في صباح يوم الامتحان، توجهت إيفيريا مع سينثيا إلى قاعة الطعام.
وبما أنّ امتحانات الأكاديمية كثيراً ما تتطلب الإبداع انطلاقاً من العدم، فقد رأت أنه من الأفضل أن تمدّ عقلها بالوقود أولاً.
وبما أنها نالت قسطاً وافراً من النوم ليلة البارحة، فلن يجعلها الشبع تشعر بالنعاس.
وحين وقعت عينا سينثيا على الدفتر الذي لم يفارق يد إيفيريا، سألتها بدهشة،
“أأنتِ وهذا الدفتر قطعةٌ واحدة؟”
“نعم. إنه توأمي.”
ابتسمت إيفيريا ابتسامةً خفيفة ولوّحت بالدفتر.
كان هذا الدفتر رفيقها الدائم في فترات الامتحانات، وهو ذاته الذي كانت تمسك به عندما انهارت سابقاً.
صحيحٌ أن وجه إيفيريا لم يكن في أفضل حالاته، لكنه مقارنةً بحالاتها السابقة في أيام الامتحانات، بدا جيداً جداً.
وبالنظر إلى كل ما جرى معها مؤخراً، كان من حسن حظها أن حالتها لم تزد سوءاً.
تنفست سينثيا الصعداء ممزوجةً ببعض الشكوى،
“أنا لم أذاكر، فلماذا أرتجف هكذا؟”
“…..أما أنا فقد ذاكرت، ومع ذلك أرتجف.”
“هذا طبيعي.”
وانتشرت ضحكةٌ صغيرة حولهما.
وكما يليق بيوم الامتحان، واصلتا حتى أثناء الطعام تبادل الأسئلة واسترجاع النقاط المهمة.
وبعد أن افترقت عن سينثيا، اتجهت إيفيريا إلى قاعة المحاضرات التي ستُعقد فيها الامتحان.
ولأن كل قاعة تخضع لاختبار واحد في اليوم، كان من الجيد الوصول مبكراً لمراجعة بعض الملاحظات.
هنالك، وقعت عيناها على شخص مألوف. فرفعت رأسها ببطء شديد. بينما كان شعرها المربوط بعناية يتمايل مع الريح.
لقد كان إيرميت يبتسم برفق. وعيناه البنفسجيتان المنحنيتان بدفء، وصوته العذب ناداها،
“إيفيريا.”
لسببٍ غريب، كان اللقاء به في ممرات الأكاديمية يثير في قلبها انفعالاً أشد.
أشعة الشمس التي انسكبت على شعره الفضي بدت غريبة، والمشهد الذي جمعه مع خضرة الأشجار والنسيم بدا لها غريباً في ألفته.
تأملت إيفيريا تفاصيل هذا المشهد المألوف والغريب في آن، فعجزت عن النطق. عندها تحدث إيرميت بابتسامة بدت خجولة بعض الشيء،
“لو علمتِ أنني مريض لقلقتِ علي، لذلك..…”
“آه…..”
“في الحقيقة، جئت فقط لأنني أردت رؤيتكِ.”
أعقبها بابتسامةٍ مازحة. وبدت ملامحه أفضل حالاً.
كان قد تضرر كثيراً، لكن وضعه كان أحسن بكثير من آخر مرة رأته فيها. وحين ركّزت إيفيريا نظراتها عليه، بدا في عينيه بوضوحٍ ارتياحٌ وطمأنينة.
و عندما ابتسمت له، بادرها هو بالسؤال عن حالها،
“هل أنتِ بخير؟”
كان سؤالاً عادياً، مكرراً حد الابتذال، لكنه أفلت ابتسامتها.
لم تفهم مغزى سؤاله. هل كان يقصد امتحاناتها؟ أم أنه سمع شيئاً عن الشائعات التي كانت تدور حولها؟
تسلل إلى نفسها خوفٌ غامض عند التفكير أنه ربما يعرف شيئاً بالفعل.
كانت قد عاهدت نفسها أن تخبره بالحقيقة بنفسها يوماً ما، لكن هذا الاحتمال، رغم أنه قد يكون محض وهم، أشعل الاضطراب في قلبها.
فالتفكير العابر شيء، أما احتمال أن يكون واقعاً فشيءٌ آخر تماماً.
ثم أجابت بجملة رسمية مألوفة،
“لا يوجد ما يجعلني لستُ بخير.”
“…..صحيح. أتمنى لكِ التوفيق في امتحانكِ.”
“وأتمنى لكَ أيضاً.”
تجاهلت إيفيريا الصمت الغامض الذي سبق جوابه، وخفضت بصرها إلى دفترها وهي تستأنف السير.
و كانت تفكر: بعد أن ينتهي الامتحان ويُتاح لهما وقت أطول معاً، ستتحدث إليه عن الشائعات بلسانها هي.
***
انتهت الامتحانات.
عادةً ما كان الفصل الدراسي يُختتم فعلياً بعد انتهاء الامتحانات وصدور النتائج. لكن بين نهاية الامتحان وظهور الدرجات كان هناك دائماً بعض الوقت الفاصل.
لم يكن هناك يومٌ محدد يُعلن فيه رسمياً انتهاء الفصل، غير أن معظم الدروس كانت تتوقف بمجرد انتهاء الاختبارات.
ولذلك غدت حياة إيفيريا الرتيبة أكثر رتابة. و شعور امتلاك الكثير من الوقت كان غريباً عليها بعد فترة طويلة.
فكرت أنه لو كان إيرميت بقربها في مثل هذه الأوقات لكان الأمر أفضل بكثير، لكنها لم تره منذ مدة طويلة.
أما سيد برج السحر فقد صار يستدعيها أكثر من ذي قبل. فإن كان ملعب التدريب خالياً التقته هناك، وإن كان مشغولاً، قصدت مختبره في أكاديمية لاكانيل.
والحقيقة أن أوقات تدريبها المعتادة مع سيد البرج لم تكن تتزاحم عادةً مع أشخاص آخرين، إلا في فترات التقييمات الرسمية أو الاستعداد للمسابقات.
وبينما كانت جالسةً على مقعد بمحاذاة جدار ملعب السحر، التفت إليها سيد البرج وسألها،
“إيفيريا، هل تودين المجيء إلى البرج؟”
“نعم؟”
اتسعت عيناها في دهشةٍ وأومضت.
كانت قد تحدثت سابقاً عن نيتها الذهاب إلى البرج، لذلك لم تفهم مقصده من السؤال تماماً.
“أقصد في العطلة.”
“آه…..”
حينها فقط أدركت. فأضاف سيد البرج شرحاً،
“لو أقمتِ في البرج لكان وقتكِ أكثر فاعلية، ولأمكنني أن أتابعكِ عن قرب. ما رأيك؟”
أنصتت إيفيريا برأس مائل قليلاً وعينيها تتأملانه.
كان العرض مفاجئاً للغاية حتى أنها لم تتخلص بسهولة من شعورها بالارتباك.
فابتسم سيد البرج وهو يلاقي عينيها مباشرة،
“الإقامة والطعام مؤمَّنان. يكفي أن تأتي بجسدكِ فقط.”
“…..نعم. سأفعل.”
أجابت بالموافقة ثم ابتسمت ابتسامةً صغيرة.
لم يخطر لها أبداً أن تقيم في برج السحر. وقد بدا الأمر أشبه بالاندفاع نحو المجهول بلا خطة.
وفي الوقت نفسه راودها إحساسٌ بالذنب، كأنها لا تفعل شيئاً سوى تلقي المساعدة من سيد البرج من غير أن ترد له الجميل. وشعرت بالأسف لأنها لم تُحسن التعبير عن امتنانها بما يكفي.
كانت تعلم تماماً أنه يكرس لها قدراً كبيراً من الاهتمام والجهد. ورغم أن كل ذلك جاء بشكل مفاجئ، فإن نتائجه كانت دائماً في صالحها.
رفعت إيفيريا عينيها من جديد نحوه وهي تتحدث بهدوء،
“شكراً لكَ.”
“هم؟ لا عليكِ. كل ما أفعله لأجلي أنا.”
جاء صوته واضحاً صادقاً، ولم يكن في وجهه أي أثر للرياء.
***
جلست إيفيريا تحت شجرة الكرز. المكان ذاته الذي جلست فيه من قبل مع سينثيا للمذاكرة أيام الامتحانات النصفية. و لم يبقَ على الأغصان سوى أوراق خضراء بعدما تساقطت كل الأزهار.
كان الطقس يزداد حرارةً شيئاً فشيئاً، لكن الظل أبقى الجو لطيفاً منعشاً.
و جلست شاردة تحدق في الطلبة المرحين الذين بدوا في غاية النشاط.
رغم أن الامتحانات انتهت منذ وقت، إلا أن لقاء إيرميت كان لا يزال صعب المنال.
قد تصادفه أحياناً بعينيها، لكنه سرعان ما يختفي قبل أن تبادله حتى بضع كلمات.
و تساءلت: أين يكون؟ وبماذا ينشغل حتى لا يجد وقتاً للحديث معها؟
وارتسم في قلبها شعوران متناقضان؛ فضولٌ لمعرفة مكان وجوده الآن، وراحةٌ لأنها لا تدري أين هو.
لو كانت إيفيريا تعرف مكان إيرميت لذهبت إليه مباشرةً من غير تفكير أو تقدير للوضع، حتى لو كان ذلك المكان قصر الدوق أو القصر الإمبراطوري حيث يصعب على شخصٍ مثلها الدخول.
وفي غمرة أفكارها شعرت ببرودة شيء يلامس خدها. فارتدت بجسدها لا إرادياً، ثم استدارت نحو مصدر الإحساس.
“……آه.”
“كيف حالكِ؟”
اصطدمت عيناها بتلك العينين البنفسجيتين الرائقتين. كان إيرميت واقفاً خلفها.
تسربت خيوط الشمس بين ظلال الأغصان لتضيء وجهه بخفة. و الضوء الرقيق الذي استقر فوق أهدابه الفاتحة منحه مسحةً غير واقعية.
كانت لديها كلماتٌ كثيرة تريد أن تقولها له، لكنها احتاجت أن تحدد الأولويات أولاً. فراحت تفكر أي جملة يجب أن تسبق. ثم خرج صوتها مرتجفاً قليلاً،
“……كم من الوقت ستبقى هنا؟”
“طويلاً. لقد عرفت الكثير من الأمور، والآن لا بد أن أكون بقربكِ.”
ابتسم إيرميت ابتسامةً خفيفة. بينما إيفيريا تحدق في وجهه طويلاً.
لم تصدق أنه ظهر فعلاً أمامها الآن. فكيف أمكنه أن يظهر في اللحظة ذاتها التي كانت تفكر فيه فيها؟
وإضافةً إلى ذلك، قال أنه سيكون قريباً منها باستمرار. فتساءلت إن لم تكن قد غالت في التفكير فيه حتى باتت ترى هلوساتٍ خيالية.
إلى أن جلس بجوارها، لم تفعل سوى أن تثبت بصرها عليه.
ثم مدّ إليها المشروب الذي كان يحمله بيده. و أدركت على الفور أنه هو الشيء الذي لامس خدها قبل قليل.
لقد شعرت بالبرودة بوضوح. عندها تنفست الصعداء،
“أتريدين شرب هذا؟”
“إنه واقع، صحيح؟”
تداخل سؤالهما. فابتسمت إيفيريا ابتسامةً محرجة.
بيتنا أمال إيرميت رأسه قليلاً وهو يثبت بصره عليها كأنه يشجعها على إتمام حديثها.
و لم يكن ما تقوله سوى كلمات تافهة، لكن وقد فُرش لها الجو لم تستطع كتمانها.
“شعرت ببرودته قبل قليل، لذا أظن أنه حقيقي.”
“……صحيح.”
ابتسم ابتسامةً رقيقة. فابتسمت بدورها بخجل.
ثم ناولها المشروب، فأخذته بكلتا يديها رغم ابتسامتها المتوترة.
هبت نسمة هواء عليلة. فرفعت بصرها إلى الأعلى تتأمل أوراق الشجر التي كانت تتمايل مع الريح، والفراغات التي انبثق منها نور الشمس بين حين وآخر.
بينما تابع إيرميت بعينيه الخيوط الرفيعة من الضوء وهي ترقص فوق وجهها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 73"