لمعت على وجهها ملامح الاستهزاء لبرهة، قبل أن تقول بصوت واضح ونبرة معاندة،
“ولماذا لا توجد إلا هذان الخياران؟ أنا سأذهب مع أختي وحدها، مفهوم؟”
كان من اللافت كيف أصبحت الحوارات بينهما تنساب بسهولة رغم قلة لقاءاتهما، حتى وإن بدت وكأنها مشاحناتٌ طفولية.
ابتسمت إيفيريا ابتسامةً محرجة، ومدّت رأسها قليلًا من خلف الأمير لترى تعابير جيا، لكن الأمير نيسبيروس التفت بخفة، مائلًا بزاويته بحيث تحجب ملامحه عن إيفيريا عمدًا.
ارتسمت على وجهه الجميل ملامح ماكرة، ابتسامة ساخرة تحمل في طياتها شيئًا من التحدي.
كان من الواضح أنه يتجنب استخدام سلطته أو قوته بشكل مباشر، لكنه على الأقل أراد أن يثير أعصاب خصمه ليشفي غليله.
وبنبرة توحي بفضول صادق، ألقى الأمير نيسبيروس سؤالًا لا يخلو من الاستفزاز،
“إذاً؟ هل تظنين أنكما ستنجحان في الذهاب بمفردكما؟”
رجلٌ بغيض…..شخصية فاسدة تمامًا. هذا كان تقييم جيا له.
لا تدري كيف أخفى طباعه الكريهة حتى الآن، لكنها أيقنت أن عودتها إلى عالمها قد تستغرق وقتًا أطول من أن تنهار بسبب ضغط الدم الذي قد يسببه لها.
أما إيفيريا، فقد بدا الارتباك على ملامحها، فهي تعرف أن كليهما، ليس من السهل التعامل معهما.
كان الحوار ينحدر تدريجيًا إلى مستوى طفولي. و إن تركت الأمر، فربما تبادر جيا بضربه، وحينها سيضحك هو بتلك الطريقة العابثة الممزوجة بتهديد خفي، تهديد فيه ما يكفي من الجدية ليجعل الموقف ثقيلًا.
تلك الفكرة جعلت إيفيريا ترسم ابتسامةً هادئة وتتحدث بنبرة لينة، مدركة أن الغضب أمام الغاضبين لا يولد إلا مزيدًا من التوتر.
“ربما..….”
“ربما؟ تقصدين أن نذهب نحن الثلاثة؟ أجل، أنا موافق.”
“…….”
عمّ الصمت لثوانٍ أمام رده المرح المبالغ فيه، وخلاله تحرك الأمير نيسبيروس بضع خطوات وجلس بجوار إيفيريا.
وجدت نفسها محشورةً فجأة بينه وبين جيا، فرفرفت بجفنيها في ارتباك، وانخفض طرف شفتيها بعد أن كان مائلًا قليلًا للأعلى.
لم يكن الأمر مزعجًا بقدر ما كان يثير دهشتها، إذ خُطِف منها الحديث في لحظة.
أسند الأمير نيسبيروس يده على ظهر المقعد إلى جانبها، ونظر إليها بعينيه البنفسجيتين المنحنيتين بود، ثم سألها بنبرة دافئة،
“إيفيريا، هل تعرفين مكانًا تتفتح فيه أزهار الكرز بكثرة؟”
“…..لا؟”
كانت إيفيريا واثقةً أنها لن تعرف الجواب، فهي لم تفعل في حياتها سوى الدراسة، فكيف لها أن تعرف؟
أعادت النظر إلى وجه الأمير نيسبيروس لتتأكد إن كان يسخر منها، لكنها لم تجد في ملامحه أي أثر للسخرية.
فابتسم ابتسامةً خفيفة وكأنه كان يتوقع جوابها، ثم ما إن حوّل نظره إلى جيا حتى تلاشت تلك الابتسامة، وتحولت نبرته فجأة إلى الجفاف.
“إذن، أيتها المستجدة…..هل تعرفين؟”
“…..إذا بحثتُ، سأجد، حسناً؟”
قدمت جيا أفضل رد تستطيع، إذ بدا لها أن الاعتراف بالجهل أمام ذلك الوجه المستفز أصعب من أن تتحمله.
لكن الأمير نيسبيروس لم يفوت الفرصة ليكشف المعنى المخفي في كلماتها بوضوح لا يحتمل اللبس.
“هذا يعني أنكِ لا تعرفين، أليس كذلك؟ أجل…..فكيف لكِ أن تعرفي.”
“…….”
“أما أنا…..فأعرف.”
‘حين أعود، سأضرب مؤخرة رأسه قبل أن أغادر، أقسم بذلك.’
هذا ما تمتمت به جيا في سرها.
تابعت إيفيريا المشهد بقلق واضح، فهي بالصدفة كانت جالسةً بينهما، وهذا وحده كافٍ ليزيد توترها.
“لذا…..أليس من الأفضل أن أذهب معكما؟”
“…….”
“آه، لا…..بل أقصد أن المستجدة هي التي ستنضم إلى موعدي مع إيفيريا، صحيح؟”
بكلمات أخرى، كان يخبر جيا بكل وضوح أن الدخيلة هنا هي أنتِ.
ارتسم الانزعاج على وجه جيا فورًا، وأقسمت مجددًا أنها ستوجه لتلك المؤخرة ضربةً قبل عودتها، مهما كلّف الأمر.
***
في النهاية، تقرر أن تذهب إيفيريا والأمير نيسبيروس وجيا معًا لرؤية أزهار الكرز.
كان الأمير نيسبيروس شخصًا مدهشًا بحق؛ فقد بدا أحيانًا وكأنه يفرض رأيه بلا منطق، لكن الغريب أن منطقه، مهما كان متعنتًا، كان يملك طريقةً عجيبة في الإقناع.
وفي معظم الأوقات، كان الحوار معه ينتهي على النحو الذي يريده هو. حتى إيفيريا نفسها جربت ذلك مرارًا.
أما جيا، فكانت تصرّ بأسنانها غيظًا لكنها لم تلحق به أي أذى مباشر، لأنها كانت تدرك أن ذلك سيضع إيفيريا في موقف محرج.
وكان المكان الذي تحدث عنه الأمير نيسبيروس، حيث تتفتح أزهار الكرز بجمال أخّاذ، قريبًا بالفعل…..كما قال تمامًا.
حين تابعوا السير باتجاه المكتبة التي ذهبت إليها إيفيريا ذات مرة مع الأمير نيسبيروس لإنجاز أحد المشاريع، لم يبتعدوا كثيرًا حتى ظهرت أمامهم منطقةٌ تقف فيها صفوفٌ طويلة من أشجار الكرز.
كان المشهد ساحرًا بحق؛ كلما هبّت الريح، تناثرت بتلات الزهر في الهواء، لتشكل لوحةً حية كأنها مرسومة بريشة فنان.
لكن إيفيريا لم تستطع التفرغ للاستمتاع بالجمال، فثمة ما يفسد صفو اللحظة…..وجودها بين الأمير نيسبيروس وجيا، الواقفين إلى جانبيها.
كانت جيا، عند كل فرصة، تحاول سحب إيفيريا بعيدًا عنها لتبتعدا عن الأمير، بينما هو في كل مرة يقطع عليها الطريق. وفي النهاية، قررت إيفيريا أن تكف عن التفكير في الأمر برمته.
حتى قبل لحظات، حاولت جيا أن تقتادها تحت شجرة كرز ضخمة تتطاير بتلاتها كالمطر، لكن الأمير نيسبيروس اعترض طريقهما بابتسامة هادئة تحمل بين طياتها تحذيرًا مبطنًا،
“أيتها المستجدة، إن تجولتِ وحدكِ وحصل لكِ مكروه، فلن أنا ولا إيفيريا لنحل مشكلتك، فتصرفي بعقل.”
“وهل تظنني متهورةً طائشة..…؟”
في الحقيقة…..كانت كذلك.
همهمت جيا غاضبة، وعيناها تشتعلان احتجاجًا، بينما كان بروز شفتيها إلى الأمام أكمل ملامح استيائها.
عندها التقت نظرات إيفيريا بعيني الأمير نيسبيروس، فارتسمت على وجهها ابتسامةٌ مترددة، بينما هو ردّ بابتسامة وادعة لا تلائم أجواء التوتر الحالية.
كانت مشاهدتهما يتشاحنان أمرًا مرهقًا بعض الشيء، لكنها شعرت أن الانحياز لأي طرف سيجعل الموقف أكثر إنهاكًا.
عاد بصر الأمير إلى جيا، لكن تلك النظرة لم تكن تحمل نفس الدفء الذي يوجهه إلى إيفيريا؛ بل كانت أكثر حدّة، وكأنها مصممةٌ خصيصًا لاستفزازها.
ثم تحدث ببرود لا يخلو من العبث،
“برأيكِ…..من هو الدخيل هنا؟”
“…….”
اختارت جيا الصمت، ليخيّم بينهما سكونٌ قصير.
وفي تلك اللحظة، أدركت إيفيريا حقيقةً مهمة للغاية؛ عندما كان الأمير نيسبيروس يستفز أعصابها في الماضي، كان في الواقع يستخدم نصف مهارته فقط.
أما لو أطلق كامل طاقته عليها كما يفعل الآن مع جيا، فربما كانت ستقدّم انسحابها من الأكاديمية في اليوم نفسه بلا تردد.
ارتفعت حدة نظرات جيا الهادئة، فيما أمال الأمير نيسبيروس رأسه إلى جانب وهو يخاطبها بنبرة ودودة، أشبه ما تكون بنبرة شخص يشرح لطفل صغير لا يعرف شيئًا،
“أنتِ يا مستجدة…..هل فهمتِ؟”
“…..كما سمعت عنكَ تمامًا، شخصيتكَ قذرةٌ للغاية.”
جاء صوتها مبحوحًا قليلًا، وكأنها تشد على أسنانها غيظًا.
كان من المدهش أن الحوار بينهما ما زال مستمرًا حتى الآن، أما إيفيريا فعضت على شفتيها تكتم ضحكةً كادت تفلت.
فابتسم الأمير نيسبيروس ابتسامتهُ المشرقة المعتادة، وأجاب بخفة،
“أجل، ألم تكوني تعرفين؟”
“واو…..أختي، كيف أصبحتِ صديقةً لشخص مثله؟”
“إيفيريا، كيف أصبحتِ صديقةً لتلك؟”
سبقت جيا بالسؤال، لكن الأمير نيسبيروس لم يتأخر في ردّه بمثله، وكلاهما التفت إليها في الوقت نفسه.
فأدركت على الفور أن أفضل تصرف في هذه اللحظة هو الصمت.
“…….”
“وتلك…..ما هذا الوصف؟ لديّ اسم، أتعلم؟”
“لا يهمني.”
حدقت به بعينين متحديتين، فما كان منه إلا أن ردّ ببرود وتململ واضح، حتى أن ملامحه نفسها اكتست بضجر بيّن؛ و عيناه اللتان اعتادتا الاتساع والصفاء أضحيتا نصف مغمضتين، وسهر تجعدٌ بسيط بين حاجبيه.
عضّت إيفيريا باطن خدها مجددًا تكتم الضحك.
ويبدو أن جيا لم تتأثر كثيرًا بالرد، إذ استرسلت بكلامها بنبرةٍ مسرحية مبالغ فيها، وكأنها تلقي حوارًا من مشهد تمثيلي، بنبرة أحادية الجانب،
“اسمي كيم جيا. أرجوكَ لا تناديني بالاسم فقط، بل ألحقه باللقب أيضًا. لو ناديتني بالاسم وحده…..أعتقد أنني سأشعر بالانزعاج.”
كانت كلماتها منتقاةً بعناية بعد رقابة ذاتية واضحة.
و هنا لم تتمالك إيفيريا نفسها وانفجرت ضاحكة، وهي تفكر أن شخصًا مثلها، المعتاد على ثبات المزاج، وجدت نفسها بين هذين الشخصين أمام مواقف لا تُحصى تبعث الحماس وتثير المشاعر، و مهما كان ما سيحدث لاحقًا.
انعكست الضحكة على عينيها الزرقاوين فتلألأت ببهجة، ورسمت على شفتيها ابتسامةً رقيقة مليئة بالسرور.
فظلّ الأمير نيسبيروس يحدق في وجهها المشرق للحظة، قبل أن يبتسم هو الآخر.
أما جيا، فقد رمت الأمير بنظرة مستنكرة حين رأت ابتسامته، ثم التفتت إلى إيفيريا لترسم لها ابتسامة مشرقة.
وكان المشهد، مع نسيم الهواء المتسرب بين بتلات الكرز المتساقطة، لوحةٌ متكاملة الجمال.
__________________
ايرميت حتى لو إيفيريا ضحكت عليه حلالها😭🤏🏻
يضحكون كثروا من ذا الهواشات كأنهم اخوان 😂
ايفيريا صديقة جيا بس اخوها حب ايفيريا وكذاته✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"