انتهت الاختبارات في أكاديمية لاكانيل، وظهرت النتائج.
درجات إيفيريا لم تشهد أي مفاجآت. وعندما سألت إيرميت بقلق عن حاله، لوّح أمامها بورقةٍ دوّن عليها علاماته وترتيبه بابتسامة خفيفة،
“بهذا المستوى أظن أني في المنطقة الآمنة، أليس كذلك؟”
“…..صحيح، يبدو ذلك.”
حينها فهمت إيفيريا تمامًا ما قصده سابقًا بكلماته عن “التركيز والاختيار”.
كانت المواد القليلة التي لا تتقاطع مع دروسها هي التي حصل فيها على المركز الأول، أما في البقية فكان معدله يفوق المتوسط بكثير.
و على الرغم من أنها لم تره يدرس كثيرًا قبل هذه الاختبارات، إلا أنها لم تستطع سوى الإعجاب بقدرته المدهشة.
ورغم أن هذا كان في الأساس آخر امتحان لها، فإنها لم تشعر بالارتياح. و لم يبقَ في داخلها سوى فراغٍ مبهم وكآبة خفيفة، مزيجٍ من الإحباط وعدم الرضا عن الحال.
سيد برج السحر لم يُرسل بعد أي خبر. و لم يكن بوسعها زيارة البرج بنفسها، لذلك راحت تفتش الصحف التي تنشر أخبار الإمبراطورية بحثًا عن أي خيط يدل على أمرٍ ما.
فعادةً حين تقع الأحداث الكبيرة، يظهر عنها تلميحٌ صغير حتى في زوايا الجرائد البسيطة. و لحسن الحظ، لم تجد إيفيريا حتى الآن أي خبرٍ يربط بين برج السحر والعائلة الإمبراطورية.
وفور انتهاء الامتحانات، انغمست إيفيريا في قاعة تدريب السحر.
وليّ العهد كان قد تخرج، وخريجو الأكاديمية لا يمكنهم المشاركة في منافسة لاكانيل، لذا رأت في هذا العام فرصةً حقيقية للفوز. وشعرت أنه من حسن الحظ أن عامها الدراسي يختلف عن عامه.
لكن أكاديمية لاكانيل تزخر بالنوابغ، لذا كان عليها أن تواصل التدريب بلا انقطاع.
ذوو المواهب السحرية الفذة عادةً ما يُرسلون إلى الأكاديمية التابعة لبرج السحر، أما من يتقنون مجالاتٍ متعددة بتوازن فغالبًا ما يلتحقون بلاكانيل أو هوريتين.
أما إيفيريا، فلم تعد بحاجة بعد الآن لجمع الطاقة السحرية من حولها قبل إطلاق تعاويذها، إذ كان السحر الأسود الكثيف يحيط بها باستمرار.
وقفت الآن في زاوية قاعة التدريب. و قرّبت راحتيها بعضهما بخفة، فاشتعل بينهما سحرٌ يشبه ألسنة اللهب. ثم أبعدت يديها بحذر، فانطلقت الطاقة لتسير في المسار الذي كانت قد حسبته بدقة، واصطدمت بالهدف البعيد.
ابتسمت إيفيريا ابتسامة خفيفة. فلو أزالت من الصيغة السحرية التي استخدمتها للتو بعض الأرقام التي تحدد الهدف، لكانت التعاويذ قادرةً على ملاحقة العدو بلا توقف.
كانت تستطيع الآن استخدام تعاويذٍ لم تكن تجرؤ سابقًا على إطلاقها توفيرًا للطاقة السحرية. فشعرت كأنها صارت غنيةً فجأة.
لكن بعد فترة طويلة من التدريب، أحست بحدود جسدها تقترب.
لم يحدث من قبل أن بقي لديها فائضٌ من السحر بينما تنهك قوتها البدنية. و ذلك الإحساس كان مؤثرًا بحق.
جلست مسندةً ظهرها إلى جدار القاعة بعد أن أمسكت منشفةً وزجاجة ماء، وأخذت تعبث بالخاتم في يدها اليسرى. و كانت تشعر أكثر فأكثر بأثر طاقة سيد البرج في داخله.
و تساءلت بقلق: لو علم الآخرون أن قوتها السحرية قد ازدادت، فكيف عليها أن تتصرف؟
لو حاولت تبرير ذلك بوضوح، فسينكشف حتمًا ارتباطها بسيد البرج. وفي هذا الوقت الذي يجب أن تحافظ فيه على مسافةٍ آمنة منه، سيكون من الأفضل نفي أي صلة بينهما إن حدثت مشكلة.
بللت طرف المنشفة بالماء البارد، ووضعته على وجهها الساخن. ثم تمتمت بخفةٍ وارتباك،
“…..لكن، كأنني نسيت شيئًا ما.”
وبينما كانت تغوص في التفكير، انتفضت فجأة وقد تذكرت ما نسيته. فهي لم تقدم استمارة المشاركة في المسابقة.
ربما لم ينتهِ موعد التقديم بعد، لكن إن تجاوزت المهلة، فسيتعين عليها التوسل إلى الأستاذ المسؤول لإقناعه بقبولها، وذلك إن لم يكن من أولئك المتشددين الذين لا يقبلون الأعذار.
نهضت على عجلٍ حتى شعرت بدوارٍ طفيف، لكنها أسرعت خارج قاعة التدريب.
‘ما بالي هذه الأيام؟ كيف يمكن أن أنسى أمرًا بهذه البساطة؟’
وبينما كانت توبخ نفسها، سمعت صوتًا مألوفًا ينادي اسمها.
“إيفيريا؟”
فالتفتت لترى من ناداها. و كان إيرميت. لا بد أنه كان في طريقه إلى مكانٍ ما، إذ كان يحمل دفتراً، قلماً، وبعض المكملات الغذائية بيده.
سألها بملامح مستغربة،
“إلى أين أنتِ ذاهبة؟”
“لم أقدّم استمارة التسجيل للمسابقة، لذا كنت ذاهبةً لأفعل ذلك الآن.”
بدت كلماتها غبية حتى لها، لكنها أجابت دون تردد.
فكل إنسانٍ قد يرتكب حماقةً أو اثنتين في حياته، ومن يستحي من ذلك لن يستطيع العيش في هذا العالم.
وبعد أن انتهت من تبرير نفسها، بادلت سؤاله بسؤال،
“وأنتَ يا سيد، إلى أين كنتَ متجهًا؟”
“كنتُ في طريقي إلى قاعة تدريب السحر، لكن…..غيّرت وجهتي الآن.”
وكانت تعرف تمامًا ما الذي سيتبعه بعد هذه الجملة.
أمسك إيرميت بطرف كمّ إيفيريا برفق، فارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتيها. ثم وجّه نظره إلى الجهة نفسها التي كانت تنظر إليها.
“هيا نذهب.”
قال ذلك ببساطة وهو يغيّر وجهته دون تردد، وقد ابتسم بعينيه المنحنيتين في دفءٍ خفيف.
***
لحسن الحظ، كان أمامها القليل من الوقت قبل انتهاء موعد تسليم الاستمارات.
سارت إيفيريا بخطواتٍ بطيئة، محاطةً بأنظار الأساتذة الذين بدت عليهم التوقعات الكبيرة تجاهها، فيما كان إيرميت يسير بجانبها.
رفعت يديها إلى وجنتيها تضغطهما بخفة، فانبسطت خديها الناعمان قليلًا، وأغمضت عينيها وهي تئنّ بخفوت.
“لقد شعرت للتو أن قلبي سيسقط من مكانه حقًا..…”
كيف يمكن لمن عقد العزم على المشاركة في البطولة أن يرتكب مثل هذا الخطأ؟
لابد أنها كانت شاردة الذهن تمامًا. حتى عندما أعادت التفكير في الأمر، انتابها الذهول من جديد.
نظر إليها إيرميت بصمت قبل أن يتحدّث بنبرة هادئة،
“في المرات القادمة، أمسكي بقلبك جيدًا، ثم تعالي إليّ.”
توقف قلبها للحظة عند سماع كلماته الباردة والواثقة. و لم تردّ، بل اكتفت بعضّ شفتيها، فتابع هو الحديث،
“أظن أنه يمكنني حلّ معظم الأمور من أجلكِ، أليس كذلك؟”
كانت ثقته تلك مبنيةً على أساسٍ قوي. فضحكت إيفيريا بصوتٍ خافت.
“يا لهذا الاطمئنان المفرط، ألا يُعدّ هذا استغلالًا للسلطة يا تُرى؟”
“إن لم أستخدم السلطة في مثل هذه الأوقات، فمتى أستخدمها إذًا؟”
كان وجهه مليئًا بالخداع اللطيف والوقاحة المريحة.
فضحكت إيفيريا بخفة، ثم رفعت رأسها نحوه وقد انحسر عن وجهها بعض أثر الابتسامة.
“ربما لن أنسى شيئًا كهذا مجددًا، لكن إن حدث يومًا، سأخبركَ على الفور.”
“حتى لو جئتِ إليّ مع الفجر، لا بأس.”
ضحكت وهي ترد بأنه لن تكون هناك حاجةٌ لذلك، أما هو، الذي كان جادًّا تمامًا، فلم يُفسّر كلامه واكتفى بابتسامةٍ هادئة.
وبينما كانا يسيران معًا، بدا كأنه تذكّر شيئًا، فأدخل يده في جيبه يبحث عن شيء ما. و تابعت إيفيريا حركته بعينين فضوليتين.
أخرج من جيبه علبة المكملات الغذائية التي كان يحملها سابقًا. و كانت قد قلقت ظنًّا أنه أضاعها، لكنها كانت محفوظةً في جيبه طوال الوقت.
ثم مدّ يده نحوها، وفي راحته غطاءٌ صغير وُضعت عليه حبةٌ واحدة.
“خذي، تناوليها.”
“…….”
تجمّدت عينا إيفيريا لحظة وهي تحدّق في الحبة المستديرة قبل أن تلتقطها. كان من المستحيل التنبؤ بتصرفاته.
ثم ناولها كوب ماءٍ لا تدري من أين جاء به.
كانت المكونات مكتوبةً على غطاء العبوة بخطٍ صغير، لكن إيفيريا لم تدرس مجال الأدوية من قبل. و كانت تعرف فقط أنه مكملٌ غذائي لأن بعض طلاب الأكاديمية يتناولونه أحيانًا، لكنها لم تكن تعرف ما تأثيره بالضبط.
تناولت الحبة مع رشفة ماء، بينما تحدّث بابتسامة خفيفة،
“يُقال أنها تساعد على تخفيف التعب، وتسرّع من استعادة الطاقة. ابتلعيها مع الماء.”
“…..شكرًا لكَ.”
قالت ذلك وهي تبتلعها بالكامل.
كان لطيفًا ودقيقًا في اهتمامه لدرجة جعلتها تتساءل إن كان الوالدان لو وُجدا، ليعاملاها بهذا القدر من العناية.
اهتمامه بها بدا وكأنه لا يطيق أن يراها متعبة. فشعرت بأن شيئًا ما يهتزّ في داخلها، و حبست أنفاسها للحظة ثم أطلقتها ببطء لتخفي اضطرابها.
كانا قد ابتعدا قليلًا عن الطريق العام، ثم عادا إلى السير مجددًا. بينما حدّقت إيفيريا في جانب وجه إيرميت المنخفض قليلًا.
شخصٌ يليق به كل الفصول، وكل الأجواء. يليق به الجفاف كما الرطوبة، و الرياح المليئة بالرطوبة كما الهواء الجاف، يليق به ضوء الشمس الطبيعي كما يليق به الضوء الاصطناعي في الداخل.
بدا وكأن لا شيء في هذا العالم لا يليق به. لكنها لم تفهم بعد لماذا يوليها كل هذا الاهتمام.
رمشت ببطء وهي تحدق فيه.
و ربما لأن نظراتها طالت أكثر من اللازم، التفت إليها إيرميت أخيرًا.
كان يحمل تلك الابتسامة الصغيرة المعتادة على شفتيه، ابتسامةً بدت دائمًا بلا معنى أو مغزى، مجرد عادة. لكن ما إن استقرت عيناه على وجهها، حتى تفتحت تلك الابتسامة بصفاءٍ واضح.
أمام ذلك الصدق النقي في عينيه، خفضت إيفيريا نظراتها بخجل، وأدارت وجهها إلى الأمام.
وهذه المرة، كان إيرميت هو من حدّق في جانب وجهها بثبات. بينما كانت أذناها قد احمرّتا بخفة.
سرت بينهما هالةٌ دقيقة، دافئة ومليئة بوخز غريب. و أحست إيفيريا بذلك الجو فرفعت من وتيرة خطواتها قليلًا.
وسرعان ما ظهر أمامهما مبنى قاعة تدريب السحر.
ورغم أنه كان يعلم مقصدها تمامًا، تظاهر بالجهل وسألها،
“هل ستتدرّبين بعد ذلك؟”
“نعم، البطولة قريبة.”
كانت لا تزال هناك فترةٌ طويلة على موعدها، لكن حياة إيفيريا في تلك الأيام كانت تدور بالكامل حول السحر.
أجابته بثقةٍ طبيعية، فحدق فيها قليلًا،
“إذًا لنبقَ معًا قليلًا، وبعدها نخرج لتناول العشاء، في الخارج.”
“…..حسنًا.”
ردّت مبتسمةً بعينين منحنـيتين كقوسين. فشعر إيرميت بارتباك داخلي وهو ينظر إلى شفتيها المبتسمتين، ثم بدا على وجهه ارتياحٌ خفيف كمن استعاد أنفاسه.
___________________________
استعاد انفاسه؟ شكل علومه ضاعت للمره المليون😂
بس ياناسو هو وحنانه عليها🤏🏻😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 84"