إيفيريا، رغم أنها ارتجفت قليلًا من التغير المفاجئ في جو الأمير نيسبيروس، أنهت طبقها حتى آخر لقمة.
كانت تملك ثقةً ضئيلة مستندةً إلى التجربة بأنه لن يؤذيها، ثقةٌ كان من الممكن أن تتحطم فورًا لو أظهر نيسبيروس ولو قليلًا من القسوة، لكنها لحسن الحظ لم تتحطم حتى الآن.
“……لقد تناولت طعامي جيدًا، أراكَ غدًا.”
“نعم، إلى الغد.”
ومع ذلك، شعرت ببعض القلق فنهضت من مقعدها بسرعة أكثر من المعتاد.
كانت تشعر ببعض التوتر من كونه لم يلمس طعامه تقريبًا، لكنها رددت في نفسها أن الأمر لا يعنيها.
فهو دومًا كان الأقوى بلا منازع، ومن المؤكد أنه سيتجاوز أي شيء قد يمر به.
أعادت إيفيريا مرة أخرى لفّ الخاتم في إصبعها الأيسر. هذا الخاتم الذي أهداه إياها سيد برج السحر كان يدهشها بمدى ملاءمته التامة لإصبعها.
لم تجرب خلعه حتى الآن، لكنه انزلق عند ارتدائه بسهولة دون أن يضغط عليها، ولم يكن واسعًا ليسقط وحده.
ثم فتحت أصابعها ونظرت إلى الخاتم، الذي كان يتلألأ الآن بلون بنفسجي خافت تحت الضوء.
***
مؤخرًا، اكتسبت إيفيريا عادةً جديدة.
كانت سابقًا ترسم دوائر عشوائية في دفتر التمارين حين تواجه مسألةً صعبة أو تغرق في التفكير، أما الآن، فكلما شعرت بالقلق أو صداعٍ مفاجئ، بدأت تعبث بخاتم إصبعها البنصر الأيسر.
كانت تجلس الآن في غرفة المذاكرة المجاورة للمكتبة. و اليوم كان آخر يوم تدرس فيه مع الأمير نيسبيروس.
بمجرد أن تنهي درسها اليوم، ستتمكن من تغطية جميع الدروس التي فاتتها في الأكاديمية.
كان الأمير نيسبيروس دائمًا ما يصل قبل الموعد بقليل، أو في تمام الوقت المحدد، لكن يبدو أنه تأخر قليلًا هذه المرة، وكأن لديه ما يشغله.
نظرت إيفيريا إلى الساعة وبدأت تعبث بخاتمها مجددًا.
كان أسود اللون، كعيني سيد برج السحر، يتلون أحيانًا بالأرجواني أو الأزرق حسب الضوء وزاوية النظر. و قد أحبّت هذا البريق الغريب، الخام والغامض في آن.
في تلك اللحظة، حين شعرت إيفيريا بوجود مألوف يقترب، إذا بالأمير نيسبيروس يضع كتبه وأدواته بجانبها على المقعد بلامبالاة.
فضاقت إيفيريا عينيها قليلًا ونظرت في اتجاهه. بينما جلس على الكرسي بعد أن سحبه و تحدث بلهجة مازحة.
“آسف، هل انتظرتِ كثيرًا؟”
“لا، أنا أيضًا وصلتُ لتوي.”
أجابت إيفيريا بخفة وقد غمرها شعورٌ غريب بالارتياح.
ثم فتح الأمير نيسبيروس كتابه ببطء، وخلال تلك اللحظات القليلة لم تستطع إيفيريا إبقاء يديها ساكنتين، فأخذت تدحرج قلمها ثم طوت زاوية من كتابها بلا وعي.
كان يراقب خاتمها المزعج باستمرار، حتى أنه عقد حاجبيه قليلًا. لكن لحسن الحظ، استطاع أن يعيد ملامح الابتسامة إلى وجهه قبل أن تلاحظ هي شيئًا.
ثم سألها بنبرة خفيفة ولكنها حادة، وكأنها تأنيب خفيف ناتج عن انزعاج تراكم على مدى الأيام الماضية،
“لماذا ترتدين شيئًا خشنًا مثل هذا؟”
“آه…..آسفة.”
كان من الواضح أنه يتحدث عن الخاتم، لكنها شعرت وكأن اللوم موجهٌ إليها شخصيًا، فاحمرّت وجنتاها بخجل.
ثم مال الأمير نيسبيروس برأسه إلى أحد الجانبين،
“هل اختاره حبيبكِ؟ يبدو كذلك. هل تودين إحضاره إليّ مرة؟ سأساعده على تحسين ذوقه.”
لكن الحقيقة أن الذوق كان ذوقها هي. فمن بين عدة خيارات عرضها عليها سيد برج السحر، كان هذا الخاتم هو ما لفت نظرها فورًا، فاختارته دون تردد.
لم تكن تعلم ما إذا كان الأمير نيسبيروس يعلم أنها من اختارته بنفسها، أم أنه يظن حقًا أن شخصًا آخر اختاره لها. لكنها لم تكن تعرف السبب خلف كلماته حتى.
كانت تجهل أن كل ما في الأمر أن ذلك الخاتم في إصبعها كان يزعجه.
فأدارت وجهها عنه بسرعة، وقد علت ملامحها الحيرة والارتباك. و رمش الأمير نيسبيروس بضع مرات ثم نقر بلطف على طاولتها.
عيناها الزرقاوان كانتا تعبّران بوضوح عن استيائها، ومع ذلك استطاع بالكاد أن يلتقي بنظراتها.
“أأنتِ من اختار هذا؟”
“لا أملك حبيبًا.”
أجابت إيفيريا بجواب لم يكن نفيًا صريحًا ولا تأكيدًا، ثم دفنت وجهها بين صفحات الكتاب.
و شعرت بحرارة تتسلل إلى أذنيها. فقد كانت محرجة.
الغريب أن تعليق الأمير نيسبيروس على ذوقها لم يثر غضبها بقدر ما أشعرها بالخجل، ولم تكن تدري لماذا.
“آه…”
صوته بدا مرتبكًا قليلًا، لكنه حمل في نبرته شيئًا من المرح أيضًا. وكان وحده يعلم أن خلف تلك النبرة، كان هناك ارتياحٌ خفي.
ومهما كانت حقيقة مشاعره خلف تلك الكلمات، فقد بات كل ما يتعلق بالأمير نيسبيروس يثير في قلبها الضيق.
عضت إيفيريا على شفتيها بصمت. و شعرت أنه يبتعد، وقد أحست ببعض الارتياح لذلك، لكنه كان قد امتزج بقلقٍ مبهم لم تجد له تفسيرًا.
ثم جاء صوته، يحمل ابتسامةً خفيفة.
“قلتُ هذا فقط…..لأن يديكِ جميلةٌ جدًا.”
فوجئت عندما سمعت صوته من فوق رأسها، رغم ظنها أنه ابتعد عنها، فارتجف كتفها من المفاجأة.
ثم رفعت رأسها قليلًا، وحدّقت بعينين فيهما قليلٌ من الغضب، وكانت عيناها الحادتان لا تخفيان ما في صدرها.
“…..أنا من اختارته.”
لم تستطع أن تتحدث بقسوة خوفًا على نفسها، لكنها رفعت عينيها بنظرة أرادت أن تنقل له كل ما في قلبها.
ضحك الأمير نيسبيروس مجددًا. فقد تقطيبات حاجبيها كانت تصرخ برغبتها في أن يفهم كم ضايقها الأمر.
“أنا آسف.”
“…..حسنًا.”
“لم أكن أعلم أن هذا هو ذوقكِ.”
لم يكن وكأنه يسخر منها. لكن إيفيريا دفنت رأسها مجددًا بين صفحات كتابها.
بينما تابع الأمير نيسبيروس حديثه بنبرة بدت وكأنه مرتاح.
“هذا يبعث على الارتياح.”
كلما تحدّث، زادت مشاعرها اضطرابًا. حتى اعتذاره، الذي بدا وكأنه قاله على مضض، لم يزدها إلا توترًا.
فأدارت رأسها إلى الجانب، رافضةً مواجهته.
و كان قلبها مضطربًا، غير مرتاح…..ومع ذلك، فيه قليلٌ من الطمأنينة.
***
أما إيرميت، فقد استعاد هدوءه، و بعد أن نظر إلى خاتم إيفيريا، شعر بغموضٍ مألوف في سحره، كأنه يعرفه من قبل.
و من فوره، اتجه إلى الطابق الثالث من الجناح الثاني لمبنى السحر، حيث اعتاد سيد برج السحر التواجد.
همّ باقتحام الغرفة، لكنه تذكر في اللحظة الأخيرة أن من بالداخل هو سيد البرج، فطرق الباب عدة مرات من باب المجاملة، ولم ينسَ أن يعرّف بنفسه.
رنّ صوته الحازم في المكان وهو يعلن اسمه،
“إيرميت نيسبيروس. سأدخل الآن.”
“حتى لو قلت لك لا تدخل، ستدخل، أليس كذلك؟”
“بالضبط. من الجيد أنكَ تدرك الأمر.”
كان قد تأكد بالفعل أن هناك من بالداخل، وكان على يقين أن سيد البرج لن يمنعه من الدخول.
فمدّ يده نحو مقبض الباب.
“تفضل بالدخول. أعلم جيدًا لماذا أتيتَ.”
جاء صوت سيد البرج مغمورًا بابتسامة خفية.
نعم، هو من وضع الخاتم في إصبع إيفيريا البنصر. ففتح إيرميت الباب دون أن يغيّر ملامحه الجامدة، وسار إلى الداخل حيث كان سيد البرج ينتظره.
“عندما يصل المرء إلى هذا العمر، يصبح التسلّي بمراقبة الناس أكثر ما يثير اهتمامه.”
“أترى الأمر ممتعًا؟”
“جداً، أكثر مما تتخيل.”
“أما أنا، فلا أجد فيه أي متعة.”
ارتسم على وجه إيرميت تعبيرٌ صريح بعدم الرضا، تعبيرٌ لم يُرَ عليه منذ زمن طويل.
فضحك سيد البرج بارتياح، وكأن المشهد أسعده بحق.
رغم أنه كان يستفزه قليلًا، إلا أن كل ما فعله كان في الأصل من أجل إيفيريا. ومع ذلك، فإن رؤية إيرميت يرد بهذا الشكل جعلته يبدو كالمجنون فعلًا، ورغم ذلك، كان في وجهه شبهٌ من ملامحه القديمة…..ما أثار فيه شيئًا من الحنين.
“كيف عرفتَ أنه أنا؟”
“بعد أن وضعت كل تلك الطاقة السحرية فيه، هل كنت تظن أنني لن ألاحظ؟”
“…..هل أنت متأكد أنك لا تفكر بجدية في الانضمام إلى برج السحر؟”
كان سؤاله يحمل نصف جديةٍ حقيقية. فهو، سيد برج السحر، حين يخفي طاقته بإرادته، لا يستطيع حتى سحرة البرج أنفسهم كشفها. ومع ذلك، استطاع إيرميت أن يشعر بها.
حين لاحظت إيفيريا الأمر سابقًا، أذهله ذلك، وها هو الآن مندهشٌ من جديد.
والأدهى أن إيرميت ليس حتى من قسم السحر، بل من قسم المبارزة. لو علم نائب سيد البرج، المهووس باصطياد المواهب، بالأمر، لصرخ حزنًا على خسارة موهبةٍ أخرى لصالح فنون السيف.
لكن إيرميت، الذي لم يكن يدرك كل هذا، نظر إليه وكأنه يحدق في مجنون حقيقي.
مع أن سيد البرج نفسه، الذي أخفى سحره فقط لمجرد أن يمازح طالبًا لم يتخرج بعد، لم يكن بعيدًا عن الجنون هو الآخر.
نظر إليه إيرميت بتأنٍ، وكأنه يحاول التأكد إن كان قد فقد عقله فعلًا، ثم تحدث بهدوء،
“أنا الوريث لعائلتي.”
“يا للأسف…..أنكَ الابن الوحيد للدوق نيسبيروس. لم أشعر بمثل هذا الأسف من قبل.”
ابتسم إيرميت ابتسامةً صغيرة، بينما بدت نبرة سيد البرج ماكرةً بعض الشيء.
“إن كنت تشعر بالأسف الشديد، فما رأيكَ أن تدفع الدوق إلى الزواج مجددًا؟”
“إن فعلت ذلك، فسيقتلني بيده.”
“مؤسف.”
قال إيرميت ذلك بصوت خالٍ تمامًا من الأسف، ثم استدار مغادرًا المختبر.
رد فعله الهادئ كان غير متوقع، مما جعل سيد البرج يرفع حاجبه في دهشة. فقد كان يتوقع منه صراخًا أو احتجاجًا على الأقل، لكن تصرفه كان أقرب للعقلانية.
فأجابه إيرميت دون أن يلتفت، بنبرة خفيفة.
“لأن ردّة فعل إيفيريا كانت جيدة.”
وكأنه يجيب على تساؤل سيد البرج، قال إيرميت تلك الجملة الوحيدة قبل أن يخرج من الغرفة.
وعلى وجهه، وهو يغلق الباب خلفه، ارتسمت ابتسامةٌ هادئة.
لقد أصبح جبانًا إلى حد أنه لم يستطع أن يسألها مباشرة إن كانت لديها حبيب الآن، ولم يجرؤ حتى على سؤالها من أين حصلت على ذلك الخاتم.
و بصراحة، لم يكن ليتوقع أبدًا أنها هي من اختارته بنفسها.
‘…..كان أرجوانيًا.’
رغم أنه لا يظهر بهذا اللون إلا حين يلتقط الضوء بشكل مثالي، ومن زاوية معيّنة جدًا، إلا أنه قرّر أن يمنح لهذا اللون معنى خاصًا.
في الحقيقة، رأى الخاتم في البداية أنيقًا وراقيًا، لكنه لم يظن يومًا أنه يليق بإيفيريا.
لكن الآن، بعد أن علم أنها هي من اختارته، بدا له وكأنه قطعةٌ فريدة من نوعها، بتصميم لا يُضاهى.
أسودٌ في الأساس، وتلمع فيه أحيانًا لمحات من الأزرق والأرجواني…..
فابتسم بارتياح.
حقًا، كان سعيدًا إلى درجة شعر معها وكأنه قد يطير من فرط الفرح.
_____________________
هي ماقالت شي بس يوم شاف فيه لمحة ارجواني بغا يطير فرح؟ اول مره اشوف هوس يضحك كذا😭😭😭😭😭😭😭
ايفيريا كيوت وهي تستحي صايره مرتاحه معه اكثر ياناسووووووووو🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 31"