ومن نظرتها إلى الأمير نيسبيروس، أيقنت أنه يملك بالفعل ذلك الطبع غير اللطيف الذي تحدثت عنه الشائعات.
استرجعت سريعًا بعض الصور في ذاكرتها، تلك النظرة المتعجرفة، وتلك الهيئة التي تُشعرك بأن كل أمور الحياة ميسّرةٌ أمامه، ثم المكانة والنفوذ والقدرات، وحتى المظهر الذي يكتمل به كل ذلك.
نادرًا ما تكون الشائعات صادقة إلى هذا الحد، لكن الأمير نيسبيروس كان أحد تلك الحالات النادرة.
في عالمها السابق، لكان من الصعب عليها حتى تبادل الحديث مع إنسان مثله.
لكن أمام إيفيريا ديل، كانت كل تلك السمات تتلاشى، وتتحول إلى شيء عادي، بل وإلى لطف ظاهر.
حين ينظر إليها، تلمح في عينيه تلك الحدّة المعتادة، أما حين تتجه نظراته نحو إيفيريا، فإنهما تنحنيان برفق في لحظة، وكأنه ارتدى عيونًا أخرى.
بل إن بريقهما يتبدل تمامًا، ويبدو وكأن الجو المحيط يتغير أيضًا. ولأن هذا عالمٌ يحكمه السحر، فقد يكون الأمر حرفيًا.
داعبت جيا قشعريرةً تسللت إلى جسدها بلا سبب واضح. كان تغيّره المفاجئ في الملامح والسلوك يجعلها تشعر وكأن درجة الحرارة في المكان انخفضت بضع درجات.
كانت تعرف أن الأمير نيسبيروس، أمام إيفيريا، لن يستطيع إيذاءها أبدًا. ولهذا، استطاعت أن تعيش مطمئنة النفس.
تصرفاتها وكلماتها التي بدت عفويةً لم تكن في الحقيقة اندفاعًا أعمى.
أما إيفيريا ديل، فمع أنها بدت كمن يهابه، إلا أنها كانت تقول ما تريد قوله بلا تردد.
‘…..حقًا، إنهما ثنائيٌ مذهل..…’
إيفيريا ديل…..
استعادت جيا ذكرى لقائها الأول بها.
يوم سقطت فجأة في هذا العالم الغريب، وهي تائهة لا تدري ما يجري، ظهرت أمامها امرأةٌ ذات شعر أسود، تحدق إليها بعينين زرقاوين ثابتتين، باردتين وهادئتين في آن واحد.
كانت تعامل الغرباء بقدر عالٍ من اللباقة، وتحرص من وقت لآخر على أن تتفقدها، خشية ألا تستطيع التكيف مع البيئة الجديدة.
فكرت حينها أنه إن كان في هذا العالم إنسان مخلوقٌ بعناية خاصة، فلا بد أنها إيفيريا ديل.
وقد راودها نفس الخاطر وهي تنظر إلى الأمير نيسبيروس، لكن بدا لها أن العالم حين شكّله قد أفرغ جهده في جمال المظهر، ثم ترك شخصيته لتتشكل بإهمال.
كان من الطبيعي أن تحمل جيا في قلبها مودةً تجاه إيفيريا. والحقيقة أن الفضل في قدرتها على التأقلم مع هذا العالم الغريب يعود بشكل كبير إلى إيفيريا.
ومع أن زمنًا ليس بالقليل قد مرّ منذ سقوطها هنا، إلا أنها ما زالت بين حين وآخر ترى في المنام أنها عاجزةٌ عن العودة إلى منزلها، لتستيقظ بعدها غارقة في عرق بارد.
ومع ذلك، كانت ما إن تتذكر تأكيد سيد برج السحر على أنه سيعيدها إلى موطنها، ونظرات عيني إيفيريا، حتى يعود إليها الهدوء من جديد.
فهي إنسانةٌ رائعة بحق، تحتفظ بدفء صادق خلف ملامحها الباردة.
فتمنت جيا أن تمضي حياتهما معًا في أفضل مسار ممكن.
***
أما إيفيريا، فقد عادت لتغلق على نفسها في مكتبة الأكاديمية.
«علم النفس البشري»، «النفس تحت تأثير التفاعلات الكيميائية»، «هل مشاعركَ حقًا ملكك؟»…..
كان عناوينًا تثير النفور لمجرد قراءتها، وقد وضعتها إلى جوارها في كومة، ثم جلست في ركنها المعتاد، تغرق في عالم الحروف المطبوعة.
من يراها الآن قد يظن أن إيفيريا ديل أصبحت فجأة مولعةً بعلم النفس.
سواءً كان ذلك صحيحًا أو لا، كانت تقلب الصفحات ببطء وحذر. لكن الكتب لم تزدها إلا بسطًا للنظريات العامة والمقدمات المملة، دون أي شيء جوهري.
وكلما قلّت الكومة أمامها، ازدادت عجلةً وقلقًا.
‘ليس هذا ما أبحث عنه…..أريد شيئًا أكثر..…’
راجعت في ذهنها ما تبحث عنه بالضبط، لكنها اكتشفت فجأةً أن الجواب الذي تريد الوصول إليه ليس واضحًا حتى لها.
وكيف تجد جوابًا وهي لم تحدد هدفها أصلًا؟
أغلقت الكتاب دفعةً واحدة. وكان في حركتها قليلٌ من الضيق الذي نادرًا ما يظهر عليها.
عندها شعرت بوجود مألوف يجلس بجوارها. فالتفتت لتتأكد، ولم يخيب حدسها—فقد كان الأمير نيسبيروس قد جلس إلى جانبها.
اتكأ على كرسيه بغير اكتراث، وأخذ يمرر بصره على الكتب التي كانت تقرؤها.
ثم أشار بيده نحوها، وأتبعها بإشارة إلى أحد الكتب، وكأنه يسأل إن كانت قد قرأته بالفعل.
كان قادرًا على مساعدتها في كثير مما يجري حولها، لكنه لم يكن قادرًا بعد على تقديم العون في حل ما يعصف بداخلها.
فتسلل شعورٌ بالعجز لم تعرفه من قبل إليها، عجزٌ يولده القرب من الآخرين.
مد يده إلى جيبه، وأخرج حبة حلوى ملفوفةٍ بورق ملون. بينما كانت عينا إيفيريا تلمعان بقلق.
فهذا المكان مكتبة، وهدوؤه بالغ الصرامة.
صحيحٌ أن أصوات الكتابة أو تقليب الصفحات مسموحٌ بها، لكن صوت تمزيق ورق الغلاف سيكون نشازًا صارخًا.
و لحسن الحظ، نزع الأمير نيسبيروس الغلاف دون أن يُحدث أدنى صوت. فتساءلت في نفسها إن كان من الضروري أن يتقن المرء حتى مثل هذه الأمور.
و شعرت بالارتياح، ثم أعادت جسدها إلى وضعه الطبيعي في مواجهة الطاولة.
ثم طرق الأمير نيسبيروس بأطراف أصابعه على سطح الطاولة التي تجلس عندها. فأسندت إيفيريا خدها إلى يدها، وأدارت رأسها نحوه.
كان قد فتح فمه قليلًا، مقلدًا حركة وضع الحلوى فيه. فأومأت برأسها وأعادت وجهها إلى الأمام، لكنه طرق الطاولة مرة أخرى.
…..ما هذا؟ أهي مزحةٌ جديدة؟
التفتت إليه مجددًا وفي نفسها ريبةٌ من تصرفاته، فمد إصبعه مشيرًا إليها.
رمشت بسرعة عدة مرات، وهي تشعر بضيق غريب، ثم أشارت إلى نفسها بإصبعها. فأومأ برأسه، وأعاد تمثيل حركة تناول الحلوى.
‘هل يقصد أنه يريد أن يعطيني الحلوى؟’
كان الأمر مزعجًا لعدم قدرتهما على الكلام هنا. وهي أصلًا جاءت إلى المكتبة لتقرأ، وكذلك هو على ما يبدو.
و لم يكن هناك ورق أو شيء يصلح للكتابة. فتردد قليلًا، ثم مد كفه نحوها بحيث تستطيع رؤيته، وبدأ يخط ببطء على راحته.
[هل تريدين أكل الحلوى؟]
كانت الغاية تافهة على نحو مضحك مقارنةً بكل هذه الحركات الجانبية.
فابتسمت ابتسامةً خافتة كمن يتنفس الصعداء، ثم أمسكت بكفه بحذر.
كان بين الحركة والأخرى فاصلٌ زمني قصير، لكنها في النهاية أحكمت قبضتها على يده.
فاتسعت عيناه بدهشة، فها هي تمسك بيده فعلًا، وهو يشعر بحرارة جسدها الحية تنتقل إليه من خلالها.
وبينما تستشعر دفئه، أخذت تكتب بخط واضح على راحة يده، متوقفةً بين الحين والآخر لترفع بصرها إلى وجهه.
[نعم. أعطني.]
أفلت نيسبيروس يدها، ثم دس قطعة الحلوى الصغيرة في فمها برفق. وانتشر الطعم الحلو في فمها.
وأثناء مضغ الحلوى، علقت بعض خصلات شعرها بفمها. فحرّكت إيفيريا يدها عدة مرات محاولةً إبعاد ما يزعجها عن شفتيها.
لكن لعدم وجود شيء أمامها لترى انعكاس وجهها، كان من الصعب إصلاح الأمر بدقة، وظل الإحساس المزعج عند فمها قائمًا. و اجتاحها في الوقت نفسه خجلٌ وارتباك، فانكمشت حاجباها قليلًا.
عضّت شفتها بإحكام وهمّت بأن تدير جسدها لتعود إلى وضعها، لكن عندها أمسك الأمير نيسبيروس وجهها برفق.
لم تكن سوى لمسة خفيفة بأطراف أصابعه تكاد لا تُحسب، لكنها كانت لمسةً مع ذلك. فارتجفت إيفيريا بدهشة، وحدقت فيه بعينين متسعتين.
كان أمرًا غريبًا أن يلامس جسد شخص آخر وجهها، حتى نَفَسُها الذي تخلخل قبل لحظات ظل مضطربًا.
ثم مد يده الأخرى، ومسح بحذر من عظم وجنتها حتى زاوية فمها.
‘…..هذا جنون.’
لا تدري أي جانب فيه هو الجنون، لكنها على يقين أن ما يحدث الآن جنونٌ تام.
انكمشت كتفاها إلى الأمام. لقد زال الانزعاج الجسدي، لكن الموقف نفسه صار سببًا لانزعاج أكبر.
ثم أبعد يده عن وجهها أخيرًا. و بقيت عيناه معلقتين على أسفل وجهها لحظة وكأنهما تتجولان فيه، قبل أن تهبطا بعيدًا.
حينها فقط استطاعت أن تستعيد أنفاسها.
نهض الأمير نيسبيروس ببطء، متعمدًا ألا يُصدر أي صوت. فتشنجت إيفيريا غريزيًا. بينمت ابتسم هو في صمت، ثم اتجه إلى خلفها.
‘مرة أخرى…..لماذا؟’
أدارت رأسها للخلف، و عندما غاب عن مجال رؤيتها، تسللت إليها فجأة موجةٌ من القلق.
فلم يكن بوسعها التنبؤ بما سيفعله، وذلك الجهل كان مصدر قلقها.
وفجأة شعرت بفراغ عند مؤخرة عنقها—لقد رفع الأمير نيسبيروس شعرها برفق شديد.
ولسبب لا تعرفه، أحست بمعدتها تنقبض وكأنها تموجت باضطراب.
كان قلبها ينبض بسرعة تكاد تعجز عن السيطرة عليها، فوضعت يدها اليمنى فوق صدرها الأيسر.
بينما كان الأمير نيسبيروس يجمع خصلات شعرها الأسود بعناية بالغة، حتى تلك التي كانت مسدلةً إلى الأمام أعادها للخلف، وأصلحها مرارًا.
وفي كل مرة تلامس فيها يده شعرها أو بشرتها، كانت ترتجف لا إراديًا.
ثم مد يده نحوها، ومن الموقف بدا أنه يطلب رباط الشعر. ففكّت إيفيريا الرباط الذي كانت ترتديه حول معصمها، وناولته إياه.
و حتى يدها التي مدت بها الرباط كانت ترتعش قليلًا.
وعندما بدأ يربط شعرها، فعل ذلك بفرط اهتمام.
‘هل شده أكثر من اللازم؟ أم أنه ربطه برفق شديد قد يجعله ينفلت سريعًا؟’
ظل يرتب الشعر المربوط ويهذبه بيديه مرات عدة قبل أن يبتعد عنها أخيرًا.
فانحنت إيفيريا شكراً له، لكنها لم تستطع أن تلتقي بعينيه. فقد كانت تشعر بحرارة تتجمع في وجهها حتى كادت تحس باحمرار وجنتيها.
ومن طرف عينها، لمحت الأمير نيسبيروس وهو يبتسم ببساطة كما يفعل عادة…..على الأقل، هكذا بدا لها.
____________________
متى العرس؟😭😭😭
الفصل فراشات في بطني من نوع ثاني
جيا تجنن على طول كشفت شخصية ايرميت😂
وطلعت صدق فانز ايفيريا🤏🏻
المهم ايرميت مجنون في ايفيريا صدق بالله قاعد يسوي كل ذاه ويقول انا ما احبها؟ كذااااااااب
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 40"