ثبت إيرميت بطاقة اسمه ببطء، ثم بخطوات وادعة دخل إلى قاعة الحفل.
رغم أن وقت البداية قد مضى عليه الكثير، إلا أن الدخول لم يكن مقيَّداً بوقت محدد، فكان بإمكانه الظهور متى شاء.
ولجذب اهتمامٍ أكبر، كان التأخر أفضل.
ثم مرّ إيرميت بعينيه على القاعة غير آبهٍ بنظرات من توجهت إليه. حينها وقعت عيناه على إيفيريا، التي بدت في وضعٍ محرج للغاية.
لا يُعلم أي حماقة ارتكبتها الأميرة، لكن الناس التفوا حول إيفيريا بكثرة. ولحسن الحظ كان وليّ العهد بجوارها، مما حال دون تجرؤ النبلاء الآخرين على التصرّف بطيش.
هل يجدر به أن يلفت بعض الأنظار إليه؟
فقرر إيرميت على غير عادته أن يبدأ بعض المجاملة. و أخذ يرد على تحيات الطلاب المتجمعين حوله بين الحين والآخر، حتى اجتذبت شخصيته معظم الأنظار في القاعة.
وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة…..العلامة الوحيدة على ما يملكه من مهارة اجتماعية.
ومع انقضاء بعض الوقت، عاد إيرميت يتفحص القاعة بعينيه. و ما زالت إيفيريا هناك، بل لوهلة التقت نظراتها الزرقاء بنظره.
كانت لحظةً خاطفة، لكن إيرميت تمكن أن يلمح في عينيها شعوراً ما.
ذلك الإحساس الذي يسهل قراءته في عيون المحيطين به الآن: شيءٌ من العزلة والقلق، ممتزج بإحساس بالدونية.
ويا للمفارقة…..أدرك شعورٌ لم يلحظه عن قرب، لكنه من بعيد بدا جلياً حتى لام نفسه كيف لم يدركه سابقاً.
نسي للحظة أن الموضوعية لا تأتي إلا من المسافة. و هذا الإدراك المفاجئ لمشاعر إيفيريا زعزع قلبه بشدة.
لكن سنواتٌ من التدرّب على ضبط ملامحه جعلت ابتسامته ثابتة، مهما كان اضطراب ما وراءها.
غير أن داخله لم يكن ساكناً كما بدا.
إيرميت كان يعلم أن ما رآه في عيني إيفيريا قد وُلد من طبيعة علاقتهما. وما إن تذكّر ذلك، حتى أخذ قلبه ينبض بلا انتظام.
انتابه أملٌ مبهم أن وجوده أصبح ذا قيمة كبرى لديها. لكن أن تحمل إيفيريا خوفاً من علاقتها به، فذلك أمرٌ لا يجوز أن يُسمح بحدوثه.
إذاً، ما العمل؟ لطالما بنى معها علاقة صداقة دافئة وطيبة.
لكن إن كانت تشعر بالقلق تجاهه…..فعليه أن يُريها أن زمام العلاقة بيدها.
لهذا قرر إيرميت أن يكشف عن مشاعره بقليلٍ من الصراحة، وأن يُظهر القليل مما كان يخفيه خلف ودّه وابتسامته.
***
أشرقت شمس اليوم الثاني في هوريتين. و استيقظت إيفيريا أبكر بكثير مما خُطط له.
أو بالأحرى…..عيناها فُتحتا من تلقاء نفسيهما.
انعكس في المرآة وجهها مرهقاً وذابل الملامح. فرفعت يدها ببطء تمسح وجنتها وهي تحدق في صورتها.
اليوم سيُقام حفل توزيع جوائز مهرجان هوريتين في الصباح، ثم بعد الغداء سيكون هناك لقاءٌ ودي يجمع طلاب الأكاديميتين.
وكان عليها المشاركة في مراسم الجائزة بسبب وعد قطعته مع الأميرة بالأمس.
جاهدت إيفيريا تنهض بجسدٍ مثقل، تغتسل على مضض، ثم ترتدي ما استطاعت من ملابس مريحة ودافئة.
و تساءلت في نفسها إن كان من اللائق ارتداء شيء كهذا في مناسبة كهذه، لكنها سرعان ما أقنعت نفسها أنها لن تقف على المنصة اليوم، بل ستكون مجرد واحدة من الحضور بين الجمهور.
وكان لدى إيفيريا وسيلةٌ سرّية تنقذها دائماً: فعندما ترتدي معطف أكاديمية «لاكانيل» بدا مظهرها لائقاً مهما كانت ملابسها من الداخل، وكأنها التزمت بأصول المناسبة.
كان ذلك المعطف حقاً صالحاً لكل موقف.
وعلى النقيض من إيفيريا المرهقة والمنهكة، بدت سينثيا في غاية النشاط والحيوية، حتى شعرت إيفيريا في آنٍ واحد بأن طاقتها تُستنزف وبأن شيئاً من تلك الحيوية يتسرب إليها.
و حين حان الموعد، سارت برفقة سينثيا نحو قاعة حفل توزيع الجوائز.
طوال الطريق، أحسّت إيفيريا بنظرات صديقتها تتابعها، فاكتفت بابتسامة تطمئنها وجلست في مكان مناسب.
امتلأت القاعة بالطلاب، وبدأ الحفل رسمياً. ثم صعد عميد الأكاديمية إلى المنصة، وألقى التحية و أخذ يسرد شيئاً من تاريخ تأسيس أكاديمية هوريتين.
حاولت إيفيريا أن تركز ما استطاعت، لكن الجسد المنهك والعقل المثقل مع دفء الأجواء شكّلوا معاً وصفةً مثالية للنوم.
أبت جفونها أن تستسلم، حتى مال رأسها قليلاً ثم ارتدّت منتفضةً لتفتح عينيها من جديد.
“…وهكذا أصبحت مسابقة أكاديمية هوريتين حدثاً رمزياً يمثل المهرجان.”
و أدركت حينها أن خطاب العميد أوشك على الانتهاء. فتفقدت محيطها بهدوء حتى لا يلحظ أحدٌ ارتباكها.
في الصفوف الأمامية جلس الطلاب المتميزون، وكان من بينهم الأميرة ذات الشعر الذهبي المألوف. أما الصف التالي فشغله كبار الضيوف، وفي الصف الذي خلفهم التقط بصرها هيئةً مألوفة للغاية.
شعرٌ فضي أنيق، ومعطف لاكانيل تماماً مثلها…..كان هو، الأمير نيسبيروس.
رمقت إيفيريا ظهره بطرف عينها، بينما ذهنها كله انشغل به متجاهلاً ما يجري في المقدمة.
فكلما وقع بصرها عليه، تذكرت أحداث الليلة الماضية.
هو الذي ألقى بمعطفه فوق كتفيها، وضبطه بعناية بيديه. هو الذي ظهر في ملامحه الجامدة مشاعر دافئة لم تستطع إيفيريا أن تنكرها.
لكنها بدأت تدرك الآن أن في ذلك الحنان قوةً تملك وطأةً أشبه بالعنف. وكلما ازدادت يقيناً بمشاعره، ازدادت هي حيرةً في مشاعرها.
غامت عيناها، وأخذت تصفق آلياً كلما نودي على طالبٍ فائز، بينما رأسها يزدحم بالأسئلة والهواجس.
وفجأة وقع بصرها على خصلات ذهبية لامعة تتحرك أمامها…..كانت الأميرة. عندها أغمضت عينيها بشدة ثم فتحتهما، محاولةً أن تشتت خواطرها.
“سيلينا داميـان كايتانور، من أكاديمية هوريتين……”
…..آه، لقد انتهى كل شيء.
التركيز كان قد تبخر تماماً. فرفعت يدها تغطي عينها، مستشعرةً العجز.
صحيحٌ أنها عانت في الآونة الأخيرة من قلقٍ وأفكار متشابكة، لكنها لم تبلغ من الشرود هذا الحد من قبل.
و لم تعرف لماذا ذاكرتها وأفكارها تنفلت منها بهذه الصورة الآن.
***
ومع انتهاء حفل توزيع الجوائز، أمسكت سينثيا بيدها.
وحين تذكرت إيفيريا أنها لو عادت إلى الغرفة فلن تجد سوى أسوار القلق تحاصرها، استسلمت لمرافقة صديقتها.
إذ كان واضحاً أن تعبها النفسي يفوق جسدها بكثير، فالبقاء في عزلة لن يزيدها إلا سوءاً، بينما الخروج قد يخفف عنها.
وبينما كانت تحاول أن تفرغ رأسها من التفكير، سألتها سينثيا بمرح،
“ما رأيكِ أن نتجول اليوم ونجرّب بعض الأطعمة؟”
“…..نعم، هيا لنفعل ذلك.”
فالموعد الودي الرسمي الذي كان مقرراً بعد الظهر لم يكن إلزامياً.
وبالنسبة لها، كان قضاء الوقت بالتسكع مع سينثيا أهون وأمتع من الجلوس وسط غرباء تحاول أن تبتسم لهم بتكلّف.
طوال فترة المهرجان، نُصبت أمام المبنى الرئيسي لأكاديمية هوريتين ساحاتٌ مليئة بالأكشاك. كانت تتبدل كل يوم، فما رأته الأمس لن يكون شبيهاً بما ستجده اليوم.
قادَت سينثيا إيفيريا بيدها بعد أن حصلت من مكان ما على كتيّب إرشادي. ومع اقترابهم، أخذت الأصوات المتداخلة تعلو شيئاً فشيئاً.
وما إن خرجتا عبر الطريق المختصر المؤدي إلى الساحة حتى استقبلتهما أقمشةٌ بيضاء وحمراء ترفرف فوق الخيام، وحشود من الناس بأزياء متنوعة.
جالت إيفيريا ببصرها في المشهد بأكمله دفعةً واحدة.
وبحسب الكتيّب في يد سينثيا، فهناك أكشاكٌ مخصَّصة لبيع الطعام، وأخرى لتنظيم أنشطة ترفيهية، وثالثة تتيح فرص لقاءات عفوية بين الطلاب.
بل وكان هناك أيضاً أماكن قليلة تنصب مجالس الشراب منذ الظهيرة، وهو ما جعل إيفيريا تتساءل بدهشة: كيف سيتحملون عواقب ذلك من صداع وثِمالة؟
لكنها كتمت فضولها ومضت تتأمل الأرجاء.
حينها لفت نظرها كشكٌ يبيع مشروبات تتلألأ بألوان غريبة بفعل السحر. و راودها خاطر أنها لو استطاعت الاطلاع على الصيغ السحرية المستخدمة قبل تذوقها، لكان الأمر ممتعاً.
ولم تستطع إخفاء بريق الحماس في عينيها.
“هل تريدين أن نجرب بعض العصائر؟”
فسألتها سينثيا.
“مم…..ما رأيكِ أن أجلب أنا بعض الكعك أيضاً؟”
“ممتاز، وأنا سأشتري السندويشات.”
وقد بدا على إيفيريا من خلفها حماسٌ طفولي، ما جعل سينثيا تبتسم.
بعد قليل، وجدت إيفيريا نفسها محاطةً بالطعام من كل جانب.
كانت تحمل مشروبين، سلّمت أحدهما إلى سينثيا، بينما بدا السندويش وكأنه يطفو فوق ذراعها.
“انظري! جعلوه يحوم حول المشتري لفترة قصيرة. أليس رائعاً؟”
“واو…..حقاً مدهش.”
“هل رسموا دوائر سحرية لذلك؟ أين بالضبط؟”
كانت نبرتها مفعمةً بالبهجة، ولحسن الحظ بدا أنها أفضل حالاً مما كانت عليه قبل قليل.
لكن، حين نفذت الطاقة السحرية، أخذ السندويش الذي كان يحلّق فوق ذراعها يهبط ببطء. غير أنها التقطته قبل أن يلامس الأرض.
وتبادلت هي وسينثيا الضحك. و تناولتا غداءً خفيفاً في الساحة المخصصة للاستراحة، ثم واصلتا التجوال بين الأكشاك.
وبسبب ارتدائهما زيّ أكاديمية لاكانيل، اجتذبتا كثيراً من الأنظار. لكن معظم تلك النظرات لم تزد على فضول عابر.
حاولت إيفيريا ألا تكترث كثيراً، وتوقفت تقرأ لافتةٌ كتب عليها: «مسابقة معلومات عامة».
كان هناك طالبٌ يقف بجانب من يُدير المسابقة، فالتفت إليهما وهو يخرج نصف جسده إلى خارج الكشك، ثم عندما أدرك أنهما من لاكانيل، أشار بيده،
“أه، طلاب لاكانيل يدفعون نصف رسوم الاشتراك فقط.”
فردّت سينثيا بحماس،
“إيفيريا، لنشارك!”
“بالطبع، هذا مجالي أنا.”
وللمرة الأولى، استطاعت إيفيريا أن تنجذب بحماس سينثيا، وهي التي كانت أقل نشاطاً منها قبل قليل، فما كان من سينثيا إلا أن استجابت بسعادة.
حين دخلت إيفيريا وسينثيا تحت خيمة الكشك، وجدت على أحد الجوانب ورقة تسجيل وقلم موضوعين على الطاولة.
فناول الطالبُ الذي قادهما إلى الداخل الورقةَ،
“من فضلكما، اكتبا الاسم والانتماء.”
“حسناً.”
كتبت: سينثيا ويندر. وتحتها مباشرة: إيفيريا ديل. ثم دفعت سينثيا الرسوم أولاً وبدأت المشاركة في المسابقة، فيما انتظرت إيفيريا دورها.
و عندما استعاد الطالب الورقة التي تحوي الأسماء، وقعت عيناه على ذلك الاسم. و لحظة صمت مرت، ثم رمش بعينيه مراتٍ وكأنه لم يصدق.
الاسم الذي لم يعرفه إلا سماعاً…..ها هي صاحبته تقف أمامه!
وبقليلٍ من الارتباك تردّد صوته وهو يسألها،
“عفواً…..هل أنتِ حقاً…..؟”
“نعم.”
“آه….أ، أجل..…”
ارتبك أكثر مما ينبغي. بيتما ألقت إيفيريا نظرةً سريعة إلى الداخل حيث كانت سينثيا، لكنها لم تعد تراها، ويبدو أنها أنهت الإجابة عن الأسئلة بسرعة.
فاكتفت إيفيريا بابتسامة هادئة تراقب الطالب، ومع مرور الوقت بدا أنه يزداد ارتباكاً ويقف في مكانه حائراً.
عندها همست بلطف،
“ألا يفترض أن تتسلم الرسوم..…؟”
“آه! نـ-نعم، طبعاً! يمكنكِ الدخول من هنا والمشاركة حالاً. أتمنى لكِ وقتاً ممتعاً!”
“شكراً جزيلاً.”
ضحكت إيفيريا بخفوت، غير قادرة على كتم ابتسامتها.
وبعد قليل، خرجت من الكشك تحمل بين ذراعيها دمى وأدوات سحرية وجوائز شتى، كمن خرج للتو من غنيمة صغيرة.
________________________
فازت بها ولا واسطه؟😂
بس تدننن ايفيريا في ذا الفصل طلعت الطفل الي داخلها🤏🏻
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 60"