في تلك اللحظة شعرت إيفيريا بواجب أن تقول شيئاً، أي شيء.
لكن لأنها لم تعرف ما ينبغي قوله تحديداً، انفلت من فمها سؤالٌ صار أشبه بعادة.
“لكن، سيد…..هل وقتكَ يسمح؟”
يا للعجب، كيف يمكنها أن تقول كلاماً بهذا الابتذال والملل؟
وبينما كانت هي نفسها تتعجب من ضعف أسلوبها، التفت إيرميت نحوها بنظرةٍ جانبية.
“لدي الكثير من الوقت. على الأقل…..من أجلكِ.”
لكن لا، لا ينبغي أن يكون لديه وقت.
هي تعلم تمام العلم أن ذكاءه لا يُشك فيه، لكن حتى الذكاء لا يُلغي الحد الأدنى من الوقت اللازم. والوقت الذي يمضيه معها يوشك أن يقتطع من ذلك الحد الأدنى.
رفعت إيفيريا عينيها القلقتين نحو إيرميت، فأجاب مبتسماً وكأنه قرأ ما تفكر فيه.
“الأمر كله مسألة اختيار وتركيز. فلا تقلقي.”
كانت عيناها ممتلئتين بكلمات لم تُقل، لكنها لم تجد فرصةً لتتابع، إذ وصلا إلى سكن الطلبة.
انحنت برفق تحييه، ثم مضت إلى الداخل. و لم يمض وقت طويل حتى أدركت أن نمط حياتها قد تغيّر عما كان، وأنه التقط ذلك بسرعة.
لقد كان يعرفها جيداً…..أكثر مما تتوقع.
***
تواصلت وتيرة الحياة في الأكاديمية باضطراب.
كانت إيفيريا تقتطع من وقتها الممزق لتقابل إيرميت بين حين وآخر. وإذا كان عليها أن تدرس لساعات طويلة، فعلت ذلك معه.
وكان من الطبيعي أن ترافقهما الشائعات. بل وظهر من يتعمد الربط بينهما، ومن يذكّر دائماً بالفارق الطبقي بينهما.
لكن هذه المرة، كانت النبرة أخفّ من السابق. فقد شاع أن الأميرة، خطيبة إيرميت السابقة، على علاقة برجل آخر.
و رغم مرارة ذلك في حلقها، إلا أنه بدا وكأنه جاء في صالحها.
أما هي، فقد عاشت كما لو أن تلك الأحاديث لا تمت لها بصلة. و لم تُبدِ أي رد فعل، ولم تقل شيئاً. مادام الكلام يخلو من العداء الصريح، فلم تكن تكترث.
على العكس، كان إيرميت هو الأكثر انشغالاً بالأمر. وذات يوم، بينما كانا يسيران نحو المكتبة، أوقفها فجأة مبتسماً وسألها،
“هل تودين أن ندرس في مكان آخر غير المكتبة؟”
“بالطبع، لا مشكلة. لكن…..أين؟”
ظنت في البداية أنه لا يريد الذهاب للمكتبة وحسب، لكن اتضح أن السبب هو صدور خبر عنهما معاً في صحيفة ذلك اليوم.
تذكرت إيفيريا ذلك اليوم فابتسمت بخفة. و انجذب بصره البنفسجي إلى ابتسامتها دون وعي.
وبينما كان جالساً بجوارها، سألها بنبرة هادئة،
“……هل قرأتِ صحيفة اليوم؟”
“نعم. لقد نشروا صورةً جميلة.”
أجابت بخفة، فقد كان المقال عنهم هذه المرة خالياً من السلبية. ومع ذلك ظل القلق بادياً على وجهه.
“إذا أردتِ، يمكن لعائلة الدوق أن تصدر نفياً.”
“…….”
رمشت إيفيريا بذهول وحدقت فيه.
ماذا عساه يقول؟ بدا غير مألوفٍ عليه أن يظهر بهذا الاضطراب.
وربما فسر صمتها على طريقته، فأكمل،
“إذا خرجت عائلة الدوق بموقفٍ حازم وتعاملت مع الأمر مباشرة، فسوف تخمد الشائعات.”
“……وهل هذا ما تريده يا سيد؟”
كانت تسأله إن كان يرغب فعلاً في إنكار العلاقة.
وبرغم أن الأمر إن حدث فلن يثير استغرابها، إذ كانت الفوارق بينهما كثيرة، وأي حسابات تميل كلها ضد مصلحته.
ولذلك، لم يعد بوسعها أن تغضب منه مهما قال.
فابتلعت ريقها دون وعي. ولم يدرِ إن كان يفهم أفكارها أم لا، لكنه ردّ بلهجة ثابتة،
“بصراحة…..أنا أريد أن أقول الحقيقة وأن أواجه الشائعات كما هي.”
“…….”
ظلت صامتة، فتابع بحذر،
“لكن، أظن أن رأيكِ يختلف. أليس كذلك؟”
“…….”
حاول أن يحافظ على وداعته المعتادة، وعلى خفة دعابته، حتى لا يُشعرها بثقل الموقف.
أما هي، فوجدت في كلماته وأسلوبه عزاءً لها. لقد كان يفكر فيها إلى هذه الدرجة، فشعرت أنها بدورها ملزمةٌ بأن تراعي مكانته وظروفه.
ومع ذلك، كان في الأمر شيءٌ غريب بنظرها…..شيئاً لم تستطع أن تحدده.
كان ارتباطه بها في نظر الناس أمراً يضرّه أكثر مما ينفعه. بمكانته الاجتماعية، وما قد يجرّه ذلك من أثر، كلّه لم يكن في صالحه.
ومع ذلك، كان هو من يقلق عليها. أما هي، فلم تشعر بثقل يذكر.
في الماضي، حين كثرت الأحاديث المسيئة عنه، بدا وكأن عائلته لم تتخذ أي إجراءٍ حقيقي. كُتبت عنه أشياءً تكاد تبدو عدائية، ومع ذلك تُركت على حالها.
أما ما ارتبط بها هي، فقد كان ردة فعله مبالغاً فيها. مع أن إنكار تلك الشائعات سيكون في مصلحته.
تمتمت إيفيريا بما يعتمل في صدرها،
“أفضّل…..ألا يكون هناك أي تدخل.”
“……حسناً.”
“إذا لم نتحدث، فسوف تتقلص من تلقاء نفسها.”
ما دامت الأحاديث لا تسير في اتجاه سيء، فهي لا تبالي.
كان هناك سببٌ وراء تجاهلها الدائم للشائعات. فهي تعلم أن قدرتها على التصرف محدودة، وأن تجاهلها أفضل من ملاحقتها. وأكثر ما قيل عنها لم يكن في جوهره سيئاً.
أحياناً يكون كبح الشائعات سبباً في اشتعالها، لذلك رأت أن تركها هو الحل الأسلم. هكذا اعتادت على مرّ السنين، حتى صار ذلك أشبه بانحياز راسخ لديها.
ثم إن وضعها مع إيرميت لم يكن ثابتاً بعد.
صحيحٌ أنها بدأت تخطو فعلياً نحو تحقيق النجاح، لكن النتائج لم تكن مضمونة. قد تتعقد الأمور عشرات المرات حتى لا تصل إلى أي شيء. بل لم يكن معلوماً إلى متى قد يستمر ما بينهما.
في ظل هذا كله، إعلان ارتباطها الصريح به لن يعود عليه إلا بالخسارة.
أجابت إيفيريا من منطلق هذا التفكير، أما هو، فلم يطلب منها أي تفسير.
“حسناً، فهمت.”
كان رد فعله أبسط مما توقعت، فشعرت بالراحة، لكن أيضاً بخواءٍ غامض لم تفهم سببه.
***
طموح الإنسان لا نهاية له.
جلس إيرميت أمام تكليفٍ فردي في قسم فنون السيف، لكنه كان يفكر في إيفيريا.
لقد وضع معياراً بسيطاً لمواده الدراسية: هل تتقاطع مع مواد إيفيريا أم لا؟ وحين وضع جدوله الدراسي، تعمّد أن يكون مشابهاً لجدولها قدر الإمكان، فكان نطاق اختياراته محدوداً.
ومعظم المواد التي وجب عليه متابعتها كانت في قسم السيف، حيث لا صلة لها بها.
أجرى حساباته. درسَ نتائج طلاب الأكاديمية الذين بلغوا الصف الرابع وسعوا إلى دخول برج السحر، فوجد أن معدل النجاح المطلوب لم يكن مرتفعاً كثيراً. وكان يكفي الحصول على متوسط جيد ليتأهل بسهولة.
أما درجاته في أكاديمية هوريتين فلم تكن سيئة، وحتى بعد انتقاله إلى أكاديمية لاكانيل أدّى جيداً في الامتحانات، وكانت نتائجه هنا مرضية، ما عدا الفصل الماضي.
تأمل الكتب المكدسة أمامه بعينين معتمتين.
أحس باضطراب داخلي. و لأول مرة في حياته، راوده شعور بأن ما هو عنده بمنزلة حياة كاملة قد يكون بالنسبة لإيفيريا مجرد محطة عابرة من محطات العمر.
لم يجرؤ يوماً أن يطالبها بأن تجعله محور عالمها. ر لقد أدرك بوضوح اختلاف المشاعر بينهما.
حتى أنه لم يسألها لماذا اختارت عدم مواجهة الشائعات. لأنه كان يعلم أنها تفعل ذلك من أجله. لكنه أيضاً كان يظن أن السبب الأعمق لذلك هو أنها مستعدة لتركه في أي وقت بسهولة.
“يالكَ بائس..…”
همس لنفسه.
في الماضي، كان يتمنى ببساطة أن تختاره إيفيريا. لكن كلما نمت المشاعر بينهما، صار حملها أصعب وأثقل.
ماذا لو استعادت إيفيريا ذكريات طفولتها كاملة؟ هل سيكون حينها قادراً على أن يصبح مركز عالمها؟
كان بين جنبيه صراع؛ بين قلب يريد أن يحتفظ بالأمل كمجرد أمل، وقلبٌ آخر يتمنى أن يتحول ذلك الأمل إلى حقيقة.
فك ذراعيه المتشابكتين، ثم مرر يده بين خصلات شعره.
حقاً…..كلما مضى الوقت، تكاثرت أمانيه حتى صار الأمر عبئاً ثقيلاً.
***
لم يكن الناس يطيلون الخوض في أحاديث بلا جذور. فعاشا إيفيريا وإيرميت حياتهما كما اعتادا دائماً.
يتناولان الطعام معاً، يسيران معاً، يحضران المحاضرات ويذاكران كأي يوم آخر.
لم يصدر أي تصريح رسمي عن إيرميت وإيفيريا. وما زاد الأمر وضوحاً أن الامتحانات كانت على الأبواب، فمعظم وقت إيفيريا قضته في قاعة القراءة، وهي مكان لا يتيح مجالاً للحوار.
ولأن ثمة دوماً من لا يهتم بالشائعات، لم يكن هناك من يجرؤ على إزعاج الآخرين باقتحام تركيزهم لمجرد انتزاع كلمةٍ منها.
أما في الأماكن التي تسمح بالكلام بحرية، فقد كانت إيفيريا دوماً برفقة إيرميت. وفي تلك الحالة، لم يكن الأمر مجرد قلة لباقة، بل كان قد يعرّض المرء لخطرٍ مباشر.
ولذلك لم يكن هناك من يجرؤ على سؤاله مباشرة.
ومع ذلك، توصل الناس إلى نتائجهم الخاصة على هواهم.
“إذاً…..هما مجرد صديقين، أليس كذلك؟”
“صديقين؟ يا للغرابة، لم أرَ ثنائياً أقل انسجاماً منهما.”
“ربما ألّفت بينهما الكراهية.”
سمعت كل ذلك. لكنها لم تلتفت، وعدّلت الكتاب بين يديها وتابعت السير بهدوء.
كان مرورها بجو لا عدائي ولا ودّي شعوراً لم تعشه منذ زمن طويل.
صحيح أن تصرفاتها مع إيرميت كانت أقرب إلى الحبيبين منها إلى مجرد صديقين، لكن الناس أسرى للأحكام المسبقة.
ولو كانت هي مكانهم، ربما لفكرت بالطريقة نفسها؛ فهما لم يصرّحا بشيء، ويبدوان بلا أي شعور بالذنب، فضلاً عن أن جمعهما لم يكن منطقياً في نظر الواقع.
ورغم معرفتها بكل هذا، لم تستطع أن تمنع ذلك الوخز في قلبها.
فتمتمت بصوتٍ خافت،
“……هل نحن فعلاً بهذا القدر من عدم الانسجام؟”
صحيحٌ أن الأمر أفضل بكثيرٍ لإيرميت، وصحيحٌ أن خفوت الشائعات يصب في مصلحتها أيضاً.
لكن بين العقل والعاطفة ثقباً واسعاً.
شدّت إيفيريا على كأس المشروب الذي اعتادت أن تستعيض به عن الجرعات العلاجية.
_____________________
حرام ايرميت يحسبها مب مره وهو خايفه الحين من نظره الناس انهم اصدقا😭
يعجبني ذا التضارب ايه كملوا
المهم هو الصدق ليتها قالت عادي توضح للناس اننا حبيبين🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 83"