حين اختارتها مع سينثيا، لم يخطر ببالها أبداً أن تصل إلى هذا الحال.
فحدّقت إيفيريا بالصندوق الصغير المغلف بعناية. و لم تستطع أن تمد يدها نحوه، واكتفت بالنظر.
إن لم يكن بوسعها أن تحدّق مباشرةً في وجه الأمير نيسبيروس، فعلى الأقل ستنقل غضبها إلى هذا الشيء الذي يشبهه.
لكنها لم تفعل أكثر من التحديق. حتى زاوية من زوايا الصندوق لم تجرؤ على لمسها.
أرادت أن تسأله…..أن تعرف ما تعنيه بالنسبة له.
هل كانت مجرد نزوة عابرة؟ أم أن ما قضياه معاً لم يكن ذا معنى حقيقي؟
وبأي دافع حادثها الأمير نيسبيروس في المرة الأولى؟
تساؤلات لا تجد لها جواباً ما لم يظهر أمامها. لكنها، حتى لو رأته، لم تكن تملك الجرأة لطرحها.
لقد كانت تفتقد الثقة…..أو بالأحرى يطغى عليها الخوف.
كلما ازدادت قيمة هذه العلاقة في قلبها، ازداد خوفها من ضياعها.
لقد مرّت بتجربة مشابهة من قبل. مع ذلك، كان الوضع مختلفاً كلياً؛ فالأمير نيسبيروس لم يُقدم بعد على أي فعل صريح. بل إن الفارق كان هائلاً، لا يقارن بما سبق.
ومع ذلك، لم تستطع أن تقاوم الخوف الذي أورثتها التجارب الماضية.
ماذا لو سخر الأمير، بابتسامته الجميلة، من كل ما جمعهما حتى الآن؟
ثم دفنت وجهها بين كفيها.
لقد وجدت نفسها الآن في مواجهة حقيقة مُرة: أنها لا تستطيع أن تثق بأحد، ولا بعلاقة، ولا حتى بنفسها التي تفتقر إلى الشجاعة.
مع أن الأمر لا يشبه الماضي في شيء. ففي الماضي، كان هناك من يقترب منها من تلقاء نفسه، يتصنع الألفة والود. وحتى إيفيريا، التي لم تكن بارعة في قراءة مشاعر الآخرين، استطاعت أن تدرك زيفهم.
ثم، فجأة، يلقون اعترافاً لا يُشبه الاعتراف، وحين ترفض، هم من يغضبون. وبما أنها لم تكن قد اقتربت منهم بحق، فقد كان ابتعادها عنهم أسرع من لمح البصر.
لكنهم بعد ذلك راحوا يثرثرون بما يشاؤون عنها، حتى تحولت الحكاية إلى جرح ظل يطاردها كظلّ ثقيل.
أما علاقتها بالأمير نيسبيروس فكانت مختلفةً منذ بدايتها: قلبها مختلف، وتطور الأمر على نحو آخر تماماً، ومع ذلك كانت تضحك بمرارة إذ ترى الماضي يطفو فوق الحاضر.
لقد شعرت كأنها بلغت الحضيض، تلمس قاع ذاتها بأصابعها المرتجفة.
وبعد وقت قصير، ذهبت إيفيريا إلى الأستاذ تسأله إن كان هناك خطأ في الدرجات. و انتظرت أن ينؤكد الأمر، لكن إجابته جاءت مؤكدة…..لم يكن هناك خطأ.
وكأنه يؤكد لإيفيريا أن شكوكها في محلها، فقد أعطاها الأستاذ حتى ما لم تسأل عنه: أن الأمير نيسبيروس لم يتقدّم للامتحان أصلاً.
تلك اللحظة حوّلت مجرد ظنّ إلى يقين.
ومنذ ذلك الحين، توقفت إيفيريا عن إظهار مخاوفها التافهة. فما بدا لها هي نفسها هيناً لا يُذكر، كيف سيراه الآخرون سوى خوفٌ لا قيمة له؟
لذلك، آثرت أن تغرق في الكتب. فالكتب وحدها لا تحكم على مشاعرها، ولا تبدي رأياً في سلوكها، بل تمنحها أجوبةً بصمت، دون توبيخ.
كان ذلك أشبه بعودتها إلى الماضي.
ومع ذلك، لم يكن الحصول على جواب من الكتب بالأمر السهل، إلّا إن حشرت السؤال بين السطور. ومع هذا، واصلت إيفيريا القراءة.
علاقتها مع سينثيا بقيت كما هي، وعلاقتها مع سيد البرج بقيت كما هي أيضاً. و الشيء الوحيد الذي تغيّر هو ما بينها وبين الأمير نيسبيروس.
أو ربما…..كانت هي وحدها من شعر بالتغيير. فربما الأمير نفسه لم يفكر في أي شيء أصلاً.
***
انقضى الوقت سريعاً. فبعد انتهاء امتحانات منتصف الفصل وظهور النتائج، حان موعد مهرجان أكاديمية هوريتن.
صدرها ضاق منذ أن تذكرت الأمر. هل تذهب؟ وهل يستحق العناء أصلاً؟
ترددت، لكنها لم تستطع أن تقول بحسم أنها لن تذهب.
كانت قد بحثت مسبقاً عن كيفية المشاركة، ولم يكن المطلوب منها سوى التوجه إلى مكتب التسجيل وإلغاء طلبها. أمرٌ في غاية البساطة.
لكنها لم تفعل. حتى وجدت نفسها في اليوم السابق للمهرجان دون أن تلغي طلبها.
جلست على مقعد خشبي في ممر المشاة، و وجهها شارد.
وفقاً للتعليمات، سيقضي الطلاب ليلتين في أكاديمية هوريتن، مع استخدام النقل السحري ذهاباً وإياباً. و في المساء ستكون هناك حفلة، وعروض ألعاب نارية، وسوق ليلية، وغير ذلك الكثير.
لكن لم يبق في ذاكرتها من تلك المعلومات سوى التنبيه على ضرورة ارتداء زيّ الأكاديمية. فرغم ذلك، لم يكن لديها أي دافع لحزم أمتعتها.
ثم راحت تعبث بخدها بأطراف أصابعها، ثم مسحت طرف عينها.
آن أوان الدخول إلى درس بعد الظهر. وفجأة، دوّى صوتٌ مألوف في أذنها،
“مرحباً، إيفيريا.”
“…….”
لم تفعل سوى أن قطّبت حاجبيها، دون أن تجيب. فابتسم هو بخجل، ولوّح بيده قليلاً.
“لقد حييتكِ.”
“آ…..أهلاً بكم، السيد نيسبيروس.”
راح يتفحّص وجهها مليّاً.
لم يكن حالها على ما يرام. كان قد اجتهد في أن يجعلها تأكل لتستعيد بعضاً من عافيتها، فإذا بها تبدو أنحل مما كانت عليه من قبل.
فاشتعلت في نبرته مشاعر مختلطة؛ شوق من رآها بعد غياب، وقلقٌ لا يزول، و قليلٌ من العتاب المكتوم. فقطّب إيرميت حاجبيه،
“أنتِ لم تتناولي العشاء، أليس كذلك.”
لكن ذلك لم يكن أنسب ما يمكن أن يُقال في أول لقاء بعد طول فراق.
ولم يفكر أصلاً كيف ستتلقى إيفيريا هذه الكلمات، فقد سبق لسانه تفكير عقله، وخرجت الجملة كأنها اندفعت من تلقاء نفسها.
أومأت إيفيريا برأسها بصمت. ومن تلك الإيماءة البسيطة التقط هو اختلافاً ما.
فقبل أن ينبس الأمير نيسبيروس بكلمة أخرى، نهضت من مقعدها، وانحنت له في تحيةٍ مختصرة.
“لديّ حصة الآن…..عليّ أن أذهب أولاً.”
استدارت ومضت، قبل أن يسع الأمير حتى الردّ. فظلّ يتأمل ظهرها وهي تبتعد، و وجهه يزداد تصلّباً شيئاً فشيئاً.
كأن المشهد أعاده إلى لقائهما الأول في الأكاديمية، يوم وضعت هي خطاً فاصلاً وأصرت على إبقاء المسافة.
كان ما يراه الآن مختلفاً تماماً عمّا كانت عليه آخر مرة التقيا في فترة الامتحانات.
***
أما أكاديمية هوريتن فقد كانت تغلي بالحياة استعداداً للمهرجان.
وبما أن أكاديميتي هوريتن و لاكانيل لا يجتمع طلابهما إلا نادراً، فقد كان المهرجان مناسبةً عظيمة، ويزداد فضولهم كل عام تجاه القادمين من الجانب الآخر.
وهذا العام، تركزت الأنظار كلها على إيفيريا ديل.
فحتى في العامين الماضيين كان اسمها يتردد في هوريتن. فلو كان مجرد طالبة متفوق لكان كافياً لجذب الاهتمام، فكيف إذا كان هذا المتفوقة من عامة الشعب؟ لقد كانت قصتها مثيرةً بحد ذاتها.
وخاصة أن أكاديمية لاكانيل تضم عدداً أكبر من النبلاء مقارنة بهوريتن، مما يعني أن الكثيرين كانوا يترصدون الفرصة لاجتذاب المواهب الواعدة.
ولو حضرت إيفيريا إلى هنا، فلن يُترك لها مجال للراحة، إذ سيسعى الكثيرون للتقرب منها.
لكن في العامين الماضيين، لم تطأ قدماها أرض هوريتن؛ ففي العام قبل الماضي لم تحضر، وفي مهرجان هوريتن آنذاك لم تشارك، أما في العام الماضي، فقد انهارت خلال احتفالات لاكانيل نفسها.
نادراً ما يُخفى وجه حديث الناس عن شخصية بهذه الشهرة. ولهذا، تضاعفت الأقاويل بشأنها.
معجزة لاكانيل، المتفوقة من عامة الشعب، وضحية نبيل.
كلها ألقاب لُصقت بها. وكان آخرها – الضحية – قد التصق باسمها منذ أن جاء الأمير نيسبيروس إلى أكاديمية لاكانيل.
أما إيرميت، فقد كان يزداد ضيقاً من نظرة أهل هوريتن إليها.
حتى أنه بدأ يشعر ببعض الندم: لماذا اقترح على إيفيريا أن يشاهدا سوياً ألعاب المهرجان النارية؟
كانت الفكرة في أصلها جميلة، لكن أليس هذا أشبه بطرح طريدة داخل عرين أسودٍ جائعة؟
وفي خضمّ ذلك، توترت علاقة إيفيريا بالأمير نيسبيروس أكثر مما كانت من قبل.
لكنه عقد العزم في نفسه: لن يسمح لأولئك النبلاء ذوي القلوب السوداء أن يقتربوا منها على هواهم.
كان تفكيراً مريحاً وبسيطاً بالنسبة له، يختلف تماماً عن هموم إيفيريا الثقيلة.
***
وبشق الأنفس انتهت إيفيريا من تجهيز أمتعتها.
رتّبت أن تشارك الغرفة في أكاديمية هوريتن مع سينثيا إن أمكن، فوجودها معها يمنحها شعوراً بالطمأنينة.
أما طريقة الوصول، فقد كانت عبر سحر الانتقال المكاني من ساحة التدريب.
فالمصفوفة السحرية التي وضعها سيد البرج في السابق كانت تُستخدم الآن بتغيير الإحداثيات وتغذيتها بالطاقة السحرية. و بالطبع بعد موافقته، ومع فحص دقيق لضمان السلامة.
أما في العام الماضي، حيث لم يكن هناك بعد مصفوفة، فقد اضطروا إلى السفر بوسائل النقل العادية إلى أكاديمية هوريتن.
ولهذا أصبح من التقاليد أن يقضي طلاب لاكانيل ليلتين كاملتين في أكاديمية هوريتن، حتى لا تكون مدة الإقامة أقصر من زمن الذهاب والإياب.
أخذت إيفيريا تعبث بالسوار الذي جلبته معها. و لم تفهم كيف انتهى بها الأمر وهي تحمل هدية مخصّصة للأمير نيسبيروس.
فنفخت بضجر وأخذت تدير الخاتم في إصبعها السبابة.
كانت الآن في داخل ساحة التدريب السحرية. و لم يحضر جميع الطلاب، لكن عدداً غير قليل وقف ينتظر دوره أمام المصفوفة.
وكعادتها، أخذت عيناها تبحثان عن خصلات شعره الفضي بين الحاضرين، ثم ابتسمت بمرارة. فأجبرت بصرها على الثبات نحو الأمام، تتابع الصف الذي يتناقص شيئاً فشيئاً.
وبما أن للمصفوفة السحرية حدّاً أقصى في طاقتها الاستيعابية، فقد كان لا بد من تقسيم الطلاب على دفعات.
وسرعان ما جاء دورها. و كالعادة، أعادت التحقق من الإحداثيات مرة أخرى. كان ذلك قد صار عادةً راسخة في جسدها.
وفجأة غمرها الإحساس المألوف للانتقال، إذ احتوى جسدها تدفقٌ ضعيف من الطاقة السحرية، إحساسٌ لا يمكن أن يُختبر في أي وقت آخر.
فأغمضت عينيها بإحكام، وأمسكت بطرف ثوب سينثيا إلى جوارها.
_______________________
رجع بس ماتوقعت تسفهه ايفيريا كذا😭😭😭😭
عسا خل يتأدب شوي لو انه قايل لها انه بيروح فترة قبل يختفي كان احسن
بس خير يقول لنا على الاقل وش صار عشان اشوف ارحمه ولا لوء
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 53"