5
سادت لحظةٌ من الصمت بين الاثنين. و ظل الأمير نيسبيروس مبتسمًا كعادته.
“أليست الشائعات عني كثيرة دائمًا؟ أراها كثيرًا في الصحف أيضًا.”
كان جوابًا خارج السياق مرة أخرى.
نظرت إيفيريا إلى وجهه المبتسم ثم أدارت رأسها بسرعة. و لا تدري لماذا، لكنه لا يبدو متعاونًا على الإطلاق.
ثم أغمضت عينيها وفركت جفنها. بينما حدّق هو بعينيه البنفسجيتين في جانب وجه إيفيريا القلقة.
“هل يزعجكِ الأمر؟”
“نعم.”
“سأجعل الشائعات لا تزعجكِ بعد الآن.”
“شكرًا لكَ.”
ابتسمت إيفيريا ابتسامةً خالية من الروح.
“أنتِ لا تصدقينني. قلت لكِ أنني سأحلّ الأمر.”
تمتم الأمير نيسبيروس بصوت خافت.
لم تستطع أن تتوقع أبدًا ما الذي كان ينوي فعله. و ربما كانت مجرد كلمات عابرة، لكن فكرة أنه قد يتمكن من تنفيذها فعلاً كانت مخيفة.
رغم شكوك إيفيريا، تمكّن الأمير نيسبيروس من إسكات الشائعات بينه وبينها بطريقة فريدة وفعّالة جدًا.
***
انتشر خبر خطوبة الأمير نيسبيروس والأميرة في أرجاء الأكاديمية بأكملها.
وبشكلٍ طبيعي، تلاشت الشائعات التي كانت بدأت تخمد أصلًا بين إيفيريا والأمير نيسبيروس بسرعة كبيرة.
“إذًا، عندما سمع ولي العهد بالشائعة……إيفيريا، هل تستمعين إليّ؟”
“نعم. الأمير نيسبيروس خطب سمو الأميرة؟”
“أنتِ لم تكوني تستمعين أصلًا!”
رفعت سينثيا حاجبيها وكأنها غاضبة.
كان من الصعب على إيفيريا التركيز بسبب كثرة الأفكار في رأسها، إضافةً إلى أن حالتها الصحية لم تكن جيدة مؤخرًا. فضغطت على ما بين حاجبيها بإحكام.
“آسفة، أفكاري مشتتةٌ كثيرًا هذه الأيام. سأركّز حقًا من الآن.”
“حسنًا، على كل حال، سمو ولي العهد غضب عندما سمع تلك الشائعة.”
“هاه؟ حقًا؟ لماذا؟”
اتسعت عينا إيفيريا وهي تردّ بدهشة.
فضحكت سينثيا من ردّ الفعل المبالغ فيه. كانت تلك طريقتها الخاصة للاعتذار. و لا يمكن لأحد أن يكرهها عند رؤية مثل هذه التصرفات.
“قال أن الأميرة، شقيقته، ستُخطب للأمير نيسبيروس قريباً، فمن يجرؤ على نشر شائعات سخيفة عن ارتباطه بأحدى طالبات الأكاديمية؟”
“واو، رائعٌ فعلًا.”
“وقال أيضًا أن من يتحدث عن تلك الشائعات، سيُعتبر وكأنه يسيء للعائلة المالكة. أوه، عليّ الذهاب الآن، حصتي ستبدأ قريبًا. أراكِ لاحقًا!”
تحققت سينثيا من الوقت، ثم جمعت كتبها وانطلقت مسرعة. فلوّحت لها إيفيريا بيدها.
تصرف ولي العهد كان أمرًا يُفترض أن يسعد إيفيريا.
كان يُفترض أن يكون أمرًا جيدًا فعلًا، لكنها لم تستطع إخفاء تعقيد مشاعرها. فقد بدأت تشك بأن لكلمات الأمير نيسبيروس، حين وعد بحلّ الأمر، علاقةٌ بما جرى.
“التوقيت غريب.”
مر وقتٌ طويل منذ بدء الشائعات، فلماذا لم يتصرفوا إلا الآن؟
كما أن ولي العهد تحدّث عن الشائعة نفسها وطلب عدم ذكرها تحديدًا، وهذا ما بدا غريبًا أيضًا.
ما احتمالية أن يكون الأمير نيسبيروس هو من حرّك ولي العهد؟
بناءً على الظروف، كان ذلك شبه مؤكد، لكن سؤال الأمير نيسبيروس بشكل مباشر كان أمرًا محرجًا. و لم تكن تعرف حتى كيف تصوغ السؤال.
تحركت إيفيريا إلى حصتها التالية وهي شاردةٌ في التفكير.
كانت همومها تزداد يومًا بعد يوم. فكلما حُلّت مشكلة، ظهرت أخرى، ومع مرور الوقت بدأت تبرز مشاكلٌ لا بد من حلها بشكل شخصي.
و جميعها كانت مسائل صعبة جدًا بالنسبة لإيفيريا. حتى أن رأسها كان يؤلمها.
قررت أنها لن تستطيع التركيز في الدرس بهذه الحال، فوضعت كتابها جانبًا لتتمشى قليلًا.
لكن ما إن أدارت جسدها، حتى دارت الدنيا أمام عينيها. فتمسّكت بالطاولة لتتوازن بصعوبة. و انزلقت الطاولة محدثةً ضجةً عالية.
لو كانت سقطت بالفعل، لأصابها أذى بالغ.
منذ فترة وهي تشعر بتعب غريب، ويبدو أن حالتها الصحية كانت سيئة فعلًا.
ثم جلست إيفيريا بحذر مجددًا في مقعدها.
“هاه……”
لم يكن هناك ما يرضيها. وكان جسدها يقشعر بطريقة غير مألوفة، وكأن شيئًا سيئًا سيحدث.
الامتحانات كانت على الأبواب. ماذا لو مرضت في هذا التوقيت؟ وهي غارقةٌ أصلًا بالواجبات.
اتكأت فوق الطاولة. و شعرت بالحرارة التي بدأت تملأ عينيها.
كانت تشعر بالضعف والخذلان لمجرد أنها مريضة.
ولا تدري إن كان الأمير نيسبيروس يعلم بحالها أم لا، لكنه ظهر كعادته بوجه مشرق.
“إيفيريا، مرحبًا.”
خشيت أن يرى آثار التعب على وجهها، فلم ترفع رأسها بالكامل. و لحسن الحظ، بدا صوتها طبيعيًا.
ضغطت بأطراف أصابعها الباردة على عينيها، وشعرت بأن الحرارة بدأت تخف قليلًا.
“مرحبًا بك.”
“هل انحلّ الأمر الذي كان يزعجكِ؟”
“نعم.”
حرّكت إيفيريا شفتيها لتتكلم أكثر، لكنها بقيت صامتة.
كان ينبغي أن تقول شيئًا، لكنها لم تعرف ما هو الشيء المناسب. فقد كان رأسها يؤلمها لدرجة أنها لم تستطع التفكير جيدًا.
مرةً واحدة كانت كافية لأن تتحدث دون تفكير ثم تندم كما فعلت في المرة السابقة.
“شكرًا لكَ.”
نظرت إيفيريا إلى وجهه بطرف عينها. كانت مجرد عبارة شكر قالتها بصعوبة بعد كثير من التردد.
فكرت في أن تذكر الأمر بشكل مباشر، لكنها خافت أن لا يكون هو من فعل ذلك، وفي نفس الوقت شعرت أنه سيكون من الجفاء ألا تقول شيئًا.
فحتى لو لم يكن ما حدث من تدبيره، فبإمكانها أن تبرر كلماتها على أنها شكرٌ لاهتمامه.
فاتسعت عينا الأمير نيسبيروس بدهشة، ثم سرعان ما انحنى طرفا عينيه وهو يبتسم.
كانت تلك أبهى ابتسامةٍ رأتها إيفيريا على وجهه.
نظرت إيفيريا مباشرةً في عينيه، و عندما التقت بعينيه البنفسجيتين المنحنيتين بابتسامة، شعرت بحرارة مفاجئة تعلو وجنتيها.
***
بعد انتهاء دوام الأكاديمية، غفت إيفيريا في العيادة وهي مستلقية على السرير.
و لم تذهب إلى السكن لأنها أرادت أن تسيطر على نفسها.
كانت تخشى أنها إن استراحت في السكن فلن تتمكن من الاستيقاظ في صباح الغد، لذا قررت أن تستريح في العيادة عن قصد.
و كان الغروب قد بدأ يكسو السماء. فأسرعت إيفيريا بترتيب فراشها وخرجت من العيادة.
وبالفعل، بعد قليل من الراحة، شعرت أن حالتها الجسدية تحسنت.
‘ماهو الواجب الذي يجب أن أنهيه اليوم……’
كان عليها أن تقدم إثباتات. إثباتات تلك المعادلات.
بدأت إيفيريا تفكر في كيفية تقسيم ما تبقى من وقت اليوم. فكل الخطط التي وضعتها صباحًا قد اختلت منذ أن أخذت قسطًا من الراحة.
وفي تلك اللحظة، خاطبها شخصٌ ما.
“أأنتِ إيفيريا ديل؟”
“نعم، أنا إيفيريا ديل.”
“تشرفت بلقائكِ. أنا أكيل داميان كيتانير.”
ارتجفت إيفيريا قليلًا عندما سمعت اسم الرجل الغريب. لكنه لم يكن اسمًا تجهله.
كيتانير. العائلة التي تحكم الإمبراطورية الوحيدة في القارة. اسمٌ يدل على الانتماء للعائلة الإمبراطورية.
وفوق ذلك، شعره الذهبي الكثيف.
انخفض رأس إيفيريا بانحناءة عميقة. و لم تفهم لماذا يخاطبها أحد أفراد العائلة الامبراطورية، وهي مجرد فتاة عادية من العامة.
“أتشرف بلقاء سمو ولي العهد.”
“ارفعي رأسكِ. جئت فقط لأرى وجهكِ.”
“رجاءً، لا تكلمني بهذه الطريقة.”
“وأنا أعرف قدرات الآنسة إيفيريا، فكيف لي أن أفعل ذلك؟ ارفعي رأسكِ. هل يجب أن أعتبره أمرًا؟”
كانت تلك نبرة تحذيرٍ مهذبة. قالها مرتين، وكأن الثالثة ستكون إنذارًا.
فرفعت إيفيريا رأسها ببطء. و التقت عيناها بعينيه، عينان من نفس اللون لكن بدرجتين مختلفتين.
نظرات ولي العهد الباردة تنقّلت على وجهها ببطء. و كان يراقبها بعناية، كأنه يقيّم قطعة لحم حسب الجزء والجودة.
فشعرت بقشعريرة تسري في جسدها رغمًا عنها. ومع ذلك، بذلت جهدها لتُبقي تعابيرها هادئة.
ابتسم هو ابتسامةً خفيفة وكأنه سجّل كل شيء في ذهنه.
“الآن أفهم سبب التعلّق.”
وجهٌ جميل، سرعة بديهة لا بأس بها، وقدرة على إخفاء ما يدور في الداخل.
‘لا بأس بها.’
ليست مميزة بشكل استثنائي، لكنها ليست سيئة.
حوّل نظره إلى الفضاء، فأسرعت إيليريا بخفض رأسها من جديد. ثم التفت ولي العهد بنصف جسده وتحدث بخفة،
“قولي لإيرميت شكرًا. هو من النوع الذي يبدأ شيئًا ولا ينهيه غالبًا.”
“نعم.”
لم تفهم تمامًا ما الذي يقصده، لكنها علمت أن عليها الرد.
استدار ولي العهد ليغادر، ثم توقف أمامها مجددًا، وخلع قفازه، ومد يده نحوها.
فحدّقت إيفيريا في يده للحظة، ثم أخرجت يدها وأمسكت بها مقابلةً له.
من غير المعقول أن يكون ولي العهد قد مدّ يده ليقبّل ظهر كفّي، أليس كذلك؟
ويبدو أن تقديرها كان صحيحًا، فقد أمسك بيدها وهزّها للأعلى والأسفل مرتين، ثم تركها واستدار مبتعدًا بخطواتٍ واسعة.
كانت يد ولي العهد دافئةً على نحو مفاجئ. فراحت إيفيريا تلمس يدها التي ما زالت ترتجف قليلًا.
كل شيء فيه بدا دافئًا باستثناء نظراته.
أن يمتلك شخص بتلك العينين الباردتين يدًا دافئة إلى هذا الحد، بدا لها أمرًا غريبًا ومتناقضًا.
و بعد لقائها بولي العهد، عادت إيفيريا مباشرةً إلى السكن.
نصف السبب كان خوفها من لقائه مجددًا، أما النصف الآخر فكان لتفكر بشأن الأمير نيسبيروس.
صوت ولي العهد وهو يتحدث عن نيسبيروس كان كالإبرة الصغيرة التي ظلت توخز قلبها.
و لم تكن المهام ولا دوام الأكاديمية ما يشغل رأس إيفيريا الآن، بل كان الأمير نيسبيروس فقط.
اتكأت على الحائط وجلست على الأرض، ساندةً رأسها على ركبتيها.
‘إذًا، فالأمير نيسبيروس هو من……’
هو من حرّك ولي العهد. من أجل إسكات الشائعات. بسبب إيفيريا التي كانت تعاني منها.
رغم أنها لم تفهم تمامًا كل ما قاله ولي العهد، لكنها أدركت شيئًا واحدًا بوضوح.
“……لماذا، إلى هذا الحد؟”
يبدو في بعض الأحيان لطيفًا وحنونًا دون سبب، وفي أحيان أخرى يتصرف بشكل متسلط بلا منطق.
رغم أن إيفيريا ليست من طبقة النبلاء، لكنها تعرف جيدًا أن كل صفقةٍ بينهم تأتي بثمن.
خاصةً عندما يتعلق الأمر بتحريك شخص من العائلة الامبراطورية، فمن المستحيل تقدير ما كان الثمن المطلوب.
تلك الشائعة كانت ستخبو تلقائيًا إن تُركت، فلماذا خاطر بكل شيءٍ ليوقفها؟ وهو شخصٌ ذكي إلى هذه الدرجة.
هل فهمته يومًا حتى لأتساءل؟
“لا أفهمه.”
كان عدم القدرة على التنبؤ به هو أكثر ما يرعبها.
لماذا فعل الأمير نيسبيروس كل ذلك؟
إن كان تصرفه نابِعًا من حسابات دقيقة، فما هدفه النهائي؟ وإن كان مجرد تصرف عشوائي بدافع المزاج، فهذا أكثر رعبًا.
ومن خلال حدسها المتأصل الذي يحلل كل شيء ويضع أسوأ السيناريوهات، تحوّلت كل مشاعرها تجاه نيسبيروس إلى خوف خالص.
ثم رفعت إيفيريا رأسها الذي كان منحنياً.
مهما كان الأمر، فعليها أن توصل إليه رسالة شكرٍ حقيقية.
_______________________
توني اتذكر البطل اسمه ايرميت😭 هذه وانا مترجمه القصه باسمه نسييييت
المهم ايرميت عدل الاشاعات عشان ايفيريا
ايفيريا تحبه عشان هالشي❎
تخاف منه✅
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"