بدأ يكتب ويشطب معادلات معقدة لا يستطيع حلها بسهولة حتى طلاب قسم السحر أنفسهم.
و كانت إيفيريا تراقب ما يحدث بعينين مندهشتين، وكأنها مأخوذةٌ بسحر غريب.
وفي النهاية، ظهر رقمٌ واحد في أسفل الصفحة، يبدو أنه الجواب، ثم قام بتحديده في نهاية صفحة ونصف تقريبًا من الخطوات الدقيقة، قبل أن يعيد دفتر التمارين إليها.
كانت طريقة الحل متقنةً إلى درجة لا يُمكن التشكيك فيها، وحتى خط يده بدا مثاليًا.
و كان الشيء الوحيد اللافت للانتباه، هو أنه كتب بخط يده عمليات الاشتقاق والتفصيل لبعض القوانين الدقيقة والمعقدة التي يستخدمها طلاب قسم السحر من الذاكرة دون تفكير.
يبدو أنه لم يكن يحفظها، بل أعاد استنتاجها بنفسه.
فنظرت إليه إيفيريا بعينين متسعتين من الدهشة، ثم أعادت نظرها إلى الدفتر. و شعرت، وبشكل حقيقي، أنها أمام عبقري الزمان.
ثم سارع هو بكتابة شيء على ورقة ودفع بها إلى طاولتها.
[ربما يكون الجواب خطأ…..لكن خطوات الحل صحيحة على الأرجح.]
[لا، على العكس…..الجواب صحيح. أنا فقط لم أفهم الطريقة، لذلك سألتكَ..…]
ابتسم الأمير نيسبيروس بعينيه وهو يقرأ ردها.
أما إيفيريا، فشعرت بمزيج غريب من الإحباط الذي زال، والارتياح المفاجئ، وكأن حجرًا كبيرًا أزيح عن صدرها.
كان شعوراً معقداً يصعب وصفه، لكنه منعشٌ بطريقة فريدة.
[إذا واجهتِ شيئًا لا تفهمينه لاحقًا، اسأليني بأي وقت.]
[حسنًا! شكرًا لكَ.]
كان من اللطيف حقًا أن يكون هناك شخصٌ يمكنكَ الاعتماد عليه وقت الحاجة.
فنظرت إيفيريا إلى خطوات الحل التي كتبها، بينما ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ خفيفة.
***
انتهت الامتحانات. وخالجها شعورٌ بأن النتيجة لن تختلف كثيرًا عن المرة السابقة.
لكن الشيء المختلف هذا العام، هو أنها مرت بفترة الامتحانات دون أن تمرض.
في السنوات السابقة، كانت دائمًا تصاب بالحمى والإرهاق في مثل هذا الوقت، وكانت تدرس وهي بالكاد تجر جسدها المرهق.
لذلك، مجرد أنها أنهت هذه الفترة بصحة جيدة، كان بحد ذاته أمرًا تستحق أن تحتفل به.
لقد كان الأمير نيسبيروس يعيش حياته بجدٍ أكثر مما كانت تتصور. وبصراحة، الدراسة إلى جانبه كانت ذات فاعلية كبيرة.
ففي الماضي، حين كانت تدرس وحدها، لم يكن هناك أحدًٌ تسأله حين تواجه صعوبة، أما الآن، بوجوده بجوارها، أصبح بإمكانها طرح أسئلتها فورًا، وهذا وحده أحدث فرقًا كبيرًا.
جلست إيفيريا على أحد المقاعد الممتدة على جانب ممر التنزه، وأخذت تراجع في ذهنها ما رأته في امتحان اليوم، كما اعتادت دائمًا.
ومجددًا، كانت الأسئلة في غاية الصعوبة.
وبينما كانت غارقةً في أفكارها، اقترب منها الأمير نيسبيروس بلا تردد، وجلس إلى جانبها كما لو كان مكانه الطبيعي، وسألها ببساطة،
“هل أدّيتِ الامتحان جيدًا؟”
“كالعادة، لا جديد.”
رغم أن سؤاله لا يزال يثير فيها بعض الانزعاج، إلا أنها أصبحت معتادةً عليه الآن. فضغطت شفتيها في محاولة لإخفاء ما بداخلها.
لقد كان هذا تغيّرًا محمودًا. فقد بدأت تشعر بقدر من الراحة النفسية لم تعهده من قبل.
ومع اقتراب العطلة، بدا أن هذه الراحة ستزداد.
وحين فكرت في العطلة، راودها سؤالٌ مفاجئ، ولم تجد مبررًا لتكتمه.
“أين تنوي قضاء عطلة نهاية الفصل، سيد نيسبيروس؟”
“أنا؟ أعتقد أنني سأبقى في الأكاديمية.”
“وأنا كذلك.”
عند سماع جوابه، تسللت إلى قلبها قناعةٌ غامضة بأن هذا النمط من الحياة سيستمر لبعض الوقت.
ثم خفضت نظرها نحو أطراف قدميها.
“أعتقد أنني بقيت في الأكاديمية أغلب الوقت. حتى في السنة الأولى، لم أغادرها.”
لم يسألها أحد، لكنها أرادت فقط أن تقول ذلك.
ثم نظرت إلى وجهه، تتساءل إن كانت قد قالت شيئًا لا يهمه، لكن الأمير نيسبيروس كان يصغي لها دون أي علامات على الضيق أو الملل، وهذا وحده منحها طمأنينةً غير مبررة.
فأكملت حديثها بهدوء.
“ذكرياتي قبل دخولي الأكاديمية مشوشةٌ جدًا. حتى أنني لا أملك مكانًا أذهب إليه.”
“…….”
“ولأنني لا أتذكر شيئًا، أعتقد أن عدم وجود عائلة تبحث عني…..ربما يكون أمرًا جيدًا.”
رغم أنها اختتمت حديثها بهذه الطريقة كما لو أنها لا تبالي، شعرت بندم خفيف على قولها ذلك.
‘حديثي عن ذاكرتي لم يكن سرًا في الأساس. لذا قلته ببساطة.’
لكن بعد أن نطقت به، شعرت أنه قد يبدو رثًا للغاية…..وكأنها تطلب الشفقة.
ولسبب ما، بدا أن الجو من حولهما قد أصبح ثقيلًا قليلًا.
و لم تجد إيفيريا شيئًا تفعله سوى أن تلوم فمها الذي نطق بالكلمات دون تفكير، فسارعت بطرح سؤال عشوائي، حتى لا يجد فرصةً للتعمق في الموضوع.
“هل تبقى عادةً في الأكاديمية خلال العطلات؟”
“أنا؟ أفعل ما يحلو لي. هذه المرة فقط أردتُ البقاء، أما عندما كنت في هوريتين..…”
تفاجأت إيفيريا، لأنها لم تشعر أبدًا أنه طالبٌ سابق في أكاديمية هوريتين. فأسرعت بتعديل تعبير وجهها، وأعادت نظرها للأمام.
و تابع الأمير نيسبيروس حديثه بهدوء،
“حين كنتُ في هوريتين، كنت أعود غالبًا إلى قصر الدوق.”
“ولماذا قررت البقاء هذه المرة؟”
حاولت إيفيريا قدر المستطاع أن تُخفي فضولها خلف نبرة لينة ومسالمة. فابتسم
أجابت بسرعة، وهزت رأسها نفيًا دون تردد، ثم نظرت إلى وجهه لترى إن كان جادًا. وكانت ابتسامته تخبرها بكل شيء…..لقد كان يمزح.
ابتسامته حين يمزح تتميز بتفاصيل طفيفة، مثل ارتفاع زاوية فمه اليسرى أكثر بقليل من اليمنى. أمرٌ لم تكن لتلاحظه في الماضي، لكنه بات مألوفًا لديها الآن، مما أثار دهشتها.
فظهر على وجهها تعبير يجمع بين الارتياح والاعتراض في آنٍ واحد.
ورغم إدراكها أنه تهرّب قليلًا من الإجابة على سؤالها، إلا أنها لم تشعر برغبة في سؤاله مجددًا.
وفي المقابل، كان دوره ليتحدث. فسألها الأمير نيسبيروس فجأة،
“هل حضرتِ مهرجان أكاديمية هوريتين من قبل؟”
“لا، هل سبق أن زرتَ لاكانيل، يا سيد؟”
“نعم.”
كان قد زار لاكانيل ذات مرة، على أمل أن يلمح إيفيريا ولو من بعيد، لكنه عاد أدراجه دون أن يراها.
فضحكت إيفيريا بخفة، وقد ارتسم قليلٌ من الحرج على وجهها.
“آه، أنا لم أشارك في المهرجان العام الماضي.”
“وأين كنتِ خلال تلك الفترة؟”
“بقيت في غرفتي فقط. فعادةً ما يُغلقون قاعة الدراسة والمكتبة أثناء المهرجان.”
لهذا إذًا لم يتمكن من رؤيتها.
في تلك الفرصة النادرة التي أُتيح له فيها دخول لاكانيل بشكل رسمي، تنقّل في كل أرجائها دون أن يعثر عليها.
ثم أومأ بهدوء قبل أن يتابع الحديث.
“في ربيع العام المقبل، بعد انتهاء الامتحانات النصفية، سيُقام مهرجانٌ في هوريتين.”
“نعم.”
“سبق أن حضرت مهرجان أكاديمية هوريتين مرتين، وكان جيدًا جدًا. إنه مختلفٌ تمامًا عن مهرجان لاكانيل.”
بدأت تتخيل ما سيقوله تاليًا، فمدّت يدها تعبث بخاتم في سبّابة يدها اليسرى. بينما راقب حركتها بصمت، ثم واصل حديثه.
“في الليل، يُقام عرض للألعاب النارية…..كان مذهلًا بحق. هل ترغبين بالذهاب معي في العام المقبل؟”
“أوه..…”
رغم أنها توقّعت هذا العرض، إلا أنها لم تستطع الرد فورًا، وقد أخذت تفكر في جدولها. فقد خشيت أن تعده ثم تُخلف وعدها، فيشعر بالخذلان.
قالت إيفيريا ذلك وهي تبتسم بخفة، ويغمر صوتها شيءٌ من البهجة.
وما زاد ابتسامتها اتساعًا هو أنها باتت تألف فكرة أن الأمير نيسبيروس يفتخر دومًا بقوة ذاكرته.
***
حتى خلال العطلة، لم يتغير الكثير.
باستثناء أمرين فقط: أنها بدأت تتناول الغداء أيضًا برفقة الأمير نيسبيروس، بعدما كانا يكتفيان بالعشاء، وأن دروس الأكاديمية النظامية قد توقفت مؤقتًا.
بخلاف ذلك، كل شيء ظل كما هو.
آه، وقد زادت أيضًا ساعات التدريب مع سيد برج السحر مقارنةً بأيام الدراسة.
و كانت تخشى أن يُرهقها تكرار التمارين، لكنها وجدت الأمر على العكس تمامًا.
صحيحٌ أن البدايات كانت صعبة، لكن جسدها بدا وكأنه تأقلم، وأصبحت التمارين المتكررة أفضل بكثير من تلك التي كانت تُقام مرةً واحدة في الأسبوع.
فسألت بخجل إن كان سيد البرج يضطر في كل مرة للمجيء من البرج إلى الأكاديمية خصيصًا من أجل التدريب، فأجابها مطمئنًا أنه سيقيم في الأكاديمية لفترة، فلا داعي للقلق.
وكالعادة، توجّهت إيفيريا اليوم أيضًا إلى ساحة التمرين السحري.
خلال الفصل الدراسي، كانت الساحة مفتوحة باستمرار، أما في العطلة أو عطلات نهاية الأسبوع، فكانت تُفتح فقط بعد تمرير بطاقة هوية تثبت الانتماء للاكانيل، مثل بطاقة الطالب.
أعادت البطاقة إلى جيب معطفها بعد استخدامها، ثم أغمضت عينيها قليلًا وبدأت تطرق بلطف على الجدار الذي تشعر به داخل جسدها.
من هناك، بدأت تشعر بتدفق طفيف للطاقة السحرية. ربما هذا هو المجال الذهني الذي كان سيد البرج يتحدث عنه سابقًا.
لكن الوقت المحدد للتدريب قد حان، ولم يظهر بعد.
هل حدث له شيء؟
فتسللت إليها نوبة قلق خفيفة. وفي تلك اللحظة، فُتح باب الساحة، ودخل رجلٌ ذو شعر أسود مألوفٍ لديها.
“مرحبًا، سيد البرج.”
بدت عليه علامات ارتباك وتوتر لم تعتد رؤيتها فيه. فنظرت إليه إيفيريا بعينين ممتلئتين بالتساؤلات.
ثم تحدث على عجل،
“آسف. حصل أمرٌ طارئ في البرج، ويبدو أنني لن أتمكن من تدريبكِ هذا الأسبوع.”
“لا بأس على الإطلاق! أسرع بالذهاب، بل أنا من يجب أن تشكركَ.”
كان يبدو نادمًا بحق، فيما لوّحت إيفيريا بيديها نافيةً أي ذنب عنه.
ما الذي يدعوه للاعتذار أصلًا؟
ظل ينظر إلى ساعته مرارًا، كما لو أن الوقت يُطارده، ثم تابع بصوتٍ يحمل شيئًا من العجلة،
“وأمرٌ آخر، إيفيريا…..تذكرين ما كنت قد علّمتكِ إياه من قبل؟”
“.……”
لقد علمها الكثير من الأمور، حتى أنها لم تتمكن من تحديد ما الذي يقصده تحديدًا.
و عندما قرأ الحيرة على وجهها، نطق بوضوح وتأنٍ،
“طريقة حساب السحر الوهمي وكأنه واقعيٌ تمامًا. هل يمكنكِ أن تتوقفي عن استخدامه مؤقتًا؟ بل، يفضل ألا تتدربي عليه إطلاقًا في الوقت الحالي.”
“حسنًا.”
لا بد أن هناك سببًا وجيهًا جعله يطلب ذلك. ولأن ملامحه كانت توحي بالعجلة، لم تسأله إيفيريا عن السبب.
“أنا أيضًا لم أكن أعلم لأنني لا أستخدم ذلك السحر كثيرًا….لكن يبدو أن استخدامه يُحدث تمزقًا في الفضاء، وليس الفضاء وحده بل..…”
كان يشرح شيئًا يُشبه السبب، لكنه توقف فجأة، وكأن الكلمات خانته. فالتفاصيل كانت معقدة ليشرحها بدقة، لكنها أيضًا لم تكن شيئًا يُختصر ببساطة.
وقد التقطت إيفيريا ذلك التردد العالق بين رغبته في الشرح وتردده في البوح.
“لا بأس، حقًا. أخبرني لاحقًا فقط.”
“مم، حسنًا…..شكرًا لكِ.”
ابتسم سيد البرج، وعيناه السوداوان انحنتا في ضحكة خفيفة.
ثم همّ باستخدام تعويذة للانتقال الآني، لكنه تردد فجأة وتراجع عنها. وبدلًا من ذلك، خرج من ساحة التدريب سيرًا على قدميه.
رغم أن الموقف بأسره كان مربكًا بعض الشيء، إلا أن إيفيريا بقيت هادئة. فكل تلك الأسئلة التي لم تُطرح الآن…..سيحين وقتها لاحقًا.
____________________
يعجبني صبرها تجنن وش ذا الاخلاق 🤏🏻
بس ماتوقعتها وهي تشرح اختلاف ابتسامته وهو يمزح ولا لا ؟ مهووسه جديده😭
وايرميت يستغل كل نقطه كل فرصه يخليها تطلع معه حتى الغدا ✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 35"