عندما لم تجب، خفّت نبرة إيرمِيت قليلًا. فلم يكن يريد أن تشعر إيفيريا بالضغط.
“هل ترغبين أن تجعلي برج السحر لكِ؟ إذاً سأدخل البرج بنفسي. لو فعلتُ أفعالاً جنونية كل يوم، ألن ينهار جميع السحرة فيه ويبقى فقط أنتِ؟”
“……ما هذا الكلام.”
كان كلامًا سخيفًا يذكر سمعته السيئة وكأنه أمرٌ طريف، فما كان من إيفيريا إلا أن ضحكت.
“أعني، يكفيني أن تعيش بصحةٍ فقط. طويلًا، طويلًا، معي.”
لكن ملامح وجه الأمير نيسبيروس لم تكن سعيدةً تمامًا.
ثم أومأت إيفيريا برأسها ببطء. فهي أيضًا كانت تريد ذلك.
وقبل أن يثقل الجو، عاد وملأ وجهه بابتسامة مشرقة.
“بهذا المعنى، هلّا نتناول الغداء معًا من الآن؟”
“……جدولي هذا الفصل سيئٌ جدًا، ليس لدي سوى أيام قليلة أستطيع فيها تناول الغداء.”
“لا بأس، فأنا أيضًا جدولي سيئ.”
كانت تعرف ذلك مسبقًا. فنظرت إليه إيفيريا وكأنها تتفهمه، لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها حين دبّت فيها رغبةٌ فضولية.
“آه، هناك سؤالٌ آخر أود طرحه.”
“ما هو؟”
“مم، قد يكون سؤالًا حساسًا قليلًا…….”
مرّ بعض الوقت منذ بداية الفصل، لكن ما زال هناك من هم حسّاسون لمثل هذه الأمور.
تفحّصت إيفيريا وجه الأمير نيسبيروس. فإن بدا على وجهه أي انزعاج، كانت ستصرف الكلام فورًا.
“كيف انتهى بكَ الأمر إلى مثل هذا الجدول يا سيد؟”
“من يدري، ربما القدر؟”
جوابه أسكتها للحظة. فقد كان يبدو مشرقًا أكثر مما ينبغي.
فاحتارت إيبيريا كيف ترد، لكنها تمكنت أخيرًا من الرد،
“……قدرٌ حزين جدًا إذًا.”
“لا، في الحقيقة نسّقت جدولي على حسب جدولكِ.”
فاتسعت عينا إيفيريا وفتحت فمها قليلًا.
كيف؟
في أكاديمية لاكانيل، كان الطلاب يضعون جداولهم بأنفسهم كل فصل. وكانت العملية تنقسم إلى مرحلتين: الأولى والثانية.
و معظم الطلبة كانوا يثبتون على الجدول الذي وضعوه في المرحلة الأولى.
أما التغييرات الكبيرة بعد المرحلة الأولى فلم تكن تحدث إلا في حالتين،
إما أن يفشل الطالب في إدراج مادة إجبارية فيضطر لتعديلها في المرحلة الثانية، أو أن يكون الجدول فاشلًا لدرجة يستحيل معها العيش الطبيعي، فيحاول إنقاذه بتعديل.
بالنسبة لإيفيريا، كان جدولها في أقصى حدود الممكن لإنقاذه. إذ لم يكن بالإمكان أفضل من ذلك.
وكانت تذكر أنه بعد انتهاء فترة المرحلة الأولى، أتى الأمير نيسبيروس إليها وتفحّص جدولها صامتًا ثم غادر.
ولم يسألها مباشرةً عن الجدول قط. لذا لم يكن أمامها إلا أن تظن أنه اعتمد على ذلك.
لكن، مع ذلك. هل يُعقل؟ أن يستعمل ذاكرته الفائقة وذكاءه البارع وقدراته الجسدية المتميزة لأجل أمر تافه كهذا……
“كان تعديل الجدول في المرحلة الثانية صعبًا فعلًا.”
……لقد فعلها.
تجمّدت ملامح إيفيريا على وقع اعتراف الأمير نيسبيروس الصريح، وقد ارتسمت عليها دهشةٌ لم تستطع إخفاءها.
أما هو فظل ينظر إليها بوجه تغمره البهجة، وعينان ضاحكتان تشعّان بحماس واضح يُظهر كم كان مستمتعًا بهذه اللحظة.
وبنبرة مفعمة بالترقّب سألها،
“أتدرين منذ متى أعجبتُ بكِ؟”
لم تستطع إيفيريا حتى أن تجيب، واكتفت بالرمش بعينيها في ذهول.
كان السؤال مفاجئًا تمامًا، لكنها، بعدما سمعته، وجدت نفسها تتساءل فعلًا.
منذ متى بدأ الأمير نيسبيروس يكنّ لها هذه المشاعر؟
صحيحٌ أنه كان دائمًا لطيفًا معها منذ البداية، لكنها لم تظن يومًا أن ذلك اللطف كان بدافع الإعجاب.
و الأرجح أنّه لم يكن سوى مظهر من مظاهر اللباقة المعتادة؛ فالناس، مهما كانت طباعهم سيئة، يعرفون كيف يبدون شيئًا من التكلّف في اللقاء الأول.
لكن، هل حدث أن تغيّر سلوك الأمير نيسبيروس نحوها يومًا بشكل ملحوظ يجعلها تدرك أن شيئًا ما اختلف؟
أخذت إيفيريا تنقّب في ذاكرتها بدقة. و لم يخطر لها موقفٌ محدّد؛ فتعاملاته معها كانت دومًا على وتيرة واحدة، بينما الذي كان يتغيّر في الحقيقة هو موقفها هي منه، لا العكس.
كان الأمير ثابتًا في مكانه، بدرجة الحرارة نفسها في أفعاله ونبراته، أما الذي أوجد تدرّجات العلاقة بينهما فكان تغيّر ردودها هي تجاهه. و هذا الأمر لم تدركه إلا الآن.
لم تتذكر أنها رأت مشاعره تهتز أو تنفلت من انضباطها يومًا. وربما كان ذلك واقعًا، وربما لا، لكنها على الأقل، في اللحظة التي استرجعت فيها ذكرياتها، لم تجد غير تلك الصورة.
كان دومًا يُظهر لها عاطفةً مصقولة ومهذّبة، نادرًا ما تشوبها انفعالات صريحة.
حتى البارحة، حين لمحَت في عينيه مشاعر غير مألوفة، كان ذلك استثناءً نادرًا.
فمتى إذًا بدأ حقًا يُحبّها؟
لم تستطع أن تحدد جوابًا، لكن الأمير نيسبيروس لم يمهلها طويلًا، وكأنه كان يعرف أنها ستعجز عن الرد، فتحدّث بليونة عفوية،
“منذ أوّل لقاء.”
“ماذا؟!”
أيّ شيء رآه فيها آنذاك؟
ارتسمت الدهشة على وجه إيفيريا من جديد.
لقد تذكّرت لقاءهما الأول بوضوح. كيف تقدّم نحوها مبتسمًا وقال أن نظارتها تروق له، وكيف ردّت هي بجملة بلهاء.
تذكّرت ذلك الموقف بكل تفاصيله، وإذا بها تشعر بالحرج يداهمها فجأة.
ففي نظرها، لم يكن في مظهرها ما قد يجذب أحدًا إليه إعجابًا من النوع العاطفي.
كانت ترتدي ثيابها المعتادة، وشعرها مربوطٌ على نحو مألوف، لا يثير الانتباه. صحيحٌ أنها كانت نظيفةً دومًا، لكن هيئتها العامة قد تُظهر شيئًا من البساطة وربما العادية.
وبالمقارنة مع الفتيات النبيلات اللواتي اعتاد الأمير رؤيتهن، فقد كانت لا تكاد تُقارن بهن. فبدا وكأن ذوقه فريدٌ إلى حد غريب.
رأى الأمير نيسبيروس ما يدور في خاطرها، فاكتفى بهز كتفيه بخفة، ثم تحدث بوضوحٍ وحسم،
“على أي حال، لهذا السبب أردتُ أن أخلق بيننا أكبر قدر ممكن من الروابط.”
“آه…… فهمت…….”
إذًا، من أجل “رابطة” واحدة، كان على استعداد للتضحية بجودة حياته طوال فصل دراسي كامل……
الأمير نيسبيروس كان حقًا شخصية استثنائية.
ثم رمقته إيفيريا بوجه يشي بالدهشة والاستغراب.
كان من المفترض، لو كان غيره، أن يكرر عشرات المرات أنه هو من فعل ذلك ويؤكد على فضله، غير أن الأمير نيسبيروس ظلّ طوال الوقت محتفظًا بوجه هادئ ونبرة رصينة.
بل وحتى الحديث عن الجدول الزمني كانت إيفيريا هي من بادرت إليه، وهو لم يفعل سوى أن أضاف شرحًا موجزًا على ما قالته.
فابتسم وكأنه يستمتع بنظراتها، ثم أنزل بصره إلى يدها المستقرة بجانبه.
“….…”
قبضت إيفيريا يدها متظاهرة بعدم ملاحظة نظرته.
وما إن شبكت ذراعيها تمامًا حتى بدا وجه الأمير نيسبيروس جديرًا بالمشاهدة. فراودها شعورٌ وكأنها تتصرف على نحو مشاكس عمدًا.
فضغطت شفتيها محاولةً كبح ابتسامةٍ تتسلل إلى وجهها. ثم ألقت بنظرة عابرة إلى السماء خلف الدرابزين، وأرخَت ذراعيها لتضع يدها في يده.
بصراحة، كانت لا تزال ترتجف قليلًا كلما لامست بشرتها بشرة الآخرين. لم يكن نفورًا من أشخاص بعينهم، بل مجرد عدم ارتياح طبيعي من ملامسة أجساد الآخرين لجسدها.
لكن في الآونة الأخيرة، بدا الأمر يتحسن تدريجيًا.
حين دخلت الأكاديمية في بداياتها، كانت تتصلب في أي مكان مكتظ خشية أن يصطدم بها أحد.
و في الحقيقة، لم تكن تعرف السبب بوضوح. و كانت فقط تخمّن أن حدثًا صادمًا ما وقع في تلك الفترة التي تسبق دخولها الأكاديمية، تلك التي لا تتذكرها جيدًا.
نظرت إيفيريا بدهشة إلى يدها المتشابكة مع يد الأمير نيسبيروس.
و فكّرت أن تصرفاته توحي وكأنه يعرف بنفورها من الملامسة الجسدية. إذ كان ينبّهها مسبقًا ليمنحها فرصةً الاستعداد، أو يمد يده ببطء بحيث يسهل عليها أن تتراجع إن أرادت.
ولعل ذلك ما جعلها تتأقلم معه بمرور الوقت. فلم يكن لمسه سيئًا قط؛ بل كان مألوفً بدفءه، وبالإحساس الذي بثّه فيها.
بقيت ممسكةً بيده، تحدّق شاردةً في الألعاب النارية. التي كانت تُطلق إلى السماء بشكل متواتر ثم تنفجر، لكنها أخذت تصبح أبسط فأبسط. و يبدو أن العرض أوشك على نهايته.
شعرت على غير قصد بالأسف، فغدت نظراتها أكثر دقة، كأنها تحاول أن تحفظ كل شرارة في ذاكرتها.
وحين لمح هو تلك الحسرة في عينيها، حرّك يدها المتشابكة معه برفق.
“لنخرج.”
“نعم؟ الآن؟”
“أجل، ارتديتِ ملابس دافئة، صحيح؟”
كانت الشرفة مكشوفة من جهة واحدة فقط، ولذلك لم يكن البرد أو الرياح قاسيةً فيها. لذا لم تشعر بالبرد وهي تقف هناك طوال الوقت.
خفضت إيفيريا رأسها إلى هيئتها المرتبة؛ قميص، صديري، ورداء قصير يلف كتفيها، ثم أومأت موافقة.
و ساورها قلقٌ طفيف من أن يثير خروجهما معًا من الشرفة بعض الشائعات، لكنها آثرت في هذه اللحظة أن تصغي إلى قلبها فحسب.
ثم هزّت رأسها: لا بأس، لن يقتلها الأمر.
ثم إنهما في الأصل لا يبدوان ثنائيًا منسجمًا، وإن راجت الأقاويل فلن تصمد طويلًا.
وقفت بلا كلمة، متقدمة خطوةً لتقف بجواره، حيث كان قبل لحظات فقط جالسًا على الأريكة.
و لمح وجهها المتجهم قليلًا وكأنها في مهمة مصيرية، فابتسم بهدوء.
طالما أنه سيتحمل العبء الأكبر ويستعين بالظروف المحيطة، فسيخفّ الحمل عن كاهلها لا محالة.
استجمعت إيفيريا أنفاسها بهدوء، ثم همّت بخطوة واثقة نحو الخارج، لكن فجأة دوّى انفجار ألعاب نارية هائل في السماء.
فالتفتت غريزيًا نحو الشرفة، وهي تنظر عبر الدرابزين إلى الأفق. و انعكس في عينيها الزرقاوين وميض الألوان الزاهية المتفجرة في السماء.
“واو..…”
ثم انفلتت منها همهمة اندهاش بين شفتيها المواربتين، فيما كان إيرميت يراقبها بصمت، وابتسامة لطيفة تزيّن وجهه.
_________________________
الفصل يخليك تستحي وانت ماتدري ليه
المؤلفه تضحك حللت الاعتراف ثلاث فصول 😭 حتى الفصل الجاي يمكن اول موعد ليلي وهم توهم معترفين🤏🏻
يجن ايرميت وهو يبادر بطريقة تناسبها
وكذا خلااص مابقى الا ماضيهم صحح؟
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 64"