وقبل الخروج مباشرة، جمعت إيفيريا بعض النقود الاحتياطية التي كانت تحتفظ بها في غرفتها، إضافةً إلى بطاقة الطالب.
كان ذلك المال هو ما حصلت عليه حين نالت جوائز أو شهادات تقدير أمام الطلاب، و لم تكن المبالغ كبيرة كل مرة، لكنها تراكمت حتى أصبحت مبلغاً لا بأس به.
على الأرجح يكفي ما أخذته الآن، وإن لم يكفِ فستضطر إلى سحب المزيد من المال، ولأجل ذلك تحتاج إلى بطاقة تعريف.
أما في البنك الذي تُصرف فيه منح الأكاديمية، فإن بطاقة الطالب تقوم مقام بطاقة الهوية.
خطت إيفيريا نحو البوابة الرئيسة للأكاديمية، وعيناها تتبعان الزوايا التي تناثر فيها ضوء الشمس متكسراً. وقد حلّت خضرة الأوراق محل ألوان الأزهار التي ذبلت وغابت.
كان الطقس جميلاً، أو لعل السبب هو انتهاء الامتحانات، إذ كان الناس في الخارج كثيرين.
حدّقت إيفيريا بالمشهد عابسة الجبين قليلاً، ثم التفتت إلى سينثيا وسألتها،
“هل تناولتِ الغداء؟”
“جرّبي أن تخمني.”
“طبعاً أكلتِ. أنتِ التي لا تتركينني أبداً حتى أتناول عشائي، فكيف تتركين غداءكِ؟”
“…….”
أشاحت سينثيا بنظرها بخفة، وكان ذلك الجواب بحد ذاته.
“مستحيل…..هل تجاوزتِ الغداء؟ بينما أنا نفسي لم أتركه؟”
كانت نبرة إيفيريا مشبعةً بالمزاح. فرفعت سينثيا عينيها على شكل مثلث نحوها.
لم يكن في الأمر ضيق حقيقي، كما أن إيفيريا لم تكن تعاتبها بجدية.
“إذاً لنذهب إليه. فأنا في الحقيقة لا أعرف ما يوجد في هذه الجهة من المتاجر.”
تقدّمت سينثيا بخطواتها لتقود الطريق. وما هي إلا لحظات حتى ظهر أمامهما لافتة متجر، وكان عبق الحلوى والزبدة يصل إلى الخارج.
لقد كان مخبزاً شهيراً في أرجاء الإمبراطورية. لم تكن إيفيريا تعرف موقعه بالضبط، لكنها سمعت باسمه من قبل.
اختارتا مكاناً مناسباً قرب النافذة وجلستا.
ثم طلبت سينثيا أنواعاً من الكعك والخبز، بينما طلبت إيفيريا قطعاً من الكعك الجاف والبسكويت.
بطبيعة الحال كانتا ستتشاركان كل ما وُضع على الطاولة بلا حواجز.
ولحسن الحظ، ظلّ الحساب ضمن حدود الميزانية. وقد حاولت سينثيا أن تدفع، لكن إيفيريا أوقفتها نصف قسراً وتولت هي الدفع.
كانت سينثيا قد أخبرتها من قبل أنها، إلى جانب دروس الأكاديمية، تدرس لتأخذ مكان عائلتها في إدارة القوافل التجارية.
ولعل ذلك ما جعلها تعيش في الآونة الأخيرة ضغوطاً كبيرة. وكان هذا من الأسباب التي دفعت إيفيريا للخروج معها اليوم.
و في الحقيقة، لم يخرجا معاً للتنزه على هذا النحو من قبل، خصوصاً بمبادرة من إيفيريا نفسها.
تفرّعت الأحاديث إلى مواضيع كثيرة: صعوبة امتحانات الأكاديمية المتزايدة، التطلعات لاحتفالات مهرجان هوريتين، وحتى الحديث عن الأمير نيسبيروس.
خلال كل ذلك، ظلت إيفيريا تبتسم. و كانت تشعر بالبهجة. ومع ذلك، لم يتبدّد هدوؤها الأصلي، فلم تكن حركاتها أو ردودها صاخبةً أو مبالغاً فيها.
انتهى الحديث على نحوٍ ما، فنهض الاثنان من مقعديهما.
ولأنهما تحدثا عن الأمير نيسبيروس، خطرت صورته فجأةً في ذهنها.
ثم راودتها فكرة أن تبحث اليوم، وهي تتجول مع سينثيا، عمّا يصلح هديةً له. لتشتري لسينثيا هديةً أيضًا، وكذلك لمالك البرج السحري، لكن كان عليها أولًا أن توفر بعض المال.
فالنقود التي بحوزتها لم تكن تكفي لشراء شيء يليق. لكن لحسن الحظ أنها تعرف مكان المصرف.
لم يكن بعيدًا عن هنا، غير أن وجود رفيقة معها يفرض أن تستأذن قبل أن تذهب. فسألتها إيفيريا وهي تراقب سينثيا تجمع الاغراض في حقيبتها،
“هل يمكن أن نمرّ على المصرف قليلًا؟”
“هاه؟ لا داعي، سأدفع أنا.”
جاءها الجواب صريحًا وبسيطًا، حتى إن وجنتي إيفيريا سخنتا فجأة، فرفعت ظهر يدها لتبريدها.
“ذاك…..لا يمكنني أن أشتري الهدايا بمالك أنتِ..…”
“هدايا؟ ولمن هذه الهدايا؟”
اتسعت عينا سينثيا دهشة، بينما أخذت أذن إيفيريا تسخن أكثر فأكثر.
ثم بعد لحظة صمت، أجابت مترددة،
“لكِ…..وللسيد نيسبيروس…..ولسيد البرج.”
“يا إلهي..…!”
“لقد نلت منهم الكثير…..في أيام المهرجان، وأيام الامتحانات أيضًا..…”
كانت تختلق أسبابًا وجيهة، لكنها شعرت وكأنها تتحجج بلا داعٍ. فأسرعت برمش عينيها وهي تتكلم.
أما سينثيا فضغطت على شفتيها لتكتم ابتسامةً مفعمة بالرضا، في وجه يفيض بالسرور.
لقد أمضت إيفيريا فترة الامتحانات ملتصقةً بالأمير نيسبيروس، وها هي الآن تتقرب إلى آخرين أيضًا…..كان أمرًا مؤثرًا بحق.
غير أن النظرات التي كان نيسبيروس يرمق بها إيفيريا لم تكن أبدًا نظرات صديق عابر.
صحيحٌ أن فارق المكانة مقلق، لكن ذلك شأن لا يُقلق إلا إذا تقدمت علاقتهما أكثر.
ومع بريق التأثر في عيني سينثيا، لم تجد إيفيريا سوى أن تبتسم ابتسامةً محرجة.
وأثناء سيرهما نحو المصرف، وهما يتبادلان الأحاديث المتنوعة، أخرجت إيفيريا فجأةً بطاقتها الطلابية من جيبها.
ضمت حاجبيها وهي تحدق في الصورة المثبتة عليها، ثم ناولتها لسينثيا.
“برأيكِ…..هل صورة البطاقة هذه، تشبهني فعلًا؟”
أخذت سينثيا تنظر إلى وجه إيفيريا، ثم إلى صورة البطاقة، تقارن بينهما.
في الصورة كان شعرها أقصر، ووجهها ما يزال يحمل بقايا طفولة ممتلئة. لكن ما لفت النظر أكثر كان ذلك البريق الحاد في عينيها الزرقاوين، حتى من خلف الصورة الجامدة.
على عكسها الآن، حيث باتت تعابيرها أكثر تنوعًا، بدت الفتاة الصغيرة في الصورة بملامح متجمدة، تكاد تخلو من أي تعبير.
مظهرها كان أكثر براءة من حاضرها، لكنه بدا أكثر رهبة على نحو غريب. وجه يوحي أنك إن خاطبتها بعبارةٍ خاطئة ستنهمر عليك سيول من الكلمات اللاذعة والجارحة، حتى يخيل إليك أنها قادرةٌ على قتل المرء بالكلمات وحدها.
ومع ذلك، ما زال من الممكن أن يدرك الناظر أن الفتاتين هما الشخص نفسه.
اختصرت سينثيا الكثير من أفكارها، ثم اكتفت بالإجابة عن سؤال إيفيريا.
“نعم، يمكن القول أنهما للشخص نفسه.”
تنفست إيفيريا بارتياح وقد بدا على ملامحها أثر الاطمئنان.
ورغم أن ذكريات اللحظة التي التُقطت فيها تلك الصورة لم تكن واضحةً في ذهنها، إلا أنها كانت تدرك تمامًا كم اختلفت أمورٌ كثيرة منذ ذلك الحين.
وفي الأفق برز مبنى مصرف بدا من مظهره وكأنه يعج بالثروة.
في الحقيقة، لم تكن إيفيريا تعلم على وجه الدقة كم من المال يتبقى في حسابها المصرفي. وخطر ببالها هاجس عابر: ماذا لو لم تجد فيه رصيدًا أصلًا؟
غير أنها سرعان ما شدت عزيمتها وتقدمت بخطوات واثقة.
إن لم يكن لديها مالٌ كافٍ، فلتؤجل شراء الهدايا إلى وقت لاحق، وإن كان ذلك سيبدو محرجًا قليلًا.
أخبرتها سينثيا بأنها ستنتظرها على الكرسي خارج المصرف، فيما حاولت إيفيريا تهدئة خفقان قلبها المضطرب.
وما إن اقتربت حتى فُتح الباب تلقائيًا أمامها، ولعله كان يعمل بالسحر. فخطرت ببالها تساؤلات حول نوع التعاويذ المستخدَمة لفتح الباب، بل وحاولت أن تتصور البنية السحرية الكامنة فيه.
كان الأمر أشبه بمرض مهني يصعب التخلص منه، رغم أنها لم تكن بعدُ ساحرةً رسمية.
بدت أروقة الداخل نظيفةً ومرتبة، فتوجهت نحو المكتب حيث يجلس الموظف. و ابتسم لها بصوت مهذب وسأل،
“بأي غرض جئتِ اليوم؟”
“أود سحب بعض المال من حسابي.”
كانت هذه أول مرة، على حد ذاكرتها، تطأ فيها المصرف، ولهذا لم تستطع أن تمنع نفسها من التوتر.
أخذ الموظف يدوّن شيئًا على ورقة، ثم رفع بصره يسألها من جديد.
“الاسم والعمر، لو تكرمتِ؟”
“إيفيريا ديل، عمري واحدٌ وعشرون عامًا هذا العام.”
تحركت عينا الموظف بخفة قبل أن تتجعد مساحة صغيرة بين حاجبيه، فابتلعت إيفيريا ريقها على عجل.
“هل…..هناك مشكلةٌ ما؟”
“لا مشكلة، مطلقًا. غير أن هناك حسابين باسم إيفيريا ديل. من أيهما تودين السحب؟”
اتسعت عينا إيفيريا دهشة، فكيف يعقل أن يكون لها حسابان؟
فالطالب المسجل في الأكاديمية لا يمكن أن يمتلك في هذا المصرف سوى حساب واحد، إلا إذا كان قد فتح حسابًا آخر قبل التحاقه بالأكاديمية.
والمصرف الذي قصدته الآن هو ذاته الذي تُدار فيه عادةً حسابات الأكاديمية أو الحسابات الممنوحة من بيوت النبلاء.
لكنها لم تزر أي مصرف قبل دخولها الأكاديمية، بل لا تذكر شيئًا من ذلك البتة.
فأخذت ترمش بعينيها مرات متتالية قبل أن تسأل بصوت متردد،
“أليس من الممكن أن يكون الحساب الآخر لشخص آخر يحمل الاسم نفسه؟”
“كلا، كلا الحسابين مسجلان باسمكِ أنتِ. إيفيريا ديل، وعمرها واحد وعشرون، صحيح؟”
“آه…..نـ-نعم.”
ارتبكت وبدت عليها علامات الذهول، فما كان منها إلا أن مدّت يدها إلى جيبها وأخرجت بطاقتها الطلابية.
“همم…..حسنًا، سأقوم بالسحب من الحساب المرتبط بأكاديمية لاكانيل.”
“جيّد، مفهوم. ضعي البطاقة الطلابية هنا من فضلكِ.”
ما إن وضعت بطاقتها حتى اخترقها ضوءٌ خافت مشع، ولعله كان سحرًا أيضًا. فتابعت إيفيريا المشهد بعينين تتألقان بالدهشة.
“تم التحقق من البطاقة الطلابية. الآن، لو تفضلتِ ببصمة الإبهام.”
مدّت إيفيريا إصبعها بصمت، فلفّ ضوءٌ دافئ شبيه بالذي غمر بطاقتها قبل قليل أطراف يدها.
وبعد ثوانٍ انبعث صوت قصير: “بييب”، فرفعت عينيها نحو الموظفة التي أومأت برأسها ودَفعت اللوح الموضوع أمامها جانبًا.
“تم التحقق من الهوية بنجاح. تفضلي بذكر المبلغ الذي ترغبين بسحبه.”
“هل لي أن أعرف الرصيد أولًا؟”
“رصيد الحساب هو ثمانمئة وخمسة وثلاثون قطعة ذهبية.”
كانت قد توقعت بالكاد ما بين ثلاثمئة وأربعمئة، لكن المبلغ تجاوز توقعاتها كثيرًا.
فالمنحة الدراسية، بعد اقتطاع أقساط الدراسة ومصاريف السكن والطعام، ما تبقى منها بلغ هذا المقدار. فهل يا ترى كانت المنحة محسوبةً على أساس غرفة فردية لا غرفة مزدوجة؟
لقد كانت تعلم فقط أنها معفاة من أي مدفوعات إضافية، لكنها لم تُدرك يومًا تفاصيل المنحة ولا البنود التي تُصرف على أساسها.
ربما حاولت الاستقصاء أيام سنتها الأولى، لكن الذكرى باهتةٌ الآن.
“سأسحب مئتين وخمسًا وثلاثين قطعة ذهبية فحسب.”
“حسنًا، تفضلي بالتوقيع هنا.”
كانت يداها ترتجفان وهي تمسك بالقلم، فحمل مبلغ بهذا القدر — مئتا قطعة ذهبية بين يديها — أمرٌ لم تتخيل يومًا أن تكون هي من يعيشه.
_______________________
نايس بنيتي طلعت مطنوخه
المهم بس للحين ماقالوا ليه ذكرياتها لذا الدرجة باهته ومن اهلها ؟ كله ايرميت ياخي سو نفسك تتذكر و ورنا معك
سينثيا كيوت ماصدقت بتجيها هديه بس بنفس الوقت مستانسه عشان ايفيريا🤏🏻😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 50"