لم يكن شعوره ناجماً فقط عن عدم تمكنه من رؤية إيفيريا. فهو كان يظن أنه انتقل معها من علاقة يطغى عليها الخوف، إلى مودة خفيفة، ثم إلى صداقة حقيقية.
وكانت عينا إيفيريا المضيئتان كلما رآها دليلاً كافياً على ذلك.
لكن منذ وقتٍ ما، بدأ يشعر باختلاف طفيف.
تلك العينان التي لطالما امتلأتا بالعطف، بدأتا تمتزجان بعناصر أخرى غريبة. فأعاد ذاكرته إلى الوراء يبحث عن السبب.
متى بالضبط بدأ ذلك؟ أكان يوم رآها أول مرة بعد الامتحانات؟
قطّب جبينه قليلاً.
آه…..بل كان عشية مهرجان هوريتين.
رآها بعد غياب طويل، فغمره السرور، لكنه قلق في الوقت نفسه إذ بدا عليها الإرهاق والذبول.
ولم يلبث أن طغى القلق على سروره، فتحول قلقه، متنكرًا في صورة صدمة قديمة، إلى كلمات حادة.
لكنه كان يدرك أن ذلك الموقف وحده لم يكن السبب الجذري لاختلافهما.
إذاً فما المشكلة الحقيقية؟
أيقن أن أفضل طريقة لاكتشافها هي الحديث المباشر. فإيفيريا، في النهاية، هي صاحبة «السؤال» الذي واجهه.
في أكاديمية لاكانيل، كانت حياتها رتيبةً وبسيطة. أما في زيارتها الحالية إلى أكاديمية هوريتين، فلم يكن متأكداً من تفاصيل يومها.
لكنه كان على يقين من مكان واحد ستقصده بلا شك: المكتبة. فإيفيريا لا بد أن تزور مكتبة هوريتين، حتى أن ذلك يُعد من البديهيات.
لذلك، منذ وصوله إلى هوريتين، جعل المكتبة مقرّاً له. ولحسن الحظ، كان يحب القراءة هو الآخر، متأثراً بها منذ طفولته.
استرجع ذكريات دراسته في الأكاديمية، وانتقى بعض الكتب التي تثير اهتمامه، يقرأها بسطحية بينما عينه منصبةٌ على المدخل، ينتظر قدومها.
لم يظفر سوى بإلقاء نظرة على ملامحها من الجانب، أو على ظهرها وهي تمر. لكن غايته الحقيقية كانت الحديث معها. و خطته الأولى باءت بالفشل التام.
فلم يكن ليتخيل أبداً أن تهرب إيفيريا لمجرد رؤيتها شعره. حتى أنه فكر لحظةً في صبغ شعره بلون عادي لا يلفت الأنظار، لكنه بدد الفكرة سريعاً.
وكانت صورة ظهرها وهي تغادر المكتبة على عجل مثيرةً للدهشة بقدر ما كانت مؤلمة.
فهو لم يتصرف معها يوماً إلا بلطف. فلماذا إذاً؟
أسئلة طبيعية ورغبة في المواجهة ملأت قلبه. ومع ذلك، لم يحاول إيقافها. فقد كان يعلم أنها بحاجة إلى وقت، وأن محاولة إمساكها وهي في تلك الحال لن تجر سوى نتائج عكسية.
بعدها لم يرها إلا في ساحة المنافسات. لكنه لم يخرج من ذلك اللقاء بشيء يذكر.
كان إيرميت قادراً على العثور على إيفيريا متى وُجدت في مجال بصره. ومهما كان الناس يحومون حولها، قلم يكن أي وجه ليبقى عالقاً في ذاكرته كما يبقى طيفها، حتى وهي بعيدة.
وبينما كان يتتبع خطواتها ونظراته تلاحق ظهرها، أدرك أنها تحظى بشعبية تفوق ما تخيله.
كان ذلك أمراً يعرفه مسبقاً، لكنه حين رآه بعينيه شعر بالانزعاج والقلق. فالعلم بالعقل شيء، ورؤيته بالعين شيءٌ آخر.
وإن ذهبت إيفيريا بعد تخرجها إلى أحد بيوت النبلاء، فسيصير لقاؤها أصعب مما هو الآن.
من بحثه، تبيّن أن احتمال ذهابها إلى برج السحر هو الأكبر، لكن المستقبل لا يمكن التنبؤ به. فكل الاحتمالات مفتوحة، والاختيار بيدها وحدها.
لو أنها اتجهت نحو البرج أو حتى القصر الإمبراطوري، لكان في وسعه زيارتها باستمرار، بل وربما الالتحاق بالمكان ذاته.
لكن إن انتهى بها الأمر في بيت نبيل عادي، فلن يكون له — وهو وريث نيسبيروس — سبيل ليتردد عليها هناك.
كان ذلك مستحيلاً منذ البداية. ولهذا، صار كل طالب نبيل في أكاديمية هوريتين يبدو له أشبه بخصم محتمل.
مرّر يده في شعره وتنهد. فقد بدأت تصل إلى مسامعه شائعات كثيرة هنا وهناك:
أن شخصاً يُظن أنه إيفيريا ديل شوهدت في مكانٍ ما، وأنها لم تكن محاطةً بالناس، وأن بإمكان من يملك السلطة أن يجذبها بسهولة…..أحاديث شتى كهذه.
وما أزعجه أكثر كان هذا الرأي الأخير تحديداً.
حين غادر هوريتين من قبل، أُطلقت حوله شائعاتٌ سيئة، لكنها لم تنل من مكانته. فقد كان محاطاً دوماً بالناس، تعجبهم هيئته اللافتة وخلفيته العريقة وسلطانه الواسع.
وحين انتهت منافسات مهرجان الأكاديمية، لم يكلف نفسه عناء صرف الطلاب المتجمعين حوله.
صحيحٌ أنه الآن طالب في لاكانيل، لكنه قضى عاماً ونصفاً في هوريتين، فكان من الطبيعي أن يقترب منه بعضهم بذريعة «دعني أعرّفك على مباني الأكاديمية» ونحو ذلك.
و هؤلاء، في نظره، كانوا على الأقل أشجع من غيرهم.
وبين المقارنات التي أخذوا يعقدونها بين لاكانيل وهوريتين، ورد اسمٌ مألوف على مسامعه: إيفيريا.
ما إن سمع الاسم حتى انعطف طرف عينيه بابتسامة خفيفة، بالكاد ارتسمت على شفتيه. لكن ذلك وحده كان كافياً ليجذب كل الأنظار إليه ويشيع الصمت بين الحاضرين.
“……في لاكانيل، هناك الكثير من الموهوبين.”
وفور أن نطق بها، تسابقت كلمات الموافقة من حوله.
فرفع حاجبيه قليلاً ودفع شفته إلى الأمام بإيماءةٍ غامضة. و كان في الجمع من يقرأ أدق تعابيره، ولذلك سارعوا إلى التلعثم بالاعتذار،
“آ- آسفون…..لقد أفرطنا في الكلام.”
“أجل. أنا قلت جملةً واحدة فقط، فلماذا تتشعب أحاديثكم هكذا؟”
تجمد الجو من برودة رده الذي لم يراعِ فيه مشاعرهم، ثم ما لبث أن خيّم الهدوء أخيراً.
فابتسم عندها إيرميت ابتسامةً أوسع، وهو يتفحص وجوه المحيطين به.
“لقد بدت لي…..مغرية.”
“…….”
كانت جملةً مبهمة لم تُفصح عن الشيء المقصود تحديداً. ألقاها لاستقطاب الانتباه، لكنه كان عازماً على توضيحها.
ثم نظر في أعينهم واحداً واحداً،
“أعني إيفيريا ديل…..الفتاة التي كنتم تتحدثون عنها كثيراً.”
كان الحاضرون جميعهم ممن يتقنون التقاط الشائعات والهمسات، ولذا لم يكن خافياً عليهم ما يُقال عن علاقة إيفيريا ديل بإيرميت نيسبيروس.
فقد شاع بين الطلاب أن العلاقة بين الاثنين ليست على ما يرام، وأن وريث نيسبيروس لا يُبدي ارتياحاً لإيفيريا.
لكن ما أظهره اليوم كان مغايراً تماماً. كلماته أوحت، ولو من الوهلة الأولى، بأن في قلبه ميلاً نحوها.
تحدّث إيرميت ببطء، والابتسامة ما زالت مرتسمةً على وجهه،
“أتمنى أن تحظى إيفيريا ديل بمكان يليق بها بعد تخرجها.”
“…….”
“وإن كان لا بد أن تعمل تحت لواء أحد، فليكن شخصاً ذا مكانة، لا يحتاج إلى الانحناء أمام غيره.”
لقد صاغ رفضه لهم بطريقة لينة لكنها حادة.
كان يعلم في أعماقه أنه لا يملك حق التدخل في مستقبلها، ومع ذلك، شعر أن هذا القدر من الكلام مسموحٌ به.
ومن لم تعجبه هذه الكلمات فلن يكون أهلاً لتقديم أي عرض إليها من البداية. فإيفيريا ستقرر طريقها بنفسها، لكنها على أي حال ستواجه من يتقدم إليها بالقبول أو الرفض.
وبينما ينظر الى وجوههم المتصلبة، غادر بنظرةٍ خالية من أي أثرٍ للابتسام.
و إلى هنا بالضبط كان الحد الذي رسمه لنفسه.
***
بعد مرور بعض الوقت على حديثه ذاك مع نبلاء هوريتين، زاره ولي العهد في مقر إقامته.
و أدرك عندها كم تنتشر الأخبار بسرعة.
تفحّصه ولي العهد بعينيه، ثم تحدّث بنبرة جافة.
“لا داعي لأن تثير الأعداء بلسانكَ.”
“……هل انتشرت الأحاديث كثيراً؟”
“بين النبلاء، نعم.”
وكان ذلك في نظر إيرميت خبراً سارّاً أكثر منه سيئاً. فأجابه بابتسامة رقيقة كمن يشكر زائره على نقل البشرى.
لكن ولي العهد قطّب جبينه بشدة، وكأنما ضاق ذرعاً به.
لا بد أن هناك من تذمّر لديه من تصرفات وريث نيسبيروس، فبعدما شعروا بالإهانة، دون أن يواجهوا صاحبها مباشرة، لجؤوا إلى رجل أرفع شأناً ليشكون إليه.
تصرّفٌ بدا أحياناً ذكياً، وأحياناً تافهاً حقيراً.
أخذ ولي العهد يراقب ملامح إيرميت بدقة. فهذا الرجل المشاكس لم يكن يُتوقع منه شيء، وإذا تعلّق الأمر بإيفيريا ديل ازداد غموضه وتعذر التنبؤ بخطواته.
ثم نطق باسم شقيقته بحذر شديد.
“على كل حال…..سيرينا تضمر شيئاً.”
“هاه…….”
“يبدو أنها مالت إلى إيفيريا ديل.”
مجرد قول ولي العهد لهذه الجملة كان يعني أن رغبات إيرميت تتعارض مع نوايا الأميرة.
فارتسمت في ملامحه علامة ضيق طفيفة.
كم كان يكرههم…..بل لعلّه بدأ يكره العائلة الإمبراطورية كلها.
غير أنه بدلاً من إطلاق الشتائم التي كادت تتفجر من صدره، رسم ابتسامةً ماكرة على شفتيه،
“أرجوكَ أبلغ سمو الأميرة أن عطفاً لا يريده صاحبه…..أشد قسوةً من الإهمال.”
لم يكن قوله هذا في محله تماماً، لكنه آثر الوقاحة عن قصد.
ويبدو أن ولي العهد قد أدرك ذلك، فضحك ضحكةً ساخرة لا أكثر.
_________________________
ايرميت لو قالوا له ترا ولي العهد بيخطب ايفيريا شرايك ىًقتله؟ بيقول تم وهو مغمض 😭
ذاه يسوي كل شي عشان ايفيريا صدق مجنون حتى مستقبلها طب
طيب ليع ماتخطبها ياشيخ؟ ولا للحين تحس انك ماتحبها حب رومانسي؟ مجنون
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 59"