هي المالكة، ومع ذلك تُستنزف طاقتها في مكانٍ آخر. شعرت إيفيريا بظلمٍ خفي يتسلل إلى قلبها.
لم تستطع إخفاء انزعاجها، و عندما لمح سيد البرج ذلك التعبير المرتبك، ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ خفيفة وقد انعطفت زاويتا عينيه.
“هم جشعون بطبعهم. يبذرون الطاقة دون حساب، ولا يحبون التخلي عمّا يعتبرونه ملكًا لهم.”
في الحقيقة، السبب وراء استهلاك سحر العقل لذلك القدر الكبير من الطاقة كان متعلّقًا بذكريات إيفيريا نفسها، لكن لوانيس لم يرَ ضرورةً لذكر ذلك الآن.
أخفضت إيفيريا عينيها نحو الأرض، لا تدري ما الذي ينبغي أن تفعله لاحقًا. هل عليها أن تختم سحر العقل؟ و هل سيهدأ الأمر إن فعلت؟
وكأن سيد البرج قرأ أفكارها، جاء صوته حاسمًا لا يقبل التردد.
“بل فكّري في كيفيّة السيطرة على سحر العقل.”
“نعم..…”
“هم لا يريدون التنازل عمّا اعتادوا استخدامه. من وجهة نظرهم، ما يفعلونه هو لمصلحتكِ.”
توقف عن الكلام فجأة، وكأن كلماته السابقة كانت أثقل مما توقع. فعدّلت إيفيريا جلستها بانتباه.
حتى وإن كان ما يفعله سحر العقل يصب في مصلحتها، إلا أن النتيجة كانت تؤذيها، وهذا وحده كافٍ لجعل حاجبيها ينكمشان بتوتر.
“رغم ذلك، عليكِ أن تبدأي بالتدرّب على التحكم بهم، ولو قليلًا في كل مرة.”
“حسنًا.”
“بإمكاني مساعدتكِ.”
فُتحت عينا إيفيريا بدهشة لم تستطع إخفاءها، وخفق قلبها بقوة.
عندما التقت نظراتها الزرقاء بنظرات سيد البرج، فابتسم ابتسامةً خفيفة وأكمل،
“من الآن فصاعدًا، عندما أكون أنا من يُدرّس الحصة، ما رأيكِ أن تبقي قليلًا بعد انتهاء الدرس؟”
ولحسن الحظ، لم تكن هناك حصةٌ بعدها في جدولها، فهزت رأسها موافقة.
لم تكن تعرف لماذا أبدى سيد البرج فجأةً هذه النية الطيبة تجاهها، لكن إن استمر الوضع كما هو، فقد تسقط مرةً أخرى دون إنذار.
هي تعرف السبب الآن، لكنها لا تستطيع التعامل معه وحدها. وإن سقطت مجددًا، فسينثيا ستُضرم النار في الأكاديمية فعلًا هذه المرة. و لا يمكنها السماح لصديقتها أن تصبح مجرمة.
رفع سيد البرج حاجز العزل ببطء، ثم وكأنه تذكر شيئًا فجأة، تحدث بصوت عابر،
“هل يمكنكِ ألا تخبري إيرميت أنكِ من سحرة العقل؟”
“نعم، طبعًا.”
“شكرًا لكِ.”
ابتسم وكأنه يعبّر عن شكرٍ حقيقي من أعماقه. و لم تسأله إيفيريا عن السبب، إذ لم تجد داعيًا لذلك.
ثم توالت الأيام بعد ذلك وسط زخمٍ لا يهدأ.
ورغم انشغالها المتواصل، شعرت بقليلٍ من الهدوء لم تكن تملكه من قبل. ربما لأن المستقبل بات مرسومًا أمامها إلى حدٍّ ما، فتسلل إليها بعض الاطمئنان.
ضغطت طرف القلم على وجنتها برفق، مرةً بعد مرة.
لكن ذلك شيء، وهذه المسألة شيءٌ آخر. فالمشكلة التي أمامها الآن لن تجد لها حلًا.
شعرت بنظرات الأمير نيسبيروس تتجه نحوها، وكان من المحرج أن تبدو عاجزةً عن النظر إليه بعد أن أنهى شرحه للتو.
كلما لاح لها وقت فراغ بسيط، بادرت بتنسيق لقاء، لكنها كانت أحيانًا تندم حين يشعر رأسها بالاحتراق من نظراته كما هو الحال الآن.
ثم سألها بهدوء، وعلى شفتيه ابتسامةٌ سعيدة.
“هل أساعدكِ؟”
“لا بأس، شكراً.”
احمرّت أذناها قليلًا. و رفضت مساعدته بجفاءٍ بدا قاسيًا، ثم أعادت عينيها نحو المسألة التي أمامها.
سكت لفترة، ولم يُسمع في القاعة الواسعة إلا صوت أوراقها وهي تتحرك بخفة.
“أأنتِ متأكدة أنكِ بخير؟”
“الإجابة…..بدون وحدة القياس، هل هي 137.14؟”
“نعم، هذا صحيح.”
ابتسم ابتسامةً هادئة. بينما نظرت إيفيريا إلى إجابتها مرة أخرى، ثم رفعت عينيها لتنظر إليه.
تحدث الأمير نيسبيروس وكأن ما قاله لا يستحق الوقوف عنده.
“لديكِ حصةٌ بعد قليل، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“حصة السيد لوانيس؟”
“صحيح.”
ولهذا السبب، عليها أن تبقى قليلاً بعد انتهاء الدرس.
نظرت إلى ساعتها، ثم بدأت ترتب الكتب التي أحضرتها معها. فقد كان عليها أن تغادر قاعة المذاكرة الآن لتضع كتبها في الخزانة وتتجه إلى ساحة التدريب على السحر.
“حسنًا، استمعي جيدًا للدرس، لنلتقي مساءً.”
لوّح لها بيده ببطء، بابتسامةٍ خفيفة.
كان يعلم أن إيفيريا تلتقي سيد البرج لسببٍ ما، وعلى الأرجح له علاقة بحالتها الجسدية، ولهذا لم يرغب في إحراجها أو الضغط عليها.
ثم أنزل بصره بهدوء وغادر.
***
كان سيد البرج معلمًا بارعًا للغاية. سواءً في دروس الأكاديمية أو أثناء تمارين السيطرة التي تلتها، و كانت إيفيريا تلاحظ ذلك بوضوح.
شربت الماء وهي مرهقة من التدريب. فرغم أن التمارين تتعلق باستخدام الطاقة السحرية والتحكم بسحر العقل، إلا أنها كانت تستنزف طاقتها الجسدية أيضًا.
جلست منهكةً وسط بقايا الهالات السحرية المتبقية، وعندها اقترب منها سيد البرج وهو يحمل شيئًا في يده.
“إيفيريا، ما رأيكِ أن تختاري واحدًا من هذه؟”
كانت خواتم. فتساءلت في نفسها عن سبب إظهاره لها الآن، لكن ما إن دققت النظر، حتى شعرت بتدفق واضح في الهالة السحرية.
لا شك أنها مصممةٌ لمساعدتها في التحكم بسحر العقل.
بعضها كان ناعمًا بلمعة معدنية أنيقة، وبعضها الآخر بدا كأحجار خام تصدر وهجًا خافتًا، كما كان هناك خاتمٌ أسود بسيط لا يحمل أي نقش.
لكن خاتمًا واحدًا جذب انتباهها دون سواه. كان بلونٍ غريب يصعب تحديده. أقرب إلى الأسود، لكنه يلمع أحيانًا كالبنفسجي، وأحيانًا كالأزرق.
و عندما طال تركيز إيفيريا عليه، ابتسم سيد البرج وكأنه فهم، ثم التقط الخاتم من بين البقية.
“هل أعجبكِ هذا؟”
“نعم.”
“حسنًا، سنأخذ هذا إذاً.”
أعاد باقي الخواتم إلى جيبه، ووضع الخاتم المختار في راحة كفه. وما إن فعَل، حتى بدأت طاقة سحرية داكنة تتجمع فوق الخاتم بهدوء.
راقبت إيفبريا ذلك المشهد بعينين مفتوحتين، ثم فتحت فمها قليلًا من الدهشة.
و بعد لحظات، خفّ الضوء شيئًا فشيئًا، ثم ناولها سيد البرج الخاتم.
أمسكت به بإحكام لبعض الوقت، ثم سألت وقد بدأت تملك شيئًا من اليقين في صوتها،
“هل وضعت فيه طاقةً سحرية قد تساعد في التحكم بسحر العقل؟”
فتفاجأ لوانيس للحظة، ثم ابتسم. فقد بدت قدراتها أفضل مما كان يتوقع.
“نعم، صحيح. من الأفضل أن ترتديه دائمًا. وإذا أمكن، فليكن في البنصر الأيسر.”
في الواقع، لم يكن لأصبع اليد أهميةً حقيقية. لكنه كان يتوق لمعرفة ردة فعل إيرميت عندما يرى إيفيريا ترتدي خاتمًا في هذا الإصبع تحديدًا.
كان فضولًا مشاغبًا بعض الشيء.
لكن إيفيريا لم تكن تملك أدنى فكرة عن نواياه الخفية،
فارتدت الخاتم بهدوء في إصبعها البنصر من يدها اليسرى.
فكبح سيد البرج ابتسامته بصعوبة. ثم أخفى آثار طاقته داخل الخاتم بعناية، كي لا يتمكن ذلك الشاب صاحب الحدس القوي من اكتشاف مصدره.
و لأي شخص عادي، سيبدو وكأنه مجرد خاتم بسيط لا أكثر.
راحت إيفيريا تتفحص يدها، تقبضها وتبسطها، وسَحرها أن الضوء المنعكس من الخاتم يتغير بدرجات دقيقة وفق الزاوية، فيبدو أحيانًا كالبنفسجي وأحيانًا كالأزرق الداكن.
فكرت بأنه إن سألها كلٌ من سينثيا أو الأمير نيسبيروس عن مصدر هذا الخاتم، ستجيب بأنها وجدته على الطريق.
رغم أن هذه العبارة من أكثر الردود التي تفتقر إلى المنطق، إلا أن كون المتحدثة هي إيفيريا يجعلها مقنعةً جدًا.
فأن تقول أنها التقطته من الأرض، أكثر منطقية بكثير من أن تكون قد اشترته أو أن لديها حبيبًا قدمه لها.
انحنت إيفيريا لتحية سيد البرج مجددًا، ثم أسرعت في طريقها نحو قاعة الطعام.
كانت قد تأخرت قليلًا، وربما جعلت الأمير نيسبيروس ينتظرها. فسارت بخطى سريعة، و عندما رأته يقترب، أبطأت خطواتها وبدأت تنظم أنفاسها.
و ما إن ظهرت، حتى لوّح لها الأمير نيسبيروس وهو يبتسم.
“مرحبًا، إيفيريا.”
“مرحبًا.”
كل شيء بدا كالمعتاد.
بحثت إيفيريا عن وجبة خفيفة تملأ بها معدتها، أما هو، فاختار كعادته طبقًا يحتوي على نوعٍ من اللحوم دون تردد.
مرة أو مرتين في الأسبوع، كانت بعض قطع اللحم من طبق الأمير نيسبيروس تنتقل إلى طبق إيفيريا. في السابق، كان ذلك يسبب لها إحساسًا بالثقل وربما الغثيان، لكن مع مرور الوقت أصبحت معتادةً عليه وتقبّلته بهدوء.
كانت إيفيريا تداعب الخاتم الذي ترتديه في يدها اليسرى، وكأن ذلك يبعث في نفسها شعورًا غريبًا بالراحة.
و بينما كانت تفعل ذلك، فتح الأمير نيسبيروس فمَه ببطء وهو يراقبها.
“إيفيريا.”
“نعم؟”
“هل تريدين أن تأكلي هذا؟”
لكن بدا أن هذه الكلمات لم تكن ما يود قوله حقًا. فالفجوات التي سبقت كلامه كانت كافيةً لتُظهر ترددًا واضحًا في نفسه.
لم تسأل إيفيريا عن السبب، فشخصيته تدفعه دومًا لأن يكون صريحًا معها إذا كانت هناك حاجةٌ لذلك.
و فقط أومأت برأسها، وألصقت طبقها بطبق الأمير نيسبيروس، ثم بدأت تأكل بهدوء.
تعلمت قواعد الآداب الأساسية في الأكاديمية، لكنها لم تكن تحرص على تطبيقها بدقة، لأنها رأت كيف يتهجم الناس على عامة الناس الذين يحاولون اتباع آداب النبلاء.
لكنها كانت تحرص على عدم إصدار أصوات عالية أثناء استخدام أدوات الطعام.
راقب الأمير نيسبيروس يد إيفيريا الهادئة وهي تتحرك بهدوء. وبالنحديد بنصر اليد اليسرى، الى ذلك الخاتم الذي ظهر فجأة و كان يشغل تفكيره.
ربما هو خاتمٌ عادي لا قيمة له، وربما لم تكن لإيفيريا علاقة عاطفية مع أحد، لكنه كان يظن على الأغلب أن الأمر له علاقةٌ بسيد البرج.
رغم ذلك، لم يجرؤ على السؤال مباشرة خوفًا من أن يكون مخطئًا.
لكن ذلك الخاتم لم يكن مناسبًا لذلك الإصبع الطويل والرقيق.
نظرت إيفيريا إليه بخفة، لكن إيرميت حدق في الخاتم على إصبعها بوجه عابس.
بالرغم من أن تصميم الخاتم كان أنيقًا وفاخرًا، وله وهجٌ غامض، إلا أن الموقف لم يرضه. و كانت مخاوفه من أن يكون لإيفيريا شخصٌ مميز في حياتها تُلقي بظلالها على نظرته للخاتم.
فغمره شعورٌ بالغيرة والقلق.
كان وضعه سيئًا في الأصل، لكنه يشعر بأنه يزداد سوءًا في الآونة الأخيرة.
حينها، تنهد إيرميت بعمق وبصوتٍ منخفض.
___________________
طيب اسألها ضحكني😭😭
وسيد البرج كأنه بزر وش ذا الحركات 😭😭😭😭
المهم ايفيريا اختارت الخاتم عشان ايرميت؟ قولي ايه باليز حتى لو قلتي له انس ماخذته من الطريق قولي لأنه يشبه عيونك فله ✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 30"