حين حدّق سيد برج السحر، بدأت الفتاة ذات الشعر الأسود تتسلّل بخطى حذرة نحو الجهة التي تقف فيها إيفيريا، التي راحت تراقبها بنظرة حذرة وابتسامة متكلّفة.
فابتسم سيد البرج ابتسامةً خفيفة وهو يراقب المشهد.
“يبدو أن الحديث سيطول……ما رأيكِ أن نغيّر المكان؟”
“……نعم.”
أجابت إيفيريا، فأومأ سيد البرج للفتاة ذات الشعر الأسود في إشارة إلى أن تحزم أمتعتها.
وحين علّقت المرأة حقيبتها على كتفها، مدت إيفيريا يدها تمسك بطرف كمّ سيد البرج، وكأنها تتوقع ما سيفعله، لكنه فجأة أمسك بطرف معطف الفتاة الغريبة.
ثم أغمضت إيفيريا عينيها وهي تشعر بشعور مألوف وغريب في آن، أقوى قليلًا من تدفق السحر الذي شعرت به حين ذهبت إلى برج السحر أول مرة.
بدأت الهالة التي تغلّفهم تتلاشى شيئًا فشيئًا، وحين فتحت عينيها ببطء، وجدت نفسها في مكان تعرفه جيدًا.
الطابق الثالث من المبنى الثاني للسحرة، حيث يقيم سيد البرج معظم الوقت، وقد زارته فيه عدة مرات خلال تدريباتها معه.
“ما……هذا المكان؟”
“…….”
بدا أنها لا تعرف أي شيء عن هذا الموقع.
فتبادلت إيفيريا مع سيد البرج نظرات مرتبكة، قبل أن يتنهد بخيبة ويخطو نحو الأريكة الموضوعة عند حافة الغرفة.
“فلنجلس أولًا.”
“اجلسي هنا، وضعي……الحقيبة بجانبكِ.”
قالت إيفيريا وهي تجلس قبالته، موجّهةً كلامها للفتاة ذات الشعر الأسود التي ما تزال واقفة بارتباك، تحمل حقيبتها الثقيلة على ظهرها.
ولشعورها بالشفقة، تدخلت إيفيريا دون أن تدري، وهي تعضّ على شفتيها في حرج.
“شكرًا لكِ.”
ابتسمت الفتاة ابتسامةً خجولة وجلست إلى جانبها.
وبإشارة من سيد البرج، حطّت أكواب الشاي وإبريقه على الطاولة أمامهم، في حركة شديدة الدقة والمهارة. جعل ذلك إيفيريا تتساءل عن الطريقة الدقيقة التي تمكّنه من جلب الأكواب بهذا الشكل البارع.
و حين التفتت إيفيريا بنظرة جانبية، رأت الفتاة تحدّق في فنجان الشاي الذي طار إليها وكأنها لا تصدّق عينيها.
وأثناء لك سكب سيد البرج ة الشاي أمامهم، و فجأة بادر بالكلام،
“أنتِ……ما اسمكِ؟”
“كيم……كيم جيا.”
فتساءلت إيفيريا في نفسها: هل كلمة “كيم جيا” تحوي الاسم واللقب معًا؟ إذًا، بأي اسم ينبغي مناداتها؟
تُرى، هل سيد البرج يعرف الجواب؟ لكنها رأت على وجهه هو الآخر علامات الحيرة.
“سأغيّر السؤال……بماذا تريدين أن نناديكِ؟”
“جيا هو الاسم، وكيم هو اللقب. يمكنكم مناداتي جيا.”
جيا……كيم جيا. ردّدت إيفيريا اسمها مرارًا في ذهنها، وبينما هي كذلك، عاد سيد البرج يسألها،
“أنتِ لم تكوني تعيشين هنا من قبل، صحيح؟”
“نعم……أعتقد……لا.”
تصلّبت ملامح إيفيريا. فلم تكن واثقة من نطاق هذا المعنى.
هل المقصود أنها ليست من طلاب الأكاديمية فقط؟ أم أنها ليست من مواطني الإمبراطورية أصلًا؟
وإن لم تكن كذلك……
“على أي حال، هذا المكان هو أكاديمية لاكانيل داخل الإمبراطورية، وكما رأيتِ قبل قليل، إنه عالمٌ يحكمه السحر. هل هو عالم غريبٌ عليكِ؟”
“نعم……نعم.”
اتضح إذاً أنها جاءت من عالم آخر تمامًا. فبدت الدهشة جليةً على وجه إيفيريا.
و تذكّرت محاضرات كانت قد حضرتها في الأكاديمية عن العوالم المتعددة والأبعاد الأخرى.
كانت حالات عبور الأبعاد نادرةً إلى حدٍّ لا يكاد يُذكر في تاريخ الإمبراطورية أو حتى في العصور القديمة……نادرة لدرجة أن تُحكى كقصص أسطورية.
بل إنها خاضت اختباراتٍ لصياغة المعادلات السحرية المتعلقة بذلك، مع تتبّع كيفية تكوّنها، وكانت تلك المعادلات دومًا غامضة، مليئةً بالثغرات، لا يمكن أن تكون إلا نتيجة تراكم صدَف عجيبة متتالية، يستحيل تقريبًا تحقيقها عمدًا.
ومع ذلك، ها هو كائنٌ أمامها كسر كل تلك الاحتمالات الضئيلة. فلمعت عينا إيفيريا بوميض فضول لا يمكن كبحه.
شعرت إيفيريا مرارًا بنظرات تتسلل نحوها من الجانب، فالتفتت بطرف عينها نحو جهة جيا، فرأتها تمسك بفنجان الشاي الدافئ بكلتا يديها بإحكام، يتصاعد منه بخار ناعم.
ثم تحدث جيا بصوت متردد،
“أنا……أنا يجب أن أعود، لا بد لي من ذلك.”
“…….”
تساءلت إيفيريا في نفسها إن كان ذلك ممكنًا حقًا……لكن ربما سيد البرج يستطيع، وإن كان سيستغرق الأمر بعض الوقت.
تغيّرت ملامحها قليلًا، فتابعت جيا بنبرة أكثر قلقًا،
“هذا العام يجب أن أقدم امتحان الثانوية، وأصدقائي سيقلقون عليّ……هل أستطيع العودة؟”
“نعم. سأعيدكِ.”
“شكرًا لكَ.”
و عندما أجاب سيد البرج بثقة، أرخَت جيا ظهرها الذي كانت تحافظ على استقامته بصلابة.
فأحست إيفيريا أنها يجب أن تقول شيئًا، لكنها لم تجد الكلمات المناسبة.
كان لديها الكثير من الأسئلة، والكثير من العبارات التي يمكن أن تعزّيها بها، لكنها لم تعرف من أين تبدأ.
كان سيد البرج يحدّق في إبريق الشاي بصمت، فحوّلت إيفيريا بصرها عنه، ثم عادت تنظر إلى جيا بدافع الفضول لترى ملامحها. و التقت أعينهما مباشرة، فابتسمت جيا بخجل.
ثم سألتها بنبرة مرحة، وكأن توترها السابق قد تلاشى،
“أنا في التاسعة عشرة……كم عمركِ أنتِ؟”
“واحدة وعشرون.”
“……هل يمكنني أن أناديكِ أختي؟”
بدا أنها فتاةٌ ودودة للغاية، وعيناها السوداوان تلمعان كأنهما تحتفظان بكل ألوان الضوء في أعماقهما.
ذلك البريق حمل شيئًا من المودة غير المبررة، فابتسمت إيفيريا ابتسامةً صغيرة،
“نعم، ناديني بما تشائين.”
“……أنتِ جميلة جدًا……تعلمين ذلك، أليس كذلك؟”
قالت ذلك وهي تحدّق في وجه إيفيريا بدهشة صافية. فارتبكت إيفيريا من الإطراء المفاجئ، ورمشت بعينيها في ارتباك أكبر.
كانت……إنسانةً مفعمة بالحيوية، لكن بطريقتها العجيبة والغريبة.
***
بعد ذلك، ظلّت جيا تحدّق قليلًا في وجه إيفيريا، وكأنها تريد حفظ ملامحها.
بينما شعرت إيفيريا أن كل الإطراءات المتعلقة بجمالها، والتي قد تسمعها طوال حياتها، قد أُفرغت عليها اليوم دفعةً واحدة.
لم يسبق لها أن التقت شخصًا بهذا الطبع، فوجدت نفسها في حيرة. ولم تكن تدري أن بالإمكان صياغة المديح الواحد بطرق متعددة ومبهرة هكذا، حتى هذا اليوم.
كان سيد البرج يراقب المشهد بصمت، قبل أن يلتفت فجأة إلى إيفيريا ويسألها،
“إيفيريا، هل يمكننا أن نتحدث قليلًا؟”
“نعم.”
لم تكن كلمات جيا أو رفقتها مزعجةً لها، بل مربكةً وحسب. لذلك لم تفوّت فرصة الخروج من الموقف.
ومع عبارة “انتظري وتناولي شيئًا” أزاح سيد البرج نحو جيا بضعة أنواع من الكعك وكوب شاي، ثم اتجه نحو الغرفة الملحقة الصغيرة.
وما إن دخلت إيفيريا وراءه حتى أغلق الباب بهدوء، لكن إحساسها بقوة سحرية دقيقة يتخلل الهواء جعلها تدرك أنه وضع تعويذة عزل للصوت.
و شعرت بغريزة حادّة أن ما سيقوله يرتبط بظهور جيا، وربما له علاقةٌ بكلامه وتصرفاته الغامضة منذ العطلة.
“أتذكرين أني قلت لكِ من قبل أن الفضاء كان يتمزق؟”
“نعم، قلتَ ذلك في العطلة.”
ارتسمت على وجه سيد البرج ملامح معقدة، وسرعان ما بدأت ملامح إيفيريا تعكس الشعور نفسه.
“في الحقيقة، الفضاء والعالم، أو لنقل البعد، يمتلكان خصائص متشابهة.”
“آه……”
بدأت تفهم ما يريد قوله.
راقبها سيد البرج، ثم استأنف الحديث ببطء، وكأنه يحرص على تبسيط الشرح خشية ألا تستوعب المعنى.
“بغض النظر عن العملية، النتيجة يجب أن تبقي الوهم وهمًا، لكن ذلك لم يحدث. الحسابات أفرزت خطأ، فاختلط الوهم بالواقع، وامتد الاضطراب إلى البعد نفسه متجاوزًا حدود الفضاء.”
“….…”
عندها أدركت إيفيريا سبب تحذيره السابق لها من استخدام صيغة السحر الوهمي التي عدّلها هو.
وأومأت في صمت وقد فهمت. الأرجح أن سيد البرج، لتمكّنه من الصيغ المعدّلة، كان هو المسؤول عن الحادثة بنسبة كبيرة.
خفض نظره للحظة، ثم عاد يثبت عينيه عليها.
“هل سبق لكِ، وأنتِ تتبعين الطريقة التي علمتكِ إياها لاستدعاء الوهم، أن شعرتِ بخصائص حقيقية فيه؟”
“……نعم.”
وفي لحظة، اجتاحتها قشعريرةٌ حادة.
في ليلة متأخرة، حين كانت تتدرب وحدها، استدعت وهمًا مائيًّا وشعرت حينها ببرودة ورطوبة حقيقية.
كان من المفترض ألا يشعر الساحر بمثل هذه الحواس الملموسة من الوهم، لكنها يومها ظنّت أن السبب هو شعورها بالتوعك والإرهاق……ولم تتخيل أن الأمر كان بسبب خطأ في الحسابات.
اجتاحها فجأةٌ إحساس بالذنب، فعضّت على شفتها في صمت.
لكن سيد البرج تحدث بنبرة خفيفة، وكأنه يحاول تخفيف شعورها بالمسؤولية،
“ليست غلطتكِ، بل خطئي أنا، لأني علمتكِ ذلك دون أن أختبره جيدًا. خطؤكِ الوحيد أنك اجتهدتِ أكثر من اللازم.”
“…….”
ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ باهتة، فيما بدا على سيد البرج شيء من الحرج، وكأنه ندم على إثارة الموضوع، رغم أنه أراد إخبارها لأنه يعرف جيدًا قوة إحساسها بالمسؤولية.
“لا تقلقي، فالأشياء القادمة من أبعاد أخرى تحتفظ في أجسادها ببقايا ضعيفة من أثر عالمها الأصلي، ويمكننا إعادتها.”
كان ذلك خبرًا مفرحًا، فابتسمت إيفيريا بارتياح داخلي. ثم أكمل سيد البرج بهدوء،
“……وإن كان الأمر يزعجكِ، يمكنكِ مساعدة تلك الفتاة، جيا، شيئًا فشيئًا. أظن أن الأفضل لها خلال بقائها هنا هو أن تكون في الأكاديمية.”
وكان ذلك منطقيًّا فعلًا.
تذكرت إيفيريا ما لمحته من شخصية جيا: فتاةٌ نشيطة، مشرقة، صريحة، وطيبة القلب.
رغم أنها كانت عكسها تمامًا، إلا أن شخصًا آخر خطر في بالها بلا سبب واضح.
“……الأمير نيسبيروس.”
“هم؟ يمكنكِ إخباره.”
تفاجأت إيفيريا من نفسها، و ارتبكت أكثر من ردّ سيد البرج السريع والواثق، قبل أن يضيف،
“إن كنتِ تشعرين بالالتزام، فساعدي جيا في كل ما يتعلق بالأكاديمية.”
أومأت إيفيريا تلقائيًّا، ثم خطر في بالها عائقٌ صغير: إن لم تكن جيا مهتمةً بالدراسة أصلًا، فقد يكون تنفيذ ذلك صعبًا.
“لكن هذا يعني أن على جيا أن تدرس……هل تظن أنها ستوافق؟”
“أجل، تبدو كطالبة. وعلى أي حال، ستضطر للدراسة.”
“آه.”
خرجت الكلمة من فم إيفيريا قصيرة، تحمل في طياتها مزيجًا من التعاطف والفهم.
_______________________
تعاطف عشانها تضطر تدرس؟😭
المهم يارب مايجي سوء فهم عند ايفيريا وتحسب ايرميت حبها ولاش
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"