كان في العالم متغيراتٌ كثيرة جدًا تجعل من المستحيل وضع خطةٍ تشمل كل احتمالات الحياة. خصوصًا في موقفٍ كهذا، كانت الاحتمالات لا حصر لها حقًا.
تمدّدت باكرًا محاولةً النوم، لكنها في النهاية ظلت تتقلب دون أن تغفو. فوقفت عند النافذة تنظر بخواءٍ إلى بزوغ الفجر.
لم يحدث قط أن عانت من الأرق في ليلةٍ تسبق موعدًا مهمًا، فقد كانت دائمًا تؤمن بضرورة النوم العميق قبل أي اختبار أو مسابقة.
دفنت وجهها بين كفيها وتمتمت بأصواتٍ متألمة، ثم أطلقت تنهيدةً طويلة.
“لا أعلم حقًا..…”
حتى تقليل استهلاك طاقتها السحرية كان أمرًا لا يتحقق إلا حين تكون في حالةٍ بدنية جيدة وتستطيع الحساب بدقة، أما الآن فهي مرهقةٌ حد الموت، ولا يمكنها حساب صيغ طويلة بهذا الوضع.
كانت أولى مباريات إيفيريا في وقت متأخر من الصباح، وهو وقتٌ غريب للنوم الآن، كما لم يكن هناك زميلةٌ لتوقظها، ولم تكن تريد أن يُقال أن طالبة لاكانيل الأولى أقصيت من الجولة الأولى بسبب نومها الزائد.
كان الوقت عالقًا بلا معنى، لا يصلح لشيءٍ محدد. وبينما كانت تفكر إن كانت هناك مبارياتٌ تُقام في هذا الصباح الباكر، ارتدت معطف لاكانيل وخرجت.
حينها وقعت عيناها على الخاتم في إصبعها السبابة اليسرى.
تساءلت للحظة إن كان مسموحًا لها بارتدائه أثناء البطولة. فرغبت في نزعه، لكنها قررت أن تتجنب فعل ذلك داخل سكن الأكاديمية تحسبًا لأي طارئ.
وفي النهاية توجهت إلى ساحة التدريب السحرية.
كانت هادئة على نحوٍ غريب بسبب الصباح الباكر. حتى الندى ما زال على أوراق العشب، والضباب الخفيف أضفى على المكان جوًا حالِمًا وساحرًا.
دخلت إيفيريا إلى الساحة وأحكمت معطفها أكثر ثم مشت نحو أحد الأركان.
نظرت حولها مرةً أخرى، ولم يكن هناك أحدٌ بعد. فجمعت طاقتها السحرية وشكّلت حاجزًا يحيط بها، حاجزًا يُشوِّش حواس من في الخارج ويمنع أي أثرٍ من التسرب إلى الخارج.
بعد أن تأكدت من متانته، بدأت تلمس الخاتم بأطراف أصابعها قبل أن تنزعه ببطء.
و في تلك اللحظة أحست كأن شيئًا يهتز بعنف في داخلها. فأخذت نفسًا عميقًا وحبسته ثم أخرجته. و كررت ذلك مراتٍ حتى هدأت قليلًا.
ارتعشت يدها وهي تنزع الخاتم. و تصاعدت حولها هالاتٌ سوداء. فبدأت تضبط فوضى الطاقات الذهنية من حولها واحدةً تلو الأخرى.
لم تكن من قبل بهذا الوضوح الفجّ، لا تعلم لماذا اليوم يختلف. هل لأن طاقتها كانت مقموعةً بقوة سيد برج السحر ثم أُطلقت فجأة؟ أم لأنها باتت تتحكم وتشعر بالعوالم الذهنية بوضوح أكبر من ذي قبل؟
لم يسبق لها أن شعرت بالعالم الذهني بهذه الحِدّة. ولحسن الحظ، لم يكن الأمر مؤلمًا بعد. فعضّت على شفتيها بخفة وسحبت الخاتم أكثر.
وفجأة، اجتاحت جسدها موجةٌ من طاقة سوداء كثيفة.
“لا بأس….لا بأس….لن تؤذيني..…”
تمتمت كأنها تلقّن نفسها، وشعرت أن الوضع يتحسن قليلًا.
أزالت الخاتم تمامًا ووضعته في جيبها. فارتجّت طاقتها الذهنية حتى بلغت عنقها.
وبينما كانت فخورةً بأنها تسيطر تدريجيًا، أحست فجأة بكيانٍ ضخم في داخلها يتجه نحو رأسها وقلبها. ونبض قلبها بعنف شديد. فأغمضت عينيها بإحكام فور إدراكها الخطر.
بالفطرة، علمت أن ما يقترب ليس مما يمكنها كبحه أو السيطرة عليه. وإن هي تقبّلته أو امتصته كليًا فستسقط لا محالة.
لم يكن هناك عداءٌ أو شر، لكنه كان قويًا وكثيفًا بشكل مذهل.
تحسست جيبها وأدخلت الخاتم في طرف أصابعها. و قد كانت حواسها متوترةً تستشعر بقوة طاقة سيد البرج.
وبمجرد أن أعادت الخاتم إلى إصبعها، اختفى ذلك الإحساس تمامًا، وكأن الكيان نفسه أبدى أسفًا قبل رحيله.
زفرت إيفيريا النفس الذي كانت تحبسه. بينما ارتجفت ساقاها بقوة.
و قد رأت شظيةً من ذاكرةٍ ما.
***
عبثت إيفيريا بالجهاز السحري المعلّق حول عنقها.
كان نظام البطولة هذا العام مختلفًا كثيرًا عما سبق.
فمنذ سقوطها العام الماضي، تفاقم قلق الطلاب في الأكاديمية. و صاروا يخشون الموت أو الإصابة أثناء المنافسات. ولأنها سقطت فجأة وهي كانت تفوز بسهولة، كان وقع الحادثة أشدّ.
في الحقيقة، لم تسقط إيفيريا بفعل سحر خصمٍ ما، لكن بما أن السبب الدقيق لم يُعلَن، انتشرت الشائعات في كل مكان.
ولتهدئة مخاوف الطلاب، عدّلت أكاديمية لاكانيل طريقة حسم النتائج في بطولة قسم السحر. فصار يُمنح كل متسابق أداةً سحرية دفاعية قادرة على صدّ هجوم واحد. هذه الأداة تمنع أي سحر يتجاوز حدًا معينًا من إصابة الجسد، ثم تتلاشى.
وبمجرد انتهاء مفعول الأداة يُعتبر الفائز قد حُدِّد. وبالطبع، يمكن للمشارك أن ينسحب حتى لو لم تنفد طاقة الأداة بعد، إن أراد ذلك.
أصبحت هجمات الطلاب أكثر حدةً مقارنةً بالماضي. و لحسن الحظ، استطاعت إيفيريا اجتياز مباراتها الأولى في التصفيات النهائية بسلام.
كانت ترغب قدر الإمكان أن تلعب دون أي عبء في قلبها، لذا أرادت نزع الخاتم، لكنها في النهاية اضطرت إلى ارتدائه.
لم يكن بالإمكان تجنب استخدام قدرٍ أكبر قليلًا من طاقتها السحرية مما خططت له قبل بدء المهرجان.
و قررت أن تكتفي بالرضا عن هذه الدرجة من الخطأ في حالتها الجسدية المرهقة.
على الرغم من قلة نومها، ومحاولتها التعامل مع العوالم الذهنية صباحًا، كانت النتيجة مقبولةً نسبيًا.
بمجرد انتهاء المباراة، حررت إيفيريا عقد الدرع بإحكام، فقد كان مربوطًا بشدة مما جعلها تشعر بالضيق.
و حين نزلت نصف الطريق إلى غرفة الانتظار، ناداها شخص ما.
“سـ-سينباي!”
لم يكن هناك سوى إيفيريا كالطالبة الكبيرة في هذا المكان. فاستدارت حاملةً الدرع في إحدى يديها.
و كانت طالبةً من الصف الأول، خصمتها في المباراة الأولى.
عادةً ينزل الجميع من طرفٍ مقابل، لكنها جاءت بشكلٍ فريد إلى هذا الجانب.
و حين نظرت إليها إيفيريا بعيونٍ متسائلة، ضغطت الطالبة يديها بقوة وهي ترتدي الدرع بشكلٍ غير متقن.
على الرغم من صغر فارق العمر، بدا ذلك لطيفًا، فابتسمت إيفيريا بصوتٍ مكتوم.
و لم تفرج الطالبة عن قبضتيها بعد، وكانت عيناها المصممتان تتلاقى مع إيفيريا.
“…سأتمكن من الأداء بشكل أفضل العام المقبل، أليس كذلك؟”
“نعم، بالطبع.”
ابتسمت إيفيريا برفق، فغطّت الطالبة فمها بكلتا يديها، وانحنت ثم ركضت في اتجاه آخر.
ثم أسرعت إيفيريا نحو موقع مباريات فرع المبارزة، لتشاهد مباراةً قصيرة قبل مباراتها التالية.
كانت لديها معلوماتٌ مسبقة عن مباراة إيرميت وجدولها الزمني من اليوم السابق. و حتى مع ضيق جدول مباريات فرع السحر، كان هناك بعض الوقت بينهما.
جلست في الخلف لتتمكن من متابعة إيرميت جيدًا.
على الرغم من كونها مباراةً مبكرة، كان الجمهور كثيفًا بشكل غير معتاد، لكنها استطاعت ملاحظته فوراً فقد تلألأ شعره الفضي تحت أشعة الشمس.
لم تتمكن من رؤية تعابيره بسبب البعد، لكنها شعرت بكل صوتٍ معدني يرن في المكان.
حتى بالنسبة لمن لا يعرف المبارزة، كانت الحركات المتكررة والدوائر الجميلة التي يرسمها جذابة، وفي النهاية فاز هو بالمباراة.
تحققت إيفيريا من الوقت ثم نهضت سريعًا، راغبةً في تهنئته ولو بكلمةٍ أو زهرة، لكن موعد مباراتها اقترب فغادرت مسرعة.
بينما ظلّت عيونٌ بنفسجية تراقب ظهرها وهي تسرع خارج الملعب حتى اللحظة الأخيرة.
***
لم تُجرَ أي مبارياتٍ بعد المساء. كان الهدف من ذلك تمكين الطلاب من الاستمتاع بمهرجان الأكاديمية وسوق الليل المشهور في الوقت ذاته.
فعادت إيفيريا إلى غرفة الانتظار منهكةً بعد الفوز في آخر مباراةٍ مقررةٍ اليوم. و توقفت لحظة، راغبةً في العودة إلى السكن للاغتسال والنوم على الفور.
كان اليوم الأول من النهائيات الأكثر كثافةً في عدد المباريات، ولم يكن الخصوم سهلين.
استرجعت إيفيريا الأحداث التي وقعت خلال اليوم، ووجنتاها قد فقدتا بعض البروز من التعب. و رأت أنها ربما أفرطت قليلًا في استخدام طاقتها السحرية، لكن بزيادة قدرتها الآن، كان هذا ضمن الحدود المقبولة.
وعلى الرغم من أن عاداتها القديمة لم تختفِ تمامًا، إلا أن كمية طاقتها السحرية كانت لا تزال أقل من معظم الطلاب.
عند انتهاء ترتيب القاعة، استطاعت أخيرًا مغادرة غرفة الانتظار. و فكرت في استخدام سحر النقل للعودة إلى غرفتها، لكنها علمت أنه مستحيلٌ الآن.
قررت شحن طاقتها قليلًا قبل العودة، فاستلقت على الأريكة في غرفة الانتظار، راغبةً في النوم على الفور.
وعندما أوشكت على دخول عالم النوم، فتح أحدهم باب الغرفة ودخل، ربما بعد طرقٍ خفيفٍ على الباب.
استعادت عيناها بعض الرؤية لترى بوضوح عيونًا بنفسجية ناعمة تنظر إليها وهي مسترخيةٌ على الأريكة.
فعدل ملابسه المتسخة عدة مرات ثم اقترب منها، وسلّمها باقةً صغيرة من الزهور.
“مرحبًا، إيفيريا.”
“…آه، سيد.”
جلست إيفيريا بسرعة، فجلس بجانبها بشكلٍ طبيعي.
_____________________
توني الاحظ بس ايفيريا تحب تفكر كثييييييييير
المهم ايرميت شكله انقهر انها ماعطته شي جا هو عطاها😂
والبنت الي جت عند ايفيريا واضح انها معجبه كيوت توها صغيره🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 87"