لم يستعجلها الأمير نسيبيروس، واكتفى فقط بمراقبة إيفيريا بصمت. فشعرت بحرارة تتصاعد في أذنيها.
“أنا…..أنا يا سيد..…”
“…….”
توقفت إيفيريا عن الكلام وأغلقت فمها. فقد راودها شعورٌ بأنه إن أنهت عبارتها تمامًا فسيصبح الأمر حقيقة لا رجعة فيها، وذلك ما أخافها.
نظرت إلى الأمير نيسبيروس بعينين حائرتين، لا تدري ما تصنع. بينما ترددت من بعيد أصوات انفجار الألعاب النارية، وكلما ارتفعت لتزين السماء بنورها، ازدادت الظلال المرسومة على وجه الأمير نيسبيروس عمقًا.
خال لها أن العالم خلا من كل شيء، ولم يبقَ فيه سواهما.
كان هو يحدق في شفتيها كما لو أنه ينتظر جوابها. أما رموشه التي انسدلت قليلًا فبدت لها أكثر نعومةً من أي وقت.
أرادت أن تهرب، أرادت أن تسأله من جديد. لكنها كانت قد نالت مساعدته بالفعل، ومهما كانت مشاعرها فهي لا تستطيع أن تسمح لنفسها بالاتكاء عليه أكثر من اللازم.
فتنفست إيفيريا بعمق، ثم واجهت عينيه مباشرة.
“…..أنا معجبةٌ بكَ.”
“…….”
“أظن……أنني أحمل في قلبي مشاعراً تجاهكَ تميل الى الحب الرومانسي.”
أرادت أن تقولها بلهجة هادئة، لكن صوتها ارتجف بلا إرادة.
وما إن قالت ذلك حتى غمرها يقينٌ واضح. كان شعورًا بسيطًا للغاية، إلى درجة أنها استغربت كيف لم تدركه من قبل.
لمجرد أن اتجاه مشاعرها لم يكن كما ظنّت. لكن ما إن صاغتها بالكلمات حتى صارت أثقل من أن تُحتمل، وفي الوقت نفسه شعرت بارتياحٍ غريب.
بهذا الاعتراف وحده وجدت إيفيريا أجوبة لأسئلة أقلقتها طويلًا، وإن كان ذلك مفاجئًا لها أكثر من أي شيء آخر.
هوت نظراتها المرتبكة إلى الأسفل بعد هذا الاعتراف الخجول، وأحست بحرارة تسري في وجهها. حتى الابتسامة التي كانت تجيد رسمها في العادة كانت تشتبك الآن بتوتر وتضطرب على ملامحها.
و ارتجفت زاوية شفتيها قليلًا ثم خبت واستسلمت. فرفعت يدها لتغطي خدها المحترق، محاولةً إخفاء احمرارها وارتباكها.
كانت منشغلةً بالتفكير في الصورة التي ستبدو عليها في عيني الأمير نيسبيروس، فلم تلتفت جيدًا لملامحه التي لم تكن تختلف عن حالها كثيرًا.
ومن فوق رأسها المنحني دوّى صوته الخافت،
“…..هل أستطيع أن أضمكِ؟”
أومأت برأسها إشارةً إلى القبول، فطوقها بذراعيه، و احتواها دفء جسده المألوف.
حاولت إيفيريا أن ترخي كتفيها المتصلبتين. فلم تكن قد اعتادت بعد على تماس الآخرين، لكن مع مرور اللحظات بدأ الأمر يصبح أكثر احتمالًا.
ومع كل شهيق كانت تلتقط عطره. فنبض قلبها سريعًا، على عكس ما شعر به جسدها من ارتخاء وطمأنينة.
لبثا متعانقين بصمت لدقائق، ثم رفعت إيفيريا رأسها قليلًا عن كتفه. و أحست أنها الآن تستطيع أن تطرح بعض الأسئلة التي لطالما ترددت في طرحها دون أن تغرق في تعقيدات الأفكار.
“هل لي أن…..أسألكَ بعض الأشياء؟”
“نعم، اسألي ما شئتِ.”
“لماذا فعلتَ ذلك؟”
ارتسمت على وجه الأمير نيسبيروس علامات ارتباك، وكأن عبارتها لم تصله واضحة، أو لم يفهم ما الذي تشير إليه بالضبط.
لم يسبق لها أن رأته متفاجئًا بهذا الشكل. فعضت إيفيريا على شفتيها بإحكام.
لقد أربكها كثيرًا، ومع ذلك لم يخطر بباله أنها بدورها قد تنشغل به إلى هذا الحد.
ثم خفف الأمير نيسبيروس من ذراعيه اللتين كانتا تطوقانها، وحاول أن يرفع وجهها ليراه بوضوح.
“لماذا لم تخضع للاختبار؟ كنتُ أبحث عنكَ كثيرًا في فترة الامتحانات، لكنكَ لم تظهر قط، حتى الاختبار نفسه..…”
“آه.”
غمر إيفيريا في تلك اللحظة نفس الإحساس القديم، فتلاشى صوتها في نهايات العبارات.
صحيحٌ أن العلاقة بينهما الآن عادت إلى طبيعتها، لكن المشاعر التي عاشتها حينها كانت من النوع الذي لا يُمحى من الذاكرة.
ثم تردد الأمير نيسبيروس قليلًا، كأنه يختار كلماته بعناية.
“كان عليَّ أن أبحث عن أمرٍ ما، لذلك لم أستطع الحضور. آسف.”
“….…”
“لاحقًا……عندما يحين وقت التوضيح، سأخبركِ بكل شيء.”
لم يكن جوابًا مرضيًا تمامًا، لكنه تضمن اعتذارًا صريحًا، وهذا بحد ذاته كان كافيًا لها.
فعادت إيفيريا لتدفن وجهها في صدره. و أسندت رأسها على صدره، ثم التفتت نحو السور. بينما كانت الألعاب النارية تنفجر في السماء بألوانٍ زاهية تبهر الأبصار.
لم يكن الليل مظلمًا تمامًا؛ فأنوار الأرض تحتها، وألسنة النور المشتعلة في السماء أضاءت العالم الذي تراه عيناها. فظلت إيفيريا مأخوذةً بالمشهد.
ومع ذلك، كان بداخلها منذ زمن تساؤل خافت.
كيف لرجل بدا أمامها طبيعيًّا تمامًا، أن تُصوّره الصحف دومًا بصورة شخص غريب الأطوار؟
ولماذا كانت الأخبار السيئة عنه تتفجر في كل مرة تجد نفسها في موقف حرج؟
هل كان كل ذلك محض صدفة؟
حاولت أن تطرد تلك الأفكار من ذهنها، لكنها لم تقوَ على كبح فضولها. فتساءلت بصوت خافت،
“في العام الماضي…..كانت هناك شائعاتٌ كثيرة.”
“صحيح.”
“هل يمكن أن يكون الأمر..…”
ثم توقفت. و شعرت فجأة أن السؤال فيه مبالغةٌ كبيرة.
ماذا لو لم يكن الأمر كما تفترض؟ وماذا لو كان نيسبيروس يتصرف ببساطة وفق رغبته فقط؟
حينها لن يحرج هو وحده، بل ستغدو هي أيضًا في موقف محرج، وسيغدو دفء هذه اللحظة ثقيلًا ومشوَّهًا. وذلك ما لم تكن تريده.
‘فلماذا تسرعتُ بالكلام؟’
لامت نفسها بشدة، وأغمضت عينيها ثم اصطدمت بجبهتها بخفة على كتفه العريض.
و فوق رأسها، دوّى ضحكه العميق، هادئًا ومألوفًا.
فازداد خجلها أكثر فأكثر. وقبل أن تعاتبه بجدية وتطلب منه التوقف عن الضحك، جاءها الجواب الذي تمنته.
“ظنّكِ صحيح. لم أحتمل ما كان يُقال عنكِ، فأردتُ أن أوقف تلك الأحاديث.”
“…….”
ابتعدت إيفيريا قليلًا عن حضنه، و ما زال وجهها يحترق من شدة الاحمرار.
ثم أخذت مسافةً تكفي لوقوف شخص واحد فقط، وأسندت ظهرها إلى الجدار، ثم رفعت عينيها إليه.
كان يبتسم لها بتلك الابتسامة الهادئة التي تناسب ليالي الصيف الباردة، وفي الوقت نفسه رفع يده ليعيد خصلات شعرها إلى مكانها.
“أحبكِ.”
أن ينطق بهذه الكلمة وهو مبتسم، كان أشبه بخدعة قاسية لا تُقاوَم.
أمام هذا الرجل، الذي لا يوصف إلا بكلمة “ وسيم”، رغبت في أن تبقى في ناظريه إليه إلى الأبد.
فعضت إيفيريا على شفتيها بتوتر، ثم اتجهت نحو الكرسي الموضوع في الشرفة.
جلست، فانحجب عنها مشهد الأرض خلف السور، لكن السماء المترامية فوق الأفق بقيت واضحة. ثم جلس بجانبها الأمير نيسبيروس.
كان هو وهي كالأرض والسماء؛ ومهما كان شكل العلاقة بين شخصين، فإن الفاصل الهائل بينهما حقيقةٌ لا يمكن إنكارها.
لم يكن بوسعها أن تُنزل شخصًا يقف في القمة لتجعله يقف بجانبها، بل كان الصواب أن تصعد هي.
وحتى إن لم تستطع بلوغ السماء التي يقف فيها، فعلى الأقل تتمكن من الوصول إلى حيث يمكن أن تلتقي به.
حدقت إيفيريا بشرود في الخط الفاصل بين أنوار الأرض وظلام السماء.
“سوف أنجح…..لا بد أن أنجح.”
“أجل.”
كانت إجابته بلا تردد، محمّلةٌ بإيمان راسخ.
ذلك الإيمان الذي أولاها إياه، كان أقوى بكثير من إيمانها بنفسها. لقد كان الأمير نيسبيروس يثق بها أكثر مما تثق هي بذاتها.
ثم خرج صوتها هذه المرة أكثر قوة وصلابة،
“سأصبح شخصًا لا يجرؤ أحدٌ على الاستخفاف به. سواءً من حيث المكانة، أو القدرة، أو أي شيء آخر.”
“أنتِ…..يمكنكِ أن تصبحي حتى حاكمةً للقارة بأسرها.”
“أقدر لطفكَ في المديح…..لكن ذلك يبدو مستبعدًا.”
كانت كلماته تحمل قليلاً من المزاح، لكن معظمها كان صادقًا. فابتسمت إيفيريا ابتسامةً صغيرة وهي تمسح بأطراف قدميها على الأرض بخفة.
“على أي حال…..أريد أن أكون شخصًا لا أخجل منه أمام من حولي.”
“…….”
لا سيما بجانب الأمير نيسبيروس، أرادت أن تقف بثقة كاملة.
و تذكرت أولئك الذين أحاطوا بها طوال حياتها، ثم أدركت سريعًا أن في كلامها خطأ. فلم يكن من حولها يومًا ينظرون إليها بخزي.
فحولت ببطء عينيها نحو الأمير نيسبيروس، لتلتقي بعينيه البنفسجية التي عكست الضوء بصفاء.
لم يكن في وجهه أثرٌ لارتباك، بل بدا أنه يراقبها منذ حين.
فعدلت إيبيريا كلامها بصدق، كاشفةً عن هشاشتها،
“لا، سأصحح قولي…..أنا فقط لا أريد أن أشعر بعقدة نقص.”
لقد كان حولها أناسٌ رائعون بحق، يرونها على حقيقتها فقط.
غير أن شعور النقص المتولد من فراغات داخلية كان يجعلها هي من تصغّر نفسها. حتى وهي تدرك أنها تعيش حياة لا يُستهان بها.
أبعدت بصرها قليلًا عن الأمير نيسبيروس. فقد كان هو نفسه يومًا ما مصدر عقدة نقصها.
ولأنها الآن تعترف بما كانت تخفيه في قلبها، لم تعد تجرؤ على النظر إلى وجهه مباشرة.
لكن صوته الهادئ جاءها كنسمة تطمئن قلبها،
“مهما كان الطريق الذي ستسلكينه…..سأكون مشجعكِ الأول.”
“….…”
لم يكن جوابًا فيه عزاءٌ مباشر لما قالته، بل كان وعدًا يركز على المستقبل.
فانسدلت رموشها الطويلة على عينيها الزرقاوين فغطت نصف بريقهما. بينما أكمل الأمير نيسبيروس بنفس الهدوء،
“إن رغبتِ في طريق العلم، سأجمع لكِ كتب العالم كله. وإن قررتِ فجأة دخول القصر الإمبراطوري كساحرة، فسأستعين حتى بولي العهد لأجد لكِ أكثر الطرق كفاءة.”
لكن إيفيريا لم تستطع أن تجيب. فقد كانت تعرف تمامًا ما يملكه الأمير نيسبيروس من قوة، وما يستطيع أن يفعله إذا أراد.
__________________________
يمااااااااه اعترافهم حلو😭
عيالي هادي حتى اعترافهم هادي
المهم ايفيريا ماتبي ايرميت يساعدها بس هو مفروض يساعدها وهي ماتدري وين حب الزوج
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 63"