فيه خصمها قبل قليل، لكنه كان قد اختفى وسط الزحام.
كم هو مثيرٌ للشفقة…..إذا كنت ستفتعل مواجهة، فعلى الأقل أكملها حتى النهاية.
زفرت تنهيدةً طويلة. و لم يكن في نيتها أن تبحث عنه أو توبخه أمام الجميع، فليس هناك ما يستدعي إطالة الموقف.
ثم اقتربت ريبيكا منها خطوةً أخرى، فرفعت إيفيريا رأسها حين شعرت بقربها.
امتلأ قلبها بالامتنان لتدخلها في الوقت المناسب وإنهائها الموقف بتلك الحنكة. وسرعان ما وجدت نفسها تمشي بجانب ريبيكا نحو قاعة الطعام.
كانت تفكر في الطريقة المناسبة لتشكرها، لكنها لم تجد الكلمات. و لم يدم الصمت طويلًا بينهما، إذ تحدّثت ريبيكا وهي تهز رأسها،
“مجرد أنكِ تحدثت إلى شخصٍ كهذا بلغة مهذبة، يجعلكِ جديرةً بأن تكوني قديسة. لو كنتُ مكانكِ، لكنتُ بدأت بصفعةٍ بدل التحية.”
كان في كلامها شيءٌ من المبالغة، لكن إيفيريا لم تستطع منع نفسها من الضحك.
ثم بدأ مبنى قاعة الطعام يظهر في الأفق، بينما كانت ريبيكا تراقب ملامحها بتمعّن.
فارتسمت على شفتي إيفيريا ابتسامةٌ صادقة.
“…..شكرًا لمساعدتكِ.”
“لا، بل أنا من يجب أن أعتذر. كنتِ تتعاملين مع الموقف جيدًا، وأنا فقط تدخلت بلا داعٍ.”
“أبدًا، أنا حقًا ممتنةٌ لكِ.”
قالت إيفيريا ذلك بصدق، وهي تنظر في عينيها مباشرة.
بدت ريبيكا مُحرَجةً قليلًا من كلمات الشكر، فعبثت بخصلات شعرها النحاسي.
لم تكن انطباعاتها الأولى عنها سيئةً أصلًا، لكنها الآن بدت لها أفضل مما توقعت. فابتسمت إيفيريا ابتسامةً مشرقة، متناسية الصداع الذي بدأ يخز رأسها.
وبينما كانت ريبيكا تلوّي طرف شعرها الملقى على صدرها، سألتها،
“لكن، هل أنتِ بخيرٍ فعلًا؟ بدا الموقف غامضًا جدًا في نهايته.”
“ليعِش على هذا النحو المخزي طوال عمره، هذا يكفيني.”
أجابتها إيفيريا ببرودٍ ساخر، فتبادلتا النظرات ثم انفجرتا بالضحك معًا.
وحين وصلتا أمام قاعة الطعام، شكرت إيفيريا ريبيكا مرة أخيرة قبل أن تفترقا. فقد بدا أن لدى ريبيكا موعدًا ما للعشاء، وربما رافقتها خوفًا من أن تتعرض لموقفٍ مشابه إن مشت وحدها.
وما إن ابتعدت ريبيكا حتى اقترب منها إيرميت. و بمجرد أن رأت شعره الفضي المألوف، أطلقت التحية التي باتت جزءًا من روتينها اليومي.
“مرحبًا.”
“مرحبًا.”
تأملت وجهه مليًا، وكان من الواضح أنه ليس بخير.
فقد انخفض وزن وجهه، مما جعل ملامحه الحادة تزداد حدّة، وزاد ظل التعب حول عينيه ذلك الإحساس بالذبول.
خلال الأيام الأخيرة، بدا وكأنه يريد أن يقول شيئًا لها في كل مرة يلتقيان فيها، ثم يتراجع في اللحظة الأخيرة. و كانت تشعر فقط بأنه يجلس تحت ثقل أمرٍ خطير، دون أن تعرف ما هو.
حتى في أيام الامتحانات في الأكاديمية، لم يكن يبدو عليه التعب بهذا الشكل. فماذا حدث له يا ترى؟
لم تسأله من قبل، لكنها صارت تقلق أكثر مع كل يوم يمر. وبعد تردد، سألته بصوتٍ خافت،
“هل أنتَ بخير؟”
“نعم، أنا بخير. وأنتِ؟”
ابتسم إيرميت ابتسامةً مهذبة وردّ السؤال، لكن ذلك لم يطمئنها أبدًا. فقد كان يبدو كل شيءٍ فيه سوى “بخير”.
ومع ذلك، ما دام قالها بهذا الوضوح، فلا بد أن لديه أسبابًا لا يستطيع البوح بها.
فكتمت قلقها وأجابته بهدوء،
“أنا بخير.”
و سواءً صدّقها أم لا، فقد أومأ برأسه ببطء. بينما واصلت إيفيريا تناول طعامها في صمت.
كان المكان يعج بالناس، والضوضاء تعمّ القاعة، لكن الزاوية التي يجلسان فيها بدت كأنها منفصلةٌ عن كل ما حولها، يغلفها سكونٌ غريب.
وبينما كانت على وشك إنهاء طبقها، سمعته يتنفس بعمق قبل أن يتكلم أخيرًا.
كانت تراقبه طوال الوقت بعين جانبية، فأنزلت يدها التي تمسك بالملعقة وحدّقت فيه.
فتح فمه ليقول شيئًا، ثم أغلقه مرة أخرى، مرارًا. و لم ترَه مترددًا إلى هذا الحد من قبل.
ما الأمر الذي يصعب عليه قوله هكذا؟
ولكي تخفف توتره، تحدّثت بلطف مشجع.
“أيًّا كان ما تريد قوله، قلّه. أنا أستمع.”
“…….”
ظل صامتًا، فمالت نحوه قليلًا وهمست بابتسامةٍ صغيرة،
“ما لم يكن ما ستقوله هو أننا يجب أن ننفصل، فكل شيء آخر لا بأس به.”
رغم محاولتها إدخال الطرافة في الجو، لم يبدُ عليه سوى ابتسامة باهتة دون أي ردّ آخر.
هل يُعقل أن يكون هذا بالضبط ما ينوي قوله؟
ما إن خطرت لها الفكرة حتى خفضت نظرها نحو طبقها بسرعة، والحرارة تسري إلى عينيها.
إن قرر هو أن الانفصال هو الخيار الأفضل، فليس بوسعها سوى القبول. فواقعها الحالي لا يمنحها خيارًا آخر، وإن كانت حقًا تحبّه، فعليها ألا تجرّ الضرر إلى إيرميت أو إلى بيت دوق نيسبيروس.
رفعت عينيها إليه خلسة، بعد صمتٍ بدا طويلًا كالدَهر، حتى نطق أخيرًا.
“…..أنا قلقٌ عليكِ كثيرًا.”
ما دام قد بدأ حديثه بالقلق، فلن يكون هذا وداعًا.
فتنفست إيفيريا بارتياحٍ خفي، وابتسمت دون أن تشعر.
_______________________
يمه حسبته صدق بينفصل وجع اصلاً وينك قبل شوي ماصفقت ذزك الي حاكاها
ريبيكا تجننننننننننننننننن يارب تصادقها وتطلع كثير تكفين لدرجة بس ظهورها ذاه خلا الفصل حلو
المهم إيفيريا مؤدبه حتى رودودها منطقيه وحلوه يبي لها تتعلم شوي سبات من ريبيكا😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 93"