قيام إيفيريا بإحاطة نفسها بحاجزٍ واقٍ كان تصرفًا ينطوي على مخاطرةٍ بالنسبة لها أيضًا.

فعندما يهاجم الخصم الحاجز، كل ما عليه فعله هو استخدام سحرٍ مشحونٍ بطاقةٍ عاليةٍ لتمزيقه، أما من يحيط جسده بالحاجز فالأمر أعقد بكثير حين يريد إرسال السحر من خلاله.

كان عليه أن يستدعي السحر في موضعٍ قريبٍ من الخصم لا من نفسه، أو أن يوجّه السحر عبر مسارٍ يتفادى الحاجز.

لكن الخيار الأول يستلزم إرسال الطاقة السحرية لمسافةٍ بعيدة، ما يؤدي إلى استهلاكٍ كبيرٍ في السحر.

وفوق ذلك، فإن الطاقة السحرية تميل بطبيعتها إلى التمدد بخطٍ مستقيم ما لم يُوجَّه مسارها يدويًا، أما التلاعب بمسار الطاقة فهو أمرٌ أكثر تعقيدًا من مجرد حساب الصيغة السحرية نفسها.

في مثل هذه الحالة، كان الحل الأكثر واقعيةً هو استدعاء السحر وإرساله عبر مسارٍ محسوبٍ بعنايةٍ حتى لا يصطدم بالحاجز.

لكن هذا أيضًا لم يكن أمرًا يسيرًا، إذ تطلّب قدرًا كبيرًا من الدقة الحسابية، وأي خطأٍ بسيطٍ كان يجعل السحر يمرّ بجانب الحاجز سدى. لذلك نادرًا ما كان طلاب الأكاديمية يحافظون على الحاجز طوال المباراة.

استدعت إيفيريا حاجزًا رقيقًا. فهي إن استخدمت طاقةً عالية دفعةً واحدة قد تثير شكوكًا غير ضرورية، لذا اكتفت أولًا بحاجزٍ خفيفٍ وأخذت تغذيه بالسحر تدريجيًا.

و ارتسمت على وجه ريبيكا ملامح الدهشة حين أدركت ما فعلته إيفيريا.

كانت إيفيريا في الماضي تنظر بإعجابٍ إلى من يستخدمون السحر ببذخ، لكنها الآن أصبحت هي نفسها موضوعًا لتلك الحسابات الدقيقة.

استدعت إيفيريا رمحًا مائيًا بسرعةٍ وأطلقته، ومع اقترابه من ريبيكا أخذ شكله يصبح أوضح فأوضح بعد أن كان غير محدد المعالم في بدايته.

وقبل أن يخترق المكان الذي وُضعت فيه الأداة السحرية، ظهر حاجزٌ صغيرٌ اصطدم بسحر إيفيريا ثم تلاشى.

تنفست ريبيكا بعمق، إذ أدركت أن إيفيريا ديل التي لم تسمع عنها إلا قليلًا كانت أعظم مما توقعت.

سواءً كانت الحواجز التي أحاطت بها نفسها دليلًا على ثقةٍ بالنفس أم مجرد استعراض، فإن استدعاءها في مواضعها الدقيقة وحده كافٍ ليُقدَّر مستواها العالي.

ثم استدعت إيفيريا شراراتٍ صغيرة، وحسبت مسار كلٍّ منها لتوجّهها نحو ريبيكا. و اختفى معظمها حين لامس الماء، لكن بعضها، الذي أرسلته مستغلّةً الزوايا العمياء عمدًا، ظلّ مشتعلًا حتى التصق بأطراف درع ريبيكا.

أخفضت ريبيكا نظرها دون قصد، فرأت نارًا صغيرة تشتعل على درعها، فقطعت الأوكسجين حولها مؤقتًا و أُخمدت النار. وما إن تأكدت من انطفائها حتى ازدادت نظراتها حدة.

تمكنت إيفيريا من تبديد البرق الخفيف وقطرات الماء التي انطلقت نحوها دون أن تخطئ. لكن عندها هبّت ريحٌ قوية باتجاه وجهها، فاهتزّ شعرها في كل اتجاه. و لم يكن لتلك الريح شكلٌ أو جسد، لكنها علمت على الفور أنها من صنع ريبيكا.

ربما كانت تحاول تقليل الأوكسجين قرب جهازها التنفسي، أو جعل تنفسها صعبًا. و كان من الصعب إلغاء مثل هذا السحر تمامًا، لذا استخدمت سحرًا مشابهًا لتقليل تأثيره إلى الحد الأدنى.

شعرت إيفيريا بأن أنفاسها تضيق قليلًا، لكنها كانت بحاجة إلى ترك جزءٍ من تأثير السحر قائمًا لتحافظ على دقة حساباتها.

فهو سحرٌ لا يلحق ضررًا مباشرًا، كما أن الأداة السحرية لم تتفاعل معه إلا في حالاتٍ حرجة.

وفي لحظة انشغالها بالحسابات الدقيقة، انفتح صدرها فجأة وتحرر تنفسها. و اتسعت عيناها بدهشة، إذ لم تستخدم أي سحر بعد، ومع ذلك صار تنفسها سلسًا.

ثم أدركت فجأة أن قلبها ينبض بعنفٍ غير معتاد.

جمعت بسرعةٍ الفروع الداكنة من طاقتها السحرية التي كانت تمتد حولها، وكان في داخلها أثرٌ خفيفٌ من الطاقة الذهنية جعل سواد سحرها أعمق من المعتاد.

وقد أضفى ذلك على محيطها جوًّا مختلفًا كليًا عن هالتها المعتادة، ولو وُجد شخصٌ حساس قريبٌ منها للاحظ بالتأكيد وجود شيءٍ غريب.

و شعرت بارتباكٍ كبير. فرغم ارتدائها الخاتم، ظهرت طاقةٌ ذهنية فجأة، وهذا ما أربكها.

لكن لم يكن الوقت مناسبًا للانشغال بتلك الحيرة، فتركيزها كله انصبّ على إنهاء المباراة بأسرع ما يمكن.

أصبح سحرها أكثر دقةً وتعقيدًا من ذي قبل. فبدلًا من استهلاك الطاقة لإنهاء المباراة بسرعة، اختارت أسلوب السرعة المتقنة في إطلاق السحر.

وبعد عدة جولاتٍ من الهجوم والدفاع، ضحّت ببعض حواجزها لتتمكن من حساب الهجمات الهجومية بدقةٍ أكبر.

ولم يمض وقتٌ طويل حتى أصابت ريبيكا ضربةٌ فعالة، فتحطمت أداتها السحرية، وأُعلن انتصار إيفيريا.

ولحسن الحظ، لم تبدُ ريبيكا منزعجةً كثيرًا من النتيجة. فشعرت إيفيريا بالارتياح وتبادلت التحية معها.

وقبل أن تغادر ريبيكا ساحة المباراة تحدثت الى إيفيريا،

“في البداية كان اشتراكي في المسابقة بدافع الإكراه، لكنني سعيدةٌ لأنني شاركت.”

كانت تعني أن القتال كان ممتعًا. فابتسمت إيفيريا ابتسامةً خفيفة.

وقد بدت خصلات شعر ريبيكا الكستنائي وهي تتمايل مع خطواتها وكأنها تحمل شيئًا من العِتق والفخامة.

***

بعد ذلك، لم تتمكن إيفيريا من معرفة السبب الحقيقي وراء ظهور السحر الذهني فجأة. و الاحتمال الوحيد الذي خطر ببالها هو أن السحر الذهني يمنع أي شيء قد يسبب ضررًا للجسد بطريقةٍ ما.

لكن حتى مع أخذ هذا في الحسبان، كانت ردة فعله هذه المرة مفرطة الحساسية ومفاجئةً للغاية.

هل يُعقل أن نزعها الخاتم للحظةٍ وجيزة، سببٌ فيما حدث؟

حاولت إيفيريا أن تستعرض كل الاحتمالات الممكنة، لكن لم يكن هناك أي تفسيرٍ واضح. وسيد برج السحر، الذي وحده كان يمكنه أن يمنحها إجابة، لم يكن حاضرًا.

ومع ذلك، لم يتوقف الزمن من أجل حيرتها، فقد استمر بالمضي بخطواتٍ ثابتة، ولحسن الحظ استطاعت إيفيريا أن تحافظ على سلسلة انتصاراتها في اليومين الثاني والثالث من التصفيات النهائية.

ومنذ أن خرج السحر الذهني منها بشكلٍ مفاجئ، أصبحت تبذل جهدًا أكبر لتضمن أن سحرها لا يُلحق بجسدها أي أذى ولو طفيف.

لكن نتيجة لذلك، كانت الإرهاق يتراكم يومًا بعد يوم. فحتى مع تخصيصها كل وقتها خارج المباريات للتدرب على الحسابات الدقيقة أو للراحة، لم يخفّ تعبها.

وفي اليوم الرابع من بدء النهائيات، أنهت إيفيريا مباراتها الأخيرة قبل نصف النهائي، وسارت بخطواتٍ متثاقلة منهكة الجسد.

كانت مباراة نصف النهائي اليوم، والنهائي في ظهر الغد، ولحسن الحظ كان لديها بعض الوقت الفاصل بينهما.

أما سينثيا، فقد غادرت فجأة قبل أن تتمكن من مشاهدة مباراتي نصف النهائي والنهائي لإيفيريا.

توجّهت إيفيريا نحو المكتبة، لتتحقق من صحيفة اليوم. فخلال الأيام الأخيرة كانت مشغولةً بالمباريات المتتالية ولم تستطع زيارة المكتبة، وبالتالي لم تطّلع على الأخبار.

وقفت بجانب الجدار في أحد أركان المكتبة الهادئة التي نادرًا ما يرتادها أحد، وأخذت تتفحّص الصحيفة سطرًا بسطر. 

و حتى قبل أن تفتح الصفحة الأخيرة، لم تجد أي خبرٍ يربط برج السحر بالقصر الإمبراطوري.

“…..ها؟”

ثم ارتجفت أطراف أصابعها وهي تفتح الصفحة الأخيرة من الصحيفة.

كانت عيناها الزرقاوان تتوقفان على مقالٍ يتحدث عن تراجع الضغوط الإمبراطورية على برج السحر مقارنةً بما كانت عليه من قبل.

وبالتدقيق في التفاصيل، وجدت أن الإمبراطورية كانت قد فتحت تحقيقًا عميقًا حول الحادثة التي سببت تصدع الفراغ، لكنها لم تجد أي دليلٍ على تورّط البرج في أعمالٍ غير قانونية. 

ولو وُجد أي دليلٍ ولو بسيط، لكانت استخدمته لمهاجمة البرج، لكنها لم تستطع.

وجاء في المقال أيضًا أن سيد البرج استغل هذا الوضع لتوسيع صلاحيات البرج، وأن الإمبراطورية، من حيث لا تدري، قد منحته بذلك ذريعةً مناسبة لتقوية نفوذه.

كان ذلك خبرًا سارًا. سواءً كان مجرد شائعة أو معلومةٍ تستند إلى أساس، فقد كان أفضل بكثير من الصمت التام.

فخرجت إيفيريا من المكتبة بخطواتٍ أكثر حيوية مما دخلت بها.

“إيفيريا.”

ثم ناداها صوتٌ مألوف. و رفعت بصرها لتجد إيرميت واقفًا أمامها. وقد كان مظهره فوضويًا بعض الشيء، وكأنه أتى راكضًا مباشرةً بعد انتهاء مباراته.

ارتسمت على وجهها نظرة اعتذار، فهي بالكاد رأته في الأيام الأخيرة، وإن حدث، فلم يكن سوى لقاءٍ خاطف. وحتى أوقات المساء التي كانت تحاول الحفاظ عليها لم تستطع التقيّد بها دائمًا.

وبما أن مسابقة قسم السيوف تُقام بنفس طريقة مسابقة قسم السحر، فقد كان من الطبيعي أن يكون إيرميت مرهقًا مثلها، بل أكثر. فلم يكن قد خرج من المنافسة بعد، بل لا يزال يواصل تقدمه، وربما خاض اليوم مباراته في نصف النهائي.

ولشدة تعبها، لم تستطع حتى النظر جيدًا إلى ملامحه.

سار إيرميت بجانبها بخطواتٍ هادئة، وكان نظره يعلق على جانب وجهها بنظرةٍ طويلةٍ وهادئة.

فأدارت إيفيريا رأسها ببطء لتلتقي بعينيه الأرجوانيتين، وكان في بريقهما صفاء المودة ودفء الحنان.

“هل أدّيتِ مباراتكِ جيدًا؟”

“نعم، وأنتَ يا سيد؟”

سألت لتواصل الحديث، وابتسمت ابتسامةً خفيفة عند طرف شفتيها. فأجابها بصوتٍ بدا خفيفًا على قدر ما تحمّله من مشاعر ووقتٍ طالت فترته،

“أنا دائمًا بخير، كما تعلمين.”

“هذا يطمئنني.”

كان يبدو كعادته تمامًا، وهذا وحده كفى ليشعرها بالراحة. 

ثم أسرعت قليلًا في خطواتها، بينما ظل يسير بجانبها بهدوء قبل أن يتحدّث فجأة،

“يُقال أن مهرجان أكاديمية لاكانيل يشتهر بسوقه الليلي، أليس كذلك؟”

“نعم، صحيح.”

فإن كانت أكاديمية هوريتين تشتهر بعروض الألعاب النارية خلال مهرجانها، فإن أكاديمية لاكانيل تُعرف بسوقها الليلي الصاخب.

وفي تلك اللحظة، تذكرت وعدهما في مهرجان العام الماضي. وعدا أن يتجولا سويًا في السوق الليلي، لكن ذلك لم يتحقق أبدًا.

_______________________

شلون وهم مشغولين 

اصلا ليه لازم يشاركون في ذا المسابقه احس تعبت بدالهم😭

حتى ياله نشوف لهم مومنتات كله من ذا المسابقه الي مدري وش تاليتها😔

Dana