نبرته بدت بريئةً إلى حد مذهل. فالتفتت إليه مصدومة من وضوح صوته في أذنيها.
وعيناه البنفسجيتان البراقتان كانتا كذلك، تلمعان أكثر من المعتاد تحت تقوسٍ لطيف.
“أنا جاد، مجرد فضول.”
“تلك…..تلك أشياءٌ لا داعي لأن تثير فضولكَ.”
أجابت إيفيريا بتردد، غير مرتاحة.
فأحيانًا كان يبدو وكأن إيرميت لا يفكر مثل الآخرين. وقد ارتاحت حين غاب ذلك الجانب عنه لفترة، لكنه عاد ليظهر مجددًا.
والآن كان يبدو جادًا بالفعل، وكأن الأمر قد ينتهي بمصيبة إن تركته على هواه. فسارعت لتُكمل،
“في الواقع أظن أن هذا يساعدني على تطوير مهاراتي. بل وحصلت على أشياء ثمينة أيضًا.”
“…….”
نظراته أوحت بأنه غير مقتنع. ومع ذلك، لم تكن تكذب؛ فقد تحسّنت مهاراتها فعلًا، وإن كانت تعاني بعض الإرهاق أحيانًا. فابتسمت ابتسامةً متكلفة.
بعد ذلك صار إيرمِيت يساعدها في الأعمال الملقاة عليها.
ولبرهة، لم يُسمع سوى خشخشة الأقلام فوق الأوراق.
وفجأة فُتح الباب قليلًا، وأطلّ ساحرٌ يتردد قبل أن يخطو إلى الداخل. وحين التقت عيناه بعيني إيفيريا، اقترب بخجل ظاهر.
“إنها مجرد معادلة لدائرة سحرية، بسيطة جدًا. أرجو مساعدتكِ.”
“ضعها هناك مع البقية ثم انصرف.”
أجابت إيفيريا بلا أن تُظهر تعبًا. فالحق أن هذا كله لا يقارن بفترة الامتحانات في الأكاديمية.
ثم إنها كانت تخشى إن أبدت إرهاقها أمام إيرمِيت أن يقترح فجأة قلب الطاولة على الجميع حقًا.
الشيء الوحيد المريح أنها كانت تعرف أن لهذه الأرقام نهايةً محددة في النهاية.
انشغلت إيفيريا بمعالجة كومة الأوراق بصمت.
ومضى وقتٌ لا تدري كم، حتى بدأت أشعة الشمس المائلة تتسلل أطول عبر النوافذ. عندها أحست بقدوم حضور مألوف، حضورٍ ثقيل الوطأة.
“إيفيريا، تدريب اليوم……ماهذا؟”
انقطع صوت سيد البرج فجأة. لقد جاء ليبلغها بمهمة جديدة، لكنه وجد نفسه مصادفةً أمام مشهد كسل سحرة البرج مفضوحًا بوضوح.
رفعت إيفيريا بصرها نحوه، لتتبع أين استقر نظره.
و كان سيد البرج يحدّق في الأكوام من المعادلات المكدسة أمامها وأمام إيرمِيت. وقد ارتسمت على وجهه، نادرًا، علامات الارتباك.
و زاد ارتباك إيفيريا هي الأخرى، فبادرت بتحية مهزوزة،
“……مرحبًا.”
فشلت في النهوض في الوقت المناسب، فاكتفت بانحناءةٍ خفيفة من مقعدها.
ساد جوٌ محرج في المكان. و راح سيد البرج يتنقل بنظره بينها وبين كومة الأوراق، ثم سألها بنبرة مترددة،
“……هل أنتِ بخير؟”
“لا. أنا على وشك الموت.”
لكن الذي أجاب بثقةٍ كان إيرمِيت، ثم أضاف بصوت جاف: “أنقذنا.”
ولم يكن في تلك الكلمة الباردة—أنقذنا—ما يستدعي الضحك…..ومع ذلك انفلتت منها ابتسامةٌ بلا قصد.
ألقى سيد البرج نظرةً على وجهي إيفيريا وإيرمِيت، ثم بدأ يقلب في الأوراق المكدسة أمامها. بينما تدرّجت ملامحه حتى غمرها الذهول.
“يا للعجب…..هؤلاء الكسالى كانوا يتهربون من العمل طوال الوقت. لا غرابة أن أخطاء الحسابات قلت مؤخرًا.”
ضحك بخفة ثم اعتذر بإيجاز قبل أن يغادر الغرفة.
و بعد تلك الحادثة الصغيرة أشبه بالمفارقة، قلّت الأعمال التي أُسندت إلى إيفيريا ابتداءً من بضعة أيام لاحقة. وقد خمنّت أن سيد البرج قد اتخذ إجراءً ما دون أن تدري عن تفاصيله.
***
كانت تعرف أن سحرة البرج بلا ذمة، لكنها لم تتصور أنهم سيستغلون طالبةً لم تتخرج حتى من الأكاديمية إلى هذه الدرجة.
انتشرت ربما شائعة أنها موهبةٌ اعترف بها سيد البرج نفسه، أو لعل نتائج الحسابات التي قدّمتها راقت لأولئك الكُسالى. أو ربما السبب شيءٌ آخر تمامًا؛ فقد اعتاد سحرة البرج أن يخالفوا كل توقعاته.
كان سيد البرج قد خرج للتو من لقاء مع السحرة بعد أن أبلغ إيفيريا بانشغاله. و رأسه يعاني بعد محادثةٍ مع أناس معدومي الحس الاجتماعي.
“إنها طريقتنا في التعبير عن الإعجاب، ألا تعرف ذلك؟!”
“ومن يعبر عن الإعجاب بتلك الطريقة؟”
“نحن نفعل.”
وقاحةٌ بلا حد.
لا يزال صدى أصواتهم المتذمرة يرن في أذنيه كهلاوس. وما أغرب أن يعيش ساحر العقل نفسه تجربة الهلوسة!
ضغط سيد البرج على صدغيه.
أحيانًا يلتبس عليه الأمر: هل هو سيد البرج حقًا، أم مجرد مربٍّ لرُضّع؟
على الرغم من عقود طويلة قضاها زعيمًا لهذه المؤسسة، فما زالت جوانبٌ منها عصيةً على فهمه.
أما إيفيريا، فهي رسمياً مجرد زائرةٍ للبرج، ومع ذلك لم يتردد السحرة في تحميلها أعمالهم الخاصة. لذا حين يأتي اليوم الذي تنضم فيه رسميًا، سيكون لزامًا أن تُمنح مكانةً تليق بها.
وما يزيد تعقيد الأمر الرسائل الواردة من البلاط الإمبراطوري، فيما السحرة ما زالوا يتصرفون كالأطفال.
تنهد لوآنس وهو يسحب الرسالة مجددًا.
لقد أُبلغوا بوجود تدفقٍ غريب للطاقة السحرية بالقرب من أكاديمية لاكانيل، وطُلب منهم التعاون في التحقيق.
وبما أن العلاقة مع البلاط لم تكن وديةً أصلًا، كان يمكنه ببساطة التهرب، لكن من المؤكد أن الأمر سيجلب له المتاعب والانشغال.
و على الأرجح لن يستطيع هو نفسه التردد على أكاديمية لاكانيل كثيرًا خلال الفصل الدراسي الثاني.
أما إيرمِيت، بمكانته ونفوذه، فقد ينجو من تبعات ذلك، لكن لو لفتت صلته بإيفيريا أنظار البلاط، فستكون المتاعب مضاعفة. وحتى هو لا يستطيع حمايتها بلا حدود.
ولسوء الحظ، كان عليه أن يبتعد عن إيفيريا وإيرمِيت لفترة طويلة في هذه الظروف.
ومع أن ذلك أثار قلقه قليلًا، إلا أنه كان واثقًا أنهما معًا يمكن الاعتماد عليهما.
***
مضت الأيام، ومعها انقضت العطلة الطويلة بسرعة.
وجدت إيفيريا نفسها وحيدةً في غرفتها، وهو أمرٌ نادر، إذ كان إيرمِيت قد غادر إلى دوقية نِسبيروس لزيارة عائلته.
كانت تنوي في البداية أن ترافقه، لكنها عدلت عن ذلك بعدما علمت أن الدوق نفسه موجودٌ في القصر في هذا الوقت.
فاختارت بدلًا من ذلك أن تمنح نفسها فرصةً للتفكير في خططها للفصل الدراسي الثاني.
وكان أول ما تبادر إلى ذهنها هو المهرجان والمنافسات، إذ لا تزال تشعر بالأسف على ما فاتها في العام الماضي.
ومع تخرج ولي العهد، وتحسن مستواها، كانت تأمل هذه المرة في نتائج أفضل. ولأجل ذلك، كان عليها أن تواصل تدريبها على السحر بانتظام حتى بعد عودتها إلى الأكاديمية.
ومن المهرجان تسللت أفكارها إلى مسابقة السحر: مقدار الطاقة السحرية، ثم فنون السحر العقلي.
كانت معرفتها النظرية بالسحر العقلي مساويةً تقريبًا لمعرفة إيرمِيت. لكن الفرق أنها أعمق منه فهمًا لأساليب التحكم فيه، وهو أمرٌ طبيعي تمامًا، فهي نفسها ساحرةٌ متخصصة في مجال العقل.
تذكرت إيفيريا كلمات سيد البرج حين قال أنه لا يجب أن يدع إيرمِيت يربطها بعالم العقل. و تساءلت إن كان السبب وراء ذلك قد زال الآن، لكنها لم تسأل. فهي واثقةٌ أنها إن كانت بحاجة إلى معرفته، فسيُخبرها في الوقت المناسب.
و كانت قد تعلمت شيئًا فشيئًا كيفية استخدام طاقة العقل السحرية بطريقةٍ أكثر مرونة.
حتى طاقة العقل يمكن تقسيمها إلى عدة أصناف: طاقة لا غنى عنها، طاقةٌ يُفضل إطلاقها للاستخدام، وطاقة أقل أهمية.
في حالتها، كانت كمية الطاقة الأساسية اللازمة كبيرةً نسبيًا، لكنها لم تكن كلها كذلك؛ فبعضها يمكن أن يُستثمر في أنواعٍ أخرى من السحر.
وبفضل مضاعفة ساعات التدريب خلال العطلة، ازدادت كمية الطاقة التي يمكنها التحكم بها إلى مستوى لا يُقارن بما كانت عليه سابقًا.
أحست بالرضا وهي تُدير سحرها داخليًا، فقد تضاعفت طاقتها بشكلٍ واضح مقارنة بالعام الماضي، وهذا منحها شعورًا بالامتلاء.
و بهذا القدر، كانت تكاد تنافس المراتب العليا بين طلاب قسم السحر في أكاديمية لاكانيل.
صحيحٌ أنها لم تقم بقياس دقيق بعد، لكنها كانت متأكدةً أن طاقتها فاقت بكثير الكمية التي سجّلها سيد البرج لها سابقًا حين زارت البرج في مهمة بديلة، إذ كتبها بحذر وزادها قليلًا “للاحتياط”.
في تلك اللحظة، سُمعت طرقات على الباب. ففتحت إيفيريا الباب قليلًا لترى من بالخارج. و كانت إحدى الساحرات اللواتي صارت قريبةً منهن بعدما كلفتها بالكثير من الأعمال.
كانت شابةً في مثل عمرها تقريبًا، وقد اقتربت منها بلا تردد حين تحسرت على غياب الساحرات من عمرها في البرج، إذ كان أغلب من فيه من كبار السن.
و مدّت إليها رسالةً مختومة بالشمع.
“إيفيريا، وصلتكِ رسالة. ويبدو أن عليها تعويذةً أيضًا.”
بدا أنها من البنك. فأخذتها إيفيريا شاكرة.
ولم تأبه بالتعويذة كثيرًا، فهي على الأرجح لا تسمح إلا لصاحبها بفتحها، وبما أنها المرسل إليها فلن تواجه مشكلة.
تركت خلفها تذمر زميلتها التي طلبت منها المساعدة في الحساب، وجلست إلى مكتبها تحمل الرسالة.
أخذت نفسًا عميقًا، ثم مزّقت الختم الشمعي بأطراف أصابع ترتجف قليلًا. و لم يكن في الداخل الكثير.
أخرجت كل ما فيه ورتبته فوق المكتب. وقد ختم البنك كان مطبوعًا بخفة على أطراف الأوراق.
تجاوزت المقدمة التوضيحية حتى وصلت إلى المعلومات التي طالما أثارت فضولها. و أغمضت عينيها بشدة للحظة ثم فتحتهما من جديد.
و جالت عيناها الزرقاوان على السطور بتأنٍ. وما إن استوعبت ما كُتب أمامها حتى لم تصدق عينيها.
“……هاه؟”
دوقية نِيسبيروس.
اسمٌمألوف…..بل مألوفٌ جدًا.
ابتلعت ريقها بصعوبة وحدّقت في تاريخ فتح الحساب.
ثلاث سنوات مضت. أي قبل دخولها الأكاديمية مباشرة.
فشعرت وكأنها تلقت ضربةً على رأسها. حقيقةٌ لم تكن متوقعة، بل صادمة للغاية.
_____________________
ماتوقع تستاهل كل ذا الصدمه يعني وفري صدماتس حبي لين ترجع ذاكرتس😘
إيرميت يضحك😭 أنقذنا؟ قصدك انقذوا ايفيريا😭
حتى ساحرة قريبة من عمرها استغلتها والحين صادقتها عشان تكمل استغلال😂
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات