كأنها مسحورةٌ بشيء ما، خطت إيفيريا ببطء نحو جانب الشرفة حيث الدرابزين.
وفي تلك الأثناء استمرت المفرقعات تتفجر في السماء.
وما إن اقتربت حتى لامست يدها الدرابزين، ففُتح أمامها مجال رؤية أوسع.
فوضعت يدها على الأمير نيسبيروس وهمست شاردة،
“أليست جميلةً للغاية؟”
“نعم، جميلة.”
انعكس جانب وجهها في عيني إيرمِيت.
كانت خصلات شعرها تتمايل قليلًا مع نسيم خفيف، وعيناها الزرقاوان تلمعان بصفاء لم يسبق أن رآه، وكان يغمرهما مزيجٌ من الدهشة والانفعال.
فقاوم رغبةً عارمة في أن يضمها إليه، واكتفى بأن أسند مرفقه على الدرابزين مسندًا ذقنه إلى كفه.
“…….”
لم تكن إيفيريا تدرك أنه يراقبها، فقد كانت مأخوذةً تمامًا بالألعاب النارية.
كان منظرها وهي تنغمس بذلك التركيز المفرط في ما يجذب اهتمامها يبعث على المحبة، لكنه في الوقت نفسه أزعجه قليلًا، إذ شعر وكأنه مستبعدٌ من عالمها في تلك اللحظة.
غير أنه لم يكن ليسمح لنفسه أن يظهر وجهًا متجهمًا أمامها، فاختار أن يثبت نظره على جانب وجهها القريب، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ هادئة.
ثم تحدثت بحماس،
“سيد، هل رأيتَ تلك المفرقعة الحمراء؟”
“نعم، ولكن..…”
“نعم؟”
ترك جملته معلقة، و ظنت إيفيريا أنها لم تسمع جيدًا، فالتفتت برأسها نحوه.
غير أنها وجدته لا ينظر إلى المفرقعات، بل يحدق بها هي مباشرة. فارتبكت قليلًا، لكنها سرعان ما استعادت هدوءها.
وبدا وكأنه مترددٌ لحظة قبل أن يبوح بنبرة أقرب إلى العتاب اللطيف،
“إلى متى ستنادينني سيد فقط؟”
“آه…..”
ربما بفعل ضوء المفرقعات، بدا وجهه محمرًا، أما وجهها فقد تلون بحمرةٍ خجولة.
فجمعت إيفيريا الكلمات في ذهنها على عجل وسألته،
“إذاً…..بماذا…..أناديكَ؟”
“باسمي؟”
أمال رأسه قليلًا وهو يبتسم. بينمت رمشت عدة مراتٍ وهي تحدق بعينيه مباشرة.
وانفلتت منها نبرة مذهولة،
“أنا…..أنا أناديكَ باسمكَ؟”
“نعم.”
جاء جوابه حاسمًا واثقًا. فسألته مرة أخرى غير مصدقة،
“بالاسم…..حقًا؟”
“نعم، أحسنتِ الفهم.”
أجاب بنفس النبرة الممزوجة بابتسامة كما فعل من قبل.
أن يطلب منها أن تناديه باسمه! أي كلام هذا؟
بل إن مجرد مطالبته بتغيير اللقب الأكثر ملاءمةً وأمانًا لم يكن منطقيًا من الأساس.
أي شائعات يريد أن يجلبها وراءه بهذا الكلام المتهور؟ أم أنه فقط يعبث بها؟
وبينما كانت ما تزال تبحث عن رد مناسب، خطا الأمير خطوةً أبعد،
“ويمكنكِ أيضًا أن تتخلي عن أسلوب الحديث الرسمي.”
“ماذا؟”
انفجرت دهشتها في نبرة صوتها.
فألقى نظرةً على وجه إيفيريا ثم اقترب منها خطوةً واحدة. وقد كان وجهها متوردًا بالحمرة.
مدّ إيرميت يده بحذر وأزاح الخصلات المتناثرة على وجهها برفق.
“نصفه مزاح، لكن نصفه الآخر جدي.”
“أما مسألة ترك الألقاب الرسمية…..فهذا كثيرٌ فعلًا.”
حاولت إيفيريا أن تجد حلًا وسطًا ببطء.
صحيح أنه كان أصلًا محاطًا بالكثير من الشائعات، لكن لو التصقت هي بتلك الشائعات لزادت الأمر سوءًا.
ومع ذلك، فبعد أن تغيرت علاقتهما، لم يرق لها أن تظل تتمسك باللقب القديم نفسه.
“حين لا يكون هناك أحدٌ موجودٌ بجوارنا…..سأجرب أن أناديكَ باسمكَ.”
“لكن الآن لا يوجد أحد..…”
لم يكن في الأمر شك، إنه يتعمد مشاكستها. فاحتدّت نظرة عينيها.
التقت عيناهما، وعيناه تشعّان بلمعان ملؤه الرجاء.
و رؤية ذلك جعلتها تفكر بأن حياءها لم يعد ذا قيمة، لكنها في الوقت نفسه شعرت بالضيق من كونها تستسلم لرغباته بسهولة.
“حسناً؟ فقط مرة واحدة.”
“…….”
“لن أطلب منكِ أن تتركي الألقاب الرسمية.”
وهذا بديهيٌ أصلًا.
لكن سواءً نظرت إليه بذهول أو لا، فقد ظلّ يحدق بها بعينين مائلة الانحناء، كأنه يتدلل عليها.
فارتسم خجلٌ رقيق على وجهها وهي تحدق بملامحه. و فجأة هبّت نسمةٌ قوية ناثرة شعرها في كل اتجاه، وكأنها تعكس فوضى مشاعرها.
“…..سيد، هل تعلم أنكَ حقًا مثيرٌ للغيظ؟”
“ولِمَ ما زلت تنادينني سيد إذاً..…”
لو أن رجلًا بالغًا آخر أرخى كلامه هكذا لكانت شعرت بالانقباض، لكن معه أحست بانقباض مختلف تمامًا.
لقد وقعت في ورطة حقيقية.
“آه….ما العمل الآن..…”
“ناديني باسمي مرةً واحدة، وارتاحي.”
نزعت يدها عن الدرابزين وغطت وجهها بكفيها.
هل يعلّمون في قصر نيسبيروس فنون استمالة الناس؟ فقد بدأت تقتنع تدريجيًا بمنطقهِ الغريب الذي لا أساس له.
‘نعم…..فلأناديه باسمه مرةً واحدة.’
فمتى سنحت لها الفرصة لتنطق باسم شخص من مكانته إن لم يكن الآن؟
فعقدت العزم، و فتحت فمها، لكن الكلمة لم تخرج بسهولة.
“…….”
“إنها ستة حروفٍ فقط، هذا كل ما عليكِ قوله.”
وكأنها لا تعلم ذلك!
هل يظن أنها مترددةٌ لأنها لا تعرف أن اسمه يتكون من ستة حروف؟
نظرت إليه مباشرة، و وجهها محمّرٌ حتى الأذنين. ثم خرج صوت خافت لامس سمعه،
“…..سيد إيرمِيت.”
“من دون (سيد).”
“…..لن أفعل.”
دارت بجسدها بعيدًا عنه، فهي تعلم أن مجرد رؤية وجهه تجعلها تضعف بلا مقاومة.
وفجأة شعرت بقربه الشديد إلى جانبها، لكنها تمسكت بإصرارها وحدّقت إلى الأمام بثبات.
“حقًا؟”
“….….”
كان هذا تصرفاً تميل كفّته بالكامل ضدهـا.
فبحثت إيفيريا على عجل عن موضوع آخر تُحوّل به مسار الحديث. وسرعان ما تذكرت أنها وإن كانت قد حصلت على اعتذاره، إلا أنها لم تحصل منه على وعد بألّا يتكرر الأمر.
“آه، صحيح. بسرعة، عاهدني يا سيد. عاهدني أنكَ لن تختفي فجأةً بعد الآن من دون أن تخبرني.”
“…….”
لم يقدّم جوابًا صريحًا، وإنما اكتفى بابتسامة. فحدّقت إيفيريا فيه بعينين ضيّقتين ثم صرفت بصرها عنه.
على الأقل أجبرته على الصمت، وهذا يكفي الآن.
***
كلامه عن معرفته بهوريتين ومحيطها لم يكن كذبًا. فقد كانا قد تسللا معًا إلى خارج أكاديمية هوريتين.
وكان قد جهّز لها رداءً داكن اللون لا يلفت الانتباه، بل وارتديا معًا قبعاتٍ أخفت ملامحهما.
فأحست ببهجة غريبة وهي تمشي في قلب الأضواء التي كانت قبل قليل تكتفي بمشاهدتها من بعيد.
وعلى الرغم من أن الوقت كان ليلًا، إلا أن المكان كان مضيئًا كأنه نهار.
ثم نظرت إيايريا بدهشة إلى إيرميت وهو يقودها ببراعة بين الأزقة والباعة.
و تأمل للحظة صفوف الخيام المؤقتة والدكاكين، ثم سألها،
“أتريدين أن تأكلي سيخًا مشويًا؟”
“…..نعم.”
كان سيخًا من اللحم والخضار المشوية.
فراح يتأملها بعينين راضيتين وهي تأكل، ثم أحضر لها شيئًا لتشربه.
“اشربي قليلًا أيضًا.”
“…….”
“وماذا عن غزل البنات؟”
كان يتصرف معها وكأنه يريد إطعامها بكل وسيلة. فابتلعت إيفيريا ما في فمها ببطء،
“…..أشعر أنني لم أفعل اليوم سوى الأكل.”
“أنا في مزاج يجعلني أود أن أطعمكِ عشر مرات في اليوم.”
“سوف أنفجر وأموت..…”
“أعرف. ولهذا أنا أتمالك نفسي.”
ابتسم وهو ينظر إليها، فبدا لها وكأنها تحلم.
فراحت تحدق في ملامح وجهه المضاء بوهج المشاعل البرتقالية، كأنها تريد أن تحفظ كل تفصيل فيه.
كان الأمر برمته أشبه بحلم غريب تعيشه في هوريتين.
***
وعلى خلاف رحلتها إلى هوريتين، تمكنت إيفيريا هذه المرة من العودة إلى لاكانيل برفقته.
شعرت بارتياح عميق لمجرد إدراكها أن تحسّن علاقتها بإيرميت لم يتوقف عند حدود هوريتين، بل عاد معها.
لكن العودة إلى الواقع كانت سريعة. فلم يكن الأمر أكثر من انتهاء امتحانات منتصف الفصل، بينما تنتظرها أعمالٌ أخرى كثيرة.
وقد بدت لها التجربة كلها وكأنها حلم صيفي عابر.
أغلقت الكتاب الذي كانت تقرأه. و في تلك اللحظة، وقعت عينا إيفيريا على خاتم أسود يزين إصبعها.
وما إن رأته حتى ومض في ذهنها إدراكٌ سريع.
“…..آه، صحيح.”
لقد كانت حتى الآن لم تُعطِ إيرمِيت الهدية التي أعدّتها له.
ففكرت أنها يجب أن تنتهز فرصةً مناسبة قريبًا لتسلمها إليه، ثم نهضت من مقعدها.
وبما أنها تذكرت الأمر، فمن الأفضل أن تمرّ على السكن لتأخذ السوار معها. و عليها أن تحتفظ به دائمًا معها حتى تتمكن من منحه له حين تلتقيه.
لا يزال أمامها بعض الوقت قبل بدء الدرس التالي. و تأكدت من أن لديها متسعًا من الوقت، ثم بدأت تتجه نحو السكن بخطى هادئة.
كان الفصل قد تجاوز ربيعًا كاملًا وبدأ يميل نحو الصيف. و مجرد إحساسها بتغير الفصول على هذا النحو جعلها تدرك أن أشياء كثيرة فعلًا تغيّرت في حياتها.
وحين وصلت، مدّت يدها إلى الصندوق الموضوع على مكتب غرفتها في السكن.
كانت قد حافظت عليه بعناية شديدة حتى أن أطرافه لم تتعرض لأي خدش أو انثناء رغم طول المدة.
فضحكت ساخرةً من نفسها ثم وضعت الصندوق الصغير في صدرها.
كانت هذه أول هدية تهديها إليه بعد أن عرفت حقيقة مشاعرها نحوه، وبعد أن عرفت أيضًا أنه يبادلها تلك المشاعر.
لو كانت تعلم أن الأمر سيكون هكذا، لربما بحثت عن شيء أجمل وأغلى. فشعرت بندم طفيف.
لكن ذلك الندم لم يلبث أن فقد معناه، إذ سرعان ما مضى وقتٌ طويل دون أن تتمكن من رؤية إيرميت.
***
بين امتحانات منتصف الفصل ونهايته، تكاثرت الواجبات بشكل هائل. فكانت إيفيريا تستعير الكتب من المكتبة وتغرق في إنجاز مهامها داخل غرفة السكن.
ومع ذلك، لم تكن غارقةً إلى حد الاختناق، بل كانت هناك فسحات صغيرة لالتقاط الأنفاس.
ومع أنها مشغولة، إلا أن ذلك لا يبرر أن تغيب لقاءاتهما تمامًا.
كان من الممكن، ولو وسط انشغاله، أن يخبرها على الأقل أنه لن يراها كثيرًا. لكن الوضع بدا لا يختلف عن أيام الامتحانات؛ لا تعرف أين هو، ولا ما الذي يفعله، ولا حتى تستطيع أن تعثر عليه.
هل كان يقصد بتلك الابتسامة الملتبسة ردًّا على سؤالها هذا بالذات؟
“أنا…..ظننت أنه يقصد أننا سنلتقي أكثر في المستقبل..…”
تمتمت إيفيريا بتذمر منخفض.
لو كانت تعرف أن الأمر سيؤول إلى هذا، لكانت قد سألته بوضوح في حينها: متى سنلتقي؟
‘وهل هو أصلًا يريد أن يراني؟’
_______________________
يومه يشوفها ويقول وده يضمها ليه اجل ماضميتها؟ ياخي حلالك خلاص كلكم اعترفترا ولا ضميتها في ذا اللحظة؟ غش
المهم ما امدانا نستانس اختفى😀
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 65"