يبدو أن إيرميت هو الآخر استعاد ذكرى ذلك اليوم. 

أمالت إيفيريا عينيها قليلًا، تنتظر ما سيقوله بعدها. بينما لم يستطع إيرميت أن يمنع تعابير وجهه من الانكسار في تلك اللحظة، وشعر بحرارةٍ تسري في رأسه كله، وخصوصًا حول عينيه.

فقد عادت إلى ذهنه بوضوح لحظة انهيار إيفيريا بعد الوعد المشروط الذي قطعاه في ذلك اليوم. 

و رغم مرور قرابة عام، إلا أن مجرد تذكّر الحادثة ما زال يجفف الدم في عروقه.

وكأنها استشعرت اضطرابه، مدت إيفيريا يدها وأمسكت بيده. فقبض إيرميت على يدها بقوة، وكانت برود حرارتها المنخفضة كافيًا لتهدئة حرارته المشتعلة قليلًا.

“هل…..سنذهب إلى السوق الليلي هذا المساء؟”

“نعم، إذا فزتُ في نصف النهائي. سنذهب معًا.”

كان المشهد أشبه بتكرارٍ لما مضى. 

شدّ إيرميت قبضته بيده الحرة، في حين أشرق وجه إيفيريا بابتسامةٍ أجمل من أي وقتٍ مضى.

“لن أفقد الوعي هذا العام، لذا لا تقلق.”

“…..إن فعلتِ، فسأحبسكِ في قصر الدوق.”

حاول إيرميت أن يُخفي ثقل صوته خلف نبرةٍ خفيفة، غير أن إيفيريا التقطت بذكائها ذلك التوتر، فخفت ضحكتها قليلًا. 

بدا واضحًا أن ما حدث العام الماضي ترك فيه أثرًا أعمق مما ظنت. ولهذا تعمّدت أن تقول الكلمات نفسها تقريبًا كما قالتها في الماضي. فقد كانت تريد طمأنته، مؤكدةً له أن ما حدث آنذاك لن يتكرر.

لكن يبدو أن محاولتها…..لم تُثمر بعد.

***

ذهبت إيفيريا إلى غرفة الانتظار في ساحة المباريات باكرًا استعدادًا لنصف النهائي.

فكلما ارتفع مستوى الجولة، ازداد عدد الحضور، ومع كثرة الناس تتكاثر المتغيرات. لذا رأت أن الوصول مبكرًا أفضل من الاندفاع في اللحظة الأخيرة وسط فوضى غير متوقعة.

و قد كانت الكلمات التي قرأتها في الصحيفة بعد المباراة السابقة ما تزال عالقةً في ذهنها.

إن كان وضع برج السحر وسيده قد استقر، وإن كانت الإمبراطورية قد فقدت قدرتها على التدخل في شؤونه، فهل يعني ذلك أنها باتت قادرةً على إظهار كل ما تملك من سحرٍ دون خوف؟

هل يمكنها أخيرًا أن تُلقي تعويذاتها بحريةٍ تامة دون القلق مما سيحدث لاحقًا؟

‘…..هل أستخدمها كلها فقط؟’

كان مجرد خاطرٍ عابر. فهي، رغم قولها ذلك لنفسها، كانت تدرك تمامًا أنها لن تفعل.

لم تكن متأكدةً إن كانت المقالة التي قرأتها حقيقيةً تمامًا، وحتى لو كانت تحمل بعض الصحة، فلن تكفي لتكون يقينًا مطلقًا.

عدّت إيفيريا كمية الطاقة السحرية التي تبقت لديها، فوجدتها لا تزال وفيرةً رغم كل المباريات السابقة. لم يكن الوضع ليُقارن بما كانت عليه العام الماضي.

وفجأة راودها إحساسٌ بالرغبة في أن ترمي كل شيءٍ خلفها. و أن تتوقف عن الحسابات الدقيقة وتطلق السحر بحريةٍ مفرطة، و أن تجرب استخدام السحر الذهني داخل البطولة لمرةٍ واحدة على الأقل.

في الحقيقة، كانت تعلم أنها ستحتاج اليوم إلى طاقةٍ أكثر من المعتاد، فهل من بأسٍ إن استخدمتها بسخاءٍ هذه المرة؟

هزّت رأسها بقوة، محاولةً طرد تلك الأفكار المتهورة التي بدأت تتسلل إليها. و كانت تشعر وكأنها أصبحت أكثر اندفاعًا يومًا بعد يوم.

وبينما كانت تعيد تركيز ذهنها على تدريباتها وتستعرض في ذهنها صيغ السحر الهجومي، شعرت بحركةٍ عند باب غرفة الانتظار. فالتفتت وانحنت قليلًا لتحيّي من دخل،

“مرحبًا.”

“نعم، مرحبًا.”

كان رجلًا ذا شعرٍ رماديٍ داكن. بحسب جدول المنافسات، كان هو باتريك فارما، الابن الثاني لعائلة فارما. 

و استرجعت إيفيريا ما قالته لها سينثيا قبل رحيلها عن الرجل.

فعائلة الماركيز فارما كانت من الأسر التي أنجبت العديد من السحرة البارزين، وهي معلومةٌ كانت تعرفها من قبل. وقد أخبرتها سينثيا أن باتريك مرشحٌ قوي للانضمام إلى برج السحر في سنته الرابعة.

كان شخصًا شغوفًا بدراسة السحر إلى أقصى حد، وكانت إيفيريا تعلم ذلك لأنها كثيرًا ما رأته ينافسها في المراتب العليا داخل قسم السحر.

كان بينهما الكثير من أوجه التشابه، وربما هو الآخر يعرف اسمها جيدًا.

في العادة، لم يكن من الضروري لأبناء عائلة الماركيز أن يشاركوا في بطولاتٍ كهذه.د

ورغم أن لكل شخصٍ أسبابه الخاصة، إلا أن معظم النبلاء من مستواه لم يكونوا مضطرين لإثبات أنفسهم أمام الآخرين، ولا كانت هذه البطولات الطريق الوحيد أمامهم.

لذلك، فمجرد وجود باتريك فارما اليوم كمنافسٍ لها كان دليلًا على مدى جديته وشغفه الحقيقي بالسحر.

ثم ضغطت إيفيريا بأطراف أصابعها بقوة. 

في الحقيقة، كانت قد جربت اليوم مجددًا نزع الخاتم داخل قاعة تدريب السحر. 

من الناحية النظامية لن تكون هناك مشكلةٌ كبيرة، لكنها لم تستطع منع القلق من التسلل إليها. لذلك فكرت أنه إن لم يحدث شيءٌ بعد نزعه، فستمضي في المباراة بدونه.

لكن النتيجة كانت فشلًا. ذلك الشيء الضخم الذي شعرت به سابقًا لم يكن يقترب هذه المرة بشكلٍ مهدد، ومع ذلك كان وجوده نفسه يحمل خطرًا مثل إيرميت في النصف الثاني من العام الماضي.

ذلك الشيء لم يكن يحمل عداوة، بل على العكس كان يفيض بلطفٍ واضح تجاهها، بل حاول حتى أن يقترب منها بحذرٍ بالغ…..

لكن على الأقل اليوم، جسدها لن يحتمل ذلك. لذا لم يكن أمام إيفيريا خيارٌ سوى ارتداء الخاتم مجددًا. 

ولحسن الحظ، ما إن فعلت، حتى بدا أن ذلك الكيان يتراجع برفقٍ وكأنه يفهم قرارها رغم أسفه الطفيف.

تلألأت عينا إيفيريا بوميضٍ معقد، بينما تحدث باتريك فارما الجالس قبالتها محاولًا كسر حدة الأجواء.

“لم أتوقع أن نلتقي في نصف النهائي.”

“حقًا، صدفةٌ غريبة.”

ابتسمت إيفيريا بخجل.

كان هذا الرجل خصمًا لا يُستهان به. لم يكن يستحق فقط بلوغ النهائيات، بل حتى الفوز بالبطولة، لكنهما التقيا في نصف النهائي. 

كلاهما لم يحالفه الحظ في القرعة.

بعد فترة قصيرة، جاء النداء للصعود إلى الساحة.

تنفست إيفيريا بعمقٍ و بهدوء، ثم بدأت تمشي بخطى ثابتة.  و حتى لحظة بدء المباراة، حيث تبادلا التحية وتهيآ للمواجهة، بدا كل شيءٍ كما هو معتاد. 

أعادت إيفيريا تنظيم تنفسها لتخفيف التوتر. لكنها تساءلت في داخلها: لماذا أشعر اليوم بتوتر غير عادي؟

سارعت إلى طرد هذه الأسئلة السخيفة عن حالتها الحالية. و تصدت بسرعة لهجومٍ على شكلٍ خطاف من لهب اندفع نحوها.

‘التركيز، يجب أن أركز. هذا الرجل ليس خصمًا سهلًا على الإطلاق.’

في الواقع، طريقة استخدامه للسحر تشبه طريقتها إلى حد مذهل. ولهذا تحديدًا كان التعامل معه صعبًا للغاية.

كانت مباراةً تتطلب استخدامًا مكثفًا ودقيقًا للسحر أكثر من المعتاد. و لم تستطع إحراز تفوق في الحسابات السحرية، لذا كان عليها التعويض بقوة المانا نفسها.

كمية الطاقة السحرية المتدفقة من جسدها كانت أكبر من أي مباراةٍ سابقة، و لونها الأسود العميق بدا أكثر كثافة.

اتسعت عينا باتريك قليلًا. فقد كانت إيفيريا ديل التي يعرفها تختلف قليلًا عن التي يراها الآن.

تكوّنت تعاويذ عديدة ثم أُلغيت قبل أن تتجسد. كان مشهدًا غريبًا لمن لا يفهم تدفق المانا، إذ بدت المعركة وكأنها تحدث دون سحرٍ ظاهر.

في عالم السحر، كان يقال أن أسمى مستوى من القتال هو حين لا تتجسد التعاويذ أصلًا. وهذا ما كانت الأكاديمية تشهده الآن.

لو أن أسياد برج السحر رأوا هذا، لبكوا من التأثر.

لاحظت إيفيريا قطرة ماء استُدعيت ووصلت أمامها مباشرة. و حسبت مقدار المانا فيها واستدعت لهبًا يعادلها قوةً ليلغي تأثيرها، وكل ذلك في لحظةٍ وجيزة.

فاختفى الماء والنار معًا من الحافة نحو المركز.

تشابهت أساليبها مع باتريك، فتقدمت المباراة ببطءٍ دون حسم. و كانت إيفيريا متفوقة قليلًا، لكن استمرار الحال هكذا قد يطيل المباراة بشكلٍ مبالغ فيه.

لذا إن أرادت نتيجة فعالة، فعليها أن تستخدم السحر بطريقةٍ مختلفة.

توقفت عن إلغاء تعاويذه عبر الحسابات، وفي اللحظة نفسها انهمرت عليها موجةٌ من التعاويذ. فحدّدت نطاقها بدقة وعدلت مسار المانا لتكوّن حاجزًا واسعًا أملس السطح.

اصطدمت التعاويذ بالحاجز بصوتٍ مدوٍّ قبل أن تتلاشى. و ما إن انطفأ وهج الحاجز الغامض حتى ضغطت إيفيريا الهواء بقوة وأطلقت نصلًا حادًا من الريح باتجاهه، مضيفةً إليه سرعةً إضافية استنادًا إلى خاصية الريح الخفية في بدايتها.

تبادلا عدة هجماتٍ ودفاعات، لكن الميزان بدأ يميل بوضوح نحو إيفيريا.و كان ذلك ظاهرًا لكل من يشاهد.

عضّ باتريك على أسنانه بإحباط. ما لم يحدث شيء يقلب الموازين، فهزيمته مؤكدة.

بدأ بتحريك المانا بحذرٍ شديد. لم يجرّب هذه الطريقة من قبل، لكنه يعرفها نظريًا، وهي خياره الوحيد الآن.

بينما وسّعت إيفيريا مجال رؤيتها. و لم تعرف من أين سيأتي الهجوم التالي.

رغم يقظتها الكاملة، انطلقت فجأة من مكانٍ ما شفرةٌ من نارٍ وهواء نحوها بسرعة خاطفة. و كان اللهب مكثفًا في المنتصف، والهواء شكّل له نصلًا. 

كان الهواء المستخدم غنيًا بالأكسجين، ما يعني أن الشرارة في المركز ستنفجر لحظة ملامستها الجسد وتشغّل الأداة السحرية.

بمجرد أن أدركت ذلك، غيّرت إيفيريا المسار على الفور. و تدفقت من جسدها طاقةٌ سوداء قاتمة وكأنها تحميها. وما إن شعرت بتسرّب طفيف من طاقتها الذهنية حتى سارعت إلى كبحها.

لكن انشغالها بكبح تلك الطاقة منعها من إتمام الحساب. و لم تستطع حرف الهجوم تمامًا، فأنشأت درعًا في الوقت ذاته.

لحسن الحظ، تمكنت من محو نواة اللهب داخل الهجوم، لكن بقايا الرياح لامست خدها. و تركت خدشًا أحمر صغيرًا.

فتحسست إيفيريا خدها المؤلم قليلًا، ووجدت أثر دم بسيط على أصابعها. و لم تعمل الأداة السحرية، لذا فالأمر لا بأس به.

من كان يظن أن الطاقة الذهنية ستتسرب في تلك اللحظة بالذات؟

اتجه بصرها نحو باتريك، فوجدت ملامحه متصلبة قليلًا. و أدركت فورًا أن ما حدث سيجرّ وراءه تعقيداتٍ كثيرة.

_____________________

رئيس البرج وينه وش ذاه الحين بتنكشف انها سحر عقلي ثم وش؟ لازم ذولا ينكشفون قبل اظن؟ مدري وين رئيس البرجحجج

المهم وين ايرميت بعد زوجتك خدها مخدوش بالله شف شغلك مع ذا الرمادي😘

Dana