كانت إيفيريا تعبث بخصلات شعرها، بينما هو ما زال واقفًا خلفها يتحدث ببطء. وقد كان صوته مبحوحًا قليلًا.
“……قد أغيب عنكِ كثيرًا من الآن فصاعدًا.”
“…….”
“ربما يكون هذا بدافع أنانيتي…..لكن هناك أمرٌ واحد مهم.…”
أمالت إيفيريا رأسها قليلًا نحو الجهة التي يقف فيها إيرميت. ثم أحست بيده تمسك نهايات شعرها المضفور بلطف حتى لا يفسد جديلتها.
التقت عيناهما. عينان بنفسجيتان قابلتا نظراتها بصدق واضح، وكأنه يترجاها أن تصدق مشاعره. حتى أنه لم يبتسم.
“مشاعري تجاهكِ أعمق بكثير مما تظنين.”
“…….”
“قد تفزعين وتهربين حين تدركين حقيقتها كاملة.”
لكنها لم تشعر أن ذلك سيحدث.
و حين ابتسمت إيفيريا ابتسامةً واهنة، ابتسم هو الآخر بخفة.
“سأحاول أن أطلّ عليكِ كل فترة. قد أمرّ على الأكاديمية أحيانًا…..لكني لن أجد وقتًا كافيًا لرؤيتكِ كما أريد، فأقولها لكِ مسبقًا. وإن جاءتني فرصة البقاء أكثر من المعتاد، ستكونين أوّل من أبحث عنه.”
لم تستطع إيفيريا الرد. و اكتفت بأن عادت برأسها إلى الأمام. ومن خلفها أحست بيديه تعبثان مجددًا بشعرها لبعض الوقت.
و وسط صمت غريب، شدّ بخفة على أطراف ضفيرتها وسألها بنبرة رقيقة،
“أنهيت الضفيرة، هل معكِ رباط شعر؟”
“……نعم، هنا.”
ثم ساد السكون من جديد.
ربط إيرميت طرف ضفيرتها بحذر شديد، خشية أن يؤلمها ولو قليلًا. و لم يكن هناك تعبيرٌ أصدق من كلمة: بالغ الدقة.
شعرت إيفيريا بتوتر ورعشة غامضة، وهي تسحب الضفيرة المربوطة إلى الأمام قرب عظمتي كتفيها.
وقبل أن تستدير نحوه، كان قد خطا خطوةً واسعة ليقف أمامها. ونظر إليها بعينين متفحصتين، دقيقة الملاحظة.
“جميلة.”
“……أنتَ تجيد تضفير الشعر.”
أطلق إيرميت عبارة مدح، غير أن إيفيريا لم تعتد بعد على المجاملات. أما الإطراء المتعلق بجمالها، فقد أوقع في قلبها ارتباكًا.
فأجابت بخجل، مرددة المديح إليه.
***
كانت إيفيريا لا تزال تعبث بخصلات شعرها. و أحست وكأن أثر إيرميت ما زال عالقًا بها.
لم يمضِ سوى أيام قليلة على خروجهما معًا، تناولا العشاء وجالا في أماكن شتى، لكن الذكرى بدت بعيدة كأنها وُلدت في حلم.
مع إيرميت، كانت تفقد إحساسها بالواقع. كما لو أنها استيقظت من حلم طويل.
و لم ترد أن تبهت الذكريات أو تذوب كأحلام عابرة في الماضي. فحاولت مرارًا أن تستعيدها بوضوح، لكن كلما حاولت ازدادت غموضًا وبعدًا.
دفعت إيفيريا لقاءها بإيرميت إلى زاوية بعيدة من ذهنها، كذكرى مؤلمة.
وبدلًا من الاستسلام، راحت تفكر بما يتعيّن عليها فعله كي تظل إلى جانبه. فمكانتها كفتاة من عامة الشعب تفرض عليها قيودًا كثيرة.
النجاح…..النجاح كان الطريق الوحيد. والرغبة فيه اشتدت في قلبها بلا توقف.
الارتقاء في المكانة، الوصول إلى سلطة تمنحها احترامًا لا يجرؤ أحدٌ على التشكيك فيه— حتى لو لم تنل لقبًا رفيعًا—صار مطلبًا لا بد منه.
كانت إيفيريا تضغط خدها برأس القلم الذي تمسكه، بينما يملؤها الاضطراب.
ما السبيل إذاً؟
حين ذهبت إلى أكاديمية هوريتين، تلقت عروضًا كثيرة من النبلاء وأبناء الأسر الملكية. لكنها كانت تدرك أنه حتى لو انضمت إليهم، فلن تكون سوى فرد تابع لإحدى العائلات لا أكثر.
أما لو دخلت القصر الإمبراطوري…..
“آه، ذلك لا….”
هناك ولي العهد. لذا شطبت إيفيريا خيار الانضمام إلى القصر من رأسها تمامًا.
ربما لو لم يكن أمامها أي بديل آخر…..لكن مع وجود طرق أخرى، فلماذا تختار ذلك الطريق؟
ثم ارتسم في ذهنها برج السحر.
المنضمون إلى البرج يفقدون مكانتهم السابقة؛ سواءً كانوا من عامة الشعب، أو النبلاء، أو حتى من العائلة الإمبراطورية، فما إن يدخلوا البرج حتى يصيروا جميعًا مجرد “سحرة البرج”.
ثم إن لقب “ساحر البرج” وحده كفيلٌ بأن يحظى باحترام لا يُستهان به. فإذا أضافت إلى ذلك إنجازًا أو رتبةً عالية داخل البرج، انعكس ذلك مباشرةً في صورة تقدير اجتماعي لا يمكن إنكاره.
لم تكن إيفيريا تكره السحر، بل على العكس، كانت تميل إلى الاستمتاع بممارسته. فلماذا إذًا لا تختار البرج؟
ليس هناك سببٌ مقنع يمنعها، إلا إن لم يكن ذلك ممكنًا من الأساس.
ثم ارتسمت على وجهها ملامح مترددة.
سيد البرج كان يكرر دائمًا دعوتها للالتحاق بالبرج، لكنها لم تعرف يومًا إن كان جادًا أم يمزح. وكانت بدورها تتفادى الإجابة بضحكة عابرة.
غير أنها الآن فكرت أن تطرح الأمر بجدية. فقد بدأ قلبها يميل نحو برج السحر.
***
ذلك اليوم كان موعد تدريبها مع سيد البرج. وفي طريقها إلى قاعة التدريب، أخذت إيفيريا ترتب الكلمات التي ستخبره بها.
تساءلت في نفسها: لو طرحت عليه بجدية سؤالها عمّا إذا كان بمقدورها دخول البرج، فكيف سيرد؟
هل سيقول أنه فات الأوان؟ أم سيرحب بها؟ أم ربما يكشف أن كل ما سبق كان مجرد مزاح؟
مهما يكن، كان عليها أن تسأل على الأقل.
وفضّلت أن تثق في مواقفه السابقة تجاهها، فقد أولى اهتمامًا بها و لم تُخطئ ملاحظته. واستمدت من ذلك شجاعةً كافية.
دخلت القاعة، فإذا بسيد البرج يبدو مرهقًا، كأنما لم يغادر بعد انتهاء الدرس السابق.
فاقتربت منه إيفيريا وألقت التحية،
“مرحبًا، يا سيد البرج.”
“……مرحبًا، إيفيريا.”
كان غارقًا في التفكير، ثم فتح عينيه ببطء ونظر إليها.
وبعد لحظة، استعادت ملامحه خفتها المعتادة. فحاولت إيفيريا أن تدفع عنها القلق الجاثم بلا سبب واضح، وجلست قربه.
ثم أحاطها مجددًا ذلك السحر المألوف الذي كان يسبح في الهواء.
“كيف حال مخزونكِ من الطاقة السحرية؟”
“……أظنه ازداد عن ذي قبل.”
حركت إيفيريا سحرها في جسدها ببطء.
نعم، لقد ازداد بالفعل. ولأن ما كانت تملكه من قبل قليلٌ للغاية، فقد بدا الفرق واضحًا.
حين ارتسمت على وجهها ملامح الدهشة، ابتسم سيد البرج بخفة.
“هذا فأل حسن.”
“……شكرًا لكَ.”
“لا شكر بيننا. في النهاية، كل هذا يصب في صالحي أيضًا.”
وعندما أبدت إيفيريا امتنانها، هزّ سيد البرج كتفيه بلا مبالاة.
ثم حلّ صمت بينهما، كلّ منهما غارقٌ في أفكاره الخاصة.
أما إيفيريا فكانت تشعر بهالة السحر الذهني لسيد البرج وهي تحتضن جسدها، وتتساءل في سرّها كيف تفتح معه الحديث.
وما إن همّت بالكلام، حتى التفت سيد البرج نحوها، وتماوجت معه قواه السحرية كظل يتبعه.
شعرت إيفيريا بشيء غريب، لم تعهده من قبل؛ فهي وإن كانت تميز قوى الآخرين، إلا أن إدراك السحر الذهني تحديدًا لم يكن بالأمر اليسير عليها.
أصلًا، السحرة الذهنيون نادرون، وفرصتها لملاقاتهم تكاد تكون معدومة.
و قياسًا على زمن لم تكن تدرك فيه شيئًا عن طبيعة سحرها، تغيّر الآن الكثير بالفعل.
غاص سيد البرج بعينيه المضيئتين في عينيها المليئتين بالتفكير، ثم،
“إيفيريا، يبدو أن لديكِ ما تريدين قوله.”
“آه، نعم…..”
“قولي إذاً. أنا منصت. هل تنوين الانضمام إلى البرج بعد التخرج؟”
كان صوته مشبعًا بالمرح الواضح. فابتسمت إيفيريا بخجل.
لكن هذه المرة لم تستطع التعامل مع السؤال بخفة، فقد تبدّل شيءٌ في قلبها. فأجابت بإيماءة جادة،
“……نعم. بعد التخرج، أريد أن ألتحق بالبرج.”
“حقًا؟!”
ارتسمت على شفتي سيد البرج ابتسامةٌ صافية لم ترها منه من قبل.
أجل، لقد كان يبتسم عادةً حين يخاطبها أو يخاطب إيرميت، لكن هذه البشاشة النقية كانت مختلفةً تمامًا.
“فكرةٌ رائعة. البرج مؤسسةٌ مستقلة بذاتها.”
كان صوته مرحًا. و بدا أن دعواته السابقة لها لم تكن مجرد كلمات عابرة.
فاسترسلت إيفيريا بما أعدّت سلفًا قوله،
“إن كان لا بد فسأجتاز الامتحان. وإن تم قبولي وفق الإجراءات الرسمية، فسوف تُرسل الأكاديمية الوثائق الخاصة بي إلى البرج..…”
“أنتِ؟ حتى لو تقدمتِ طلبًا رسميًا، فمكانكِ محفوظ.”
وحين توقفت عبارتها وسط القلق، قطّب سيد البرج حاجبيه قليلًا، كأنه يبدد شكوكها.
كان واحدًا من القلائل الذين يثقون بها أكثر مما تثق هي بنفسها. وذاك التقدير العالي، لا يمكن التعبير عن امتنانه بكلمات.
ثم إنه قادمٌ من سيد البرج نفسه؛ ومن المؤكد أنه لم يقل ذلك ليُسعدها وحسب، بل لأنه حكمٌ صادق نابع من تقييم موضوعي.
كانت تعرف ذلك، ومع ذلك لم تستطع أن تكبح قلقها. ففي سجلات الأكاديمية، ظلّت أغلب بياناتها تعكس الفترة التي كانت فيها كمية سحرها ضئيلة حدّ التحقير.
صحيحٌ أن حساباتها آنذاك كانت مبهرةً بالفعل، لكن في برج السحر تؤخذ قوة السحر الموروث بعين الاعتبار، وهذا ما جعلها تتساءل إن كانت ستُعامل بانتقاص.
وحين ارتبكت عيناها، تحدّث سيد البرج بلهجة خفيفة،
“نحن لسنا متشددين إلى ذلك الحد.”
لو سمع أحد الذين رُفضوا من دخول البرج هذه الجملة، لصفق كفًا بكف دهشة.
فاكتفت إيفيريا بتمتمة إعجاب صغيرة.
“عدم التشدد” في معايير البرج مختلفة، رغم ذلك، يعني أن معظم المتقدمين يُستبعدون. فحتى لو قال سيد البرج أن السقف منخفض، فكم عساه أن يكون منخفضًا حقًا؟
كان هناك تباينٌ كبير بين رؤية عامة الناس وما يراه هو و يثير في داخلها حيرةً مضاعفة.
فهي لم تنافس إلا طلابًا يشبهونها في الأكاديمية. ورغم ثقتها الكبيرة بنفسها، إلا أن تلك الثقة كانت دائمًا ما تستثني جانب السحر.
المفارقة أن الآخرين كانوا يبدون إيمانًا راسخًا بها أكثر من إيمانها هي بنفسها. و كان هناك فرقٌ واضح بين ما كانت تدركه عن قدراتها السحرية، وما يراه من حولها فيها.
بل أحيانًا كانت تجد ذلك الإيمان عبئًا ثقيلًا على كتفيها. فقد خشيت أن تخذل أولئك الذين وضعوا ثقتهم فيها.
فبينما كان هدفها فيما مضى هو تحقيق الإنجاز لنفسها وحدها، أصبحت الآن تبذل جهدها أيضًا حتى لا تخيّب ظن الذين آمنوا بها.
__________________________
واه مشاعر ايفيريا ذي مشاعر صدقيه واقعيه بشكل يوجع
المهم سيد البرج ماوده يتبنى ايفيريا؟🥲
وإيرميت اشوا ذا المره قال باختفب بس كم عاد؟ واذا اختفى كذا اجل متى يتخرج؟😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 69"