3
“في الحقيقة، إن نظرنا إلى تصرفاته فقط، فلا يبدو عليه الجنون فعلًا، لكنني لا أستطيع فهم ما يدور في ذهنه إطلاقًا.”
“همم، فهمت.”
“لكن حين تتكرر هذه الأمور مرارًا، بصراحة..…”
توقفت إيفيريا عن الكلام، وفركت طرف عينيها بيدها في حركةٍ تنمّ عن القلق.
راقبتها سينثيا للحظة، ثم رمت بكلماتها ببساطة،
“لمَ لا تتجنبينه؟”
“هاه؟”
“أقول لكِ، تجنّبي ذلك الأمير.”
كانت طريقةً بسيطة ومباشرة.
أظلمت عينا إيفيريا، وخرج صوتها المبحوح من أحد زوايا الغرفة،
“على أي حال، لن أضطر للاحتكاك به كثيرًا بسبب المشروع.”
النبلاء الذين كانت تعمل معهم سابقًا في المشاريع، لم يشاركوا بجدية قط.
ففي إحدى المرات، أوكلت إليهم المهمة، لكنها اضطرت في النهاية إلى إنجازها كاملةً بمفردها.
كان أمرًا باستطاعتها إنهاؤه بسهولة لو بدأت به وحدها من البداية، لكنها وجدت نفسها مضطرةً إلى إنهائه بطريقة أصعب بكثير.
وبعد تكرار تلك المواقف عدة مرات، واجهت إيفيريا النبلاء والأستاذ بالكلام، ولكن لم يتغيّر شيء.
ثم تحوّل الأمر إلى انعدام ثقة ترسّخ بداخلها.
رفعت سينثيا حاجبها باستغراب.
“إذاً، لا يوجد ما يدعو للقلق.”
“لا، لكن…..آه، أحقًا؟”
ازدادت تعابير وجه إيفبريا تعقيدًا. حتى هي لم تكن تعرف ما تشعر به بالضبط.
لماذا؟ لماذا كانت تتوقع، بشكل غامض، أنها ستقابل الأمير نيسبيروس كثيرًا بسبب المشروع؟
بعيدًا عن تصرفاته الغريبة والغامضة، كان شعورها الداخلي مختلفًا هذه المرة. لم تكن تفكر في كيفية إنجاز المشروع بمفردها، بل كانت تفكر في كيفية التعاون معه.
في كل الأحوال، فإن السبب الذي جعل الأمير ينضم إلى مجموعتها لا يختلف كثيرًا عن الأسباب التي دفعت النبلاء السابقين للانضمام.
لا بد أن يكون السبب ذاته.
لكن الأمير نيسبيروس، أياً كان، هو شخصٌ لا يبعث على الراحة بالنسبة لإيفيريا.
***
نعم، كانت متأكدةً من ذلك.
أخفت إيفيريا ارتباكها بمهارة ونظرت إليه.
“هم؟ ماذا تعنين بذلك؟”
“أقصد، بمفردي-”
“وهل من المنطقي أن يكون أحدهم بمفرده في مشروع جماعي؟”
قاطع حديثها بكل ثقة وبأسلوب قاطع.
كانت عينَا الأمير نيسبيروس البنفسجيتان تنظران إلى إيفيريا بانحناءة طفيفة. وحين مال برأسه إلى الجانب، انسدل شعره الفضي الناعم بهدوء.
بالنسبة لإيفيريا، لم تستطع فهم تصرفات الأمير نيسبيروس.
إذا كان سيقوم بالمهمة وحده، فلم يُصرّ على العمل معها؟ هل كان قلقًا بشأن العلامات؟
إن كان يخشى أن تُفسد عليه المشروع ويتأثر تقييمه، فبإمكانها طمأنته بسهولة.
“لا تقلق بشأن العلامة. على الأقل، حتى الآن أنا…..”
كانت على وشك أن تقول إنها كانت الأولى على الدفعة، لكن نظرته أوقفتها.
من تظن نفسها؟ وأمام مَن؟
تحركت شفتا إيفيريا محاوِلةً الكلام، لكنها سرعان ما أطبقت فمها بصمت.
فابتسم الأمير نيسبيروس وهو ينظر إلى وجهها، ثم جلس على المقعد المجاور لممشى الحديقة. و تغيّر مستوى النظر فجأة.
كانت تنظر إليه من الأعلى، وهو أمرٌ لم تألفه، لذا خفضت بصرها نحو الأرض.
“إيفيريا ديل، كيف تنظرين إليّ؟”
هل كان سؤالًا ينتظر جوابًا؟ وإن كان كذلك، فما الذي ينبغي أن تقوله؟
نظرت إلى ملامحه بطرف عينها. ولحسن الحظ، لم يكن يبدو كأنه ينتظر ردًّا.
ثم مرر يده في شعره وتابع حديثه.
“سأشارك في المشروع الجماعي.”
“….…”
“لذا، لنحدّد موعدًا.”
أومأت إيفيريا برأسها بخفة. بينما ظلّ الأمير نيسبيروس يحدّق فيها بإلحاح، رغم أنها لم تبادله النظرات.
ثم ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتيه.
“أليست ساقاكِ تؤلمانك؟”
“لا، سيدي.”
“إذاً، عنقي يؤلمني، فاجلسي.”
كان شخصًا يصعب فهمه فعلًا. فالكلمات بدت وكأنها أمر، لكن نبرته كانت في غاية اللطف.
جلست إيفيريا بجواره ببطء، تخشى أن تثير انزعاجه بأي حركة.
“هل تسمعينني من هناك؟”
“نعم، سمعي جيد.”
نظر إلى المسافة الكبيرة التي تركتها بينهما، وضحك بخفة.
فنظرت إليه إيفيريا للحظة، ثم أعادت بصرها إلى الأسفل.
سادت أجواء من التوتر والارتباك، ثقيلةً لا تُحتمل. فقد طلب منها الجلوس، لكنه لم يقل شيئًا بعد ذلك.
أدارت نظرها نحوه بخفة لتتفقد وجهه، فتلاقت عيناها بعينيه البنفسجيتين. و تجمدت في مكانها للحظة، قبل أن يقطَع صوته المرح الصمت المحيط بهما.
“الآن فقط أراكِ.”
“نعم.”
“إذًا، متى نلتقي؟”
“سأحدد الموعد بما يناسب وقتكَ، أيها الامير.”
وضع الأمير نيسبيروس مرفقيه على ركبتيه، وأسند ذقنه إلى كفّيه، ناظرًا إلى الأشجار خلف الطريق.
و نظرت إليه إيفيريا من طرف وجهه، وهي تشدّ على يديها المرتجفتين. و كان منظر خصلات شعره وهي تتطاير مع الريح جميلًا كلوحة فنية.
كان شخصاً كلّ خط فيه بدا وكأنه ناتجٌ عن حساب دقيق ومتقن. فلم تستطع إيفيريا أن تصرف نظرها عنه.
لقد كان أمرًا غريبًا حقاً.
أسند الأمير نيسبيروس خده بزاوية على راحة يده، وابتسم بطرف عينيه ناظرًا نحو إيليريا.
“لم يكن عليكِ أن تراعيني.”
لم تكن مراعاة، بل كانت محاولةً يائسة للبقاء، لكنها لم ترَ ضرورةً لتصحيح قوله.
***
خرجت إيفيريا إلى المكان المتفق عليه، أمام البوابة الرئيسية للأكاديمية، قبل الموعد المحدد. ولدهشتها، كان الأمير نيسبيروس قد وصل بالفعل.
“مرحبًا.”
“مرحبًا، إيفيريا.”
تبادلا تحيةً قصيرة، ثم استدار الأمير نيسبيروس وبدأ السير باتجاه خارج الأكاديمية. ثم ترددت إيفيريا للحظة، و بدأت تمشي خلفه مع الحفاظ على مسافة بينهما.
و كان يُلقي بين الحين والآخر نظرات جانبية نحوها، إلى أن توقف فجأة.
فتوقفت إيفيريا بدورها، مع الإبقاء على المسافة نفسها.
“هل تودين السير بجانبي؟”
“نعم.”
تحركت إيفيريا بسرعة ووقفت إلى جانبه. فابتسم بخفة، واستأنف السير.
شعرت بالضيق لأنها لم تكن تعرف إلى أين يذهبان. و بدأت تتفقد الطرق من حولها محاولةً تخمين وجهتهما، لكن دون جدوى.
لو خرجا من الباب الخلفي للأكاديمية ومضيا قدمًا، فهناك مكتبةٌ مخصصة للعامة من مواطني الإمبراطورية.
ولو انعطفا قبل ذلك بكتلة سكنية، فسيجدان مكتبة صغيرة.
أما هذا الطريق…..فلا يؤدي إلا إلى مكتبة مخصصة للنبلاء فقط…..
“آه.”
“هل عرفتِ إلى أين نحن ذاهبون؟”
ارتسمت على وجه إيفيريا لمحة خفيفة من الترقّب. لنظر الأمير نيسبيروس إلى عينيها اللامعتين و تحدّث،
“سوف نذهب إلى مكتبة النبلاء الخاصة.”
“واو.”
أطلقت إيفيريا شهقة إعجاب صغيرة.
مكتبة النبلاء الخاصة، مكانٌ لا يُسمح بدخوله إلا للنبلاء أو من يعادلهم مقامًا، ومن يحمل كفالةً مباشرة من أحدهم.
حتى العاملين فيها كانوا جميعًا من النبلاء.
لقد مكاناً شديد الانغلاق والاستثناء.
واصلت إيفيريا السير خلفه، تحمل في قلبها مزيجًا من الترقّب وقلق خافت لا تعرف سببه.
وبعد أن سارا مسافةً إضافية، ظهرت أمامهما مكتبةٌ فاخرة إلى درجة لا تُوصف.
وكان الأمير نيسبيروس قد سبقها بخطوات. ثم أشار إليها بيده، وكأنه يتساءل: ما الذي يؤخركِ؟
كانت إيفيريا مشغولةً بتأمل واجهة المبنى، لكنها ما إن رأت إشارته حتى أسرعت لتقف بجانبه. و انحنت عيناها بفرح خافت.
كان الأمير نيسبيروس يحمل بطاقة دخول بيده، وحين همّ بأن يعلّقها على عنقها، تردّد لوهلة، ثم سلّمها إياها بدلًا من ذلك.
“خذي، علّقيها على عنقكِ.”
“حسنًا.”
رغم امتلاكها لبطاقة الدخول، فإنها كانت تخشى أن يُمنع دخولها، لكن مخاوفها تبدّدت بسرعة، فقد دخلت بسهولة مذهلة.
من المدخل إلى الداخل، كانت الزينة والديكورات غايةً في الفخامة. لكن إيفيريا لم ترَ شيئًا من ذلك. لكل ما شغل قلبها هو الحماس تجاه الكتب.
حتى بوجود الأمير نيسبيروس إلى جانبها، كانت خطواتها مفعمةً بالحيوية.
تقدّم الأمير نيسبيروس داخل المكتبة حتى وصل إلى طاولة في زاوية بعيدة.
“لنجلس هنا.”
أومأت إيفيريا برأسها، ووضعت حقيبتها بعناية على الكرسي.
“تجوّلي معي قليلًا.”
“نعم.”
كانت إيفيريا تكتم نبض قلبها وتسير خلفه بخطًى هادئة.
لا شك أن هذه المكتبة كانت الأضخم من بين كل المكتبات التي زارتها. و قد كانت تتمنى، في أعماقها، أن تدفن نفسها بين الكتب وتقرأ فحسب،
لكنها جاءت إلى هذا المكان من أجل المشروع.
ذكّرت نفسها بسبب مجيئها، وبدأت فورًا في البحث عن الكتب المتعلقة بالموضوع.
“ما رأيكِ؟”
“جيدة. شكرًا لك.”
غلب الحماس خوفها من الأمير نيسبيروس. فأجابت إيفيريا باختصار، ثم جلست القرفصاء أمام رف الكتب تختار ما يناسب.
اللغة القديمة.
كانت تبحث عن كتب مكتوبة باللغة القديمة أو تعود إلى بدايات الإمبراطورية.
“آه..…”
تفقدت الرفوف بعناية، لكن خيبة الأمل ظهرت على وجهها. فقد كانت جميع الكتب من تأليف باحثين مؤيدين للنبلاء والعائلة الإمبراطورية.
كتب تُرضي أصحاب السلطة تمامًا.
و حتى الفهارس كانت مثيرةً للشفقة.
ربما كان ذلك متوقعًا، لكن شعور الخيبة تسلل إلى قلبها رغمًا عنها.
ترددت طويلًا، ثم اختارت بعض الكتب التي كُتبت من وجهة نظر أكثر حيادية، وعادت إلى الطاولة.
و كان الأمير نيسبيروس قد جلس في مكانه بالفعل. فنظر مطولًا إلى الكتب التي جلبتها ثم،
“أحسنتِ في اختيار الكتب.”
نظرت إيفيريا إلى ما اختارته من كتب بصمت. و لم تفهم سبب رضاه عن اختياراتها. فهو ينتمي إلى بيت نيسبيروس، أحد أعلى بيوت النبلاء مكانة.
كلما تعاملت معه، ازداد غموضه. و لم تستطع تحديد حقيقته بعد.
أومأت برأسها وفتحت أحد الكتب. وكان هو يراقبها بصمت، يسند ذقنه بيده، و نظراته كانت ثقيلة…..و مزعجة جدًا.
في النهاية، لم تتجاوز إيفيريا قراءة عشر صفحات، ثم رفعت رأسها.
“هل نكتفي اليوم بجمع المعلومات فقط؟”
“حسنًا.”
أعادت إيفيريا تركيز نظرها على الكتاب. لكن الأمير نيسبيروس كان لا يزال يحدّق بها.
تحت تلك النظرة الثاقبة التي تكاد تخترقها، أغلقت إيفيريا الكتاب.
“هل هناك شيءٌ على وجهي؟”
“لا.”
“هل أنتَ متعب؟ هل نعود؟”
“لا.”
طرحت كل الأسباب المحتملة التي خطرت في بالها، لكن الرد كان دومًا بالنفي.
زفرت إيفيريا زفرةً طويلة.
ثم أسند الأمير نيسبيروس يده الأخرى إلى ذقنه أيضًا، لتكتمل حركة تشبه تفتّح زهرة.
سألته إن كان متعبًا، لكنها هي من بدأت تشعر بالإرهاق.
أغمضت عينيها بإحكام ثم فتحتهما مجددًا. وحين كانت على تلك الحال، رماها نيسبيروس بكلمة عابرة،
“لأنني أحب النظر إليكِ.”
“آه…..نعم.”
أجابت إيفيريا بجواب مبهم، ثم أعادت فتح الكتاب.
كان ذلك أفضل تصرف ممكن في موقف لا تعرف فيه ما الذي يفترض أن تقوله.
وبينما قرأت صفحتين، لم تستطع تحمّل ثقل نظرته المستمرة، فأسندت ذقنها إلى يدها متظاهرةً بالاستغراق في القراءة، ورفعت يدها لتغطي جزءًا من وجهها بشكل طبيعي.
و أيقنت حينها من جديد، أن هذا الرجل غريب الأطوار حقًا.
_________________
عشان كذا يسمونه مجنون😭
ذكرني بشخصيه بس نسيت منهو المهم شخصياتهم حلوه سوا🤏🏻
التصنيف فيه اصدقاء لأحباء بس ماظنتي قصدهم بيصيرون اصدقاء الحين شكله قصده كانوا اصدقاء وهم بزران😂
لأن الامير واضح من الحين خاق ✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 3 منذ 3 أيام
- 2 منذ 3 أيام
- 1 منذ 3 أيام
- 0 - المقدمة: في يومٍ ما من المستقبل منذ 3 أيام
التعليقات لهذا الفصل " 3"