عادت إيفيريا إلى مكان إقامتها وهي تحتضن البضائع بعناية.
و قد قالت سينثيا إنها ستشارك ـ ولو متأخرة ـ في اللقاء مع طلاب هوريتين، وربما تذهب من هناك مباشرةً إلى الحفلة.
كانت إيفيريا ممتنةً دائماً لسينثيا لأنها تهتم لأمرها. فلولاها ربما كانت لستغرق في مشاعرها وهمومها.
جلست إيفيريا ترتب البضائع التي جلبتها.
حتى أثناء تسلّمها الجوائز شعرت بالذنب وكأنها تأخذ أكثر مما تستحق، لكن طلاب هوريتين ألحّوا عليها حتى أنها رأت بأم عينيها مكاناً مكدساً بالهدايا خلف الستار.
كما همسوا لها بأنهم تلقوا دعماً مالياً كبيراً من الأكاديمية.
ثم أنهت ترتيب الدمى الصغيرة والكبيرة بوضعها متراصةً في زاوية من الحقيبة. وحان دور ترتيب الأدوات السحرية ذات الشكل الزخرفي.
دفعت إيفيريا محتويات الحقيبة جانباً بحذر لتُفسح مكاناً لها. وبين الملابس والأمتعة، علقَت يدها بصندوق ملفوف بشيء ناعم.
“…..آه.”
إنه الصندوق الذي يحتوي على السوار الذي كانت تنوي إهداءه إلى الأمير نيسبيروس.
مع أنها لم تكن تكنّ له مشاعر إيجابية حتى وقت قريب، إلا أنها مع ذلك لفّت الصندوق بعناية بالغة لئلا يتضرر.
فارتسمت على وجه إيبيريا ملامح متضاربة. و كان الاضطراب الذي اجتاح قلبها مفاجئاً كظهور الصندوق فجأة.
ثم وضعت الصندوق فوق المكتب في أكثر مكان بارز يمكن أن تراه.
***
وبعد أن أنهت الترتيب، حاولت دفع أفكارها المتشعبة حول الأمير نيسبيروس بالنوم عمداً.
لكنها حين استيقظت، ظلت تحدق بسهو في السقف.
يبدو أن سينثيا ذهبت مباشرةً إلى قاعة الحفل الكبرى، إذ لم يكن هناك أثرٌ لوجودها في الغرفة.
تحققت من الوقت، فوجدت أن الحفل قد بدأ فعلاً منذ قليل. فنهضت وبدأت ترتدي زي الأكاديمية الرسمي.
ولحسن الحظ أنها علّقته أمس فور وصولها إلى هوريتين فلم يتجعد.
أغلقت أزرار القميص حتى آخرها، وارتدت الملابس طبقةً فوق طبقة، فشعرت بالانزعاج يثقل جسدها.
لم تعد تتذكر آخر مرة ارتدت فيها هذا الزي كاملاً. ربما في أول يوم من الفصل الدراسي. على كل حال، خلال فترة دراستها في الأكاديمية، نادراً ما ارتدت الزي الرسمي بهذا الشكل المتكامل.
حاولت إيفيريا طرد الكآبة المفاجئة التي تسللت إليها وسط الهدوء، لكن خطواتها بقيت متثاقلة.
لماذا أشعر هكذا فجأة؟
وكلما اقتربت من القاعة الكبرى، أخذ الضجيج يزداد حولها شيئاً فشيئاً.
و كما في الأمس، أعطت اسمها عند المدخل فتسلمت بطاقةً اسمية، علّقتها كيفما توافقت فوق سترة الزي ومضت إلى الداخل.
كانت القاعة قد امتلأت بالطلاب. لكن لم يتحدث إليها أحد، وهذا ما اعتبرته أمراً جيداً.
وبما أن المكان مختلفٌ عن الأمس، فقد اختلفت بُنيةُ القاعة الداخلية أيضاً.
وقفت إيفيريا في أحد الأركان تتأمل المكان بتأنٍّ.
السقف كان مرتفعاً، ومن يقف في الزوايا مثلها لا يُلحظ بسهولة. ومن الجانب، تميزت القاعة بوجود شرفاتٍ مغطاة بستائر، ربما خُصصت لمشاهدة الألعاب النارية. و أغلبها كان فارغاً الآن.
فكرت أنها ستدخل إلى إحداها بعد قليل، ثم جلست في مكان مناسب. و بقيت تحدق بشرود في الطلاب وهم يتبادلون الأحاديث.
فشعرت بقليلٍ من العزلة…..كزيت يطفو فوق سطح الماء.
وضغطت أصابعها على جبينها محاولةً تهدئة قلقٍ بلا سبب، وإذا بالقاعة تموج ببعض الهمهمات. يبدو أن أحد أفراد العائلة الإمبراطورية، أو الأمير نيسبيروس، أو شخصاً بمقامهم قد دخل.
رفعت إيفيريا بصرها نحو المدخل. وكان فعلاً الأمير نيسبيروس. فسارعت إلى صرف نظراتها عنه.
الآن لم تكن إيفيريا تنوي عمداً تجنّب الأمير نيسبيروس، لكنها أيضاً لم تشعر برغبة في الاقتراب منه. فقد كان محاطاً بالناس أصلاً. وشعور البعد الذي هاجمها جاء كإضافة مجانية.
ومع ذلك، عيناها لم تكفّا عن تتبّع حركته. بينما كان قلبها ينبض على غير انتظام.
وكالأمس، كان محاطاً بجمعٍ من الطلاب. وسلوكه لم يختلف كثيراً عما كان عليه البارحة.
حدّقت إيفيريا في المشهد، ثم عقدت حاجبيها ببطء. ففجأة بدت لنفسها مثيرةً للشفقة.
نهضت بعصبية من مكانها واتجهت نحو الشرفة. وكانت هناك عينين بنفسجية تتبع ظهرها المغادر.
دخلت إيفيريا إلى الشرفة الواقعة في أقصى الطرف، وأسدلت الستارة بإحكام وجلست على الكرسي أمامها.
لكن الدرابزين حجب عنها المشهد أسفلها. فزفرت بانزعاج وهي تمسّد شعرها بيدها ثم نهضت من جديد.
هذه القاعة الكبرى كانت تقع في أبعد أطراف الأكاديمية. أما الشرفة فهي أبعد من ذلك.
سورٌ يحيط بالأكاديمية يفصلها عن الخارج، وما وراءه كانت الأضواء تلمع. لا بد أنها أنوار السوق الليلي الذي تحدّثوا عنه.
ولأن القاعة كانت في طابق عالٍ، فقد انفتحت أمامها رؤيةٌ واسعة.
الشمس لم تغب تماماً بعد، وظلالٌ طويلة كانت ترتسم على الأرض. والشمس التي تزحف ببطء خلف الأفق صبغت العالم كله بحمرةٍ أخيرة كأنها تحتضر.
من موقعها، نصف ما تراه عينها كان الأرض، والنصف الآخر السماء.
ثم تقدمت خطوةً أخرى نحو الدرابزين، وامتد ظلها خلفها أكثر.
وما إن غربت الشمس كلياً حتى شعرت وكأن فجوة انفتحت في صدرها. وسرت فيها نسمةٌ باردة.
كانت أنوار السوق الليلي تزداد شيئاً فشيئاً. بينما رفعت بصرها بين الأرض والسماء بالتناوب.
الأرض التي أخذها الظلام كانت تنيرها أضواءٌ متفرقة، والسماء أضاءتها نجوم بدأت تظهر تباعاً. وبعد قليل ستتفتح الألعاب النارية فتزدان السماء أكثر.
ذلك المشهد الذي وعدها الأمير نيسبيروس أن يراه معها…..لكنه الآن في الداخل.
“كاذب.”
قال أنه سيرشدها في أكاديمية هوريتين، وفي النهاية كانت الأميرة هي التي أخذت بيدها.
خرجت منها فجأة كلمة عتاب طفولية لم تستطع كتمانها. وحتى هي نفسها استغربت تقلب مشاعرها بهذه السرعة.
كانت هي أول من تفادته، وهي من بنت بينهما جداراً خوفاً من الخسارة، ومع ذلك حمّلت اللوم عليه.
وفي هذه اللحظة بالذات، كانت تتمنى أن تلتقي به صدفة. رغم أنها أوصدت الستائر بهذا الشكل.
هل يُجنّ المرء فتصبح مشاعره كلّها تناقضات؟
فكرت إيفيريا بجدية.
كانت تقول لنفسها أن عدم رؤيته أهون لقلبها، لكن عينيها كانت تبحثان عنه.
و كانت تتمنى أن يبحث هو عنها، لكنها لم ترد أن يراها على هذه الحال البائسة.
لماذا أصبحت إنسانةً مليئةً بكل هذا التناقض؟
لماذا كلما تعلّق الأمر به تهدأ لحظة ثم تنهار في اللحظة التالية؟ لماذا؟
اندفع شيءٌ خانق في حلقها، و بدأت عينيها تدمع.
منذ لحظات لم يكن مزاجها بهذا السوء، وإذا به يهوي فجأة إلى الحضيض.
وإن بكت الآن، فستكون قد جلبت على نفسها أسوأ فضيحة في هوريتين. فضغطت بأطراف أصابعها الباردة على جفنيها كي تكبح الدموع.
…..لكن، يا للمرارة.
حتى هذه المرارة لم يكن لها سبب. لا هدف واضحاً، ولا مبرر مفهوم لهذه العاطفة.
دافعٌ للسلوك؟ لا وجود له.
كيف للمرء أن يجد دافعاً حين لا سياق للأمر من الأصل؟
كل شيء كان فوضى. و لم يكن هناك جوابٌ على الإطلاق.
و لأول مرة في حياتها تواجه مسألةً بلا حل.
منذ لقائها الأمير نيسبيروس في الليلة الماضية، أدركت في قرارة نفسها أنها لن تجد جواباً مهما أجهدت التفكير بمفردها.
ولهذا حاولت اليوم أن تصرف ذهنها عنه كلما خطر لها. بل كانت تفكر أن تطمر هذه المشاعر إلى الأبد إن لزم الأمر، حتى لو كان ذلك قسوةً في حقه.
لكن ذلك القرار، وذلك العزم الطفيف على دفن مشاعرها، تحطم لحظة التقت به بعينيها.
اهتزّت عينا إيفيريا بقوة، وأخذت زرقة حدقتيها تعكس الضوء في اضطراب. ثم انفرجت الدموع المتجمعة، وانحدرت قطرةً بعد أخرى على وجنتيها.
كأن سداً ظلّ يحجز مياهاً لسنوات طويلة قد انهار فجأة. فقد فاضت عواطفها بلا حد.
“…..لا أعرف.”
ما كانت تشعر به الآن كان مجهولاً.
قلبها هو قلبها، لكنها نفسها لم تفهمه. وكأن أحدهم جمع كل ما في الدنيا من قبح وصعوبة وخلطه ثم ألقاه في صدرها.
ترنحت إيفيريا ثم أسندت ظهرها إلى الحائط. و تسربت كلماتٌ واهنة بين شفتيها المرتجفتين.
“لماذا…..لماذا؟”
لماذا تشعر بالخذلان منه؟
لماذا يؤلمها أن يبدو بعيداً عنها؟
ما سر هذه المشاعر المتناقضة كلها؟ وما الذي ينبغي أن تفعله الآن؟
فكرت ألف مرة، لكن بمفردها لم تصل إلى شيء.
ابتلتّا وجنتاها بالدموع. و رفعت ذراعها المتهدلة وأسندت وجهها إليها، فابتلّت راحة يدها بما لا ينتهي من دموع.
ومثل لغز بلا حل، ما إن انطلقت دموعها حتى استعصى عليها التوقف.
كانت تهاب هذا الجهل. تهاب قلبها الذي لم تفهمه. ومع ذلك، كان ما يخيفها أكثر هو أن يبتعد عنها.
وما يربكها أكثر أنها كلما صادفته مصادفةً شعرت بفرحة خفية.
حقاً، لم تعرف نفسها في تلك اللحظات.
ماذا تفعل بهذا القلب المتناقض؟
‘آه، لهذا حاولت ألا أفكر.’
كانت تعرف أن الهروب ليس جواباً، لكنها لم تملك إلا أن تهرب. لأنها إن واجهت الأمر وجهاً لوجه، فستنهار هكذا تماماً.
طأطأت إيفيريا رأسها. و شعرت بالعار لمجرد أن الأضواء الجميلة من حولها ترى وجهها بهذا الحال.
تمنت لو أن الزمن يتوقف هنا. فلو رآها أحدٌ ممن يعرفها الآن، لربما ماتت من الخجل.
فالتصقت بالجدار محاولةً إخفاء نفسها. أبعد ركن، ذاك الذي حتى لو دخل أحدٌ الى الشرفة لن يقع نظره عليها إلا في النهاية.
في تلك اللحظة، دوّى صوتٌ خافت يوحي بأن الستارة قد أزيحت. فشهقت إيفيريا، و تصلبت كتفاها، وخرج نفسها المرتعش متقطعاً.
____________________
لايكون ولي العهد ولا الاميره؟ تكفون جيبوا ايرميت على الاقل يشوفها بذا الحاله ابي دراماااا
التصنيف فيه دراما اصلا؟ مدري ✨
المهم الحمار ايرميت الي بكاها اطالب باعتذار منك لها حتى لو منتب غلطان ولا غصباً عنك
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 61"