ولمن كان عليه إنجاز الكثير خلاله، لم يكن مِضي الوقت أمرًا مرحبًا به.
ورغم أن أكاديمية لاكانيل كانت أكثر حريةً مقارنة بأكاديمية هوريتين، إلا أن فترة الامتحانات لم تكن تُستثنى من هذا الضغط.
كان من المعتاد أن يبذل الطلاب جهدهم مع اقتراب الامتحان الأخير من كل عام دراسي، حتى أولئك الذين اعتادوا اللهو. و لم يُعرف السبب تحديدًا، لكن وفقًا لكلام الطلّاب الأكبر سنًا، فقد كانت هذه العادة ملازمةً للأكاديمية منذ تأسيسها.
الجرعات التي كانت مكدّسةً دومًا في غرفة الدراسة الذاتية بدأت تتناقص حتى بات من الممكن عدّها بنظرة واحدة.
أما وجوه الطلاب، فكانت تزداد شحوبًا يوماً بعد يوم حتى أصبح لونها أشبه بلون التراب. وطبعًا، إيفيريا كانت من ضمن هؤلاء الطلاب.
خلعت إيفيريا نظّارتها وهي تتجه نحو قاعة الطعام.
حين يكون عليها أن تقرأ كثيرًا، كانت ترتدي دائمًا نظارات لحماية النظر، لم تكن طبية، لكنها تساعد في تقليل الإجهاد.
ورغم أنها لم تكن بنظارات طبية، إلا أن ارتداءها طيلة اليوم ترك حول عينيها ألمًا نابضًا خفيفًا.
وفي تلك اللحظة، اقترب الأمير نيسبيروس من إيفيريا، التي كانت تضغط بأصابعها على موضع الألم حول عينيها، وتحدث إليها.
“إيفيريا، كنت أود أن أقول لكِ شيئًا منذ فترة.”
“نعم؟ ما هو؟”
“تلك النظارات تليق بكِ كثيرًا.”
كان ذلك مديحًا مباغتًا. ومثل هذه المفاجآت كانت كفيلةً بإرباك إيفيريا تمامًا.
ظلت للحظة في حالة من الذهول، ثم رفعت النظارات التي كانت تمسك بها بيدها إلى عينيها وكأنها تختبر تأثيرها من جديد.
وحين نظرت إلى الأمير نيسبيروس من خلفها، انفجر ضاحكًا بهدوء.
لكن إيفيريا، وكأنها لم تلاحظ، سألت بجدية طفيفة،
“هل أرتديها دائمًا إذًا؟”
“لا. ألا تؤلمكِ عيناكِ إن لبستها طيلة الوقت؟”
“بلى.”
أجابت باختصار، ثم طوت النظارات وأعادتها إلى جيبها.
ولم تستمر المحادثة بينهما طويلًا حتى جلست في مكانها، لكن رغم الصمت، لم يكن هناك أي شعورٍ بالحرج.
وأدركت فجأة كم بات الأمير نيسبيروس مألوفًا لها.
لم يمضِ وقت طويل على تعارفهما، بالكاد عدة أشهر، لكنه أصبح جزءًا من يومياتها.
قطعت إيفيريا حبل أفكارها سريعًا، وأجبرت نفسها على تذكّر جدولها المزدحم. و ذلك الارتخاء الدافئ الذي تسلل إلى قلبها تبخر في لحظة، وحل محله الجفاف.
“إيفيريا، هل تودين الذهاب لمشاهدة أوراق الخريف؟”
“هاه؟”
رمشت إيفيريا بدهشة وهي تنظر إلى وجهه الواثق المريح.
لطالما كان الأمير نيسبيروس يُصاب بالجنون في كل فترة امتحانات، محاولًا إخراجها من جو الدراسة بأي وسيلة.
ورغم أنه ما زال هناك بعض الوقت قبل الامتحانات، ورغم أنها أصبحت أكثر مرونةً من ذي قبل، إلا أن الذهاب في نزهة خلال فترة الامتحان لم يكن أبدًا من عاداتها.
ثم اقترح مجددًا، وبنبرة واضحة،
“لنذهب لرؤية أوراق الخريف.”
“لكننا في فترة امتحانات الآن..…”
“إذًا، لنذاكر معًا.”
بدأت إيفيريا تتساءل عن سبب تصرف الأمير نيسبيروس بهذه الطريقة المفاجئة مجددًا.
في الامتحانات السابقة أيضًا، كان يدعوها إلى التنزه وكأن الأمر طبيعيٌ تمامًا، والآن يقترح الذهاب لرؤية أوراق الخريف، ثم يتراجع ليعرض الدراسة معها.
ثم تسللت إلى عقلها فكرةٌ عبثية،
‘هل يظن أنني ضعيفة في الدراسة، وأن هدفي هذه المرة هو الحفاظ على المركز الأول؟’
حين بدأت تفكك هذا الموقف المربك، بدا لها في غاية الطرافة. فارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتيها.
ولم يضيع هو تلك اللحظة، فبادر بعرضه بسرعة ودهاء.
“سأُرتّب وقتي على وقتكِ، ما رأيكِ؟”
“…..هل نلتقي في المكتبة إذًا؟”
“في عطلة نهاية الأسبوع؟”
“نعم.”
إيفيريا كانت تدرس عادةً في غرفة الدراسة الذاتية خلال أيام الأسبوع، أما عطلة نهاية الأسبوع فتقضيها في المكتبة.
غرفة الدراسة الذاتية لم تكن تسمح بسهولة في التنقل، أما المكتبة فكانت أكثر مرونة، وإن شعرت بالإرهاق، كان بإمكانها الانتقال إلى غرفة الدراسة القريبة أو غرفة الاستراحة بجوارها.
ابتسم الأمير نيسبيروس ببراءة لافتة. أما إيفيريا، فنظرت إلى وجهه للحظة، ثم رمشت سريعًا وخفضت بصرها.
***
ولحسن الحظ، لم يُكلفهم أي أستاذ بمهام إضافية بعدها. فأنهت ما تبقى من واجباتها على نحو ما، وبحلول ذلك، كانت الأيام قد انقضت بسرعة واقتربت نهاية الأسبوع.
في صباح السبت، استيقظت إيفيريا في الوقت المعتاد، وذهبت إلى المكتبة مسبقًا.
لم يكن من المخطط أن يلتقيا أمام المكتبة ويدخلا سويًا، بل اتفقا على أن تسبق هي بالدخول، وسيجلس هو إلى جانبها حين يأتي.
فإيفيريا كانت تفضل المجيء في الصباح، بينما هو أخبرها أنه يأتي عادةً بعد الظهر، وهكذا توصلا إلى هذا الترتيب.
وكعادتها، جلست في الزاوية القريبة من النافذة، في المكان الذي تحبه دائمًا.
كان من السخف أن تقلق بشأن قدرتها على التركيز، إذ أن الدراسة سارت معها على نحو مفاجئ بسلاسة مذهلة. ربما لأن عليها دراسة الكثير، أو ربما لأن كومة الكتب التي أمامها لم تترك لها خيارًا.
إيفيريا بدأت تدرك مؤخرًا أن الإنسان حين يُطارد بالوقت لا يعود يرى سوى الهدف أمامه.
وبعد وقت طويل من الدراسة المتواصلة، نظرت إيفيريا إلى الساعة بطرف عينها. كانت الثانية عشرة وخمس وأربعون دقيقة. وقد أوشك وقت حضور الأمير نيسبيروس.
ربما بسبب ممارستها المكثفة للسحر بالأمس، بدأت تشعر بخمولٍ في جسدها.
رغم أن جو المكتبة كان دائمًا باردًا ويبدد شعور التعب، إلا أنها الآن كانت تشعر بالإرهاق حقًا، وهذا يعني أن جسدها بحاجة إلى الراحة.
وفكرت أنه على أية حال، الأمير نيسبيروس سيأتي قريبًا، وربما يوقظها عند وصوله.
و قليلٌ من الراحة لن يضر، بل ربما يحسّن من تركيزها لاحقًا.
فوضعت قلمها على دفتر التمارين وأغلقته، ثم وضعت الدفتر داخل الكتاب الذي كانت تفتحه، وأغلقته بلطف.
هكذا، أصبح لديها وسادةٌ لا بأس بها.
ثم وضعت رأسها عليها واستلقت بذقنها على صفحة الكتاب، وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة رضا.
كانت مرهقة، لكنها لم تظن أنها ستنام فعلًا. إلا أن النعاس بدأ يتسلل إليها فور أن لامس رأسها الورق.
وحين نامت، شعرت ببرودة الجو في المكتبة بشكل أوضح. وبينما هي بين الوعي والنوم، شعرت بشيء ما يُغطّي الجزء العلوي من جسدها.
وبحركة غريزية، ضمّت جسدها أكثر إلى الداخل، وكأنها تتشبث بذلك الغطاء الغامض. بينما كان إيرميت يراقبها وهو يبتسم.
ملامح وجهها كانت مدفونةً في ذراعها، لذا لم يستطع رؤيتها بوضوح، لكن شعرها المفرود على الأرجح من أجل الدفء، وطريقتها في احتضان البطانية، كانا كافيين لرسم مشهد هادئ في ذاكرته.
فأسند ذقنه على كفه وظل ينظر إليها.
لقد كانت شاحبةً في الأيام الأخيرة، وهذا أقلقه كثيرًا. لكن رؤيتها الآن وهي ترتاح بسلام خفف من قلقه.
أشعة الشمس التي تسللت عبر نافذة المكتبة أضاءت المكان بلطف. وساد صمت ساكنٌ يملأ الهواء من حولهما.
ثم مدّ يده نحو خصلات شعرها التي كانت تداعب عنقها، وكاد يُزيحها برفق، لكنه توقف فجأة.
هل سيكون الأمر على ما يرام؟ فهي لا تحب أن يلمسها أحد.
تردد للحظة، ثم أمسك بأطراف شعرها بحذر شديد، يخشى أن يوقظها دون قصد.
لكن في تلك اللحظة، تغيّر إيقاع تنفّس إيفيريا بخفة. و فجأة، رفعت الجزء العلوي من جسدها بسرعة.
ثم نظرت من النافذة، ولاحظت أن موقع الشمس قد تغيّر قليلًا. فقد نامت أطول مما توقعت.
مررت يدها على وجهها لتزيل آثار النعاس، وفي الوقت نفسه، انزلق شيءٌ ما كان يغطي جسدها وسقط بهدوء.
“آه؟”
فانطلقت منها همهمةٌ قصيرة دون أن تشعر، وضعت يدها على فمها لا إراديًا، ثم أمسكت بذلك الشيء وفتحته ببطء، ووجهها تتغير ملامحه لحظةً بعد لحظة.
كانت بطانية. بطانيةً فاخرة، ناعمة الملمس بشكل واضح.
و لم يخطر في بالها سوى شخص واحد فقط قد يكون هو من وضعها عليها.
وفي تلك اللحظة، التقت عيناها بعينين بنفسجيتين كانتا تنظران إليها بصمت، وكان فيهما لمحةٌ نادرة من الارتباك.
رفعت إيفيريا البطانية قليلًا وكأنها تسأل بعينيها، فأومأ الأمير نيسبيروس برأسه مع ابتسامة خفيفة، وكأنه يقول: نعم، أنا من وضعها.
فانحنت له برأسها بخفة تعبيرًا عن الشكر، وبدأت تطوي البطانية بعناية لتُعيدها إليه. لكن الأمير نيسبيروس لوّح بيده نافيًا بلطف، وكتب بسرعة شيئًا على ورقة أمامه.
[احتفظي بها.]
[شكرًا لكَ.]
في مثل هذه المواقف، كان من الأفضل قبول الأمر مباشرةً لإنهاء الحرج بسرعة، وإن كان ذلك يعني أنها ستضطر لاحقًا للتفكير في طريقةٍ مناسبة لرد الجميل.
فابتسم الأمير نيسبيروس بخفة، ثم كتب مجددًا.
[ادرسي بجد!]
علامة التعجب في نهاية الجملة بدت لطيفةً على نحو غير معتاد منه.
فأومأت إيفيريا برأسها وهي تبتسم، وامتلأ وجهها بالهدوء.
و نظر الأمير نيسبيروس إليها لبرهة دون أن يزيح عينيه، ثم سحب الورقة التي كان قد رفعها لها ليراها، وعاد لوضعية الجلوس الطبيعية، لكن أذنيه بدأتا تميلان إلى الاحمرار.
أما إيفيريا، فلم تلاحظ شيئًا من ذلك، فقد انغمست مجددًا في الدراسة.
و هو أيضًا فتح كتابه وحاول أن يركز، لكن نظراته كانت تتجه إليها تلقائيًا، دون أن يستطيع منع نفسه.
من ذلك الجبين المستدير، إلى جسر الأنف الأملس، ثم الرموش الكثيفة المنسدلة برقة، تحتها عينان زرقاوان يظللّهما القليل من التعبير الغامض، وشفتان مضمومتان كما لو كانت تخفي شيئًا في نفسها…..كان وجهًا لا يُملّ التحديق فيه، بل كلما نظر إليه رغب في التحديق أكثر.
كانت إيفيريا تكتب شيئًا على الورقة، ثم تعقد حاجبيها، وتكرر الفعل نفسه مرةً بعد مرة. وفي ذهنها، أخذت تندب نفسها على اختيار هذا المقرر في جدولها الدراسي.
وأثناء ذلك، أدارت رأسها نحو الحلّ الجالس بجانبها. فهو ليس أي شخص، بل الأمير نيسبيروس، الطالب الأول على أكاديمية لاكانيل.
ترددت قليلًا، تخشى أن تُزعجه وتقطع عليه تركيزه، ثم أدارت نظرها إليه ببطء…..لكنها صادفت عينيه مباشرة.
هل كان على وشك أن يسألها هو الآخر؟ ربما واجه صعوبةً في أحد الأسئلة؟
أبعدت عنها تلك الأفكار العبثية فوراً، ثم كتبت شيئًا في زاوية دفتر التمارين، ودفعته بلطف ناحيته.
[سيد نيسبيروس، هل أنتَ بارعٌ في حساب إحداثيات الأجسام؟ هذه مسألةٌ تتعلق بحساب القيمة المطلقة للإحداثيات عند تطبيق قوةٍ وسحر معًا. أستطيع أن أحسب كلًّا منهما على حدة، لكن لا أستطيع التعامل معهما معًا….ㅠㅠ]
كانت الملاحظة طويلةً كأنها رسالةٌ صغيرة، تحمل بخطها المنظم مضمونًا يحمل بعض الطرافة والبراءة.
فابتسم الأمير نيسبيروس ابتسامةً خفيفة، ثم أخذ دفتر التمارين من يدها ووضعه على مكتبه. وقد كانت الصفحات مليئةً بأثر المعاناة التي عاشتها وهي تحاول حلّ تلك المسألة.
[أنا لست من قسم السحر، فربما لا أعرف…..لكن هل يمكن أن أرى؟]
عند قراءة هذه الجملة، تذكرت إيفيريا شيئًا كانت قد نسيته تمامًا.
رغم أن الأمير نيسبيروس بارعٌ في الحسابات السحرية، إلا أنه في الأساس من قسم المبارزة، أما هذه المسألة فهي جزءٌ من مساق متقدم في قسم السحر للسنة الثانية، وهذا يعني أنها لم تُدرَّس له أصلًا في الأكاديمية.
ورغم ذلك، كتبت له المسألة بخط واضح وجميل، ودفعتها نحوه.
هل سيتمكن من حلّها؟
تسللت إليها رغبةٌ طفيفة في معرفة النتيجة، فمالت بجسدها قليلًا لتنظر إلى ما يفعله، مستعدةً للعودة لوضعها الطبيعي إذا أبدى أي انزعاج. لكنه لم يمنعها، ولم يعترض على تصرفها.
__________________
وناسه هنا علاقتهم تطورت اوضح
ايرميت شوي ويطير فرح على ذا اليوم😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 34"