إيفيريا، بعد طول تفكير، عقدت العزم على سؤال سينثيا.
فبما أنها لا تستطيع أن تسأل الأمير نيسبيروس مباشرة، فلا بأس أن تسمع رأي شخصٍ آخر.
كانت سينثيا مستلقيةً على السرير تقلّب بعض الكتب. و لا تدري إيفيريا إن كان ذلك حظًا حسنًا أم لا، لكن على الأقل لم تكن أغلفتها توحي بأنها كتبٌ علمية أو جادة بالمعلومات.
وهي تراها تعيش بهذه اللامبالاة ثم تنجح في متابعة دراستها بأكاديمية لاكانيل، خطرت لإيفيريا فكرة عابرة،
‘ربما كانت العبقرية الحقيقية هي سينثيا نفسها.’
فنادت عليها.
“سينثيا، هل لديكِ وقت؟”
“إيفيريا، أنا…..أدرس أقل بكثير مما تظنين.…”
قالت أنها متفرغة ولكن بنبرة يائسة للغاية.
فترددت إيفيريا لحظة، ثم تذكرت أن درجات سينثيا لم تكن سيئة حين سمعت عنها آخر مرة، فتابعت كلامها.
“أنا بحاجة إلى رأيكِ…..الآن.”
“ما الأمر؟ قولي.”
أدركت سينثيا فورًا أن أمرًا ممتعًا يلوح في الأفق، فأشرقت عيناها وجلست أكثر اعتدالًا على السرير.
بينما مسدت إيفيريا وجنتها قليلًا، ثم تحدّثت بخجل،
“القصة ليست عني، بل عن صديقةٍ لي..…”
لكنها كانت قصتها بنسبة مئة بالمئة. قارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتي سينثيا، إلا أنها كتمت الأمر، لأنها إن كشفتها الآن فلن تواصل إيفيريا الحديث.
“يبدو أن هناك شخصين يعجب كلٌ منهما بالآخر.”
“همم، قصص الغرام عند الآخرين هي دومًا الأكثر إثارة.”
‘..…غرام؟!’
لم تستطع إيفيريا إخفاء الاحمرار الذي غمر وجهها أمام كلمات سينثيا. أما سينثيا فحاولت كبح ابتسامتها وهي تنصت باهتمام.
“لكن…..يبدو أنهما لا يلتقيان كثيرًا.”
“تحديدًا…..من مع من؟”
“أنا…..أعني، صديقتي فتاة، إذاً الطرف الآخر لا بد أنه شاب..…؟ على كل حال، هي تنجذب إلى الجنس الآخر.”
‘يا للعجب!’
فكرة أن إيفيريا قد تنجذب لرجل كانت في ذاتها جديدةً ومفاجئة.
ومع ذلك، تابعت إيفيريا وهي تمسك بخيط الحكاية كأنها لا تزال تروي قصة صديقتها.
و بدا أن سينثيا لمحَت الحقيقة، لكنها لم ترد إحراجها بالتصريح.
وضعت سينثيا يدًا على فمها، وهي تستعرض في ذهنها قائمة الطلاب الذين قد يكنّون مشاعر نحو إيفيريا.
و المشكلة أنهم كُثر جدًا. ثم حاولت قلب التفكير: أي الرجال يمكن أن تنجذب إليهم هي؟
خلال ما رأته منها طوال الوقت، أيقنت سينثيا أن إيفيريا صاحبة ذوق رفيع للغاية، وإن كانت هي نفسها لا تدرك ذلك.
فوجهٌ كهذا تراه يوميًا في المرآة، وحياةٌ دقيقة التفاصيل مثل حياتها…..طبيعي ألا تشعر بذلك.
و إن كان الفتى من طلبة أكاديمية لاكانيل، فلا بد أنه من المتفوقين. ووجهه أيضًا…..
وبينما كانت سينثيا تغوص أعمق في تخمين صورة الرجل المثالي لديها، أضافت إيفيريا،
“صديقتي تحبه فعلًا، وهو أيضًا على الأرجح يبادلها الشعور، لكن الغريب أنها لا تستطيع أن تراه إلا نادرًا.”
ثم ارتسمت على ملامحها غمامة حزن خفيف. عندها فقط، أدركت سينثيا أنها أغفلت سؤالًا أساسيًا بالغ الأهمية.
“تمهلي، تمهلي..…”
“هاه؟”
“ذلك الشخص…..هل هو في بيئة تُمكّنه من لقاء صديقتكِ باستمرار؟”
بمعنى آخر: هل هو طالبٌ في الأكاديمية؟
كان هذا سؤالًا بالغ الأهمية. في الواقع، لو نظرنا إلى نمط حياة إيفيريا، لكان العجيب أكثر ألا يكون الطرف الآخر من طلاب أكاديمية لاكانيل، لكن الاحتمال بقي واردًا ولو قليلًا.
فازدادت كآبة ملامح إيفيريا.
“نعم…..لا، بل الأمر أن هناك مواقف كثيرة كان من الطبيعي أن نلتقي فيها، ومع ذلك لم يظهر.”
“أها…..وصديقتكِ تريد أن تراه، صحيح؟ إذاً…..هل هو يتعمّد تجنّبها؟”
هل يعقل أن الأمير نيسبيروس، أو إيرميت، يتجنبها عمدًا؟
أخذت إيفيريا تسترجع سلوكه معها، ثم هزّت رأسها نافية. فلم يكن الأمر وكأنه يتعمّد الابتعاد.
“لا….فقط….من قبل أيضًا اختفى فترة دون سبب واضح، ثم اعتذر لاحقًا. والآن تكرّر الأمر، يختفي بلا كلمة.”
“….…”
“فسألته: هل سنلتقي أكثر من الآن فصاعدًا؟ و لم يُجب، بل اكتفى بابتسامة.”
ساد صمتٌ قصير. ثم انفلت من شفتي إيفيريا تذمّرٌ لم تستطع كبته.
“أليس هذا ظلمًا؟”
“….…”
كان في الأمر ما يثير الريبة. فقررت سينثيا أن تستوضح تفاصيل أدق.
“أنتِ قلتِ أنهما معجبان ببعضهما، صحيح؟”
“نعم.”
“ومن الذي اعترف أولًا؟”
“آه، هنا الأمر معقدٌ قليلًا…..بالكلام، صديقتي هي التي بادرت.…”
إيفيريا هي التي اعترفت أولًا؟
شعور سينثيا كان كمن يزوّج ابنته الكبرى، فحدّقت فيها بعينين مفعمتين بالفخر، ثم طرحت سؤالًا آخر، بديهيًا لكنه جوهري.
“إذاً، هل اتفقتما على الارتباط فعلًا؟ كحبيبين؟”
“….…”
و عندما لم يصلها جواب، نظرت سينثيا بقلق نحوها.
و راودها خاطر مقلق: لعلها لم تقع إلا في فخ رجل لا يملك سوى مظهرٍ براق وجوهرٍ تافه.
لكن إيفيريا تمتمت بذهول،
“هل يجب أن نقول بوضوحٍ أننا مرتبطان؟ هل هذا ضروريٌ فعلًا..…؟”
“للتأكيد والوضوح….نعم، من الأفضل ذلك.”
قالتها سينثيا وهي تعصر الوسادة بيديها، بينما أغلقت إيفيريا الكتاب المفتوح أمامها على الطاولة دون كلمة، وبدا عليها حزنٌ عميق.
فشعرت سينثيا أن صدرها يكاد ينفجر. و راحت تضرب الوسادة في حجرها ثم سألتها،
“إذاً، من هو؟”
“هاه؟ قلت لكِ أنها قصة صديقتي.”
“أنا لست غبية.”
عند جوابها الحاسم، نهضت إيفيريا بدون كلمة وسارت إلى سريرها لترتمي فوقه دفعةً واحدة.
لحسن الحظ كانت ترتدي ملابس النوم بالفعل. وجاء صوتها مكتومًا تحت الأغطية.
“…..أبقي الأمر سرًا بيننا.”
“طبعًا.”
“حقًا.”
احتضنت سينثيا الوسادة بكلتا يديها وانتقلت لتجلس على سرير إيفيريا.
فأحسّت إيفيريا بقربها، ثم رفعت رأسها قليلًا، وبدت على وجهها حمرةٌ شديدة.
فأعادت سينثيا إلحاحها عليها من جديد،
“هيا، قولي بسرعة.”
“…..الأمير نيسبيروس.”
“…..يا إلهي.”
لم يكن اسمًا تتوقع سماعه.
صحيحٌ أنها كانت تدرك أن الأمير نيسبيروس يُبدي ميلًا نحو إيفيريا، وأنه من حيث المظهر والمكانة يبدو شخصًا كاملًا متكاملًا، لكن…..الجمع بينه وبينها كان أمرًا يصعب تخيله. ربما لأن صورتهما متناقضةٌ إلى حد بعيد.
“إذاً…..أليس من الممكن أن الأمر لا يتجاوز انشغاله؟ لو كان من دوقية نيسبيروس حقًا، فقد تكون لديه مهام كبيرة تشغله.…”
قالت سينثيا ذلك في حذر، فهي ليست من النبلاء لتعرف يقينًا ظروفه.
لكن كلماتها تلك، على بساطتها، منحت إيفيريا قليلًا من العزاء، فانطلقت بالكلام.
“صحيح، قد يكون كذلك. لكن…..لا، أنا فقط أريد أن أراه. أريده أن يخبرني إلى أين يذهب.”
“….…”
“إن لم نلتقِ، فليكن. لكن لو كانت لديه التزامات، فليقل: سأذهب إلى هنا، ولن أراكِ حتى وقت كذا. هل قول هذا صعبٌ جدًا؟”
ارتسمت على شفتيها مسحة حزن عميق.
على الأقل بدا واضحًا أن المشاعر بينهما متبادلة، وهذا ما يدعو للاطمئنان. لكن مع ذلك…..لمَ يبدو قلبها فارغًا وموحشًا إلى هذا الحد؟
نظرت سينثيا إلى إيفيريا، فرأت في عينيها حبًا يغمرها، و شعرت بمزيج من الفخر والشفقة.
“…..حين تلتقينه، صارحيه. فالمشاعر بينكما أكيدة.”
“وأني أريد أن أراه..…”
“واطلبي منه أيضًا جوابًا واضحًا: هل أنتما حقًا على علاقة؟”
“نعم، نعم…..فهمت.”
أومأت إيفيريا برأسها خافتًا أمام كلماتها المتتابعة.
كانت تنوي، حين تلقاه، أن تسأله عن كل ما حيّرها، وأن توصل إليه عتابها، وأن تنتزع منه تأكيدًا صريحًا لعلاقتهما.
فجلست من انحناءتها على السرير، ثم التفتت إلى سينثيا شاكرة.
“شكرًا لكِ…..لا بد أني أزعجتك.”
“لا على الإطلاق. قصص الحب دائمًا مُرحّبٌ بها.”
فالاستماع إلى شؤون القلوب عند الآخرين متعةٌ في ذاتها، خصوصًا إذا تعلّق الأمر بصديقةٍ قريبة.
تأملت سينثيا إيفيريا التي بدت أكثر إشراقًا من ذي قبل، ثم عادت إلى مكانها.
أما إيفيريا فقد انهمكت في واجباتها، بينما أعادت سينثيا كتابها إلى يديها، تفكر بين السطور في علاقة إيفيريا والأمير نيسبيروس.
وساد المكان جوّ هادئ مطمئن.
***
“أيعقل؟ لقد اتفقنا أن نتناول العشاء معًا…..أليس من البديهي أن نفي بذلك على الأقل؟”
مضت أيامٌ قليلة، وإيفيريا كانت في طريقها إلى المطعم بعد أن سلّمت واجباتها، تتمتم بهذه الكلمات في وحدتها.
كانت إيفيريا تشعر بالحرج من أن تظل تروي لسينثيا مثل هذه القصص مرارًا، كما أنها لم تكن تميل إلى بوح أمرٍ بهذه الخصوصية لأي شخص آخر.
لكن في الوقت نفسه، لو واصلت كتمان همومها وحدها، لشعرت أنها ستختنق قريبًا وتسقط من الضيق.
بل بدأت تراودها الشكوك: هل هو فعلًا يبادلها المشاعر؟
حتى خطواتها غدت أكثر توترًا وحدة.
السبب الوحيد الذي جعلها تحرص بين الحين والآخر على تناول العشاء رغم أنها لا تلتقي إيرميت، هو أملٌ ضئيل بأن تراه هناك صدفة.
لكن…..بدا أن الأمر عبثٌ لا طائل منه. فكل يوم يزداد شعورها بالخذلان.
مدّت يدها تعبث بلا وعي بالصندوق الذي كانت تحمله، ثم غيرت مسارها.
كيف لإنسان أن يغيب إلى هذا الحد، حتى يبدو وكأنه تبخر من العالم؟
كان تساؤلاً بريئاً أخذ يستحوذ على ذهنها.
حتى فكرةٌ غريبة خطرت لها: لِمَ لا تمتنع عن تقديم الهدية حين تراه؟
مع أن تلك الهدية ليست سوى مقابل عادل لمساعدته لها في دراستها. و مجرد أن يخطر لها ذلك، معناه أن في داخلها قد تراكم الكثير.
لكنها عادت لتلوم نفسها: ذلك تصرفٌ طفولي، بل طفولي أكثر مما ينبغي.
إن صادفت إيرميت، ستقول ما في قلبها، لكنها ستسلّمه السوار على أي حال.
و لم تكن تدري ما قد يقع عند اللقاء، لكنها حاولت أن تحافظ على شيء من الموضوعية وسط اضطرابها.
وفجأة، اعترضت خطواتها الحانقة يدٌ أمسكت بها. بل أدق، ذراعٌ أحاط بكتفها وجذبها إلى زقاق جانبي لم تنتبه لوجوده يومًا رغم مرورها به عشرات المرات.
ولم تصرخ إيفيريا، لأنها عرفت على الفور ذلك الدفء وتلك الرائحة المألوفة التي لا تخطئها.
________________________
اشتكي له تكفين ابي اشوفها تشكي له كل شي حتى هو بيستانس عليها 😭
سينثيا لقت لها محتوى:
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 66"