خرجت الكلمات من فم إيفيريا حادةً هجومية دون أن تدرك، ثم رمقتهم بنظراتٍ تطالب بجواب.
كلما فكرت أكثر، بدا الأمر مثيرًا للسخرية.
لم يتحرَّوا عن الحقائق أصلًا، ومع ذلك استطاعوا بكلمات تافهة أن يطمسوا شخصًا تمامًا.
هل كانت حقًا تبدو لهم بتلك السهولة والهشاشة؟
قطبت جبينها قليلًا.
صحيحٌ أنها لم تكن تردّ عادةً على ما يُقال عنها، لكنها على الأقل داخل أكاديمية لاكانيل لم تكن يومًا شخصيةً يسهل الاستهانة بها.
فمن أين بدأت تلك الشائعات تنتشر؟ هل أخطأت هي في شيء؟ أكان عليها أن تبحث عن الأكاذيب فور ظهورها لتدحضها واحدةً تلو الأخرى؟
وبينما بدأ الشك يتسرب إلى حياتها وخطواتها الماضية، جاءها سؤالٌ آخر اخترق ذهنها،
“……إذاً، هذا ليس صحيحًا؟”
فأجابت ببطء، خشية أن تتشابك كلماتها،
“في هذه اللحظة، الحقيقة الوحيدة الواضحة هي وجود شائعاتٍ بلا أي أساس، والحقيقة الثانية أن هناك ضحيةً تدفع ثمنها.”
كان إحساسًا غريبًا يسيطر عليها، لم تختبره من قبل. حتى رأسها كان يغلي وكأنها ستنفجر في أي لحظة.
و كم مرة راودتها فكرة أن تنسف كل شيء بسحرها وتهرب إلى برج السحر، لكنه كان اندفاعًا أحمقًا، وظلمًا لأولئك الأبرياء الذين لا علاقة لهم بما يحدث.
فأجبرت نفسها على كبح جماح ذلك الجنون.
“قيل أن المصدر موثوق…….”
“سواءً كان المصدر موثوقًا أو لا، هل هناك ما هو أوثق من أن تسألوا المعني مباشرة؟”
كانت الكلمات الخشنة تتزاحم على لسانها، وكانت تشعر أنها ستتفلت بلا ترتيب لو فتحت فمها أكثر. فعضت على صمتها وابتلعت ريقها.
ثم خرجت منها نبرةٌ مُرّة، كأنها عتابٌ للجميع،
“حتى لو لم تسألوا السيد نيسبيروس نفسه، ألم يكن بوسعكم على الأقل أن تسألوني أنا؟”
“…….”
ساد الصمت. فرسمت إيفيريا على وجهها ابتسامةً ساخرة.
“أما بخصوص ما بيني وبين السيد نيسبيروس، فاسألوه هو إن شئتم. أما أنا……فهل ستمنحون كلماتي ثِقلًا مهما قلتُ الآن؟”
وختمت عبارتها، ثم عادت إلى مقعدها بعينين تفيض بالكلمات المكبوتة. و لم تسمع حتى كلمة اعتذار واحدة.
ومنذ ذلك اليوم، خيّم الصمت على الأكاديمية.
بدأت إيفيريا تبحث في الصحف لتعرف بدقة ما الذي قيل عنها. لكن بما أن الشائعة مرّ عليها بعض الوقت، لم تجد لها أثرًا في الصحف الحديثة الموضوعة أمام المكتبة.
فاستعانت بالأعداد القديمة، بينما كان الشعور بالإنهاك يتراكم في صدرها.
“حتى في فترة الامتحانات، أقضي وقتي على هذا…….”
قالت ذلك وهي تعقد ذراعيها محدقةً في الصحيفة الملقاة على الطاولة.
الأشخاص الذين يمكن أن يُحسب على أنها مقربةْ منهم لم يتحدثوا إليها عن الموضوع إطلاقًا. حتى سينثيا، التي كانت أكثر من يخالطها، لم تذكر شيئًا.
لكن حين وقعت عيناها على خبر صغير في زاوية الصفحة الأخيرة، أدركت سبب صمتهم.
لم يكن مختلفًا كثيرًا عمّا توقعت. كان مقالاً يصورها كشوكة دخيلة بين الأميرة وإيرميت. أما إيرميت، فبدت الصحيفة وكأنها تتجنب ذكره، تاركةً اللوم كله عليها.
عندها أيقنت إيفيريا أن ما كانت تظنه من قبل لم يكن صحيحًا تمامًا. فالمحررون في الصحف أحرص مما توقعت، و لا يضعون كل ما يثير الانتباه في الصفحة الأولى جزافًا.
أما فيما يخص إيرميت فقد كانت الصحف في الماضي يسارعون إلى نشر كل ما يخصه دون تردد. معاييرهم إذاً، لا تُفهم أبدًا.
وبينما كانت غارقةً في هذه الأفكار، أحست بوقع خطوات عند الباب.
فأدارت رأسها لتتأكد من هو القادم. و التقت عينا سينثيا بعيني إيفيريا، فابتسمت ابتسامةً متكلفة تخفي خلفها شيئًا، و يداها متشابكتان خلف ظهرها كأنها تحاول إخفاء ما تحمل.
لكن إيفيريا لم تسألها عمّا تخفيه.
“أوه، غريب! أنتِ في الغرفة اليوم؟”
“نعم.”
أجابت إيفيريا باختصار، ثم أنزلت بصرها نحو المقال.
كانت تلك الأسطر أقل ما يقال عنها أنها هجومٌ شخصي، لا مجرد نقاش حول الحقائق.
ومع أنها أيقنت أن سينثيا تعرف أصل الشائعات، لم ترغب أن تطلعها على نص المقال. لذلك طوت الصحيفة بحرص بحيث لا يظهر تاريخها ولا المقالة، ثم دفعتها جانبًا بعيدًا عن النظر.
تنفست بعمق، ثم فتحت كتابًا لتشغل ذهنها، وإذا بحزمة صغيرة من الحلوى تُمد أمام وجهها.
“خذي، تناولي هذه.”
رفعت إيفيريا بصرها من مكانها، ونظرت إلى سينثيا التي كانت تحدق فيها بعينين دافئتين تعكسان لطفًا صادقًا.
فخرج صوت إيفيريا منخفضًا، ممزوجًا بالامتنان،
“……شكرًا لكِ. سأستمتع بها.”
“جيد. استمتعي بها، لكن أرجوكِ توقفي عن شرب تلك الجرعات قليلًا. حقًا.”
كان صوتها المرح المألوف بمثابة نسمةٍ طيبة في قلب إيفيريا. و اكتفت بابتسامة صغيرة دون إجابة مباشرة.
ضحكت سينثيا ضحكةً قصيرة لعدم حصولها على رد صريح، ثم تركتها بكلمةٍ تدعوها للراحة، وغادرت الغرفة متعمدةً أن تتيح لها الاطلاع على الصحيفة بحرية.
إدراكها أن هناك من يفكر من منظورها حتى في هذا الموقف جعلها تشعر أن حياتها لم تكن عبثًا تمامًا.
وضعت إيفيريا قطعةً من الكعك في فمها، ثم أعادت فتح الصحيفة التي كانت قد طوتها.
“واو……هذا بالفعل قاسٍ للغاية.”
كل كلمة فيها ملغومةٌ بالعداء. و شعرت إيفيريا أن عينيها تتلوثان بمجرد قراءتها، فاستندت بقوة إلى ظهر الكرسي.
وكأن العالم بأسره يتربص لانهيارها. فقد تراكمت في ذهنها صور حوادث سابقة كانت تقع في كل فترة امتحانات منذ دخولها الأكاديمية، جميعها كأنها تستهدف إرباك حياتها.
ثم رفعت يدها تفرك عينيها، بينما اجتاحها الحنين إليه أكثر من أي وقت مضى.
***
وبعد أن تصفحت مزيدًا من الصحف الصادرة في الفترة ذاتها، حاولت إيفيريا أن تستعيد حياتها اليومية المعتادة خلال الامتحانات بأسرع ما يمكن.
ولم يكن غريبًا أن تكتشف أن تلك المقالة لم تُنشر إلا في صحيفة الأكاديمية وحدها، فلم تجد أثرًا لها في الصحف الأخرى.
لم يكن الأمر سوى ضجة داخل دائرة صغيرة. وما إن تغادر أسوار الأكاديمية، فلن يعرف أحدٌ بتلك الشائعات أصلًا.
وإن كان الهدف من المقالة والشائعات زعزعتها فعلًا، فإن أفضل رد هو أن تعيش كالمعتاد، لتفلت من مرادهم.
شدّت قبضتها على الدفتر الذي تحمله، وتوجهت نحو قاعة التدريب على السحر. السبب المعلن هو الحفاظ على مهارتها، أما السبب الحقيقي فهو أملٌ خفي أن تلتقي بإيرميت ولو للحظة.
وضعت بطاقتها الطلابية عند المدخل ودخلت، ليقابلها صمت المكان الخالي. فخلال فترة الامتحانات نادرًا ما يتدرب أحدٌ هنا.
جلست إيفيريا على كرسيٍ في زاوية القاعة وفتحت دفترها.
وليّ العهد الذي كان يومًا ما يرعبها قد تخرج بالفعل، والقاعة الخالية من الناس بدت على غير عادتها هادئةً تمامًا، بيئةٌ لا بأس بها للتركيز.
مضى وقتٌ طويل، حتى بدأت إيفيريا تشعر ببرودةٍ غريبة وتعب يتسلل إليها، فنهضت من مكانها.
يبدو أنها لن تلتقِ به هذه المرة أيضًا. ولأنها لم ترتدِ ما يكفي من الثياب الثقيلة، فبقاؤها أكثر لن يجلب سوى المتاعب في الغد.
ثم خرجت منها تمتمةٌ يائسة دون أن تتمكن من كبحها.
“……كنت أريد رؤيته اليوم.”
لا بد أنه أكثر انشغالًا مما توقعت.
عضّت إيفيريا شفتها وهي تجمع أغراضها.
وفجأة التقطت حواسها المرهفة وقع خطوات مألوفة عند المدخل. فرفعت رأسها بسرعة، وعيناها تلمعان.
صاحب الخطوات اتجه نحوها بخطواتٍ مسرعة. بينما توقف جمعها لأشيائها حين باغتها بلمسةٍ مستعجلة، ثم ارتمى برأسه على كتفها.
كان إيرميت دومًا يحرص على أن يكون اقترابه منها في حدود إدراكها ورضاها، أما أن يتصرف هكذا فمعناه أنه هو الآخر كان يشتاق إليها بشدة.
اطمأنت إيفيريا لهذا، وأغمضت عينيها بسلام بين ذراعيه.
لم يقل شيئًا، بل ظل يحتضنها فقط. أما هي فاكتفت بأن تتحرك بخفة في مكانها، من دون أن تحاول دفعه بعيدًا، إذ وجدت في حضنه شعورًا بالأمان.
غير أن حرارة جسده بدت أعلى مما اعتادت، حتى في المواضع المغطاة بالملابس شعرت أن حرارته غير طبيعية.
بدا أنه ليس بخير. فابتعدت قليلًا لتتفحص وجهه بعينين يملؤهما القلق.
لكن إيرميت، وكأنه أساء تفسير حركتها، بدا مرتبكًا أكثر، فأفلتها على عجل.
“آه، آسف.”
“سيد…….”
“يجب أن أذهب. سامحيني حقًا.”
أرادت أن تسأله عن حاله، لكنه قطع الحديث بالاعتذار ومضى. و لم تلحّ هي أيضًا. فقد بدا منشغلًا على نحو مبالغ فيه، وربما لم يكن يحب أن يقلقها حاله.
ومع ذلك، كان دومًا ثابتًا لا يتغير.
فترددت في الفضاء همسة اعتراف واثقة،
“أنا……أحبكِ كثيرًا. أريدكِ فقط أن تعرفي ذلك.”
“نعم، أصدقكَ.”
كانت تلك الكلمات بالضبط ما احتاجته إيفيريا. فابتسمت بخفة وهي تجيب.
ثم خيّم الصمت. و فتح إيرميت فمه كأنه يريد قول شيء آخر، ثم عضّ شفتيه وتراجع.
حفظت إيفيريا ملامحه في قلبها: وجهه المرهق، خصلات شعره المبعثرة قليلًا، وملابسه التي بدت أقل انضباطًا من المعتاد.
و عندما غاب شكله عن ناظريها، وضعت يدها على صدرها، حيث كان قلبها ينبض على نحو غير منتظم، يموج بمزيج غامض من الراحة والارتباك.
تذكرت كلماتٍ سابقة أنكرت صدقه، لكنها أدركت أنها ما زالت عالقةً في قلبها.
والآن، بعد أن منحها الجواب الذي كانت تنتظره، عرفت أنها يجب أن تثق به كما لم تفعل من قبل.
و بخطواتٍ أخف، خرجت إيفيريا من قاعة التدريب على السحر.
_______________________
جاي يضمها ويروح؟😭 بس؟ مافيه بوسه على الخد ولا على جبهتها؟ يا غشاش
شكلع جاي ركض بعد مادرا عنها ؟ مدري الولد ذا ماينفهم بس حلو هو شافها وهي ارتاحت
وشكله تعيبان😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 72"