صحيحٌ أنّ الذوق في الحُلي يختلف من شخص لآخر، وقد لا يرتديانها فعلاً، لكن إيفيريا حاولت جاهدةً أن تراعي ميولهما.
أما هدية الأمير فقد أرهقتها حيرةٌ طويلة قبل أن تحسم أمرها أخيراً: سوارٌ يمكن ارتداؤه في معظم الأوقات بدا الخيار الأجمل.
سوارٌ يليق بخصلات شعره الفضية، يلمع بوهج رقيق، بعضه صلب وبعضه الآخر يتدلّى في خيطين رفيعين متشابكين، تتوسّطه جوهرةٌ بنفسجية صغيرة متلألئة.
أما خاتم مالك البرج، فكان أسودَ رفيعاً تتوسّطه جوهرةٌ شفافة غائرة، تحيط بها فصوص أصغر حجماً تزيده جمالاً.
وقد أخبرهم صاحب المتجر أنّ الحجر المصنوع منه الخاتم عالي النقاء، مما يجعله مثالياً لحفظ السحر. وما إن سمعت إيفيريا ذلك حتى قررت دون تردّد شراءه.
وبعد أن غُلّفا معاً بعناية، وضعتهما بحذر في جيبها كي لا ينثني غلافهما.
وبإتمام اختيارها للهدايا، خفّ وزن الجيب الثقيل فجأة، فيما قرّرت أن تحتفظ بما تبقّى من المال للطوارئ.
الجيب خفّ، لكن قلب إيفيريا ازداد ثِقلاً بالترقّب، فلم تستطع كتمان حماسها وهي تتمنى أن يحين يوم تسليم الهدايا سريعاً.
ولحسن الحظ، لم يطل الأمر كثيراً حتى استطاعت أن يقدّم الهدية إلى سيد البرج. فقد كان يمضي أغلب وقته إما في قاعة التدريب السحري، أو في حجرته الخاصة.
ثم إنّ لإيفيريا موعداً ثابتاً تراه فيه كل أسبوع. مساء الجمعة. حين تتلقّى دروساً في السحر العقلي على يديه.
وبعد انتهاء التدرّب، أخرجت إيفيريا من جيبها علبةً صغيرة. كانت الهدية التي لفّها المتجر بعناية.
لكنه ما إن همّت بتقديمها حتى شعرت بالحرج، إذ لم تجد سياقاً مناسباً.
راحت تقلب العلبة بين يديها لحظة، ثم مدّتها بكلتا كفيها نحو سيد البرج. بينما ارتسمت على وجهه دهشةٌ واضحة.
“هم؟ ما هذا؟”
“لقد قدّمتَ لي الكثير من العون يا سيد…..فأردت أن أعبّر عن امتناني ولو بشيء متواضع.”
كانت إيفيريا قد تمرّنت الليلة الماضية أمام سينثيا على الطريقة التي ستتحدث بها. ولحسن الحظ، بدت الكلمات الآن طبيعيةً وسلسة.
فانعكست الدهشة في عيني سيد البرج، فيما كانت إيفيريا تترقّب ملامحه بوجه يفيض قلقاً. غير أنّها لم تجد أثراً لرفض أو نفور.
بل ارتسمت على وجهه ملامح مشاعر متشابكة، عصيّة على القراءة. و سرعان ما انفرجت بابتسامة صغيرة، وهو يأخذ العلبة برفق من بين يدي إيفيريا.
“آه…..جعلتني أشعر وكأني رجلٌ عاجز حقاً.”
“كلا، إطلاقاً…..إنه شيء بسيط جداً فحسب..…”
لوّحت إيفيريا بيديها نافية بسرعه.
لقد ساعدها يوم سقطت في أثناء البطولة، وعلّمها عن السحر العقلي، وأعاد جيا سالمةً إلى عالمها الأصلي، هذا عدا عن عشرات الأمور الصغيرة الأخرى.
ابتسم سيد البرج وهو يضيّق عينيه قليلاً، ثم هزّ الصندوق الذي تسلّمه من إيفيريا بخفة.
“هل يمكنني فتحه الآن؟”
“نعم، نعم.”
فكّ بأطراف أصابعه الدقيقة شريط التغليف بحذر، وكأنّه يخشى أن يترك أدنى خدش على العلبة. وسرعان ما تجلّى الخاتم الأسود أمامهما.
حدّق سيد البرج فيه بعينين متسعتين، وكأنّه يتفحّصه عن قرب، فيما وقفت إيفيريا تتابع المشهد بتوتر غامض.
وبعد لحظة، انعطفت نظراته الحالكة الدافئة نحوها.
“إنه على ذوقي. شكراً لكِ، سأرتديه دائماً.”
ولو كانت مجرد مجاملة، فقد كان ذلك كافياً.
فابتسمت إيفيريا بخجل وأومأت برأسها.
***
مضت أيامٌ أخرى بعد ذلك. لكن على خلاف سينثيا و سيد البرج، لم يكن الأمير نيسبيروس من السهل أن تلقاه.
لذلك أصبح ختام يوم إيفيريا، بعد إنهاء أعمالها ليلاً، أن تحدّق مطولاً في علبة السوار المخصّص له. كي لا تنسى، ولو صادفته صدفة، أن تتذكر فوراً تقديم هديتها.
غير أنّها، وحتى ظهور نتائج الامتحانات، لم تتمكن من إعطائه السوار.
وعندما ظهرت التراتيب، لم تصدق عينيها. وكانت هناك غابةٌ من الأرقام التي تراقصت أمامها بعد زمن طويل من الغياب.
“ما…..هذا؟”
رمشت في ذهول. كان يفترض أن تفرح، لكن الفرح لم يصل الى قلبها، لأن النتيجة لم تدخل عقلها.
بل شعرت أنّ المركز الثاني كان سيجعلها أهدأ وأقل حيرة. إذ كيف لها أن تتصدر الترتيب بوجود الأمير نيسبيروس؟
لماذا كُتب بجانب اسمها الرقم واحد لا الرقم اثنان؟
في البداية ظنّت أنه ربما لم يدرس بعض المواد، لكن ذلك مستحيل. كانت تعرف جدوله بشكل تقريبي، بل إن بعض المواد حضرتها معه في التوقيت والقاعات نفسها.
الغريب أيضاً أنّه هذه المرة لم يسألها عن أدائها في الامتحان. بل في الواقع، لم تلتقِ به أبداً منذ انتهت الاختبارات.
لو التقت به الآن، لعرفت ما الذي جرى…..ولتمكّنت أيضاً من تقديم الهدية.
هل عليها أن تقدّم اعتراضاً على النتيجة؟ لكن، هل يُعقل أن يكون الأساتذة قد أخطؤوا في تصحيح أوراق الأمير نيسبيروس؟
على الأقل، فيما يخص علاماتها هي، لم يكن هناك ما يثير الريبة. لذا بدا الاعتراض في هذه الحالة أمراً مثيراً للسخرية.
ثم مررت بيدها في شعرها بحركة ضجر وضيق صدر.
أقرب الاحتمالات إلى الواقع كان أن الأمير لم يخضع للامتحان أصلاً. لكن…..أيمكن أن يحدث ذلك؟ أيمكن أنه لم يحضر للاختبار؟
إيفيريا لم تكن لتتخيل مثل تلك الأمور أبداً. ألا تخضع للامتحانات؟ أن تتغيب عن الأكاديمية؟
ذلك بالنسبة لطلاب مثلها كان فرصةً لا تُعوَّض، بل أثمن ما يمكن أن يُمنح لهم…..
“…..آه.”
ارتجف بؤبؤا عينيها بشدّة، وكأن أحدهم قد هوى على رأسها بضربة قاسية. فقد رأت الترتيب الموضوع أمامها و كأنه يسخر منها.
بالنسبة لطلاب مثلها…..بمعنى آخر، فإن الحياة في الأكاديمية ليست ذات قيمة تُذكر لأولئك الذين ولدوا ومعهم من الفرص ما يفوق الحاجة.
الأمير نيسبيروس…..عائلة الدوق نيسبيروس، أولئك كانوا قاطني قمّة الهرم. وُلدوا وفي أيديهم الكثير، وبوسعهم أن يصنعوا المزيد من الفرص متى ما شاؤوا.
فجأة شعرت بالمسافة بينهما تتسع، كأن جداراً لا يُرى قد ارتفع بين عالمها وعالمه.
بالنسبة له، حياة الأكاديمية لم تكن شيئاً عظيماً. حتى التفوق لم يكن ذا أهمية. بينما كانت حياتها كلّها ودرجاتها في لاكانيل تعني لها الوجود نفسه،
وقد كان هو يمتلك فسحةً واسعة من الخيارات. إن لم تكن هذه الفرصة، فهناك عشرات غيرها.
الأمير نيسبيروس كان قادراً على فعل ما يشاء. إن لم تعجبه لاكانيل، فيمكنه أن ينتقل ببساطة إلى الأكاديمية الملحقة ببرج السحر، فهو يملك من المؤهلات ما يفيض ويزيد.
وإن لم يفعل ذلك، فبوسعه ترك الدراسة كلها والعيش نبيلا كامل الانتماء إلى مجتمع الطبقة الأرستقراطية.
فأمامه كانت تتفرع مسالك كثيرة، وجميعها تفضي إلى مستقبل متلألئ…..أيّاً كان الطريق الذي يختاره، حتى لو بدا كأنه يجرّ عائلته إلى الهاوية.
ذلك التفوق الذي حلمت به إيفيريا طويلاً، والذي أنهك جسدها لتصل إليه، لم يكن بالنسبة له سوى ثمرة يسهل قطفها…..ويسهل رميها أيضاً.
بل بدا وكأن رميها أيسر من الحصول عليها. بينما بالنسبة لها كان مصيرها كلّه معلَّقاً بها.
وذاك الترتيب أمامها عاد ليسخر منها مرة أخرى.
لماذا تشعر بهذا البعد الساحق؟ شهقت إيفيريا نفساً عميقاً. فإن تراخت قليلاً لانفجرت بالبكاء.
شعرت بخيانة لا تفسير لها. خيانة بلا سبب واضح، حتى بدت عاطفتها مثيرة للضحك بسذاجتها.
لكنها لم تستطع أن تجد الأمير نيسبيروس. مهما رغبت برؤيته، و لم يكن بوسعها أن تذهب إليه كيفما شاءت.
بحثت عنه بقلق قبل الامتحانات وبعدها، ولم تره. على عكسه تماماً، إذ كان هو من يجدها متى شاء.
وذلك الفارق وحده كان كافياً ليُظهر المسافة الشاسعة بينهما.
قلبها أخذ ينبض بقوة، وشفتاها تنضغطان وهي تغمض عينيها في محاولة حبس الدموع.
اجتاحتها مشاعر متداخلة، مربكة، حتى شعرت أن عقلها قد ينفجر.
هل سعيها خلف الأمير نيسبيروس لم يكن سوى إزعاج بالنسبة له؟ هل بدت تافهةً في عينيه؟
أيُعقل أن مجرد هدية رخيصة من فتاة من العامة تجعله يبتسم؟ أم أنها لا تجلب له سوى السخرية؟
هل سيكون كل ما تجنيه…..هو الضحك عليها؟
رفضت إيفيريا الذهاب إلى العالم الجديد.
صدّت الأمر بصرامة، لأنها لم تستطع أن تتخلى عن حياتها هنا، و عن جهدها الطويل، وعن الأشياء الثمينة التي حصلت عليها أخيراً.
وكان من الطبيعي أن يكون الأمير نيسبيروس بين تلك الأشياء الثمينة.
لكن ذلك لا يعني أنها حين اختارت طريقها، فقد حمّلته مسؤولية قرارها. فلو أردنا التدقيق، فهناك أسباب أخرى أيضاً.
غير أن إدراكها بأن العامل الذي أثّر في قرار مصيري كهذا قد يكون مجرد علاقة من طرف واحد…..كان أمراً قاسياً للغاية.
هو من كان يقترب منها متى شاء، وهو من أغدق عليها لطفه وعنايته، لكنه الآن يتركها لتشعر ببعد شاسع. و حين احتاجت رؤيته لم يظهر أبداً.
ببطء نهضت إيفيريا من مكانها. و أمامها وقفت تلك الهدية المعدّة للأمير نيسبيروس وحيدةً على المكتب.
______________________
حسبته بيرجع وين اختفى له ذا الولد
المشكله ايفيريا راسها صاير يروح بعيد امش زين سوء الفهم ذاه ولا مب جايك عيال
ردة فعل سيد البرج ماتوقعتها واضح تأثر المسكين😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 52"