بحكم طبع سيد البرج، لم يكن سؤاله عن قلق حقيقي، بل مجرد محاولةٍ لمداعبة الطرف الآخر وإثارته قليلًا.
و عندما لم يُبدِ إيرميت أي رد فعل يُذكر، دفع سيد البرج الأوراق إلى زاوية المكتب وبدأ جدّياً في التذمر.
و كانت معظم كلماته لا تهدف إلا لانتزاع ردٍ قوي من إيرميت.
“لو واصلت التغيب عن الأكاديمية بهذا الشكل، فلن تتمكن من دخول البرج بسبب تدني درجاتكَ.”
“لا بأس، فقد أبليتُ جيدًا العام الماضي.”
“ها…….”
لقد قصد أن يكف عن التغيب عن الأكاديمية، وأن يكف أيضًا عن التردد الدائم على البرج، لكن كل ما ناله جوابٌ كهذا.
ذلك الاطمئنان المستند إلى حجج واقعية كان يثير ضيقه بشدة.
والأشد إزعاجًا، أنه رغم كل ذلك، استطاع أن يتخيل نفسه في المستقبل وهو يوافق مباشرةً على طلب انضمام إيرميت إلى البرج إذا تقدم به.
فتنهد سيد البرج بمرارة، وخفض بصره إلى الأوراق التي أمامه من جديد.
***
مضى الوقت سريعًا جدًا. و لم يتبقَ على الامتحانات سوى نحو أسبوعين. وبدا أن الفاصل بين الاختبار والآخر أقصر من المعتاد.
أبعدت إيفيريا نظرها عن الملاحظات المليئة بالعلامات والتأكيدات، وبدأت تجمع كتابها وقلمها. و لم تكَد تصدق أن امتحانات نهاية الفصل لم يعد يفصلها عنها سوى أسبوعين فقط.
أما إيرميت فقد سجل حضورًا بالكاد يفي بالحد الأدنى. لكن بما أن الحضور لم يكن يحتل نسبةً كبيرة من الدرجة النهائية، فإن لم يُجبر على إعادة المقرر، كان بإمكانه تعويض ما نقص عبر الاختبارات والتقارير.
يا له من شخص دقيق وحسابي بلا طائل، ومع ذلك مدهشٌ بطريقته.
وفي النهاية، قررت إيفيريا أن تعترف بالأمر ببساطة. كما يختلف الناس في ظروفهم، تختلف أولوياتهم.
فما يعد ثمينًا عندها قد لا يعني لهم شيئًا، وما يقدّره إيرميت قد يكون تافهًا في نظرها.
كانت تدرك ذلك بعقلها منذ زمن، لكن إدراك القلب يختلف كثيرًا عن إدراك العقل.
ولذلك قررت ألّا تغضب إذا لم يضع إيرميت ما تراه هي مهمًا في صلب اهتماماته. و على الأقل ستحاول أن تمرر الأمر بروح متسامحة.
ثم قطعت تفكيرها فيه. فالانشغال بمن لا تستطيع لقاءه الآن لا يزيدها إلا شوقًا ووجعًا.
حملت إيفيريا الكتب والأدوات التي تحتاجها، وتوجهت نحو قاعة المحاضرة التالية.
و كعادتها، أرادت أن تدخل القاعة مبكرًا، لكنها فوجئت هذه المرة بازدحامها بالطلاب. حتى جلبة أصواتهم وصلت مسامعها من الخارج.
فأنزلت يدها عن المقبض، وتأكدت لحظةً من أنها لم تخطئ القاعة.
204. نعم، صحيحة.
‘هل ثمة أمرٌ خاص يحدث اليوم؟’
تساءلت وهي تعصر ذاكرتها. لكن لا، فهي تتابع بدقة كل ما يخص الأنشطة الرسمية في الأكاديمية وما يعلنه الأساتذة أثناء الدروس.
إذاً، على الأرجح أنهم جاؤوا جماعةً في وقت أبكر من المعتاد لا أكثر.
خطت إيفيريا إلى داخل قاعة المحاضرة وهي لا تزال تحدق في دفتر ملاحظاتها. وما إن تجاوزت العتبة حتى خيّم الصمت، كأن الضجيج الذي سمعته منذ لحظات لم يكن سوى وهم.
ثم أحست بوضوح أن عشرات النظرات ترتكز عليها. حتى وهي المعروفة ببرودها، استطاعت أن تدرك مدى فجاجة تلك العيون.
شعرت بنفور، فعقدت حاجبيها قليلًا وهي تجول ببصرها بين الطلاب الذين يحدقون بها.
لم يخطر ببالها أن تبادر فتسألهم شيئًا. فقد كان لديها ما يشغلها، ولن تبادر ما لم يقتربوا منها ويقاطعوا هدوء يومها.
و طالما لا يعكرون صفوها، فهي عازمةٌ على التزام الصمت.
جلست في مقعدها المعتاد، وانغمست في مراجعة دروسها. لكن سرعان ما اضطرت إلى التراجع عن ذلك القرار.
ففي المحاضرات التالية تكرر المشهد. تجمعاتٌ صغيرة متكررة من الطلاب، همساتٌ واضحة أنها تدور حول أمر ما يخصها. وفوق ذلك، كلما ظهرت، ساد جوٌ بارد فجأة، والعيون كلها تنصب عليها.
و لم يقتصر الأمر على المحاضرات، بل امتد إلى قاعات القراءة والمطعم كذلك.
فأدركت إيفيريا فورًا أن شائعةً ما عنها أخذت تنتشر في الأكاديمية. و كان ذلك أمرًا غير مسبوق لها.
صحيحٌ أنها كانت تعلم بوجود أحاديث متفرقة عنها بين الحين والآخر، لكنها لم يسبق أن شعرت بهذا الشكل المباشر بأن الألسنة تتداول اسمها.
وكأنها باتت حيوانًا نادرًا في حديقة حيوان، أو وحشًا أمام فرقة صيد. كان إحساساً قذراً للغاية.
في وقتٍ آخر ربما كانت لتتجاهل الأمر، لكنها الآن تعيش فترة الامتحانات، والفترة تلك هي الأسوأ بالنسبة إلى مزاجها.
فرفعت بصرها عن الكتاب، و جالت بعينيها في الأرجاء، ثم خرجت منها تمتمةٌ تحمل مشاعرها بوضوح،
“……حقًا، يثيرون الأعصاب…….”
فاستنزاف العاطفة يلتهم القوة، لا الجسدية فقط بل والذهنية أيضًا.
إنها فترة امتحانات، ألا يدرسون هؤلاء؟ لم كل هذا الفضول في شؤون غيرهم؟
مرت أصابعها بعصبية على شعرها وهي تدفعه للخلف.
ومجدّدًا، بدأوا يتهامسون ويضحكون بينها وبين أنفسهم، كأنهم على يقين من أنها لن تتجرأ على مواجهة الأمر. فأحست بعنادٍ غريب يتولد في داخلها.
إن استسلمت حتى في مواجهة مباشرةٍ كهذه، فلن يتوقف الأمر أبدًا. فأنهت حكمها بسرعة، وجمدت ملامحها ثم نهضت من مكانها.
و وجهها، الذي كان أصلًا صعب المراس، ازداد برودةً وحدّة.
توجهت بخطواتٍ ثابتة نحو المجموعة التي كانت تثرثر. ومع أنها كانت تقترب أكثر فأكثر، أخذت أصواتهم تخفت تدريجيًا. والأنظار من حولها تتابعها باهتمام.
ثم دوّى صوتها الواضح في القاعة ببرود متزن،
“أهناك ما تودون قوله؟”
“…….”
“لا تكتفوا بالتحديق هكذا. قولوا ما عندكم. نحن في فترة امتحانات، فما الذي تفعلونه باللهو بي؟”
العيون الزرقاء الصافية ثبتت على الطلاب المتجمعين أمامها.
و لم يكن صوتها عاليًا، ولا حتى غاضبًا. بل بدا وكأنها تسأل بدافع الفضول فحسب.
لكن نظراتها لم تحمل ذلك الهدوء. بل تلألأت باردةً قاسية، زرقاء كالجليد.
ومع أنها مهدت لهم السبيل، إلا أنهم عجزوا عن قول شيء مباشر في وجهها.
استمر التوتر الصامت بين الطرفين زمنًا، ومع مرور اللحظات بدأت نظرات إيفيريا تزداد امتلاءً بالاحتقار، حتى وصل مسامعها تمتمةٌ واهنة.
“……قذرة.”
“…….”
توجه بصر إيفيريا فورًا نحو مصدر الصوت، مطالبةً بتفسير. فهي، مهما كانت فترة الامتحانات قاسية، لم يسبق أن أهملت نظافتها يومًا. لذا كان واضحًا أن كلمة “قذرة” لم تكن تعني معناها الحرفي.
فارتفع الصوت أوضح هذه المرة، يهز الفراغ من حولها.
“هل تظنين أن شخصًا له خطيبٌ يمكن أن يكون جادًا في علاقة؟”
“…….”
عندها فقط استطاعت إيفيريا أن تخمّن طبيعة الشائعات التي انتشرت عنها.
لا شك أنها تدور حولها، وحول إيرميت، والأميرة، وقد نُسجت خيوطها في فضيحة رخيصة.
لو أنها واظبت على قراءة الصحف كما اعتادت لكانت عرفت منذ البداية، لكن امتحاناتها شغلتها فلم تملك وقتًا لتصفحها.
ولم يخطر ببالها مطلقًا أن أسماءً بتلك المكانة قد تُقحم في شائعة تخصها.
وحتى عندما شعرت منذ أيام بأن شيئًا يُحاك حولها، لم تفكر بالبحث في الصحف.
والحق أن الشائعة كانت فاسدةً من جذورها. فإيرميت والأميرة لم يكونا مخطوبين بعد، ولم يكن ثمة شيءٌ معلن سوى بعض الأقاويل.
بل إن ولي العهد نفسه أسرّ لها بأن لا خطبة قائمة بين الأميرة وإيرميت. غير أن إعلان ذلك أمام الجميع الآن لم يكن بالأمر الهيّن.
كان في الشائعة من الثغرات ما أربكها، فلا تدري من أين تبدأ في تفنيدها.
فتحدّثت بنبرة متحفظة،
“الكلام الذي تفوّهتِ به الآن، هل جربتِ أن تقولي مثله أمام سموها الأميرة؟”
“قد تُجرح مشاعر الأميرة…….”
“خشيتِ أن تجرحي مشاعرها، فلم تجرؤي على الكلام؟ حسنًا، وماذا عن السيد نيسبيروس إذاً؟”
قاطعتهم بحدة، فلم تجد أي ضرورةٍ لأن تترك هراءهم يكتمل.
و بدأت تتصاعد في داخلها مشاعر لم تستطع تمييزها، هل هي غضب أم ضيق؟
فهم لا يظهرون شيئًا لمن لا يقدرون على مواجهته، ثم يفرغون كل ما لديهم على من يرونه أضعف.
فتسلل إليها شعورٌ قاسٍ بالظلم، وكان من الطبيعي أن تستشيط.
أزاحت خصلة شعر انزلقت خلف أذنها، ثم واصلت،
“ولنقل إن الشائعة صحيحة. ها أنا التي أعشق وحدي في علاقة ثنائية؟”
“…….”
كان الاستغراب يتسرب إلى ملامحهم في كل كلمة، والصمت الثقيل من حولها بات مليئًا بالدهشة واللامعقولية.
حدّقت بهم بنظرة مشدودة الحاجبين، فارتد إليها صوتٌ متحامل،
“لكن السيد نيسبيروس لم يكن يحضر إلى الأكاديمية أصلًا.”
“ما الذي تقولونه؟! لقد كان يحضر بين حين وآخر. لو بدلتم وقتكم الذي تقضونه بالثرثرة عني في اللحاق به، لتمكنتم من محادثته أكثر من مرة.”
وكان ذلك عين الحقيقة.
فإيرميت ظل يحضر إلى الأكاديمية بانتظام. صحيحٌ أنه كان يغادر فور انتهاء محاضراته، لكنه على الأقل كان يأتي، وهذا وحده كافٍ لنسف حجتهم.
كان غريبًا في التزامه الصارم بأنظمة الأكاديمية. و لم يستخدم السحر النقلي أبدًا خارج ساحة التدريبات، وهذا ما يثبت أن إيرميت لم يختفِ فجأة من مكانه.
وبعض الجهد للاقتراب منه يكفي لفتح حديث، تمامًا كما فعلت إيفيريا منذ أيام عندما استوقفته قبل أن يغادر ساحة التدريب عند الدائرة السحرية.
والآن، تقاطعت نظراتها الزرقاء الباردة مع عيونهم المرتبكة.
“لا تُغطّوا على ضعفكم وقلة يقينكم بمثل هذه الأعذار. ببساطة، وجدتم أنني هدفٌ سهل، بينما السيد نيسبيروس لم يكن كذلك. أليس كذلك؟”
________________________
يمه إيفيريا انفجرت ياعمري هي
وإيرميت مب الشائعات شغلتك؟ وينك امش فقعهم يارجال
المهم ودي يدخل وهم وسط ذا الكلام عشان يشوف ايفيريا المعصبه وبالمره يمسكها قدامهم🤏🏻✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 71"