من بعد ذلك لم تتذكر إيفيريا جيداً كيف قضت عطلتها في برج السحر.
حتى بعد بدء الفصل الدراسي ظل ذهنها مشغولاً بالحساب الغامض. و لم تستطع تصديق الأمر، فعادت إلى المصرف من جديد، وهناك لم تسمع سوى تأكيدٍ آخر أن الرسالة قد وصلت إليها سليمةً تماماً.
حتى السحر المطبوع على البريد، والاسم المكتوب على المحتويات، كل شيءٍ كان صحيحاً بلا شك.
لكن لماذا دوقية نيسبيروس بالذات؟
لم تصدق أن الجهة التي أنشأت حسابها لم تكن شخصاً بل عائلة نبيلة.
هل يمكن أن يكون إيرميت على علمٍ بذلك؟
فكرت في سؤاله، لكنها توقفت. فقد كان الأمر شخصياً أكثر من اللازم، و يتطلب شرحاً طويلاً ومُربكاً، وكان عليها أن تُظهر قلقها السخيف بوضوح، وهو ما بدا لها مُحرجاً.
نظرت إيفيريا إلى الرجل الذي كان يتناول طعامه بهدوء أمامها. و كلما حرّك يده لمع شيءٌ على معصمه، ذاك السوار الذي كانت قد أعطته له.
شعر بنظراتها بسرعة، فرفع بصره عن الطبق لينظر إليها مباشرة.
“هل هناك ما تريدين قوله؟”
“…….”
لاحظ إيرميت كيف عضّت إيفيريا على شفتيها بصمت. و لم يسألها أكثر من ذلك في تلك اللحظة. فلم يكن متيقناً مما تفكر فيه الآن، فاكتفى بانتظار وقت آخر.
لحسن الحظ كان كل منهما يعرف جيداً وقت الآخر وبرنامجه.
“……بعد العشاء لديكَ وقت، أليس كذلك؟”
“نعم.”
رأت إيفيريا في عينيه مزيجاً من القلق والثقة. كانت نظرةً تقول: أياً يكن ما تفعلينه فلا بد أن لكِ سبباً وجيهاً.
و حين التقت عيناها بعينيه البنفسجيتين الثابتتين حد الغرابة، شعرت أن قلبها وجد اتجاهاً واضحاً.
في هذه اللحظة لم يكن في حياتها أحدٌ أقرب إلى الجواب الصحيح منه. وكانت تعرف تماماً أنه لن ينظر إليها بشفقةٍ أو يغير نظرته لها لمجرد أنها أظهرت قلقها.
أنهت إيفيريا طعامها بسرعة وأخذت تفكر في الكلمات الدقيقة التي يجب أن تقولها له. أما إيرميت، فكأنما أدرك أن ما ستبوح به شيءٌ شخصي للغاية، فأخذها إلى مختبر سيد البرج.
كان سيد البرج قد أعلن أنه سيمكث في مكان آخر بعض الوقت، وهكذا لم يكن هناك سواهما.
جلسا متجاورَين على طرف الأريكة. ثم تنفست إيفيريا ببطء و فتحت فمها.
“يقولون أن حسابي الآخر قد فُتح باسم عائلة نيسبيروس.”
دخلت مباشرةً في صلب الموضوع من دون تمهيد. وذلك لأن بينهما من الثقة ما يسمح بذلك.
فمال إيرميت قليلاً بجسده نحوها وأصغى بتركيز.
“و يقولون أنه أُنشئ منذ نحو ثلاث سنوات.”
“…….”
لم يعلّق إيرميت بشيء، بل اكتفى بالنظر إليها وهزّ رأسه بين حينٍ وآخر.
“لكنني لا أذكر شيئاً. أعني…….”
“نعم. أنا أستمع.”
تجنبت عينيه للحظة، وهمست بصوتٍ خافت. و عضّت على شفتيها من جديد، فمد يده بخفة ولمس شفتيها وكأنه يطلب منها ألا تفعل. فارتجفت شفتاها لا إرادياً.
“لا أعرف ما الذي حدث. ليس لدي أي ذكرى قبل دخولي إلى الأكاديمية.”
“…….”
“أشعر أن عليّ استرجاع تلك الذكريات، لكن الأمر ضبابيٌ جداً…..لا أدري ما الذي جرى. ولماذا لي علاقة بعائلة نيسبيروس؟”
ظل إيرميت يصغي بصمت. أما هي فقد أحنَت رأسها وأخذت تمسح شعرها بيدها اليسرى بتوتر.
“لماذا؟ لماذا عائلة نيسبيروس بالذات؟ ليست مسألةً شخص، بل عائلة كاملة…..ما الذي قد يربطني بهم؟”
انفجرت كلماتها مشوشة، بعيدةً عن النظام الذي رتّبته في ذهنها قبل قليل. و شعرت أنها تهذي بلا ترتيب.
ثم استدارت كلياً وألقت رأسها في صدره. فاجتاحتها رائحةٌ مألوفة. و دفءٌ مألوف. ثم أخذت إيفيريا نفساً عميقاً وهي بين ذراعيه.
لم تحاول إيفيريا أن تنبش في ماضيها عمداً.
كانت تعرف أن هناك خللاً في ذاكرتها، لكنها رأت أن ذلك لا يؤثر على حاضرها، فابتعد اهتمامها عنه تلقائياً.
كانت تتخيل ببساطة أنها تنحدر من عائلةٍ عادية. لم يردها أي اتصال من أهل أو معارف خارج الأكاديمية، لكنها اعتقدت أن ذلك أمرٌ طبيعي.
إلى أن رأت كيف كانت سينثيا تتلقى رسائل من عائلتها حتى في أيام الأسبوع، وكيف تعود دائماً إلى منزلها في العطلات، عندها فقط خمّنت أن ماضيها لم يكن على ما يرام.
كيف دخلت الأكاديمية أصلاً، وكيف عاشت قبل ذلك؟
لم تعرف شيئاً، لا عن البداية ولا عن النهاية.
إيرميت، وهو يصغي إلى حديثها، شعر بعد زمنٍ طويل بعجزٍ خانق.
لم يعرف ما الذي يجب أن يقوله. و لم يكن متيقناً من أي جواب.
كان يدرك أن تحفيز ذاكرتها بالقوة قد يؤذي جسدها، والمشكلة أن تساؤلاتها هذه المرة ارتبطت مباشرةً بالذاكرة.
كان على الأقل يعرف بعض ما يتعلق بذاكرتها، لكنه لم يستطع أن يبوح به.
أما الرابط بين ذكرياتها و نيسبيروس، فلم يستطع أن يجزم به. فأقصى ما خطر بباله أن يكون الدوق قد تكفل برعايتها أو دعمها.
استعاد في ذهنه كلمات الدوق نيسبيروس وتصرفاته قبل فترة قصيرة. و ربما كان الأمر صحيحاً.
لكن أن تكون عائلةٌ كاملة بأكملها تدعم إيفيريا ديل، فهذا……
خفض بصره ليخفي التعقيد الذي انعكس في عينيه.
ثم جاء صوته الهادئ المألوف يلامس سمعها.
“……لنذهب معاً إلى سيد البرج، لاحقاً.”
فقط سيد البرج وحده يستطيع أن يعطي الجواب الصريح. فقد كان يعرف ماضيهما معاً، وكان تأثيره عظيماً عليهما.
لكن المشكلة أن مقابلته في الوقت الحاضر لم تكن ممكنةً بسهولة.
ثم ربّت إيرميت على ظهرها برفق.
في وضع كهذا، لم يكن يملك لها سوى هذا القدر البسيط من المواساة. أما إن واجهتها مشكلةٌ فعلية، فهو يعرف أنه لن يقدر على حلها.
عندها أدرك كم كان ساذجاً حين تصرف فيما مضى كأنه قادرٌ على أن يضع العالم بأسره في كف يده.
خلال الفصل الدراسي لم يكن سهلاً زيارة البرج. صحيحٌ أن إيفيريا كانت من الطالبات المتفوقات في قسم السحر، وكان يمكنها أن تجد ذريعةً مناسبة لذلك، لكن الوقت لم يكن مناسباً الآن.
فقد كانت مسؤولةً جزئياً عن سقوط شخص من عالم آخر إلى هنا واضطراب مجرى القوى السحرية. وفي مثل هذا الوضع لم تشأ أن تثقل كاهل سيد البرج بمشكلتها.
الظروف بدت متشابكةً على نحوٍ ساخر. ومع أن وضعها لم يكن سهلاً، قررت ألا تتعجل. فالقلق لا مفر منه، لكنه ليس شيئاً يمكن حله في الحال. و كان عليها أن تتعايش معه لبعض الوقت.
ولأنه في الفصل الثاني من السنة الثالثة يوجد امتحانٌ واحد فقط، فقد رأت أنه إن انتهت منه بسلام، وتم حل شؤون سيد البرج، يمكنها حينها أن تزوره.
وإن لم يتم ذلك، فلا بأس، إذ إنها ستذهب إلى البرج على أي حال في السنة الرابعة، وهناك تستطيع أن تسأله.
غير أنها كانت تعرف شيئاً واحداً: لو أتيحت لها أي فرصة لاسترجاع ذاكرتها، فلن تسمح لنفسها أن تفلتها.
بعد أن رتبت أفكارها وقررت التركيز على حياتها اليومية، انشغلت حقاً لفترةٍ طويلة.
ففي الفصل الثاني من السنة الثالثة، امتحانٌ واحد فقط يعني أن أساتذة الأكاديمية ينهون المقررات بسرعة جنونية. و كان ذلك نعمةً لإيفيريا، إذ لم يبقَ لها وقتٌ ولا طاقة للتفكير في أمور أخرى.
أحياناً كانت تشعر بانقباضٍ يطوّق قلبها كطيف من القلق، لكنها ما إن تحبس أنفاسها لثوانٍ حتى يزول.
صارت تحمل معها جرعةً سحرية كانت قد عاهدت نفسها أن تستخدمها فقط في موسم الامتحانات. و حتى سينثيا لم تستطع أن تعترض.
الأساتذة أصرّوا على إنهاء مناهجٍ يصعب إنجازها في فصل كامل في فترة أقصر بكثير، والطلاب كانوا يتساقطون تحت وابل من الواجبات التي كانت أشبه بالقصف.
وكانت إيفيريا واحدةً من أولئك الطلاب الذين طحنهم ذلك الضغط.
استعارت كتباً من المكتبة وتوجهت مباشرةً إلى قاعة الدراسة الملحقة بها. لم ترد أن تضيع حتى وقت الانتقال، فكانت تجمع المواد كلها وتنجزها دفعةً واحدة هناك.
وبينما كانت تسير حاملةً الكتب بين ذراعيها، مشت بجوارها سينثيا مطلقةً تنهيدةً واهنة.
“هل يظن الأستاذ أنني لا أحضر سوى مادته؟”
“……قد يظن ذلك فعلاً.”
وكان احتمالاً وارداً. فلو كان الأساتذة مدركين أن الطلاب يتابعون ما لا يقل عن ست مواد مختلفة في الأسبوع، لما أمكنهم أن يفرضوا هذا القدر من العبء.
ابتسمت إيفيريا ابتسامةً ساخرة وهي تضع الكتب على الطاولة بخفة كي لا تُحدث صوتاً.
لم يكن لديهما وقتٌ لتضييعِه في الشكوى. فانغمست هي وسينثيا بكل قواهما في إنجاز المهام.
حين دخلتا المكتبة كان الوقت ما يزال في أوائل الظهيرة، لكن ما لبثت الشمس أن مالت إلى نصف الغروب.
ثم مدت إيفيريا جسدها المتصلب وأخذت نفساً عميقاً.
لقد حان وقت العشاء. منذ غياب إيرميت لم تعد تحافظ على عادة تناول العشاء، لكن بعودته إلى حياتها رجع الأمر تدريجياً حتى صار أشبه بعادةٍ ثابتة.
وغدت إيفيريا تضبط وقتها على تلك الساعة بدقة مدهشة، كأنها اكتسبت مهارةً جديدة على حين غرة.
انتبهت للحظة قصير في ذهنها الى تلك الشائعات القديمة التي ربطت بينها وبين إيرميت، لكنها سرعان ما تخلصت من ذلك. فقد كان الأمر مجرد حادثة مصطنعة ومخططٍ لها.
ثم إن وجود إيرميت الآن داخل الأكاديمية يمنع أي شخص متهور من نشر إشاعاتٍ رخيصة كتلك.
وحتى لو عادت الشائعات، فما الضرر؟ ستضايقها قليلاً، لكنها من النوع الذي يمكن تحمله بلا تردد.
_________________________
وناسه صدق صاير ضمها شي طبيعي✨ كثروا ضمان بالله🫂
ايرميت يحزن يوم حس نفسه مايقدر يسوي شي😂 احبه بس عسا يضحك خل شوفة النفس تنفعك😘
المهم طلعوا معلمينهم نفس معلمينا✨ نايس جينات المعلم وحده
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 81"