و حلّت عطلة نهاية الأسبوع التي كانت قد وعدت فيها الأمير نيسبيروس بالدراسة، وكانت إيفيريا الآن معه داخل غرفة الدراسة المجاورة للمكتبة.
“…..لذا، في هذا الجزء، من الجيد محاولة إثبات هذه المعادلة خطوةً بخطوة.”
كان الأمير نيسبيروس، حين يشرح شيئًا لإيفيريا، يبدو طبيعيًا على نحو مدهش. وهذا ما أدهشها فعلًا، وجعلها تسند خدها على يدها وتحدّق به بصمت.
بينما كانت عيناه البنفسجيتان تختفيان وتعودان إلى الظهور خلف خصلات شعره، تارةً بعد أخرى.
ثم رفعت إيفيريا جذعها الذي كان مائلًا قليلًا، وسألته،
“هل تشعر بالحرّ؟ هل أطفئ التدفئة؟”
كان وجهه قد احمرّ قليلًا، ولذلك سألت. وسحبت كرسيها إلى الخلف، مستعدةً للنهوض.
“لا، لا داعي. أنا بخير.”
“آه، حسنًا.”
“…..وما بين هذه وهذه، يجب أن تميّزي جيدًا. هذه، على سبيل المثال، فيها ثابت رياضي في الخلف. أحيانًا لا يؤثر على النتيجة حتى لو تجاهلته أثناء الحل، لكن يجب أن تتذكّريه.”
عادت إيفيريا إلى مكانها، تسحب الكرسي إلى الأمام وتنصت بانتباه. أما هو، فدفع خصلات شعره إلى الخلف، وأمسك بها بيد واحدة بينما واصل شرحه.
أومأت إيفيريا برأسها و تحدثت بصوتٍ منخفض،
“نعم، شكرًا لكَ.”
“حسنًا، والآن هذا الجزء…”
واصل الأمير نيسبيروس شرحه بلطف شديد وحرص بالغ، يوضح لإيفيريا ما تعلّموه في الأكاديمية حتى الآن.
وحين انتهى أخيرًا، تمددت إيفيريا إلى الوراء ومدّت جسدها بتنهيدة راحة.
الشرح جعَل الأمور أوضح بكثير. لقد ساعدها فعلًا، وكان الأمر مجديًا وفعّالًا جدًا.
فبدلًا من الحفظ الأعمى للمحتوى، كانت تعرف الآن ما هي النقاط التي تستحق التركيز والاهتمام.
ثم سأل الأمير نيسبيروس إيفيريا، التي كانت تهمّ بترتيب الكتب،
“هل ستبقين هنا لبعض الوقت بعد؟”
“نعم. وماذا عنكَ، سيد نيسبيروس؟”
“أنا أيضًا. سأقرأ القليل قبل أن أرحل.”
أومأت إيفيريا برأسها وفتحت كتابًا آخر.
الكتاب الذي كان بحوزة الأمير نيسبيروس كان عن قوانين الإمبراطورية المقدسة، وهو كتابٌ كانت إيفيريا قد قرأته في وقت سابق واستمتعت به على طريقتها.
ولم تلاحظ أن صفحات الكتاب أمامه لم تتحرّك منذ مدة.
بينما كانت منشغلةً في الدراسة، وضع هو يده تحت ذقنه وأخذ يحدّق بها في صمت.
كانت عيناها تحملان برودًا لطيفًا، و أنفها المستقيم، وشفتها الممتلئة التي كانت مطبقةً بإحكام…..لم يكن هناك شيءٌ لا يعجبه في ملامحها.
حين ينظر إلى عينيها الزرقاوين، الصافيتين كسماء يوم مشمس، يشعر وكأنه يُحلّق في الهواء.
الشيء الوحيد الذي لم يعجبه هو شحوب وجهها، الذي بدا أبهت مما كان في ذاكرته.
ورغم أنه كان يحدّق بها بهذا الشكل، لم تنتبه له على الإطلاق. فضحك بصوت خافت.
لو كانت إيفيريا هي من تنظر إليه، لَشعر على الفور بنظراتها، مهما كان مشغولًا أو مشتتًا.
وهذا وحده كان كافيًا ليُظهر الفارق في المشاعر بينهما.
ورغم ذلك، لم يشعر بالحزن ولا باليأس. فلم يسبق له أن رغب في شيء ولم يحصل عليه في النهاية.
***
بعد المهرجان، أصبح سيد برج السحر يتولى أحيانًا تدريس حصص السحر الأساسية في قسم السحر.
وكان دائمًا يقول أنه لا يتقن الشرح النظري، لذلك كان يُركّز على الدروس التطبيقية، وغالبًا ما تُقام الحصص في ساحة تدريب السحر.
وبعد انتهاء أحد الدروس، اقترب سيد البرج من إيفيريا التي كانت تراجع ما تعلمته ذلك اليوم، وسألها،
“هل تودّين القدوم إلى برج السحر؟”
مع أن سيد برج السحر كان قد غادر ساحة التدريب، إلا أن صوته فجأة دوّى في المكان، مما جعل إيفيريا تقفز من مكانها بذعر وتتراجع بخطوةٍ إلى الخلف.
و امتلأت عيناها المتسعتان بالذهول والارتباك.
“أنا؟”
رغم المفاجأة، استطاعت أن تتحدث دون أن تتلعثم. لكن الارتباك لم يفارقها.
فهي لا تملك قدرًا كبيرًا من الطاقة السحرية، ولم تحقق إنجازًا لافتًا في مسابقة السحر حتى تُلفت الأنظار.
فلم تستطع أن تفهم على أي أساس قدّم لها سيد البرج هذا العرض.
راقب سيد البرج حيرتها، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خفيفة وهو يرفع زاوية فمه.
“نعم. أظن أن مستواكِ كافٍ. ما أقوله الآن عرضٌ جاد.”
“آه…..نعم.”
راودتها فكرةٌ غريبة، هل من الممكن أن يكون هذا مجرد متنكر، أو عصابة تختطف الموهوبين باسم سيد البرج؟
لكن رغم كل ذلك، أومأت برأسها بالموافقة.
“ليس لديكِ دروسٌ أخرى اليوم، صحيح؟”
“صحيح.”
“إذاً، هلا نتحادث قليلًا؟”
اتجه سيد البرج إلى أحد أركان الساحة حيث توجد بعض الكراسي، وجلس هناك بلا تكلّف.
أما إيفيريا، فبعد لحظة من التردد، مشت نحوه بخطًى حذرة.
في الحقيقة، لو سنحت لها فرصة الالتحاق ببرج السحر بعد تخرجها، فسيكون ذلك إنجازًا كبيرًا بالنسبة لها.
فبمجرد دخولها البرج، تُمحى ألقاب النبلاء والألقاب الاجتماعية الأخرى، وتُصبح فقط “عضوًا في برج السحر”.
وهذا اللقب وحده كفيلٌ بمنحها سلطةً تفوق ما يملكه كثير من نبلاء الطبقة المتوسطة.
“…..هاه؟”
لكن ما إن اقتربت من سيد البرج، حتى شعرت بأن الهواء تغيّر فجأة. فمدّت يدها إلى الفراغ دون وعي، تتحسّس ما حولها.
“آه، هذا حاجزٌ عازل. حتى لا يتسرّب الصوت إلى الخارج.”
“آه، فهمت.”
“اجلسي هنا.”
جلست إيفيريا بهدوء، لكنها فعلت ذلك بحذر ظاهر.
وضعت يديها في حجرها، وشبّكت أصابعها، بينما ظلّت تنظر إلى كفّيها في صمت.
راقب سيد البرج تصرفات إيفيريا قبل أن يفتح فمه، ثم تحدث بصوتٍ هادئ ونبرة خالية من الانفعال.
“السحرة المتخصصون في سحر العقل نادرون للغاية.”
كانت معلومةً تعرفها مسبقًا، فأغمضت عينيها ببطء ثم فتحتهما مجددًا.
لا بد أن هناك سببًا وراء حديث سيد البرج المفاجئ عن هذا الأمر.
“بل ليس مجرد نادر، بل نادرين للغاية، وسقوطكِ كان بسبب سحر العقل، ولهذا لم يتمكن الأطباء من تحديد السبب الدقيق.”
“آه..…”
رغم وضوح الإشارة، كان أول ما خطر ببال إيفيريا هو احتمال وجود ساحر عقل داخل الحلبة، إذ لم يخطر ببالها إطلاقًا أن تملك هي نفسها مثل هذا النوع من القدرات.
ترددت برهة، ثم قطبت حاجبيها بتعبير متحفظ. حينها ابتسم سيد البرج ابتسامةً جانبية لم تبدُ سارّة.
“آنسة إيفيريا، أنتِ ساحرة عقل.”
“أنا؟”
“وأنا أيضًا ساحر عقل. وعلى فكرة، لا تقلقي، لسنا على صلة دم، فلا أطفال لي أصلًا.”
انهالت عليها معلوماتٌ يصعب تقبلها دفعةً واحدة، بل وبعضها لا طائل من معرفته.
كانت إيفيريا تملك معرفة بسيطة عن سحر العقل. فندرته الشديدة جعلت المعلومات حوله شحيحة، لكنها كانت قد تلقت لمحةً بسيطة عنه في درس “فهم فروع السحر” ضمن منهاج الأكاديمية.
ومن هناك، عرفت أنه يُعد نعمةً ونقمة في آن، وسحرًا يحمل وعيًا ذاتيًا.
“سحر العقل هو الفرع الوحيد من السحر الذي يعتمد كليًا على ما إذا كان لدى المرء موهبةٌ فطرية فيه أم لا.”
لم تستطع تصديق أنها ساحرة عقل. فتنفست إيفيريا ببطء لتستجمع هدوءها.
أنا؟ من سحرة العقل؟ أنا؟
“سحر الوهم يُصنَّف ضمن سحر العقل أيضًا. صحيحٌ أنه يمكن استخدامه من دون أن تكون ساحر عقل، لكنه في الأساس ينتمي لهذا الفرع.”
كانت تعلم ذلك، ولهذا السبب لم تشك للحظة أنها قد تملك موهبةً حقيقية في سحر العقل، رغم براعتها في سحر الوهم.
“من الأفضل أن تنظري لسحر العقل كنعمة. إن أحسنتِ استخدامه، ففوائده أعظم مما تتخيلين.”
ابتسم سيد البرج ابتسامةً مقتضبة. أما إيفيريا، فلم تستطع أن تبتسم.
أيعقل أن يكون هذا هو سبب دعوة سيد البرج لها للانضمام إلى برجه بعد التخرج؟ لأنها من سحرة العقل؟
لا شك أن هذا مدعاةٌ للفرح، ومع ذلك شعرت إيفيريا بشيء غريب يعتري قلبها.
وكأن سيد البرج التقط أفكارها، تابع حديثه بنبرة واثقة وكأن الأمر لا يحتاج إلى توضيح.
“حتى لو لم تكوني من سحرة العقل، كنت سأوجه لكِ نفس العرض. مستواكِ في المسابقة كان كافيًا ليجعلكِ محط أنظار الجميع.”
“شكرًا جزيلًا.”
عندها فقط استطاعت إيفيريا أن تبتسم.
حتى لو كانت مجاملة، كان في قوله عزاءٌ لها، وكأن كل ما بذلته من جهد لم يكن هباءً.
وسواءً أدرك سيد البرج ذلك أم لا، تابع إلقاء المعلومات عليها.
“تعرفين أن سحر العقل يتمتع بوعي ذاتي، أليس كذلك؟”
“نعم، درست ذلك في أحد الدروس الثقافية.”
ولهذا السبب بالتحديد، لا يُلحق الناس عادةً كلمة “سحر” مباشرةً بفرع العقل.
فبعكس بقية الفروع، سحر العقل يتميز بامتلاكه لذات مستقلة، ما يجعل اعتباره مجرد سحر أمرًا مبهمًا.
تنهد سيد البرج بخفة. و كان ذلك التحول في ملامحه مختلفًا تمامًا عن نبرته المرحة قبل لحظات، ما جعل إيفيريا تتوتر لا إراديًا.
“وهنا تكمن المشكلة. ما يكون من حسن نية في نظرهم، قد لا تكون عواقبه كذلك علينا.”
“آه..…”
بدأت تلمح المعنى الذي يرمي إليه.
تفاعلت تلقائيًا مع كلماته، ثم راحت تفكر فيما قاله وتحلل مغزاه بصمت.
و سرعان ما عادت نبرته إلى خفتها المعتادة، وتحدث بمزاح خفيف،
“وفوق هذا، سحر العقل يستهلك كمًا هائلًا من الطاقة السحرية.”
وكان هذا خبرًا سيئًا لإيفيريا التي كانت تمتلك أصلًا مخزونًا ضئيلًا للغاية من الطاقة السحرية.
ما إن ارتسم العبوس على وجهها، حتى انفجر سيد البرج ضاحكًا.
“لكن علينا أن ننظر للأمر بشكل مختلف. أنا أعتقد أن قلة طاقتكِ السحرية سببها انتماؤكِ لفرع العقل.”
شهقت إيفيريا بدهشة.
رغم اعتقادها بأنها وُلدت دون موهبة تُذكر، فقد كان من الملفت دائمًا أن طاقتها السحرية أقل من الحد الأدنى، بل حتى دون المتوسط بين غير السحرة.
وكان هذا الإحساس بالعجز خانقًا، لا يُوصف بالكلمات.
لكن، إن كان السبب وراء ذلك هو سحر العقل حقًا…..
ارتطمت كلمات سيد البرج برأس إيفيريا كصفعة مفاجئة. كانت نبرته خفيفة، لكن ما قاله لم يكن خفيفًا أبدًا.
“أثناء المسابقة، رأيت أن طاقتكِ السحرية كانت تتسرب بغزارة، أليس كذلك؟”
استحضر في ذهنه تلك الهالات السوداء من الطاقة التي تدفقت من جسدها أثناء القتال.
لم تفهم إيفيريا الأمر تمامًا، لكنها عضت شفتها وأصغت بتركيز. فمثل هذه المعلومات لا يمكن الحصول عليها في أي مكان آخر.
“في المباراة الأخيرة، استنزفتِ كل ذرة من طاقتكِ السحرية، أليس كذلك؟ لا بد أنكِ شعرتِ في النهاية أنها نفذت بالكامل.”
فُتحت شفاه إيفيريا دون أن تدري.
رغم أن نبرة سيد البرج بقيت هادئةً وثابتة، كما لو كان يقصّ حكايةً على طفل صغير، إلا أنه في اللحظة التالية، مرر يده عبر شعره، وتغيرت نظراته فجأة، لتغدو حادةً بشكل لم تعهده من قبل.
“سبب سقوطكِ، آنسة إيفيريا، هو أنكِ حاولتِ أن تستدعي طاقةً سحرية لم تكن لكِ. طاقة سحر العقل.”
___________________
كيف مب لها ؟ توك تقول هي ساحرة عقل
المهم ايرميت وايفيريا يومهم يدرسون يجننون🫂
وخساره سيد البرج ماطلع ابوها تـء تـء
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 29"