و لم يُدرَ إن كان إيرميت يدرك مشاعرها أم لا، لكنه ضمّها إليه بإحكام، ودفن وجهه في كتفها.
“……اشتقتُ إليكِ.”
“…….”
و عندما لم تُجِب إيفيريا، أخذ يدفن وجهه في كتفها مرارًا، وكأنه حيوانٌ ضخم يدلل نفسه بعناد.
ثم بدا صوته أكثر خفوتًا وهو يهمس،
“ألم تشتاقي إليّ؟”
“…….”
أخذت إيفيريا أنفاسها ببطء لتستعيد هدوءها.
كانت تعرف أنّ تجاوبها الآن سيجعل الأمور تنساب بلا اتجاه واضح، لتضيع هكذا بلا قرار.
و لمحت برهةً رأسه المستند إلى كتفها، فرأت النور والظل ينعكسان على ملامحه في صورة غريبة. لكنها أبعدت بصرها عمدًا نحو الأضواء البعيدة لتُحافظ على رباطة جأشها.
كل ما يتكوّن منه إيرميت كان في ذاته قوة هائلة. وإن أرادت مواجهته حقًا، فكان عليها أولًا أن ترفض حتى النظر إليه.
ثم عاجلها إيرميت بالاعتذار سريعًا،
“آسف.”
“ألا يمكن أن تُريني وجهك َباستمرار قليلًا؟”
“…….”
وما إن نطقت بذلك، وكأنها كانت تنتظر اعتذاره أصلًا، حتى قابل كلماتها بالصمت.
كانت هناك أيامٌ في العام الماضي تمنت فيها ألّا تتقاطع طرقهما. و تمنّت وقتها ألّا تلتقي به، فهل يُعقل أن تكون تلك الأمنيات هي ما تتحقق الآن؟
امتلأ قلبها بالضيق من كل شيء، وكاد ذلك أن يبدّد موضوعيتها التي استحضرتها للتو.
ومع ذلك واصلت حديثها بلهجة باردة، تُخفي ما بداخلها،
“في الماضي، حين تمنيتُ ألّا أراك، كنتَ تظهر باستمرار. أما الآن…..لماذا تغيّرت؟”
ظلّ إيرميت صامتًا، و وجهه لا يزال مطمورًا في كتفها فلا يظهر منه أي تعبير.
فانطلقت إيقيريا، وقد عزمت على إخراج ما في صدرها دفعةً واحدة،
“ثم، لم لا تحضر دروس الأكاديمية؟ أليست رسوم الدراسة هدرًا…..آه، صحيح، بالنسبة لكَ ليست شيئًا يُذكر.”
عضّت شفتيها مجددًا.
لم يكن المال ليعني له شيئًا، وهذا لم يكن أمرًا جديدًا عليها، فما الذي يجعلها تذكره الآن؟
ارتبكت قليلًا ثم صمتت، فخيّم بينهما سكونٌ ثقيل، غريب، لم تعهده منذ زمن.
ذلك الفارق بين إيرميت بوصفه من دوقية نيسبيروس، وبينها، هو ما ألقى بهذا الجمود على الهواء بينهما.
تنفست إيفيريا تنهيدةً قصيرة.
و كان يُصغي إليها في صمت، كما لو أنه مجرّد مستودع لمشاعرها. ومن ارتعاشات طفيفة نقلتها كتفه، شعرت بأنه يُصغي فعلًا لكل كلمة.
وكأنه قادرٌ على احتمال قسوة كلماتها، لكنه لا يقوى على احتمال الصمت، ففتح فمه ببطء،
“……أنا….أريد أن أبقى معكِ طويلًا.”
“نعم.”
“آسف. لن أختلق أعذارًا. فقط……سأخبركِ بكل شيء لاحقًا.”
كان صوته مثقلًا بالإنهاك.
هي التي لم تستطع لقاءه، بينما هو لم يفعل سوى أنه لم يلتقِ بها. فلماذا بدا هو الأكثر إنهاكًا؟
وأيّ “لاحقًا” كان يقصد؟ هل عند نهاية هذه العلاقة؟
راودتها أفكارٌ مشوشة، فأغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهما من جديد، لتبدّد ما تبقى بداخلها من شظايا حادة.
لم تكن إيفيريا تريد أن تُثقل كاهل إيرميت، الذي بدا مرهقًا بما فيه الكفاية، بكشف مشاعرها الخام لتزيده إنهاكًا.
و قد أظهرت بالفعل ما يكفي من ضعفها من قبل.
وبصوت رقيق اختارت كلماتها بعناية،
“……أدرك أنّ لكل إنسان أولوياته المختلفة. لكنني لا أرغب في أن أجعل شخصًا ما على رأس أولوياتي بينما يضعني هو في آخر قائمته.”
“…….”
لم يكن ذلك سوى طلبٍ غير مباشر أن يجعلها ضمن أولوياته. لكنه لم يُجب.
بينما أعادت إيفيريا في ذهنها كلماته: رغبته في البقاء معها طويلًا، وما قاله باسم الأمير نيسبيروس. لا بد أن هناك سرًّا يربطهما معًا.
لم تفهم لماذا لا يُخبرها، لكنها أيضًا لم تستطع أن تطلب منه النظر إلى الحاضر فقط، متجاهلًا المستقبل الذي يتطلع إليه.
والحق أنّها لم تكن من النوع الذي يرضى بالاكتفاء بالحاضر، لكنها أحسّت أنّه غارقٌ أكثر من اللازم في المستقبل.
وقد راق لها انعكاس صورتها في عينيه البنفسجيتين، ولمحت فيهما بريقًا رطبًا خافتًا.
وأمام هاتين العينين لم تستطع أن تُلقي كلمات قاسية. فتنهدت داخليًا، وتكلمت بصوت أكثر دفئًا وحنانًا،
“قد يكون المستقبل الذي سنعيشه معًا هو الأولوية بالنسبة لكَ، لكنني أريد أيضًا أن يكون حاضرنا هذا في مقدمة أولوياتكَ.”
“أولويتي دائمًا ستكون أنتِ، وسأظلّ مرتبطًا بكِ.”
كان جوابه سريعًا أكثر مما يجب. فضيّقت إيفيريا عينيها بريبة.
الفهم شيء، والثقة شيءٌ آخر مختلف. ثم إن جوابه بدا وكأنه انحرف قليلًا عمّا قصدته.
وكأنّه أدرك شكوكها، فسارع يضيف بلهجة أكثر إلحاحًا،
“أنا أتعامل معكِ دائمًا بصدقٍ وشوق.”
“…….”
“منذ اللحظة الأولى التي رأيتكِ فيها وأنا أشتاق إليكِ، وما زلت الآن، وسأظل دائمًا كذلك.”
لم تُصدّق كلماته تمامًا، لكنها لم تُنكر أنها بدت غايةً في الرومانسية.
ثم استرجعت إيفيريا في ذهنها لقاءهما الأول، واللحظات التي جمعتهما.
كان إيرميت دومًا ودودًا معها، وغالبًا ما ساعدها، لكنه لم يتردد أحيانًا في استخدام نفوذه وسلطته.
مواقف كثيرة مرت في زمن قصير عبرت أمام عينيها.
فتأملت ملامحه قليلًا، ثم عقدت حاجبيها،
“……بصراحة، لم تبدُ لي يومًا وكأنكَ شغوفٌ إلى هذا الحد.”
“صحيح، بذلتُ جهدًا كبيرًا كي لا تكتشفي.”
ابتسم إيرميت ابتسامةً هادئة. بينما انحنتا عينيه البنفسجيتين العميقتين نصف انحناءة خلف ابتسامته، وشفتاه المرتفعتان بلطف أضفتا عليه براءةً أكثر من مكر.
وإن كان داخله أبعد ما يكون عن البراءة.
وحين ظلّت إيفيريا تحدّق في وجهه بصمت، رمش ببطء، ثم مال بخده نحو كفها برفق. فأحسّت بحرارة وجهه، التي تغلغلت قليلًا في برودة يدها.
ثم تلاقت نظراتهما مرات قليلة، قبل أن يُسدل إيرميت جفونه بصمت.
“الطرف الأضعف في هذه العلاقة هو أنا. لذا لا داعي لأن تقلقي.”
رجلٌ اعتاد أن يقف دائمًا في موقع الأقوياء داخل المجتمع، يعترف أمامها بضعفه. فلم تُجب إيفيريا، واكتفت بالنظر إليه بصمت.
ثم تسلّل إليها فضول خفي، أو بالأحرى رغبةٌ في أن تُحدد ملامح ما يربطهما بوضوح. فسألت دون تردّد،
“وما هي هذه العلاقة بالضبط؟”
“وأنتِ، ما العلاقة التي تريدينها؟”
“…….”
رفع إيرميت عينيه البراقتين وهو يردّ بسؤال، في صدى واضح لكلامه السابق: بما أنكِ صاحبة اليد العليا في هذه العلاقة، فأنتِ من يملك حق التعريف.
و بطبيعة الحال، ردّت إيفيريا بالصمت. فقد كان الخجل يمنعها من النطق.
لكن إيرميت لم يتركها، وأعاد إلحاحه بنظرة يملؤها توقٌ غريب،
“أنتِ…..أي علاقة تتخيلينها بيننا؟”
أيعني الذكاء أن يكون المرء بارعًا في إحراج الآخرين بالكلام؟ لا، ربما يعني أنه يتقن فنّ الإلحاح.
فكّرت إيفيريا قليلًا.
كم طريقة يعرفها إيرميت لانتزاع اعتراف؟ إنه يعرف يقينًا الجواب الذي ستقول، ومع ذلك يدفعها لتقوله بلسانها، وكأنه يستمتع بالمشاكسة.
بين رغبتها في ألا تمنحه ردّ الفعل الذي يتوقعه، وبين ميلها لأن تُعلن أمامه رسميًا كلمة “حبيب”، خرج جوابها.
فاستحضرت نبرةً باردة قدر الإمكان، لتخلط بين التهرب والاعتراف، وتُخرج أفضل صيغة ممكنة،
“أننا…..عاشقان.”
وما إن نطقت بالكلمة، حتى رفع يده ليغطي نصف وجهه.
فأسرعت إيفيريا تُبعد يدها عن ملامحه، وقد تلون وجهها باحمرار خفيف.
“……أنا سعيد. موافقٌ تمامًا.”
بدت نبرته غامرةً بالفرح، فما كان منها إلا أن ابتسمت.
وعندما سمع ضحكتها، أزال يده عن وجهه ونظر إليها مباشرة، قبل أن يطرح سؤاله المعتاد، الذي صار مألوفًا لها،
“هل تناولتِ العشاء؟”
“لا. كنت ذاهبةً لتناول شيء…….”
تركَت عبارتها معلقة، في تلميحٍ إلى أنه هو من استوقفها.
وحين ألقت نظرةً إلى الوقت، اكتشفت أنه تأخر بالفعل، وأنها بالكاد ستأكل.
فابتسم إيرميت راضيًا،
“فلنأكل معًا.”
“حسنًا. آه، لكن قبل ذلك.”
كادت تُجيب بالموافقة مباشرة، ثم تذكرت فجأة أنها مازالت تخبئ السوار الذي كانت تنوي إهداءه له.
وما إن بدأت تُفتش بين أغراضها على نحو مفاجئ، حتى ارتسمت على وجهه ملامح فضول طفولي.
بينما تأملت إيفيريا هذا الوجه المحبب، وأدركت كم غاص قلبها فيه بعمق لا خلاص منه.
ثم أخرجت علبةً صغيرة، ووضعتها بخفّة في راحة يده. و لحسن الحظ، لم يتضرر شيء من السوار.
“……تفضل.”
“…….”
ارتسمت على ملامح إيرميت دهشةٌ واضحة لا لبس فيها. و ظل واقفًا للحظة كأنه غير مصدّق، ثم أشار إلى نفسه بأصابعه وسأل مترددًا،
“هذا…..لي؟”
“نعم. في الحقيقة، كنتُ قد أعددته لأقدّمه لكَ كشكرٍ على مساعدتكَ الكبيرة لي خلال فترة الامتحانات…….”
“…….”
خيّم الصمت بعد شرحها، لكنه لم يكن صمتًا منزعجًا؛ فقد بدا وكأنه يتأمل فقط.
ثم واصلت إيفيريا حديثها حتى النهاية،
“لكني لم أرَكَ لفترةٍ من الزمن، فتركت العلبة مركونة جانبًا.”
“……أنا حقًا آسف.”
غمرت ملامحه غشاوة من الأسف، بينما اكتفت إيفيريا بابتسامة مترددة تخفي ارتباكها.
ولم تُضف بأنها فكرت أصلًا في ألا تعطيه إياه؛ فقد بدا من رد فعله أنه خمّن ذلك بنفسه بالفعل.
________________________
خساره ماشكت له كثير بس المجنون صدق مجنون شقومه فجأه صار خاتم في اصبعها😭
هو من زمان كذا بس شكله ماع بعد اعترافها
والحين ضمها وشكت له وعنز راسه على يدها وقالت انهم عشان وعطته سوار✨ إيرميت لو اختفى مره ثانيه اعرفوا ان قلبه طار من الوناسه 😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 67"