اتجهت معظم الأنظار نحو الأمير نيسبيروس. بدا وكأنه اعتاد مثل هذا الاهتمام.
و تحركت شفتاه بكلمات لم تسمعها إيفيريا لبعد المسافة، ثم سرعان ما أغلق فمه وابتسم.
غدت أجواء القاعة أكثر توتراً مما كانت عليه عند دخول ولي العهد والأميرة. و لم يكن ممكناً أن الأمير نيسبيروس لم يلحظ ذلك.
عيناه البنفسجيتان جالتا في المكان. فأسرعت إيفيريا بخفض بصرها بعدما كانت تحدق فيه.
و للحظة، خُيّل إليها أن نظراتهما التقت.
هل رآها؟ هل أدرك أنها كانت تنظر إليه؟
نبض قلبها كما لو أن سراً لا يجوز كشفه قد انكشف.
ولحسن الحظ، أخذ الأمير نيسبيروس يتحدث ببساطة مع الطلاب المحيطين به، محتفظاً بابتسامته الهادئة طوال الوقت.
كان أغلب من تحدثوا إليه كانوا وجوهاً مألوفة لإيفيريا، أسماءٌ معتادة في الصحف.
وبينما بدت القاعة متصلبة الأجواء، لم يتوقف الطلاب عن التطلع نحوه خلسة. بجوّ غريب ذو حرارة باهتة كان يسري في المكان.
و مثلهم، لم تستطع إيفيريا إلا أن ترمقه بنظرة عابرة قبل أن تسحب بصرها كلياً.
لم تستطع حتى أن تتصور نفسها ضمن تلك الحلقة حوله. لم تكن تملك القدرة على الرد بابتسامة سلسة على ابتسامته السلسة.
في عينيها اضطربت مشاعر مختلطة لا تعرف كيف تصفها. وأخيراً، خطت مبتعدةً بهدوء شديد.
نجحت في مغادرة القاعة بخفية، فنزعت بطاقة الاسم من على صدرها وقبضت عليها بيدها اليسرى بقوة.
اليوم حالفها الحظ بخروجها في ظل انشغال الأنظار بالأمير نيسبيروس، لكن ماذا عن الغد؟
ثم جلست على مقعد عند المدخل وأطلقت تنهيدة عميقة.
كان الليل صافياً من الغيوم، والقمر يضيء بسطوع مزعج. و طبيعيٌ أن تستحضر شخصاً بعينه في ذهنها.
خفضت بصرها من السماء إلى أطراف ثوبها التي انعكس عليها ضوء أزرق باهت.
“آه…..كم هو مزعج..…”
رغم أن الهواء من حولها كان عليلاً حتى يكاد يشعرها بالبرودة، أحست في حلقها بكتلة خانقة.
لا يمكنها حتى أن تلقي اللوم على جو القاعة الداخلية. فعضّت شفتها بقوة وسحبت نفساً عميقاً.
في الآونة الأخيرة، كان يساورها شعورٌ بأنها صارت إنسانةً بائسة حقاً. وبحسب ما تراه، فهي بالفعل ترتكب تصرفات بائسة.
هناك كمٌّ هائل من المشاعر المتناقضة يثقل قلبها: تشتاق إلى رؤية الأمير نيسبيروس، ثم تخشاه إذا واجهته، ثم تجد نفسها بلا وعي تتعقب أثره.
وعندما تلاحظ أنها تبحث عنه بلا إدراك، تزدري نفسها. فهي لا تستطيع حتى النظر في عينيه، ولا تملك الشجاعة لتبادل كلمة واحدة أو طرح سؤال واحد.
‘ما الذي أحاول فعله بحق..…؟’
دفعت شعرها إلى الخلف بحركة يائسة يملؤها ازدراء الذات.
هل يجوز لإنسان أن يكون بهذا القدر من الضيق والتردد والتناقض؟ كيف يمكن لأحد أن يكون كتلةً من التناقضات وجباناً في الوقت نفسه؟
كانت تحدق بشرود عند قدميها بعينين باهتتين، ثم راحت تنقل بصرها هنا وهناك. و تمنت لو أن أحداً يفسر لها بوضوح ماهية هذه المشاعر.
كل ما تحمله في قلبها نحو اللورد الأمير نيسبيروس…..سببها الحقيقي. و أصلها.
المسافة التي تشعر بها إيفيريا، نابعة من كون ما هو ثمين لديها لا يعني شيئاً بالنسبة له. ومن تلك الفجوة تولّد إحساسٌ غريب بالخيانة، ومشاعر مرتبكة حدّ الفوضى.
في تلك اللحظة، التقطت أذناها وقع خطوات. فتصلبت ملامحها في الحال، واستدارت نحو مصدر الصوت.
“أنا لينارد ريسڤين، الابن الأكبر لعائلة ريسڤين.”
“…..تشرفت بلقاءكَ، أنا إيفيريا ديل.”
بادرت إلى ردّ التحية، رغم أنها لم تره من قبل.
وبما أنها فوّتت فرصة النهوض، اكتفت بوضع يديها على ركبتيها وهي تنظر إلى الشاب ذو الشعر الكستنائي المحمر.
“سمعت عنكِ كثيراً. هل تسمحين لي بالجلوس إلى جانبكِ؟”
“آه…..نعم، تفضل.”
كانت رقبتها قد بدأت تؤلمها من طول الالتفات نحو جانبه، لذا أزاحت نفسها إلى حافة المقعد.
فجلس لينارد بجوارها وسألها بنبرة هادئة،
“أنتِ تدرسين في لاكانيل، صحيح؟”
“نعم، في السنة الثالثة.”
طرح حقيقةً بديهية ليفتتح بها الحديث. و لم تستدر إيفيريا بجسدها نحوه كلياً، بل اكتفت بإمالة رأسها إشارةً إلى أنها تصغي.
مرر يده عبر خصلات شعره، وبدا على وجهه قليلٌ من الارتباك.
“أعلم أن طلاب أكاديمية لاكانيل يخرجون للتدريب في السنة الرابعة.”
“صحيح، هذا صحيح.”
“هل حددتِ إلى أين ستذهبين؟”
رمشت إيفيريا سريعاً، وقد بدأت تفهم السبب وراء اقترابه منها.
طلاب لاكانيل، ولا سيما أولئك الذين لا يملكون مكانةٍ اجتماعية رفيعة، يزورون مهرجانات أكاديمية هوريتين باستمرار. و كان التواصل بين الأكاديميتين حيوياً.
والآن بدا واضحاً ما الذي يدفعه إلى هذه المحادثة، فلماذا لم تفكر بذلك منذ البداية؟
فلمّت نفسها قليلاً ثم أجابت بإيجاز،
“آه…..ليس بشكل محدد، لكن الاتجاه العام واضح.”
“أها، فهمت.”
بدا وكأنه يختار كلماته بعناية. و إيفيريا توقعت ما سيقوله تالياً وخفضت بصرها.
فوق صدره، لفت نظرها اسمه المكتوب بخط أنيق على البطاقة: لينارد ريسڤين. اسمٌ يشي بوضوح أنه وريث دوقية ريسڤين.
“في الحقيقة، أردت أن أقول أنه سواءً أثناء تدريب السنة الرابعة أو حتى بعد التخرج…..إن كان لديكِ أي نية، نود أن تأتي إلى ريسڤين.”
ابتسم ابتسامةً خفيفة وهو يضيف،
“لا بد أنكِ تلقيت مثل هذه العروض كثيراً.”
لم تمنحه إيفيريا جواباً مباشراً، واكتفت بابتسامةٍ باهتة.
ثم نهض من مقعده و تحدّث بنبرة جازمة،
“حتى لو لم يكن الآن، في أي وقت تشعرين فيه بالرغبة يمكنكِ التواصل معي. عبر أحد أساتذة الأكاديمية، أو بالقدوم مباشرةً إلى هوريتين وإخباري بنفسكِ.”
“حسناً، شكراً لكَ على حسن ظنكَ.”
“أتمنى لكِ وقتاً ممتعاً فيما تبقى من الأمسية.”
لينارد ريسيڤن ألقى تحيةً قصيرة وعدّل ملابسه بضع مرات، ثم مضى بخطوات صامتة.
و ظلت إيفيريا تتابع ظهره المبتعد لبعض الوقت قبل أن تعيد وجهها نحو الأمام.
***
إيفيريا، ترددت بين العودة إلى مقر إقامتها أو البقاء في هذا المكان. فالحق أن الحفل لم يكن له وقتٌ محدد لانتهائه، فمتى شعر المرء بالتعب أمكنه أن يعود ليستريح.
جسدها المنهك كان يطالبها بالراحة، لكن بارقة أمل غامضة أبقتها جالسةً هناك.
أسندت ظهرها إلى المقعد وتشابكت ذراعاها.
كانت تظن ببساطة أنها ستلتحق ببرج السحر بعد التخرج، لكن القدر فتح أمامها طريقاً آخر، كأنه يسخر من أفكارها السابقة.
والخيارات التي لا تبدو خيارات حقاً لم تزدها إلا حيرة.
أصوات الضجيج علت حيناً وخفتت حيناً، فيما بقيت أصوات الطبيعة الأقرب إليها.
روحها وجدت السكينة هنا، ودقات قلبها هدأت، لكن ذهنها ظل غارقاً في التعقيد.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 57"