رغم أنها لم توضّح بدقة عما كانت تتحدث، إلا أن إيفيريا كانت تدرك ما المقصود. 

لم يكن هناك شكٌ في أن الأمر يتعلق بالحادثة التي انشقّ فيها الفضاء. 

كما أن موضوع خصائص السحر كان من المواد الإلزامية في الأكاديمية، وبما أن إيفيريا كانت قد أنهت تقريبًا مسارها الأكاديمي الكامل هناك، فكان ذلك من المعارف التي تعرفها بطبيعة الحال.

“ذلك الشخص بارعٌ في تبرير الأمور، يجيد إيجاد الذرائع ببراعة.”

“…….”

“لا أظن أن إيفيريا كانت تجهل طبيعة السحر.”

كانت تعرف، بل كانت تتوقع تقريبًا ما الذي قد يحدث. 

غير أنها لم يكن بوسعها أن تفعل شيئًا. و كل ما استطاعت فعله هو أن تحاول تجنّب أن تطال الشرارة أحدًا آخر قدر الإمكان، وأن تصمد حتى آخر لحظة، ثم قبل أن تُحاصر تمامًا، تجعل الأمر قضيةً كبيرة ليكون ذلك وسيلةً لحماية نفسها. 

كان ذلك هو أفضل ما استطاعت إيفيريا التفكير به بما تملكه من قدراتها ووسائلها.

في الحقيقة، كان ذلك تصرفًا يجمع بين أسوأ الاحتمالات وأفضلها في آنٍ واحد، طريقةً واقعية ومثالية في الوقت نفسه.

أكاديمية لاكانيل كانت مجرد طرفٍ عابر في مخطط الإمبراطور الكبير، لكن للأسف، تلك كانت الحقيقة.

حرصت إيفيريا على ألا يظهر الاضطراب على ملامح وجهها، وكل ما كانت ترجوه أن تتحمل عضلات وجهها التي اعتادت الجمود هذا الضغط. بينما كانت تشعر بأن التوتر يشدّ جسدها شيئًا فشيئًا.

ثم ضحكت الأميرة بصوتٍ خافت وسألتها،

“هل تعرفين القدرة الخاصة بالعائلة الإمبراطورية؟”

“……لا، لا أعرف.”

القدرة الخاصة بالعائلة الإمبراطورية—ما إن سمعت تلك الكلمات حتى سرت في جسد إيفيريا قشعريرةٌ مباغتة.

وفي حين كانت تمرر يدها على ساعدها فوق كمّ الثوب، ابتسمت الأميرة بمكر.

“لو كنتِ تعرفينها، لوجب أن نصبح مقرّبتين جدًا.”

“…….”

“لكن بما أن إيفيريا يجب أن تعرفها، فيبدو أنه علينا أن نصبح مقرّبتين بالفعل.”

لم تعرف كيف يفترض بها أن تتفاعل مع هذا الكلام. فتناولت فنجان الشاي بحذر، وقد أصبح جهها أبهت من المعتاد. 

في قرارة نفسها، تمنّت لو أن في هذا الشاي سمًّا، لعلّها تفقد وعيها وتسقط أرضًا، فتهرب مؤقتًا من هذا الموقف. لكنها كانت أمنيةً يائسة، أقرب إلى تمني المستحيل.

وبينما كانت تحتسي رشفةً صغيرة، تحدّثت الأميرة بنبرة هادئة،

“لقد حصلت على موافقة أخي مسبقًا، لذا سأخبركِ. الأمر هو أننا نستطيع قراءة قوة المانا لدى الطرف المقابل من خلال التلامس الجسدي.”

“…….”

“وربما لا يمكننا تحديد ماهيتها بدقة، لكن يكفي أننا نميّز الفرق. صاحب السمو ولي العهد يتمتع بتلك القدرة.”

أنهت الأميرة كلامها بابتسامةٍ تحمل ظلالًا من الدعابة. 

فتصلّبت نظرات إيفيريا. و تذكّرت كم مرة مدّ ولي العهد يده لمصافحتها، وتذكّرت أيضًا القشعريرة الغريبة التي كانت تهاجمها كل مرة.

كانت تظن حينها أن ذلك مجرد نفورٍ من ملامسة الآخرين، لكنها الآن بدأت تظن أن السبب الحقيقي كان رفضًا غريزيًا لفكرة أن تُقرأ طاقتها السحرية.

“أنواع السحر التي نراها عادةً من حولنا لا تؤثر في الفضاء إلى هذا الحد الواضح. ولهذا، في الحقيقة، كانت شكوكنا تشمل إيفيريا منذ البداية. لكن جلالته لا يعلم بذلك.”

لم تجب إيفيريا، وأغلقت شفتيها بصمت.

في الواقع، كونها ساحرة متخصصة في المجال الذهني لم يكن سرًّا خطيرًا؛ فليست ساحرة ظلال سوداء من العصور القديمة، وإن أحسنت التحكم في قواها فلن تسبب أذًى لأحد.

لكن المشكلة أنها لم تكن بعد تحت حماية برج السحر، وكان البرج في تلك الفترة مثقلاً بما يكفي من الشؤون الأخرى.

كانت لا تزال مجرد فتاةٍ من عامة الشعب، ومن الصعب أن تشرح قدراتها الذهنية بطريقةٍ تجعل الآخرين يتقبلونها. لذا لم يكن أمامها سوى الاعتماد على برج السحر.

غير أن المشكلة كانت أنها لم تكن رسميًا منتميةٌ إليه بعد. لو أنها كانت ضمن تابعي سيد البرج، لتمكن من التصرف بكفاءةٍ أكبر لحمايتها.

كان ذلك مجرد افتراضٍ متشائم، لكن لا أحد يعلم كيف يمكن أن تتطور الأمور، لذا كان لا بد دائمًا من الاستعداد للأسوأ.

على الأقل إلى أن تدخل برج السحر رسميًا، أو حتى تنتهي من طلب التدريب العملي، كان الأفضل أن تبقى الأمور طيّ الكتمان. بعد تلك المرحلة، سيكون سيد البرج قادرًا على المطالبة بحقوقها والدفاع عنها دون تردد. كان هذا ما تراه إيفيريا المنطق الأمثل.

و لم تكن تعلم إن كانت الأميرة تعرف كل شيءٍ بالفعل، أم أنها تكتفي بمشاركة فرضية قوية.

وبينما كانت تفكر، أخذت إيفيريا تحسب مواقع ساحة التدريب السحرية تلقائيًا — عادةً تلجأ إليها لتستعيد توازنها النفسي. فمجرد معرفة أنها قادرةٌ في أي لحظة على الهرب والتفكير في المستقبل كان يمنحها طمأنينةً ما.

ثم تحدّثت الأميرة بصوتٍ منخفض مطمئن،

“لا تقلقي، فنحن أيضًا لا نعرف بدقةٍ إلى أي فرع تنتمي طاقتكِ السحرية. لكن من النادر أن يوجد أحدٌ بقدرة فريدة كهذه في أكاديمية لاكانيل، لذا كنتِ محط الأنظار فحسب.”

كان صوتها هادئًا وواثقًا. و لم تعرف إيفيريا إن كانت تلك الكلمات مجرد طمأنة أم حقيقة، لكنها على الأقل شعرت بأن الأميرة تبدي نيةً طيبة تجاهها — وذلك وحده كان مدعاةً لشيءٍ من الارتياح.

اقتربت الأميرة وجلست مائلةً نحو الجهة التي كانت فيها إيفيريا، وانخفض صوتها أكثر من ذي قبل.

“في الحقيقة، جلالته أمر بالتحقيق مع طلاب الأكاديمية واستجوابهم واحدًا تلو الآخر، فهل تعرفين شيئًا عن هذا؟”

“……لا، لستُ على علمٍ بأي شيء.”

رغم أن ملامحها كانت توحي بأنها واثقةٌ من شيءٍ ما، إلا أن إيفيريا أنكرت كل شيء. 

كانت تشعر وكأنها تمشي فوق طبقة من الجليد الرقيق، يوشك أن ينكسر تحتها في أي لحظة. بينما تابعت النظر بتركيز في وجه الأميرة، محاولةً قراءة ما خلف تعابيرها.

“نعم، كنتُ أظن ذلك. لا يمكن أن تكون إيفيريا على علمٍ بالأمر.”

ابتسمت الأميرة، وارتفع طرفا عينيها بخفة. عندها انكسر التوتر الدقيق الذي كان يملأ الغرفة، وشعرت إيفيريا ببعض الارتياح أخيرًا. 

كانت الأميرة ودودةً معها بوضوح، وحتى من كلامها بدا أن ولي العهد لا يحمل تجاهها مشاعر سلبية.

أمالت الأميرة رأسها قليلًا، فانسابت خصلات شعرها الذهبي على كتفيها، وارتسمت على وجهها ابتسامةٌ ماكرة تشبه ابتسامة المشاغبين.

“أنا وولي العهد لا نعرف شيئًا على الإطلاق.”

“……هل أنتما بخيرٍ مع ذلك؟”

رغم أن نبرتها كانت خفيفةً وكأنها تمزح، إلا أن الموضوع بحد ذاته لم يكن خفيفًا على الإطلاق. 

ومع أن إيفيريا لم تكن في موقعٍ يسمح لها بالقلق على أحد من العائلة الإمبراطورية، خرجت كلمات القلق من فمها بلا إرادة. ففتحت الأميرة عينيها قليلًا ثم ابتسمت ابتسامةً أكثر إشراقًا من قبل.

“إنه يستخدم أكاديمية لاكانيل كأداةٍ لمراقبة برج السحر، لذا ما دامت مشاعره غير صادقة، يكفينا أن نظهر له القليل من المجاملة.”

كان ذلك، على الأقل، أمرًا مطمئنًا.

فالأكاديمية التي أسّسها برج السحر كانت دائمًا موضع ترددٍ من قبل العائلة الإمبراطورية، إذ لم يكونوا يرغبون بإرسال أبنائهم مباشرةً إليها. 

لكن أكاديمية لاكانيل كانت تقع ضمن نطاق نفوذ الإمبراطورية، وكان سيد البرج مرتبطًا بها جزئيًا، كما أن عددًا لا بأس به من خريجيها التحقوا لاحقًا بالبرج.

وبينما كانت إيفيريا تشعر ببعض الارتياح، رسمت الأميرة ابتسامةً غامضة على وجهها.

“والآن إلى الموضوع التالي.”

“……نعم.”

خفضت الأميرة بصرها قليلًا، وأخذت رشفةً أخرى من الشاي لترطّب حلقها. و تابعتها إيفيريا بعينيها، وقد لاحظت أن البخار الأبيض ما زال يتصاعد من الفنجان رغم مرور الوقت.

عدلت الأميرة جلستها ومسحت حلقها برفق، ثم تحدثت بنظرةٍ يصعب قراءة ما فيها، دون أن ترفع عينيها عن فناجين الشاي الموضوعة بينهما.

“في الحقيقة، جلالته يفكر منذ سنوات في الطريقة المثلى ليبيع ابنته الوحيدة بأعلى ثمنٍ ممكن. ليس أمرًا حديثًا بالضبط، لكنه يشغله منذ مدةٍ طويلة.”

“…….”

كان الحديث أثقل مما توقعت، فاختارت الصمت. 

و تابعت الأميرة الحديث بصوتٍ هادئ لكنه حازم.

“لكن المكاسب الناتجة عن ذلك لن تصل إليّ، وأنا لا أملك أي سببٍ يدعوني للتعاون. فلن أتزوج زواجًا لا أريده.”

أومأت إيفيريا برأسها وهي تنصت باهتمام. 

ثم رفعت الأميرة نظرها أخيرًا، والتقت عيناها الزرقاوان بعيني إيفيريا الزرقاوين.

ها هو لبّ الموضوع الحقيقي. كان واضحًا أن الأميرة جاءت إلى أكاديمية لاكانيل من أجل هذا تحديدًا.

“جلالته يعتبر دوقية نيسبيروس ورقةً رابحة يجب الإمساك بها. و لا أعلم لماذا قرر السيد نيسبيروس بنفسه أن يتورط معي في وقتٍ كهذا، لكن لا بد أن له سببٌ وجيه.”

رمشت إيفيريا بسرعة، وقد ظهر في عينيها شيءٌ من الارتباك. 

العام الماضي، كان إيرميت قد لجأ إلى طريقةٍ متطرفة لكتم الشائعات التي دارت حوله، وكانت تلك الشائعات مرتبطةٌ تحديدًا بهذه الأميرة.

“ثم إنني لا أحب الرجال أمثال السيد نسفيروس. فنحن نقيضان تمامًا.”

احمرّ وجه إيفيريا وهي ترفع فنجان الشاي لتخفي ملامحها. فقد شعرت بالحرج لأنها أدركت أن الأميرة تعرف على الأرجح ما بينها وبين إيرميت، وإن لم يكن ذلك إلا احتمالًا، إلا أنه جعلها تحمر خجلًا من تلقاء نفسها.

ومرّت على وجه الأميرة نظرة رضا خافتة. فسعلت قليلًا ثم استأنفت الحديث.

“جلالته يرى أن كل شيءٍ آخر ليس سوى عقبة. إن أزعجه شيءٌ، أزاله فورًا. إنه من أولئك الذين يتعاملون مع الناس بهذه البساطة القاسية.”

أنزلت إيفيريا فنجانها بهدوء وأصغت بجدية لكلماتها.

“إن علم الإمبراطور بالعلاقة بين إيرميت نيسبيروس وإيفيريا……فقد يصبح الوضع صعبًا للغاية. بل قد يستدعيكِ إلى القصر الإمبراطوري بنفسه.”

كما كانت تتوقع، الأميرة كانت تعرف كل شيء. فضغطت إيفيريا أطراف أصابعها على ركبتها بقوة، وهي تنقوش كلمات الأميرة في ذهنها كتحذير لا يُنسى. 

كان ما قالته نصيحةً ثمينة، لا مكان فيها للحرج.

لقد كانت المسألة أكبر بكثير مما ظنت، وعلى الأغلب كان إيرميت مدركًا لذلك أيضًا.

تُرى، هل توقّع كل هذه العواقب منذ البداية؟ أم أن ما فعله حينها بدافع اللحظة قد عاد الآن عليهم بنتائج تفوق ما تخيلاه؟ 

أطلقت إيفيريا زفرةً طويلة معقدة، تحمل مزيجًا من القلق والارتباك.

و تأملت الأميرة ملامحها المتوترة للحظة، ثم تحدّثت في النهاية بنبرة حاسمة،

“احذري من الإمبراطور. ومن الدوق نيسبيروس وابنه أيضًا.”

______________________

ندري ليه الامبراطور بس ليه ايرميت وابوه؟😃

الاميره تجنن جايه تحذرها من ابوها يانااااااااس🤏🏻

سوالف سحرهم ذي مدري عنها ولا فهمتها يعني لو سويتوا لها سكيب عاذرتكم😘

Dana