توقف إيرميت عن رفع الملعقة إلى فمه وحدّق في إيفيريا بوجه يشي بعدم الرضا.
“إيفيريا.”
“نعم؟”
“الخاتم…..يقال أن بإمكانكِ ارتداؤه في إصبعٍ آخر.”
كان حديثه مفاجئًا من وجهة نظر إيفيريا.
كانت تتناول العشاء كالمعتاد، وفجأةً جاءها طلبٌ مبطن بأن تغيّر الإصبع الذي تضع فيه الخاتم. و لم يكن هناك سبب واضحٌ لذلك.
ورغم أنها شعرت ببعض الاستغراب، إلا أن من قال ذلك هو الأمير نيسبيروس.
فرمشت إيفيريا بضع مرات، ثم سألته بهدوء.
“…..هل أضعه في إصبعٍ آخر إذًا؟”
“لا، افعلي ما يحلو لكِ.”
قالها الأمير نيسبيروس ذلك بسرعة وهو يرفع طرف شفتيه بابتسامة، وكان في ضحكته القليلة تلك شيءٌ نادر من خفة الظل.
‘لكنه يطلب مني تغييره، بوضوح…..’
أحسّت إيفيريا بالحيرة و قليلٍ من الظلم غير المبرر، لكنها سحبت الخاتم من بنصرها ونقلته إلى السبابة.
شعرت بأن إصبعها الخالي بات فارغًا على نحو غريب، ومع تلك الأحاسيس المتضاربة، عادت لتُكمل طعامها.
أما ابأمير نيسبيروس فظل يحدق بها بنظراتٍ ثقيلة تثير الارتباك.
هو بدا مرتاحًا كما لو أن شيئًا لم يحدث، أما هي، فكانت منزعجة. فقررت أن تبدأ في موضوعٍ يخفف التوتر ويصلح للحديث.
“آه، هل سمعت عن التحديث الخاص بالتكليف؟”
وللأسف، لم يكن بينهما ما يجمع سوى الأكاديمية، فاضطرت إلى فتح أكثر المواضيع سهولة: الامتحانات.
أومأ برأسه بخفة، ثم نطق بجملة وكأنها مقتبسة حرفيًا من إعلانٍ رسمي.
“نعم. الإعلان الذي يقول أن من يزور برج السحر ويخضع لفحص الطاقة السحرية ويحضر المحاضرة، يُعفى من مادة الأساسيات في قسم السحر، صحيح؟”
“نعم.”
كان على جميع طلاب أكاديمية لاكانيل أن يحضروا دروس الأساسيات في قسمي السحر والمبارزة دون استثناء.
ولأنها دروسٌ إلزامية للجميع، لم تكن امتحاناتها بتلك الصعوبة، لكن لا مفر من الدراسة، ولا يمكن إنكار ما تسببه من عبءٍ على الطلاب.
ومع ذلك، لم يسبق أن تم استبدال الامتحان بمهمة، لكن هذه المرة، ولسببٍ ما، تم التنسيق مع برج السحر وطرحت المهمة كبديل رسمي.
تابع الأمير نيسبيروس الحديث بسلاسة، والابتسامة المألوفة لا تفارق وجهه كعادته.
“متى تخططين للذهاب؟”
“سأحاول الذهاب في أقرب وقت ممكن. وأنت، يا سيد؟”
“وأنا كذلك.”
كان ينتظر منها أن تعرض الذهاب سويًا، لكن عندما لم تفعل، قرر هو أن يبادر بالاقتراح.
ابتسامته الرقيقة قلّصت المسافة النفسية بينهما بسرعة مذهلة.
“إذاً، هل نذهب معًا؟”
كانت إيفيريا على وشك أن تضع حبة طماطم كرزية في فمها، لكنها أعادتها إلى الطبق.
وواجهت عيناها الزرقاوان نظراته مباشرة.
في الحقيقة، كان بوسعها أن تعتذر بحجة موعدٍ سابق أو تعارضٍ في الوقت، لكنها لم تكن راغبةً في الرفض أصلًا.
لذا، ردّت بخفة مشابهة،
“متى؟”
“همم، يوم السبت القادم؟”
وقد لاحظت من خلال المهام السابقة التي نفذوها معًا أن الأمير نيسبيروس يملك عادةً تنظيم جدولٍ محكم نوعًا ما.
فضحكت إيفيريا بخفة من شدة المفاجأة، ثم بدأت تستعرض جدول عطلتها.
في الأصل، كانت تنوي زيارة المستشفى صباحًا، ثم الذهاب إلى المكتبة لتقرأ حتى الظهر، وبعدها تقضي باقي اليوم في الدراسة.
لكن حين فكّرت بالأمر، وجدت أن حالتها الصحية ممتازة ولا داعي لزيارة المستشفى ذلك اليوم، كما أن الدراسة والقراءة يمكن تأجيلهما لأي وقت لاحق.
و لم تكن هناك ضرورةٌ حقيقية لأيٍّ منها.
لذا، حسمت قرارها سريعًا.
“نعم. لنلتقي إذًا ذلك اليوم.”
“هل نذهب بعد الغداء؟”
“حسنًا، لنلتقِ بعد الغداء في قاعة التدريب السحري.”
كان برج السحر قد وعد بتثبيت دائرة انتقال سحرية داخل قاعة التدريب لتسهيل وصول الطلاب إلى البرج.
وقد قيل أن تركيبها سيتم بعد انتهاء دروس يوم الجمعة، ما يعني أنها ستكون جاهزةً للاستخدام يوم السبت.
أبدى الأمير نيسبيروس بعض الخيبة في تعبيره، لكنه تراجع عن الإلحاح بسلاسة.
ثم أكملت إيفيريا وجبتها بابتسامة هادئة تعلو وجهها.
***
عادت سينثيا إلى منزلها مساء الجمعة، أما إيفيريا فقد استيقظت في صباح اليوم التالي وهي تشعر بحماسٍ غامض.
عندما نظرت إلى الساعة، اكتشفت أن الوقت لا يزال باكرًا جدًا بالنسبة لصباح عطلة نهاية الأسبوع. فحاولت أن تعود للنوم، لكن النوم لم يأتِ، بل شعرت بأن ذهنها بات أكثر صفاءً.
“آه..…”
فتنهدت وهي تنهض من السرير دفعة واحدة.
وبينما كانت تضع فرشاة الأسنان في فمها، ترنحت بخفة نحو النافذة، وسحبت الستائر، فاستقبلتها شمس الصباح وهي تتسلل إلى السماء.
من كان يظن أنها ستشاهد شروق الشمس في يوم عطلة؟
كل هذا لأن تدريبها السحري مع سيد البرج أُلغي بالأمس، فجسدها لم يُرهق، ولهذا فتحت عينيها في هذا الوقت المبكر.
هزّت رأسها ونظرت نحو خزانة ملابسها.
كان فيها زيّ الأكاديمية الرسمي، وزيّ الرياضة، وبعض الملابس اليومية ذات الألوان الهادئة، إلى جانب معطفٍ يحمل شعار الأكاديمية، كانت ترتديه دائمًا في مثل هذا الوقت من السنة.
لكن لم يكن هناك شيءٌ يرضيها اليوم.
فأخرجت الملابس غير الرسمية وبدأت تجربها على جسدها، لكنها كانت كئيبة اللون، لا شيء يعجبها.
فاختارت في النهاية ما بدا الأقل سوءًا، ورمته على السرير قبل أن تتجه إلى الحمام.
يبدو أنها ستضطر قريبًا لشراء ملابس جديدة.
وفجأة، أدركت أمرًا غريبًا.
“…..لماذا أنا مهتمةٌ بكل هذا؟”
نظرت إلى انعكاسها في المرآة.
لم تكن من النوع الذي يهتم كثيرًا بمظهره. طالما أن ملابسها كانت نظيفة ومرتبة، فذلك كافٍ.
و لم تكن تفكر مطلقًا بهذا الشكل في السابق. فلماذا الآن..…؟
بدأت تبحث عن سببٍ مقنع. بدت ملامح الارتباك تطفو على وجهها.
ربما السبب أنها تعرف جيدًا أن الأمير نيسبيروس سيظهر بمظهر أنيق كعادته، ولم ترد أن تبدو غير مبالية أو مهملة بجانبه.
بهذا التبرير البسيط، هدأت أفكارها. ثم تابعت الاستعداد بكل تركيز وهدوء.
***
وحين دخلت إيفيريا إلى قاعة التدريب السحري، استقبلها الأمير نيسبيروس بابتسامة عريضة وهو يلوّح لها بيده.
لحسن الحظ، لم يكن هناك أي طلاب آخرين داخل قاعة التدريب السحري. فتقدمت إيفيريا بسرعة نحو الأمير نيسبيروس ووقفت إلى جانبه.
ثم أنزل يده التي كان يلوّح بها، وأدخلها في جيب معطفه وهو يسألها،
“لمَ أتيتِ باكرًا هكذا؟”
“لقد سرقت مني العبارة التي كنت سألقيها.”
لم تعد تدري من سبق الآخر فعلاً. فإيفيريا لم تأتِ متأخرة، بل كانت قد وصلت قبل الموعد بقليل، ومع ذلك، كان الأمير نيسبيروس قد سبقها ووصل أولًا.
فضحك بعينيه و ردّ بمكر،
“هذا فقط لأنني كنت متحمسًا.”
كان الأمير نيسبيروس يرتدي نفس المعطف الذي ترتديه إيفيريا، ذلك المعطف الذي يحمل شعار الأكاديمية.
و كانت هذه المرة الأولى التي تراه يرتدي هذا الزي تحديدًا، فرغم أنه مألوفـ جدًا لها—فقد قضت ما يقارب العامين داخل الأكاديمية ورأته كثيرًا— إلا أن رؤيته عليه منحت المعطف هيئةً جديدة غريبة ومختلفة.
ألوانه كانت داكنة في الأساس، يغلب عليه الأسود، تتخلله لمساتٌ من الأبيض والبنفسجي، تشكل الشعار المعروف.
تلك الرتابة المألوفة بدت مدهشةً فجأة.
ثم قاطعت إيفيريا تلك الأفكار عمدًا، وبدأت تبحث بعينيها عن الدائرة السحرية المثبتة في منتصف القاعة.
شعرت بطاقة سحرية مألوفة على نحوٍ غامض. فاقتربت منها ببطء وبدأت تتمعن فيها عن كثب.
كانت خطوط الدائرة مرسومةً بطاقة سحرية سوداء.
تبعها الأمير نيسبيروس بخطوات هادئة حتى وقف خلفها.
و في وسط الدائرة، وُجدت علاماتٌ تشبه آثار الأقدام، وأمامها وُضعت معادلة، من الواضح أنها تشير إلى إحداثيات مدخل برج السحر، يبدو أنها احتُسبت بدقة.
“يبدو أن علينا الوقوف هنا وترديد هذه المعادلة.”
“حقًا، هذا تصرّفٌ في غاية اللطف.”
كان الأمر لطيفًا أكثر مما ينبغي.
يوم الخميس، تم توزيع إحداثيات مدخل برج السحر على طلاب السنة الثانية في الأكاديمية، وكان الهدف منها أن يحاول كل طالب إجراء الحساب بنفسه، لكنهم، بلُطفٍ بالغ، أرفقوا الإجابة النهائية ليقارن الطلاب نتائجهم بها.
استرجعت إيفيريا إجابتها التي حسبتها الليلة الماضية،
ولحسن الحظ، كانت مطابقةً تمامًا لما هو مكتوب على الدائرة السحرية.
أمام الدائرة السحرية، كان هناك لوحٌ إرشادي آخر. يشرح سعة الاستخدام، وطريقة التفعيل، ويطمئن بأن أنظمة الأمان مفعّلةٌ بالكامل.
“يُسمح باستخدامها لعشرين شخصًا كحد أقصى في كل مرة.”
“نعم.”
أجابت إيفيريا بإيجاز، ثم خطت إلى وسط الدائرة السحرية.
وحين اقتربت من الخطوط المرسومة، تسلّل إلى قلبها شعورٌ غريب، نفس الشعور الذي ينتابها دائمًا عند استخدام السحر.
بعد لحظات، تبعها الأمير نيسبيروس بخطوات هادئة.
وبما أن إيفيريا هي التي تنتمي إلى قسم السحر، كان من الطبيعي أن تتولى هي تفعيل الدائرة.
وقفا جنبًا إلى جنب، تلامست أطراف أصابعهما بخفة، فأغمضت إيفيريا عينيها للحظة، ثم فتحتهما بهدوء.
كانت قد أحضرت كل ما يلزم: بطاقة الطالب التي تُثبت هويتها، والورقة التي وُزّعت يوم الخميس وتحوي إحداثيات مدخل برج السحر.
ثم بدأت بترديد الإحداثيات، و قرأت المعادلة التي تقود إلى الوجهة.
أخذت نفسًا عميقًا. ثم هبّت نسمةٌ خفيفة من الهواء. فشعرت فجأة وكأن جسدها يرتفع عن الأرض.
وكان هناك إحساسٌ غريب تملكها: كأن جسدها يتفتت ويتناثر في الفضاء، أو كأنها تقف في أرضٍ شديدة البرودة.
وللحظةٍ قصيرة، بدا الزمن وكأنه توقف. ودون وعي، شدّت إيفيريا على يد نيسبيروس، وهو بدوره أمسك بيدها برفق.
رويدًا، تلاشى الهواء المحيط بهما، حتى عادت أقدامهما تلامس الأرض بثبات.
ففتحت إيقيريا عينيها ببطء. و أمامها كان هناك جدارٌ ضخم رمادي اللون، و كان مألوفاً تمامًا: إنه برج السحر.
بحسب التعليمات، عند استخدام دائرة النقل في الأكاديمية، يُفترض أن يصل إشعار تلقائي إلى البرج، ويخرج أحد السحرة لاستقبالهما. لكن الآن، لم يكن هناك أحدٌ في انتظارهم.
وبما أن الأمر في النهاية من تنفيذ البشر، فمن الطبيعي أن يحدث بعض الخطأ أحيانًا. لذلك، لم تُظهر إيفيريا أي ارتباك.
أخذت تدور بعينيها تبحث في المكان، لكن لم يكن هناك شيء سوى البرج القائم وحيدًا.
وفجأة، أدركت أنها ما تزال تمسك بيد شخص آخر.
“آه، آسفة!”
“لا بأس.”
أسرعت بفك يدها كما لو كانت قد لمست شيئًا حارقًا، ثم نظرت إليه بعينين اتسعتا من الحرج.
__________________
دونت ووري قيرل رجعي يدس 😘
ايرميت يعني ناداها يروحون سوا بس زعل ليه؟ عشانه ماكلا الغدا معها الظاهر😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 32"