كانت تفاصيل الموقف السابق لا تزال راسخةً في ذهنها. وأثناء الانتقال عبر البُعد، أدركت أنها أمسكت بيده دون وعي.
فوجهت إيفيريا لنفسها توبيخًا قصيرًا، و بالطبع لم يكن بصوت مسموع، بل داخلها فقط.
أغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهما من جديد، واعتذرت مرة أخرى.
“أنا آسفة حقًا.”
“لا بأس، أنا أيضًا شعرتُ بالخوف.”
سواءً كانت كلماته تلك دعابة أو لا، فقد كانت باعثةً على الارتياح.
إن كانت دعابة، فهذا يعني أن الموقف لم يكن مزعجًا له كثيرًا، وإن لم تكن كذلك، فهو يقر بأن ما فعلاه قد ساعدهما معًا.
رغم ذلك، كان الخطأ مرةً واحدة كافيًا. فتقدّمت إيفيريا بخطوة كبيرة إلى الجانب، حريصة على ألا يتكرر لمس الأيدي بينهما.
ثم نظر إليها الأمير نيسبيروس وابتسم ابتسامةً غامضة لم تُفصح عن معناها.
وقبل أن يسود التوتر اللحظة، فُتح الباب العظيم، وخرج منه شخصٌ ذو وجه مألوف.
“مرحبًا، لقد مضى وقت طويل.”
“سيد برج السحر، مرحباً.”
لم تكن تتوقع أن يخرج سيد البرج بنفسه. وخلال انحنائها تحيةً له، ألقت نظرةً خاطفة على وجه الأمير نيسبيروس.
هل كان يتوقع ظهوره؟
لكن عيناه المتسعتان قليلًا، والابتسامة التي بدأت تبهت عن شفتيه، أوحت بأنها مفاجأةٌ له أيضًا.
ثم تحدّث سيد البرج بنبرة بدت كأنها مشاكسة قليلًا.
“يبدو أنكَ لست بخير، أليس كذلك؟”
“لا، لا يمكن أن يكون ذلك. سعيدٌ بلقائكَ من جديد.”
“حسنًا، فلندخل إذًا.”
ابتسم سيد البرج بخفة، واستدار أولًا ليتوغل داخل الجدار الرمادي. فلحقا به إيفيريا والأمير نيسبيروس دون تردد.
لم يُخفِ سيد البرج الطريق عنهما، لكنه لم يُبسطه كذلك. فحتى لو سلكته إيفيريا وحدها لاحقًا، فستتوه في منتصفه من شدة تعقيده وتشعبه.
بعد مسار متعرج طويل، ظهرت أمامهم بوابةٌ كُتب عليها “غرفة فحص الطاقة السحرية”. وإلى جانبها كانت هناك غرفة انتظار ملحقة بها.
دخلت إيفيريا غرفة الانتظار وأخذت تتلفّت حولها.
كانت الأرائك مصطفّةً على الجدران، والمساحة أوسع بكثير مما توقعت من مظهرها الخارجي. فابتسم لها سيد البرج ابتسامةً خفيفة، ثم نادى على الأمير نيسبيروس.
“إيرميت، تعال معي.”
ورغم أن وجه الأمير نيسبيروس بدا ممتعضًا، إلا أنه تبعه دون اعتراض. و يبدو أنه كان سيخضع لفحص الطاقة السحرية أولا.
ألقت إيفيريا نظرةً أخيرة على الغرفة، ثم جلست على إحدى الأرائك وأسندت ظهرها براحة تامة.
تذكّرت أن سيد البرج قد طلب منها في السابق ألا تخبر الأمير بأنها تنتمي إلى سلالة العقل، وبدأت تقلق مما ستفعله لو سألها اليوم عن نتيجة الفحص.
فضغطت على طرف عينيها براحة يدها.
ومع مرور بعض الوقت، أحسّت بوجود مألوف ينبعث من خلف الباب. ثم دخل الأمير نيسبيروس وسيد البرج وهما يتبادلان الحديث.
رفعت إيفيريا جذعها مستقيمةً بعدما كانت مسترخية. و اقترب منها الأمير بخطوات طبيعية وجلس إلى جوارها، فيما أشار سيد البرج من عند الباب بيده أن تتقدّم نحوه.
“إيفيريا، هلا نجري الفحص الآن؟”
كانت نبرته ناعمة، أشبه باقتراح لا أمر، بخلاف ما فعل مع الأمير.
ثم نهضت من مكانها وهي تلقي نظرةً خاطفة على وجه الأمير نيسبيروس الجالس بجوارها. وقد كان يعبّر عن استياءه كأن الموقف بأكمله لا يستحق الجدية.
وربما بسبب نظراتها الطويلة إليه، التفت إليها هو أيضًا. و تلاقت أعينهما، فبادلها ابتسامةً هادئة وسلسة.
“عودي بسرعة.”
“حسنًا.”
رفعت يدها برفق لتلمس خدها الأيسر، ثم مشت نحو سيد البرج ووقفت بجانبه.
ثم أُغلِق الباب خلفهما، وانعزل المكان تمامًا.
سار سيد البرج ببطء نحو وسط الغرفة التي تبدو كأنها غرفة الفحص، وتبعته إيفيريا بخطى ثابتة.
“أنتِ كما تعلمين من سلالة العقل، لكني سأصنّفكِ الآن تحت ‘غير مصنّف’.”
“مفهوم، شكرًا لكِ.”
لم تسأل إيفيريا عن السبب. بل شعرت بالامتنان أكثر، وكأن ما قاله كان حلاً لما كانت تقلق بشأنه.
ثم استدار سيد البرج ناحيتها،
“لن يحدث ذلك على الأرجح، لكن إن قال لك أحدهم إنه شعر بطاقة العقل لديكِ، قولي أن السبب هو ذاك الخاتم.”
كان احتمال حدوث ذلك ضئيلاً للغاية. فقلة قليلة جدًا في القارة كلها يمتلكون القدرة على فحص الطاقة السحرية بدقة دون استخدام الأحجار السحرية الخاصة الموجودة في البرج.
ولكي ينجح أحدهم في ذلك، فعليه أن يمتلك مهارةً تضاهي مهارة سيد البرج ذاته.
فضلًا عن أن كمية الطاقة في جسد إيفيريا كانت لا تزال ضئيلة، مما يجعل تحديد سلالتها أمرًا أكثر صعوبة.
لكن الحذر لا يضر، لذلك أومأت إيفيريا برأسها موافقة.
بعد أن تلقّى موافقتها، وضع سيد البرج ختمًا على الورقة أمامه، ثم بدأ يدوّن شيئًا آخر. و لم تستطع إيفيريا كبح فضولها، فأمالت رأسها قليلًا لتراقب ما يكتبه.
“كما أني كتبت في التقرير أن كمية الطاقة لديكِ، أعلى قليلًا من الحد الذي تستطيعين استخدامه حاليًا.”
“مفهوم.”
“أظن أنكِ ستتمكنين من زيادتها لاحقًا. وإن تسبب ذلك بأي مشكلة مستقبلًا، فسأساعدكِ في معالجتها.”
أعادت إيفيريا كلمات سيد البرج في ذهنها.
كمية الطاقة قد تزداد. وقد يُحدث ذلك مشكلات. وعندها، سيكون سيد البرج مستعدًا لمساعدتها.
بعد أن رتّبت أفكارها في رأسها، أومأت مرة أخرى دون تردد.
“شكرًا جزيلًا.”
ألقى سيد البرج نظرةً قصيرة على وجهها وابتسم بخفة، ثم نظر إلى ساعته.
كان عليه التنسيق جيدًا حتى لا يُثير شكوك ذاك الرجل الحاد الملاحظة بلا داعٍ. وما إن ساد الصمت، حتى شعرت إيفيريا بجو ثقيل داخل غرفة الفحص.
أقلّه، هذا ما شعرت به هي.
ففتحت فمها، تحاول كسر الصمت بأي حديث.
“سيد البرج…..لقد رأيتُ شروق الشمس هذا الصباح.”
“أجل. الشمس جميلةٌ هذه الأيام. لكن أليس اليوم عطلة؟ لماذا استيقظتِ باكرًا؟ بسبب موعدكِ في البرج؟”
برأيها، لم تكن تمتلك أي موهبةٍ في اختيار موضوع الحديث.
لو قالت أنها استيقظت مبكرًا لأنها لم تتدرب بالأمس وشعرت براحة أكبر، فقد يبدو الأمر وكأنها تشتكي من قلة التمرين، مما قد يضغط على سيد البرج.
ولو قالت أنها استيقظت باكرًا فقط لأنها مضطرة للمجيء إلى البرج، فقد يبدو كأنها تلوم البرج نفسه.
رغم أن تفكيرها المفرط كان جزءًا من المشكلة، إلا أن حقيقة أن الطرف الآخر قد يفسّر كلامها بطريقة مختلفة عن نيتها كانت تزعجها كثيرًا.
لذا اختارت إجابة بسيطة وآمنة، مقررة في داخلها أن الصمت ربما سيكون الخيار الأفضل في المرات القادمة.
“استيقظتُ مبكرًا هكذا، دون سبب واضح.”
“ربما لأنكِ لم تتدربي بالأمس، فكنتِ أقلّ تعبًا. هل نمتِ جيدًا؟”
تلقّى سيد البرج جوابها المحرج بسلاسة ولطافة، مما خفف عنها التوتر.
أومأت إيفيريا برأسها وهي تنظر إليه.
“نعم، نمتُ جيدًا.”
“من الآن فصاعدًا، ستتدربين أسبوعيًا. فلا تقلقي.”
قال ذلك بنبرة خفيفة فيها قليلٌ من التمثيل، ثم بدأ يتوجه نحو الباب وهو يلمح بعينه إن كانت إيفيريا تتبعه.
و في غرفة الانتظار، كان الأمير نيسبيروس لا يزال جالسًا.
كانت هناك محاضرتان مقررتان في هذا اليوم، واحدةٌ عند الساعة الثالثة عصرًا، والأخرى عند الثامنة مساءً.
وقد اختارت إيفيريا هذا الموعد بالذات لتلحق بمحاضرة الثالثة. و لحسن الحظ، لم تكن الساعة قد بلغت الثالثة بعد.
“لننطلق.”
“وهل تعرف الطريق؟”
وقف الأمير نيسبيروس تلقائيًا وهو ينظر إلى إيفيريا، لكن تعليقات سيد البرج الساخرة جعلت جبينه ينقبض قليلًا.
لو دقّقت في الأمر، لوجدت أن سيد البرج يبدو وكأنه يستمتع بإغاظة الأمير نيسبيروس.
راقبت إيفيريا الموقف بقلق، متخوفةً من أن يفقد الأمير أعصابه فجأة. بينما ابتسم سيد البرج بخفة، وغادر غرفة الانتظار.
“اتبعاني، سأرشدكما.”
“شكرًا جزيلًا.”
أجابت إيفيريا بسرعة، ثم التفتت إلى الأمير نيسبيروس. و رأته يزفر زفرةً خفيفة، وكأن العبء سقط عليه هو.
رغم أن سيد البرج هو من تحدث، إلا أن الشعور بالذنب تسلل إلى قلبها فجأة.
فابتسمت بخجل، محاولةً إخفاء ارتباكها.
***
في النهاية، أتمّت المهمة البديلة بنجاح.
بعد تسليم نتيجة فحص الطاقة السحرية وشهادة حضور المحاضرة، شعرت وكأنها أنجزت أمرًا جللًا.
و منذ زيارتها الأخيرة لبرج السحر، بدأت نقاط التقاء إيفيريا مع الأمير نيسبيروس تقل بشكل ملحوظ. باستثناء فترات المساء، لم تتح لها فرصة الحديث معه تقريبًا.
كانت حياتها في الأكاديمية قد أصبحت مشغولةً إلى حد يفوق الاحتمال. وبشكل أدق، حتى عندما كانت تلتقي به، لم يكن هناك وقتٌ للكلام، بل كانت مضطرةً للانطلاق فورًا لإنجاز ما عليها من مهام.
ارتشفت إيفيريا جرعةً أخرى من جرعة الطاقة.
“ما الذي يدور في بال الأساتذة حين يقررون إعطاءنا مهامًا جديدة وسط فترة الامتحانات؟”
“سؤالٌ وجيه فعلًا..…”
كانت قد أنهت كل المهام بالكاد قبل بدء الامتحانات، لكن فجأة أضيف إليها تقريرٌ جديد يجب إنجازه اليوم.
حتى في عينيّ سينثيا، بدت الحياة وكأنها قد تلاشت، ولهذا لم تأتها تعليقاتها المعتادة عن ضرورة التخفيف من تناول الجرعات.
ضحكت إيفيريا بخفة، ثم رمت الزجاجة الفارغة في سلة المهملات القريبة.
كان أسبوعها مزدحمًا لدرجة أنها شعرت وكأنها لم تعد قادرةً على العيش دون الجرعات السحرية.
ورغم هذا الانشغال، إلا أنها واصلت تدريباتها الأسبوعية مع سيد البرج.
في الآونة الأخيرة، تعلمت كيفية جعل الأوهام أكثر واقعية ودقة. الفكرة كانت كالتالي: بدل التفكير بها كأوهام، كان عليها أن تتخيل أنها تستدعي أجسامًا حقيقية.
من خلال استخدام جزء من الصيغة السحرية الخاصة بالاستدعاء الحقيقي، تمكنت من سد الثغرات في صيغة استدعاء الأوهام.
ورغم أن الأوهام والواقع أمران منفصلان تمامًا من حيث المبدأ، إلا أن هذه الطريقة أتت بنتيجة مذهلة لم تكن لتخطر لها على البال.
كانت طريقةً تتطلب حسابات دقيقة، وتقديرًا أقرب إلى الحدس من المنطق. ومع ذلك، بمساعدة سيد البرج، بدا الوهم الذي استدعته حقيقيًا حتى في نظرها هي، التي أطلقت التعويذة بنفسها.
ومنذ ذلك الوقت، كلما سنحت لها فرصةٌ ليلية، كانت تذهب إلى قاعة التدريب وتتمرّن وحدها.
مرّت بخاطرها للحظة ذكرى خوفها من ولي العهد. لكنها طردت الفكرة سريعًا، فهي على يقين: لو أراد أن يؤذيها، لفعل ذلك يوم المهرجان.
وحتى بعد أن استعادت وعيها، كانت تصرفاته توحي ببعض الندم.
نزربما كان ذلك وهمًا، لكنه لم يبدُ كذلك.
وبالمناسبة، بدأت تشعر أن كمية الطاقة السحرية لديها تزداد.
حرّكت طاقتها داخليًا بشكل تلقائي، كما اعتادت أن تفعل في لحظات التفكير.
وإن كان هذا صحيحًا، فقد تتمكن من تحقيق نتائج أفضل في منافسات العام القادم.
لكنها أجبرت نفسها على كبح تلك الآمال التي بدأت تتفتح بداخلها. فقد كان الوقت مبكرًا جدًا للتفاؤل.
___________________
لا بالله عادي تفايلي ذاه شي زين
طيب ليه احس ايرميت داري عن قدرة ايفيريا ؟ او انه متوقع؟
دام ماضيهم توه مجهول فبتوقع كل شي
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"