بما أن سيد البرج السحري لم يقبل مقابلته، وجب أن يأتيه بما يثير اهتمامه. فلا سبيل للحديث أو طرح الأسئلة دون أن تبدأ المحادثة أولاً.
عند معصم إيرميت تلألأ سوارٌ فضي، وختم الوثيقة التي كان يحملها بدا واضحًا على غير العادة.
و راح يعبث قليلًا بمعصمه قبل أن يلقي بالكلمات.
“سيد البرج، لدي أمرٌ أود الحديث عنه اليوم.”
“……قُل.”
‘نجحت.’
رغم أن ملامح سيد البرج لم تخلُ من التبرّم، إلا أن ابتسامةً هادئة ارتسمت على وجه إيرميت.
“هل يمكن أن نتحدث في الداخل؟ لقد أتعبتني ساقي.”
“هاه……حسنًا، ادخل.”
جلس إيرميت في الجهة المقابلة لسيد البرج.
و أمال سيد البرج رأسه وكأنه يأمره بالدخول في صلب الموضوع. أما إيرميت فوضع الأوراق على الطاولة، وأخذ يقلّبها صفحةً صفحة ببطء.
ذلك المظهر المفعم بالثقة كان يثير الغيظ، وتظاهره بالتفكير العميق بدا مستفزًا أكثر.
‘كيف غدا هذا الطفل الذي كان يومًا محبوبًا إلى هذا الحد مزعجًا؟ أمرٌ محيّرٌ حقًا.’
جمع سيد البرج شيئًا من السحر عند أطراف أصابعه.
“إن لم تتكلم حالًا فسأنقلكَ إلى دوقيتكَ البعيدة.”
“هناك ساحرٌ منتمٍ للبرج يتجول في الدوقية……من دون تصريح.”
بصوت إيرميت الرتيب، أطلق سيد البرج شتيمةً وهو يتنهد بعمق.
“قلت لهم ألف مرةٍ أن يستأذنوا قبل التحرك.”
كان على سحرة البرج أن يحصلوا على موافقةٍ قبل مغادرة البرج لأي مكان آخر.
قد يظن المرء أن الأمر مبالغٌ فيه لمجرد خروج قصير، لكن البرج كان مكانًا منغلقًا بشدة.
والحقيقة أن الإجراءات لم تكن معقدةً أصلًا. كل ما في الأمر أن الساحر يوقّع تعهدًا بعدم استخدام السحر كيفما شاء خارج البرج، ويحمل معه تصريحًا يحوي خاصيةً لضبط السحر.
في السابق كانت الإجراءات أشد تعقيدًا، غير أن لوآنس ــ عندما صار سيد البرج ــ بسّطها إلى حد بعيد.
وبالفعل، من كان يملك مثل تلك القوة والمنزلة، وجب أن يتحمل قدرًا من المسؤولية عن الحوادث المحتملة.
حتى سيد البرج نفسه، عند سفره، كان يمر بتلك الإجراءات.
وبينما كان يفكر بكيفية معاقبة الساحر المخالف، تابع إيرميت الحديث على الفور.
“ثم، ما علاقتي أنا بكل هذا-”
“سوف أرسل من يقبض على الساحر في أقرب وقت. انتهى. يمكنكَ الانصراف.”
رفع إيرميت حاجبيه أمام هذا الطرد المفاجئ، لكنه لم يزد كلمة، وغادر بهدوء غرفة سيد البرج.
كان على يقين أنه إن واصل طرق الباب بانتظام، فستأتيه الفرصة يومًا. فقد كان بارعًا في التسلل إلى النفوس بصبر.
ومن بعدها عاد إيرميت مراتٍ عدة إلى مختبر سيد البرج في الأكاديمية.
وحين كاد أخيرًا ينجح في طرح أسئلته الحقيقية، كان سيد البرج قد نقل مقرّه إلى داخل البرج نفسه. فصارت المسافة أطول بكثير، لكن إيرميت لم يبال.
لقد توقع منذ البداية أن سيد البرج قد يغيّر مكانه متى شعر بالإزعاج.
ظل إيرميت يتردد بلا كلل. يعلن زيارته في الطابق الأول من البرج، ثم يجلس يقرأ كتابًا أو يأتي بحجة مناسبة.
كان يعرف موقعه جيدًا. فلم يكن ممكنًا أن يستمر سيد البرج في معاملته بهذا الشكل إلى الأبد. سيأتي وقتٌ إما أن يُسمح له رسميًا بالزيارة أو يُمنع كليًا.
وبعد جهد ووقت وموارد كثيرة، حصل إيرميت أخيرًا على إذن بالانتظار داخل غرفة سيد البرج.
ومتى صدر الإذن مرة، لم يكن سهلًا التراجع عنه. عندها أصبح إيرميت أكثر جرأةً في كلماته وتصرفاته.
وبينما يقلب أوراقًا أعطاها له سيد البرج، تمتم متذمرًا.
في تلك المرحلة كان سيد البرج بحاجة إليه بعض المساعدة، فغضّ الطرف قليلًا.
“هل كان حقًا ضروريًا أن تواجه شابًا لم يعش نصف عمركَ بكل ذلك السحر؟”
“نعم.”
“……دومًا ما تبهرني بجدّيتكَ وإخلاصكَ.”
فارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتي سيد البرج.
كان يثير الضحك كيف يغيّر نبرته الممتعضة فجأة إلى لهجة مختلفة تمامًا.
ومن يدري، متى يمكن أن يرى مجددًا ذلك المتعجرف يتنازل إلى هذا الحد؟
سأل إيرميت بصوتٍ رتيب، وكأن الأمر مجرد سؤال عابر،
“ذاكرة إيفيريا مرتبطةٌ بالسحر، أليس كذلك؟”
“حتى لو شرحت لكَ الآن بالتفصيل، هل تظن أنك ستستطيع تذكّر ذلك؟”
تلألأت في عيني سيد البرج السوداوين ومضةٌ غامضة، واصطدم نظره بنظر إيرميت في الفراغ بينهما.
كان ذلك إقرارًا ضمنيًا بأنه استخدم السحر على إيرميت، وإشارةً إلى أنه يعرف الكثير عن ذكريات إيفيريا.
تدفقت تلك الحقائق الجديدة، فأحس إيرميت في داخله بفرحٍ مكتوم.
***
لم يظن يومًا أن الوضع سيبقى كما هو إلى الأبد. فلا بد أن يحدث تقدّم ما، في أي اتجاهٍ كان.
لكن ما لم يتوقعه هو أن يبدأ جسده بإظهار مشكلةٍ واضحة يمكنه الإحساس بها.
زفر إيرميت تنهيدةً صغيرة.
“هاه……”
كان رأسه يؤلمه حتى كاد ينفجر، والأفكار تتشابك في ذهنه بعشوائية.
و أول ما خطر بباله كان رؤية إيفيريا، لكن الخوف من أن يكون مصابًا بمرض قد يعديها منعه من ذلك.
كم عاتبها من قبل على إهمال صحتها، وها هو الآن يقع في نفس الخطأ. والحقيقة أنه في الآونة الأخيرة بالغ في إنهاك نفسه.
صحيحٌ أن المسافة من أكاديمية لاكانيل إلى البرج أقصر من المسافة من دوقية نيسبيروس إلى البرج، لكنها لم تكن قريبةً بحال.
كم مرة قطع تلك الطريق في فترة وجيزة؟ حتى مع استخدامه السحر أحيانًا للتنقل، إلا أن الإفراط في استخدام السحر لم يكن أمرًا سليمًا.
ثم جاءت مشاركته في مهرجان أكاديمية هوريتين، إضافةً إلى انشغالاته الكثيرة بما يتعلّق بإيفيريا.
ومع ذلك، لم يتذكر أنه مرّ بحالةٍ صحية متدهورة إلى هذا الحد من قبل، فقد كان في الأصل يتمتع ببنية قوية وصحة راسخة، باعتباره رجلًا اعتاد حمل السيف.
بدأ إيرميت يفكّر فيما إذا كان ما أصابه مرتبطًا بالسحر الذي ألقاه عليه سيد البرج. والاحتمال بدا كبيرًا للغاية.
ومع ذلك، لم يجرؤ على التحدث مع إيفيريا مطولًا، وتوقف حتى عن زيارتها. وحتى حين أمسكت به ذات مرة، اكتفى ببضع كلمات شبيهة بالتحية.
صحيحٌ أن الأمر على الأغلب بسبب السحر، لكن اليقين لم يكن مطلقًا، فلم يستطع تجاهل الاحتمال الآخر.
قاد جسده المتهالك نحو البرج. وهناك، قدم له سيد البرج شايًا لم يعرضه عليه من قبل.
جلس يراقبه وهو يحتسي ببطء. و تحت عينيه ظلالٌ واضحة، ووجهه بدا محمرًا على غير العادة، وتقاطيع جبينه مشدودة من الإرهاق.
لم يكن إيرميت في الأصل يعطي انطباعًا مريحًا، لكن اليوم بدا أكثر حدة، حتى أن مجرد الاحتكاك به في الممر كان كافيًا لتوقع انفجاره غضبًا.
لكن سيد البرج فهم السبب بسهولة، بل شعر به منذ دخوله.
السحر الذي كان قد ألقاه على إيرميت بدأ يتفكك شيئًا فشيئًا. لقد ظهرت الشقوق في جدار السحر الصلب، ومن خلالها راحت تفاصيلٌ مخفية وذكرياتٍ محجوبة تتسرب.
كم من الطرقات والضغوط تعرّض لها ذلك الحاجز حتى تفتّت بهذا الشكل؟
ثبت سيد البرج عينيه على إيرميت، ثم أطلق تنهيدة إعجابٍ صادق.
“……هل أنتَ حقًا طفلٌ قاسٍ إلى هذا الحد؟”
فقد كان كسر سحره بحد ذاته أمرًا مذهلًا، أما وصوله إلى البرج بجسد شبه منهار، فهو دليلٌ على قسوة وصلابة لا تُصدق.
وبالنظر إلى كمّ المعرفة المتراكمة في ذهنه عن سحر إيفيريا، لا بد أن الألم الذي يعانيه الآن هائل. فلم يملك سيد البرج سوى أن يزداد إعجابًا.
أما إيرميت، فلم يجرؤ حتى على أن يسأله: لماذا؟
ظل يحدق بصمتٍ في فنجان الشاي الموضوع أمامه. و كان الصداع يزداد حدة، والمعلومات في رأسه تتناثر ثم تعود لتختلط كيفما شاءت.
حلّت لحظةٌ من السكون، ثم سأله سيد البرج،
“أتعرف ما حال جسدكَ الآن؟”
“……إجمالًا.”
أغمض إيرميت عينيه قليلًا ثم فتحهما.
لم يعلّق سيد البرج على جوابه المبتور. صحيحٌ أنه لم يذق تلك المعاناة بنفسه، لكنه كان يعرف تقريبًا كم هو مؤلم.
الأهم أن السحر الذي بدأ يتشقق هكذا كان يجدر حله سريعًا. فمتى ظهر الشرخ، لم يكن انهيار السحر إلا مسألة وقت.
لكن الفرق كبيرٌ بين أن يفكّ الساحر سحره بنفسه، وبين أن يكسره من وقع عليه.
ففي الحالة الأولى، ثمة أمورٌ محدودة يجب أخذها بالحسبان. أما في الحالة الثانية، فإن احتمالات الخطر أكبر بكثير.
عادةً ما تتناسب مضاعفات تحطيم السحر طرديًا مع قوة السحر نفسه. وبما أن السحر الموضوع على إيرميت كان بالغ القوة، فإن انكساره سيخلّف آثارًا شديدةً عليه.
ورغم ذلك، كان السبب في أن سيد البرج لم يفك السحر حتى الآن بسيطًا.
عندما يقرر الساحر أن يحل سحره، فإن أهم ما يلزم هو إرادة الهدف والبيئة المحيطة. وهذان الأمران مترابطان. فالتغيير المفاجئ الجذري ليس كالتغيير التدريجي؛ فلكل منهما وقعٌ مختلف.
كما أن حلّ السحر بينما صاحبه يعي تمامًا أنه تحت تأثيره، يختلف جذريًا عن أن يُخبر فجأة بأنه مسحور ويُفك السحر عنه دون علمه.
وفي الحالة الثانية، تكون المخاطر جسيمة.
في السابق، لم يكن إيرميت مدركًا بشكل واضح أنه واقعٌ تحت السحر. و كان بإمكانه أن يعرف لو التفت قليلًا، لكن الصحيح أنه لم يهتم.
أما الآن، فقد صار واعيًا تمامًا بأنه مسحور. لذا لم يعد هناك ما يدعو لتركه على حاله.
فإيرميت لم يعد طفلًا، ولن يكون عرضةً بعد الآن للتأثيرات غير المقصودة لسحر العقل.
____________________________
لم يعد طفلاً………يعني من يومه بزر والسحر فيه؟ يعني الحين بيبدا يتذكر كل ذكرياته كامله ؟ وناااسه يارب قرب الفلاش باك
بس فيه اشياء مشكوك فيها شقصده مب صاير تحت تأثير سحل العقل؟ ومن حطه فيه بالضبط إيفيريا ولا سيد البرج؟
ابوه بعد شكل عنده علوم
رواية الغامضين ذي ماعادهب أكاديميه😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 76"