ولكن إن لم تتحدث إيفيريا الآن عن أمرها، فستتردد لاحقًا عندما يحين وقت سؤالها عن شؤون إيرميت.
بدا لها أن الأجدر أن تبادر هي أولًا بالبوح بما يخصها. وفوق ذلك، كان إيرميت طرفًا في تلك الشائعات، إن لم يكن بطلها.
ثم…..لم تكن الشائعة محض كذب أيضًا. فجزءٌ صغير منها، على الأقل، كان حقيقة.
‘لا، ليس هكذا تمامًا.’
قطبت إيفيريا جبينها قليلًا، وكلما أمعنت التفكير ازدادت الحدود بين الصواب والخطأ، وبين الحقيقة والزيف، ضبابية. فشعرت وكأن عقلها يختل.
كان إيرميت يراقبها بصمت، و نظراته تتابع ارتباكها حتى النهاية.
ثم فتحت إيفيريا شفتيها ببطء.
“في الحقيقة..…”
تجاوزت رجفة صوتها السابقة، لتروي بصوت هادئ ما كان يُقال عنها في تلك الفترة.
“كانت هناك شائعةٌ غريبة تنتشر في الأكاديمية…..شائعة تتعلق بي.”
“….…”
“قالوا أنني تدخلت بينكما.”
وبعد لحظة صمت، ضحك إيرميت بابتسامة باهتة، لم تحمل أي ملامح ارتياح.
صحيحٌ أن الشائعة ركّزت على إيفيريا، لكنها كانت قادرةً أيضًا على خدش سمعة إيرميت، حتى لو لم تتضمن شتيمةً صريحة.
خشيت أن يكون قد تأثر بذلك، فبدأت تراقب عينيه وتعابير وجهه.
و حاولت قدر المستطاع أن تصوغ كلماتها بحيث تُبقي إيرميت بعيدًا عن مركز تلك الشائعات، لكنها بطبيعتها كانت تربط بينهما بشكل مشوّه، فلم يكن هناك مهربٌ من ذلك.
توقفت إيفيريا قليلًا، غير مدركة لكيف تواصل الحديث.
وفيما كانت تلتقط أنفاسها المتقطعة دون وعي، كان إيرميت يتأمل ملامحها بصبر.
لقد كان يعرف مسبقًا بما تقوله. فاهتمامه كان منصبًا عليها.
رغم أن كلماتها خرجت بنبرة متماسكة، إلا أنها أوجعته أكثر. و نظراته البنفسجية غاصت كأنها تحت ثقل صخرة، وصوته اكتسى برطوبة كئيبة.
“……أنا والـ…..الأميرة؟”
“نعم.”
كان ردها صغيرًا لكنه قاطع. فرمش إيرميت عدة مرات وهو يخفض بصره قليلًا.
شعر بشيء لم يختبره من قبل تجاه إيفيريا. إحساسٌ أشبه بكتلة ثقيلة تمسك بعنقه وتجره إلى القاع…..شعورٌ بالذنب.
كان قد حاول بطرق شتى أن يُظهر لإيفيريا أنه لا شيء يجمعه بالأميرة، خشية أن يؤثر ذلك في علاقتهما.
ومع ذلك، لم يتراجع عن الاعتراف الرسمي بعلاقته بالأميرة.
قال أنه يفعل ذلك من أجلها، و أنها مجرد ورقة من أوراقه لحمايتها، لكنه في الحقيقة أوقعها في مأزق قاسٍ.
أليس هذا تصرّفًا بائسًا؟
حين بلغته تلك الأخبار أول مرة، وحتى عندما بحث في تفاصيلها لاحقًا، أحس بمشاعر مشابهة، لكنها الآن كانت أعمق وأشد.
غشّى وجه إيرميت ظلّ ثقيل.
وربما أساءت إيفيريا تفسير ذلك، فتابعت كلامها بسرعة أكبر.
“آه، صحيح. قلتِ لهم أنه إن كان أحدٌ فضوليًّا، فليسألكَ مباشرةً بنفسه.”
“….…”
ساد صمتٌ قلق مرة أخرى. فعضّت إيفيريا شفتها.
لقد تفوّهت بكلماتها بالفعل أمام طلاب الأكاديمية، وما انسكب لا يمكن استعادته.
“لذلك قد يزعجكَ بعض الطلاب قليلًا بأسئلتهم…..آسفـ-”
“لا، لماذا تعتذرين أنتِ؟ لقد أحسنتِ صنعًا.”
اتّسعت عينا إيرميت قليلًا وهو يقطع اعتذارها. ففي نظره، ما فعلته إيفيريا كان أفضل تصرّفٍ ممكن.
بل إن كان لا بد أن يعتذر أحدٌ بينهما، فالأجدر أن يكون هو.
غمره شعورٌ بأنه مجرد إنسان بائس. وبينما كان غارقًا في إحساسه بالذنب، تابعت إيفيريا كلامها بهدوء.
“مع ذلك…..يبدو الأمر وكأنني ألقيت عليكَ أمرًا مزعجًا.”
“……بل أنا من يجب أن يعتذر، في الحقيقة.”
“عفواً؟ ولماذا؟”
لم يقدر إيرميت على الإجابة. فلديه من الذنوب ما لا يُحصى، حتى إن عدَّ الأشياء التي لا تستوجب منه اعتذارًا لكان أيسر عليه.
“سامحيني…..أنا حقير.”
“لا….لستَ كذلك..…”
غطّى وجهه بكلتا يديه، ثم مسح شعره للخلف بحركة مضطربة. و أربكتها قسوته على نفسه، فلم تدرِ ما تفعل أو تقول.
لم يكن ما جرى أصلًا بسببه، لكن الخوف دبّ في قلبها من أن يُحمّلها هو نتائج ما حدث، فيبتعد عنها أو يقرر إبقاء مسافةٍ بينها وبينه.
وربما لأنهما ابتعدا عن بعضهما فترةً من الزمن، أخذ عقلها يجري في هذا الاتجاه وحده.
و رأت أن الأفضل أن تغيّر مجرى الحديث قليلًا. فبادرت بسرعة،
“قد يبدو ما سأقوله جريئًا بعض الشيء…..لكنني أعتقد أن ما حدث كان بتعمّدٍ من أحدهم.”
“….…”
ظلّ إيرميت يصغي إليها بصمت، وعيناه تحملان هذه المرة جديّةً أكبر.
“ربما هو مجرد إحساس، لكني لا أظن أن وراءه هدفًا عظيمًا.”
تذكرت إيفيريا ما كانت تفكّر فيه سابقًا.
كم من المواضع التي بدت مصطنعة، بعيدةً عن العفوية. كم من التفاصيل التي جعلت من الصعب تصديق أن كل شيء مجرد صدفة.
من البداية، كان واضحًا أن الشائعة استهدفتها هي.
وإذا أضفنا إلى ذلك أنها انطلقت في فترة الامتحانات، فإن ما عانته سابقًا منذ دخولها الأكاديمية بدا وكأنه يُعاد من جديد.
ثم أكملت إيفيريا بثقة أقوى،
“أقصى ما أرادوه…..هو صرفي عن الدراسة.”
“….…”
لم يعلّق إيرميت. ورغم أنه كان يبادلها النظر، لم تتمكن من قراءة ما يدور في رأسه.
لعلها بدت واثقةً من نفسها أكثر مما ينبغي؟
عضّت على شفتيها، ثم شرحت السبب،
“لستُ أتوهّم…..فلدي سوابق كثيرة.”
“أجل، سمعت عنها. مثل ذلك الطالب في السنة الأولى الذي اعترف لكِ بحبّه.”
اجتاحها فجأةٌ إحساس بالخزي. فقد كان ذلك الموقف مشهورًا لدرجة أن كثيرًا من الطلاب علموا به.
صحيحٌ أن بعضهم ظلّ يتهامس به عند مرورها، لكنها لم تسمعه يومًا يُقال في وجهها مباشرة.
والآن، أن تسمعه من إيرميت نفسه…..كان الأمر أشدّ إحراجًا.
فاحمرّ وجهها، وارتجف صوتها وهي تردّ،
“آه….أجل…..كنتَ تعرف إذاً.…”
“وماذا أيضًا؟ نعم، أتذكر…..في اليوم السابق لامتحان تخصص السحر، قام أحدهم بالطعن في إجابات المادة الأساسية.”
ضحكت إيفيريا بخجل. كان ذلك في الفصل الأول من سنتها الثانية.
فتردّد قليلًا وكأنه يفكّر، ثم تحدث بخفة مازحة،
“لا أستطيع أن أتذكر اسم ذلك المقرر بالضبط.”
“اسمه فهم الجسد. مادةٌ تابعة لقسم فنون السيف، لكن كان على طلاب السحر أيضًا أن يدرسوها.”
كانت أكاديمية لاكانيل مقسومةً إلى قسم فنون السيف وقسم السحر، غير أن هناك مقررات أساسية مشتركة يجب على الجميع اجتيازها.
عادةً ما كانت اختبارات المواد الأساسية تُجرى في بداية فترة الامتحانات، بينما تُجرى اختبارات التخصصات لاحقًا، ما يعني وجود فارقٍ زمني بينهما.
لكنها لا تزال ترتجف حين تتذكر كيف استُدعيت إلى الأستاذ بعد ظهر اليوم السابق مباشرةً لامتحان تخصص السحر، بسبب اعتراض غريب وغير منطقي على الإجابات.
أغمضت إيفيريا عينيها قليلًا وهزّت رأسها بخفة.
فراقبها إيرميت مليًّا، ثم سألها بابتسامة خفيفة،
“ألا تفكرين في ردّ الدين هذه المرة؟”
“…..في الحقيقة، لم أتعامل مع مثل هذه الأمور بجدية من قبل.”
كان إيرميت قد بحث في الأمر مسبقًا، وفي نيّته أن يردّ ولو جزءًا مما تعرّضت له، سواءً أرادت ذلك أم لا.
و لم يكن يعرف أي “جزء”، لكنه كان عازمًا.
ألقت إيفيريا نظرةً بعيدة نحو المبنى الرئيسي للأكاديمية.
“بصراحة، لم أكن أعرف حتى كيف أردّ على مثل تلك التافهات. ثم إنها لم تُصبني بأذى مباشر، فهي فقط تصرفاتٌ طفولية، فتركتها تمضي.”
“….…”
“لكن هذه المرة…..الأمر كان أكبر قليلًا.”
أدرك المعنى الذي قصدته، فتلاقت عيناه بعينيها.
و حدّقتا عينان مختلفتا اللون في بعضهما.
“بما أنني أحد المتضررين أيضًا، فدعيني أتولى الأمر.”
قال ذلك بخفة، وابتسم كأنه وجد عملًا ممتعًا ينتظره.
حينها، تأكدت إيفيريا أنه كان على علم بكل ما قيل عنها.
***
مضت أيامٌ قليلة وظهرت النتائج. و لم تختلف كثيرًا عمّا توقّعته.
أمعنت النظر في الأرقام بعد غياب طويل عنها، ثم رفعت عينيها إلى إيرميت الجالس أمامها. وقد كان يراقب تعابيرها عن قرب.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 74"